الخلل الكامن في قلب الشركات

24 دقيقة
49949731 - business success solution concept as a machine gear or mechanical cog breaking through a maze or labyrinth as a metaphor for disruptive technology or ground breaking innovation.

في خريف عام 2014، وصل إحباط بيل أكمان (Bill Ackman) الناشط والمساهم في صندوق تحوط شركة "أليرغان" (Allergan) من مجلس إدارة الصندوق إلى ذروته، ليقوم بعدها بتوجيه رسالة إلى مجلس الإدارة يحدّثهم فيها عن فشل إدارة الصندوق في القيام بما يلزم. حيث قال في رسالته للمجلس: "يُدفع لكم 400 ألف دولار سنوياً للتصرف بالنيابة عن المساهمين، لكن ماذا فعلتم؟" فكان يعزو سبب فشل المجلس إلى رفضه التفاوض مع شركة "فاليانت" للمواد الصيدلانية (Valeant Pharmaceuticals) التي تحاول الاستحواذ على الشركة. إذ قدمت "فاليانت" عطاء كان أكمان نفسه أحد المساهمين في الإعداد له كونه مساهماً في كل من الشركة الصيدلانية وصندوق التحوط. كما أشاد أكمان، في عرضه التقديمي الذي يحث فيه إدارة الصندوق على قبول الصفقة، بطريقة عمل شركة "فاليانت" واهتمامها بالمساهمين والتعويضات التي يتقاضونها، فضلاً عن تجنبها الأبحاث المستقبلية المحفوفة بالمخاطر. وأضاف أنّ استخدام نفس النهج في "أليرغان" سيؤدي إلى زيادة استفادة المساهمين أكثر، وأنّ خطة "فاليانت" لخفض ميزانية أبحاث "أليرغان" بنسبة 90% تمثل "فرصة حقيقية". في حين أكد الرئيس التنفيذي لشركة "فاليانت" مايك بيرسون للمحللين "أنّ تقديم القيمة للمساهمين هو كل ما نهتم به".

يوضح ما سبق طريقة التفكير الخاصة بحوكمة وإدارة الشركات المنتشرة حالياً في المجتمع المالي وقطاعات الأعمال المختلفة. إذ تركز طريقة التفكير هذه على فكرة أنّ هدف الإدارة هو تعظيم القيمة للمساهمين. وتتناول طريقة التفكير هذه أيضاً مجموعة مواضيع إضافية مثل قياس الأداء وتعويضات المساهمين، فضلاً عن دور المدراء ومسؤولية الشركة. وتبنّى هذا النظام كثيرون، من نشطاء صناديق تحوط كأكمان إلى مستثمرين مروراً بمجالس إدارات ومدراء ومحامين وأكاديميين ومنظمين ومشرعين. حيث بات يُنظر إلى مبادئ طريقة التفكير هذه على نطاق واسع كنموذج "للحوكمة الصالحة" وعلامة على نشاط المستثمر كما رأينا أعلاه.

إلى جانب ذلك، تُعتبر الفكرة التي تنادي بوجوب قيام مدراء الشركات بتحقيق أقصى قيمة للمساهمين، ووجوب قيام المجالس بالتأكد من إنجاز ذلك أمراً حديثاً نسبياً، لكنه يمثل في الوقت ذاته أحد عناصر ما يُعرف باسم "نظرية الوكالة" (agency theory)، التي طرحها الاقتصاديون الأكاديميون في سبعينيات القرن الماضي. إذ تنص النظرية: "على أنّ المساهمين يمتلكون المؤسسة، بحكم امتلاكهم أسهمها، ولهم مطلق السلطة على أعمالها، والحق في الطلب منها القيام بأنشطة توافق رغباتهم".

ربما يكون منطقياً القول بأنّ امتلاك المساهمين لأسهم في شركة ما يعني امتلاكهم لها، إلا أن هناك فارق قانوني في هذا المجال يتعلق بموضوع المحاسبة القانونية. فلا يقع على المساهمين أي واجب قانوني لحماية أو خدمة الشركات التي يملكون أسهمها، فضلاً عن أنهم محميون بمبدأ المسؤولية المحدودة من أي مسؤولية قانونية تجاه ديون هذه الشركة وعثراتها. علاوة على ذلك، يجوز لهم عموماً شراء وبيع أسهمهم فيها دون قيود، ويُطلب منهم الإفصاح عن هوياتهم في ظروف معينة فقط. كما يميلون إلى أن يكونوا بعيدين جسدياً ونفسياً عن أنشطة الشركات التي يستثمرون فيها. بمعنى آخر، يملك مساهمو الشركة حوافز قليلة للنظر في عملها، كما أنهم لا يُعتبرون عموماً مسؤولين عن آثار الإجراءات التي يحبّذون أن تقوم بها المؤسسة أو الأطراف الأُخرى أو المجتمع على نطاق أوسع. في نفس الوقت، تنص نظرية الوكالة على امتلاك المساهمين للشركة دون الحديث عمّن سيُحاسب في حال قامت الشركة بأخطاء بناء على اقتراحات هؤلاء المساهمون.

في السياق ذاته، يُثير عدم ذكر موضوع المساءلة القانونية القلق. فنرى أنّ ممارسات الحوكمة انطلاقاً من نظرية الوكالة سيضعف الشركات، وسيضر بالاقتصاد بشكل عام في حال طبّق على نطاق أوسع وفقاً لتنبؤات الخبراء. كما أننا نشعر بالقلق أيضاً من آثار تلك النظرية على استراتيجية الشركات وتخصيص الموارد. حيث أدى نموذج الوكالة، على مدى العقود القليلة الماضية، إلى عدة تغييرات فيما يتصل بممارسات الحوكمة والإدارة، وبالتالي زيادة قوة وتأثير فئات مساهمين محددة على حساب أُخرى، كما زاد من مطالباتهم دون ذكر لأي مسؤولية أو مساءلة عليهم. وأدى ذلك إلى زيادة الضغوط التي يتعرض لها مدراء الشركات لتحقيق عوائد أسرع والتي يمكن توقعها، وقلت الاستثمارات ذات المخاطر والهادفة إلى تلبية الاحتياجات المستقبلية للشركة وتم إيجاد حلول مبتكرة للمشاكل التي تواجه الناس حول العالم.

للتوضيح أكثر، إننا ندعم الرأسمالية، ونؤمن أنّ المشاركة في الاقتصاد، عبر ملكية أسهم في الشركات، أمر مهم للنسيج الاجتماعي، ونؤمن بوجوب حماية المساهمين. لكن في الوقت نفسه، تعتمد صحة النظام الاقتصادي على توضيح دور المساهمين. حيث تؤكد نظرية الوكالة على أهمية دورهم، لكن يحوي هذا عيوباً ضخمة، فضلاً عن عدم وجود أي مواد قانونية تتحدث عنه. فيجب علينا النظر إلى نموذج أفضل يعترف بدور المساهمين المهم من ناحية، ومن ناحية أُخرى يرى الشركات ككيانات مستقلة تخدم أغراضاً متعددة ويحاسبها القانون بشكل مستقل عن المساهمين. كما يجب اعتراف هذا النموذج بامتلاك المدراء والمسؤولين واجبات تجاه الشركة وتجاه المساهمين، وسيُحاسبون عليها قانوناً. بعبارة أُخرى، نحن ندعم فكرة إيجاد نموذج بديل أفضل يدور حول الشركة أكثر.

قبل النظر في أي نموذج بديل، لنلق نظرة مكثفة أكثر في النموذج القائم على نظرية الوكالة.

أساسات النموذج

ظهرت الأفكار الكامنة وراء النموذج القائم على نظرية الوكالة لأول مرة في مقالة ميلتون فريدمان (Milton Friedman) ضمن مجلة نيويورك تايمز عام 1970. حيث أدانت المقالة "المسؤولية الاجتماعية" الشركات واعتبرتها تفكيراً اشتراكياً، كما نظرت إلى ملكية المساهمين للشركة كأمر مسلّم به. وذكرت المقالة أيضاً أنّ "المدير هو وكيل الأفراد الذين يملكون الشركة، ومسؤول عن إدارة أعمالها وفق رغبات مالكيها". كما وصفت المقالة هيئة الشركة التنفيذية على أنها "وكيل يخدم مصالح صاحب رأس المال".

لاحقاً، تطورت هذه الأفكار أكثر في مقالة حملت عنوان "نظرية الشركة" من تأليف مايكل جنسن (Michael Jensen) وويليام مكلينغ (William Meckling)، ونُشرت في مجلة الاقتصاد المالي (Journal of Financial Economics) عام 1976. إذ وضعت المقالة المبادئ النظرية الأساسية التالية:

  • يملك المساهمون المؤسسة وهم "أصحاب رأس المال". كما أنهم يتمتعون بالسلطة الأصيلة لإدارة أعمال الشركة وشؤونها.
  • يفوّض مساهمو الشركة المدراء بسلطة اتخاذ القرار. بالتالي يُنظر للمدراء على أنهم "وكلاء" للمساهمين.
  • نظراً لأن المدراء "وكلاء" للمساهمين، عليهم الالتزام بإدارة أعمال الشركة وفقاً لرغبات المساهمين.
  • يُريد المساهمون إدارة الشركة لأعمالها بطريقة تزيد من عوائدهم الاقتصادية. فافترضت المقالة موافقة المساهمين بالإجماع على هذا الهدف خلال باقي فقراتها.

لكن لم تتطرق مقالة جنسن ومكلينغ إلى المعايير الأخلاقية التي على المدراء مراعاتها في إدارة الأعمال، من وجهة نظر المساهمين، بينما مقالة فريدمان تحدثت عن هذه القضية مقدمة وجهتي نظر. تقول الأولى: "إنّ المساهمين يريدون بشكل عام مدراء يحققون أكبر قدر من الربح مع مراعاتهم القواعد الأساسية للمجتمع، سواء تلك المذكورة في القانون أو المتعارف عليها اجتماعياً"، أما الثانية فهو اقتراحه في فقرة أُخرى رغبة المساهمين ببساطة في مدراء يستخدمون الموارد ويحققون الأرباح عبر الانخراط "في منافسة حرة ومفتوحة دون خداع أو احتيال". ويتفق جنسن وميكلينغ مع فريدمان بأنّ على الشركات عدم المشاركة في أعمال "المسؤولية الاجتماعية".

وبالفعل، ركز جزء كبير من العمل الأكاديمي على نظرية الوكالة في العقود التي تلت تلك المقالتين، حيث أكد وجوب سعي المدراء إلى تحقيق أقصى قدر من العائدات للمساهمين فضلاً عن مواءمة مصالحهم مع مصالح المساهمين. وتطورت هذه الأفكار لاحقاً إلى نظرية تنظيمية يمكن للمدراء عبرها زيادة اهتمامهم بمصالح المساهمين في جميع عمليات الشركة خلال إدارتها وخلق الحوافز التي تحقق أهداف المساهمين وهو ما يُعتبر واجب عليهم. كما أدى هذا لاحقاً إلى ظهور مجالس الإدارة كآلية تنظيمية للسيطرة على ما يُعرف باسم "تبعات التوكيل" (agency costs)، وهي عواقب تفويض المساهمين المدراء بالسلطة. وظهر الانطباع بأنّ دور المجلس ينبغي أن يكون مراقبة الإدارة، كما قامت المجالس بتقديم تعويضات للمدراء تزيد من مواءمة مصالح الإدارة مع مصالح المساهمين.

عيوب النموذج

لننظر هنا إلى سلبيات هذه الأفكار.

1-  تتناقض نظرية الوكالة مع قوانين الشركات: قانونياً، لا يجد المساهمون أنفسهم "أصحاب" المؤسسة، كما لا يجد المدراء أنفسهم "كوكلاء" للمساهمين.

لاحظ باحثون أنّ فكرة "ملكية المساهمين للمؤسسة" في أحسن أحوالها مربكة وفي أسوأها خاطئة. وقانونياً، يستفيد المساهمون من أنشطة المؤسسة، لكن لا "سيطرة" لديهم على ممتلكاتها، وليسوا قادرين على الوصول إلى مبانيها أو استخدام أصولها. وكل ما يملكه المساهمون هو أسهم فيها، ويمنحهم هذا حقوقاً وامتيازات مثل الحق في بيع أسهمهم، والتصويت على مسائل كانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وتعديل الميثاق الأساسي، وبيع جميع أصول المؤسسة.

في نفس الوقت، وإذا نظرنا إلى قانون ولاية ديلاوير التجاري، وهي المقر القانوني لأكثر من نصف الشركات المدرجة على مؤشر "فورتشن 500" والمرجع الأساسي لقانون الشركات، حيث يملك مجلس الإدارة منتخب من قبل المساهمين الحق في إدارة أعمال وشؤون الشركة، كما يفوض مجلس الإدارة تلك السلطة للمدراء.

ضمن هذا الإطار القانوني، يمكن رؤية المدراء والرؤساء "كمؤتمنين" (fiduciaries) لا "وكلاء" (agents)، ويُعتبر الفرق هنا مهماً جداً، إذ أنّ مهمة الوكيل هي تنفيذ رغبات صاحب رأس المال، في حين مهمة المؤتمن ممارسة حوكمة مستقلة بالنيابة عن المستفيد. بعبارة أخرى، يتلقى الوكيل الطلبات، في حين يُتوقع من المؤتمن اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة. أما من الناحية القانونية، يُعتبر أعضاء مجلس الإدارة مؤتمنين وعليهم العمل وفقاً لمصالح الشركة، ما يختلف تماماً عن مجرد تقديم الأرباح للمساهمين.

2- لا تتسق النظرية مع الممارسة اليومية: لا يُعتبر المساهمون مالكين للمؤسسة بأي معنى تقليدي للمصطلح، كما لا يملكون الحوافز التقليدية التي تكون عادة عند المالكين التقليديين فيما يتعلق بالإدارة أو الاهتمام أو الرعاية اللازمة.

وتُعتبر هذه الملاحظة اليوم أكثر صحة مما كانت عليه يوم بدأ أدولف بيرل (Adolf Berle) وغاردينر مينز (Gardiner Means) دراسة النظرية في بحث حمل عنوان "الشركة الحديثة والملكية الخاصة" (The Modern Corporation and Private Property) عام 1932. إذ تملك اليوم صناديق الاستثمار المشترك وصناديق المعاشات التقاعدية وشركات التأمين والصناديق السيادية وكبار المستثمرين نحو 70% من أسهم الشركات المدرجة في بورصة الولايات المتحدة، حيث يديرون تلك الأسهم نيابة عن المساهمين لديهم (أسر تقليدية وأصحاب معاشات تقاعدية وحكومات). وفي كثير من الحالات، لا تعرف الشركة من يستثمر في الصندوق الذي يملك أسهمها. وفي الوقت عينه، عادة ما يُكافأ مدراء هذه الصناديق فصلياً على أساس العوائد الناتجة من استثماراتهم (ربما تكون أرباح أسهم استثمروا فيها أو عمليات مضاربة على أسهم أخرى).

علاوة على ذلك، تنشأ قرارات مدراء تلك الصناديق والمضاربين من توقعاتهم المتصلة بسعر سهم محدد خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً. في حين يتحرك الاقتصاد عادة ضمن دورات فيها تتحرك أسهم الشركات في قطاعات صناعية بأكملها عبر تقديرات المحللين أو خارجها قليلاً. وصحيح أنّ المساهمين المسجلين لدى أي شركة قادرون على التصويت للقضايا الخاصة بالشركة والمعروضة عليهم، لكنهم لا يرغبون، أو يهتمون، بالقيام بذلك في الشركة التي يملكون أسهمها. إضافة لما سبق، نظراً لقدرة المساهمين على بيع أو التخلي عن أسهمهم في أي لحظة وتجنب التعرض للآثار طويلة الأجل لعملية التصويت تلك، من الصعب اعتبارهم مالكين للشركة منطقياً.

ويتيح عدم الكشف عن الهوية امتلاك مالكي الأسهم علاقة أضعف مع الشركات التي لديهم أسهمها. إذ يتم الاحتفاظ بحوالي 85% من الأسهم المتداولة في الولايات المتحدة لدى مؤسسة التي تمثل "الوسيط"، في حين  75% تقريباً من أصحاب تلك الأسهم طلبوا من الوسطاء عدم الكشف عن هوياتهم أمام الشركة التي يشترون أسهمها.

3- تمتلئ النظرية بمخاطر أخلاقية: لا يتم محاسبة المساهمين، كمالكين، على أنشطة الشركة، كما أنهم لا يتحملون المسؤوليات التي يقوم بها المسؤولون والمدراء لحماية مصالح الشركة.

ويُعتبر معاملة المساهمين كمالكين أمر خاطئ أيضاً لعدم وجود أبرز صفة للملكية وهي المسؤولية عن الممتلكات المملوكة والمساءلة، فضلاً عن تعويض أي إصابات نتجت عن كيفية استخدام هذه الممتلكات. إذ لا يتحمل المساهمون هذه المسؤولية، كما أنه بموجب مبدأ المسؤولية المحدودة، لا يمكن اعتبارهم مسؤولين شخصياً عن ديون الشركة أو أعمالها أو أي أخطاء قامت بها وأضرت بالآخرين.

إلى جانب ذلك، يحق للمساهمين التصرف بالكامل وفق مصلحتهم الخاصة ضمن حدود قوانين سوق الأوراق المالية، مع استثناءات قليلة، كما أنهم أحرار في التصرف على طرفي الصفقة التي لديهم مصلحة فيها بعكس المدراء الذين يتوقع منهم الامتناع عن التصرف وفق مصلحتهم الشخصية. وإذا عدنا إلى مثال شركة "أليرغان" و"فاليانت"، كان من الواجب امتناع عضو مجلس إدارة "أليرغان"، الذي يمتلك أسهماً في "فاليانت"، عن التصويت على الصفقة أو الترويج لعرض "فاليانت". في حين امتلك مساهمو "أليرغان"، ممن لديهم حصصاً في كلتا الشركتين، حرية البيع والشراء والتصويت لأي شيء يرونه مناسباً لمصلحتهم. ويصادف كبار المستثمرين، ممن يملكون أسهم في آلاف الشركات، حالات يكون لديهم مصالح مع طرفي الصفقة المعروضة عليهم.

وضمن اقتصاد جيد التنظيم، تكون الحقوق والمسؤوليات مقدمة معاً، لكن يؤدي منح المساهمين حقوق الملكية مع إعفاءهم من المسؤوليات إلى فتح الباب أمام الانتهازية وإساءة استخدام أصول الشركات. ولا يُعتبر ما سبق مثيراً للقلق بشكل كبيرة عندما يكون المساهمون أقل سعياً للتأثير على قرارات الشركات الكبرى، لكنه يغدو مخيفاً عندما ينطلقون بفعل ذلك. وتزداد حدة المشكلة أيضاً عند يتدخل مالكي الكميات الهائلة من الأسهم لإعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة أو إعادة هيكلة مواردها المالية سعياً لرفع سعر سهمها فقط قبل بيعه والانتقال إلى هدف آخر دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير تدخلهم على الشركة أو الأطراف الأُخرى.

4- تنشر نظرية "مفهوم المواءمة" (doctrine of alignment) مخاطر أخلاقية في الشركة وتضيّق مجال رؤية الإدارة:

يجعل التحرر من المساءلة المساهمين أقل مبالاة بالخيارات الأوسع والأطول أجلاً، بالتالي تؤدي طلبات نظرية الوكيل، المتمثلة بالمواءمة بين مصالح المدراء والمساهمين، إلى انحراف وجهة المؤسسة بأسرها. فعندما تكون مصالح الإدارة متفقة جداً مع مصالح المساهمين، ستصبح المؤسسة متحيزة تجاه المصالح الضيقة لمساهميها الحاليين وستفشل في تلبية متطلبات عملائها أو باقي الجهات. وربما يؤدي ذلك أيضاً إلى انحراف الشركة بدرجة لا يمكنها فيها العمل بفعالية، ولدينا مع قصة انهيار شركة "إنرون" (Enron) مثالاً عن تأثر الشركة بممارسات كهذه.  

إضافة إلى ذلك، يمكن النظر إلى الفكرة القائلة بأنّ الإدارة التي تعمل لصالح الشركة تعمل أيضاً لصالح حملة الأسهم على أنها غير دقيقة. عملياً، ربما هناك اختلاف صارخ. على سبيل المثال، بمجرد أن حولت إدارة شركة "أليرغان" تركيزها من الحفاظ على النمو على المدى الطويل إلى إيصال سعر سهم الشركة إلى 180 دولار وهو الهدف الذي كان فيه المستثمرون على استعداد للاحتفاظ من أجله بأسهمهم، تغيرت أولوياتها. فأُوقفت الأبحاث، وأُنهيت الاستثمارات، وفُصل موظفون.

5- يتناقص افتراض النظرية بأنّ المساهمين كلهم متفقون على هدف واحد مع الواقع: لا يملك كل المساهمين الأهداف نفسها، ولا يمكن معاملتهم على أنهم "مالك واحد".

تفترض نظرية الوكالة رغبة جميع المساهمين في إدارة الشركة بطريقة تزيد من عائدها الاقتصادي إلى أقصى حد. ويكون هذا الافتراض صحيحاً في حالات معينة، لكنه ليس دقيقاً. لدى المساهمين أهداف استثمارية متباينة، ومواقف مختلفة تجاه المخاطر، وآفاق زمنية متغايرة. على سبيل المثال، تسعى صناديق المعاشات التقاعدية للحصول على دخل حالي والحفاظ على رأس المال، في حين تسعى صناديق الأوقاف إلى تحقيق نمو طويل الأجل. وربما يقبل المستثمرون الشباب مخاطر أكبر مقارنةً مع كبار السن. إذ تشير سجلات التصويت إلى انقسام المساهمين تجاه العديد من القرارات المعروضة عليهم، كما ينظرون أيضاً إلى الفرص الاستراتيجية بشكل مختلف. فبعد أن أعلنت "فاليانت" عطاءها، التقى مسؤولو "أليرغان" عدداً كبيراً من المستثمرين فيها. كان هناك "تنوع رأي واسع النطاق بشكل يفوق التصور"، بحسب ما ذكر مايكل غالاغر (Michael Gallagher) المدير المستقل لصندوق "أليرغان". حيث تراوحت الآراء من معارضة الصفقة ورفض أسهم "فاليانت" إلى رؤيتها كفرصة رائعة. بالتالي يمكننا معرفة لماذا لم توافق "أليرغان" على عرض "فاليانت" فوراً.

التطبيق العملي للنموذج القائم على الوكالة

اجتذبت هذه النظرية أتباعاً كثر رغم كل المشاكل الموصوفة أعلاه، كما وفرت مبادئها أساساً فكرياً منطقياً لمجموعة تغييرات عززت مجتمعة قوة المساهمين، وأدت إلى نموذج حوكمة وإدارة جديد للمساهمين. ندرج هنا بعض المجالات التي يمكننا فيها رؤية تأثير نظرية الوكالة عملياً:

التعويض التنفيذي

أدت أفكار نظرية الوكالة إلى تحويل نظام التعويضات من نظام قائم على دفع مبالغ نقدية إلى نظام يقدم أسهماً في الشركة. وينادي أنصار هذا الخيار بأنّ الأسهم ستجعل مصالح المدراء التنفيذيين متوائمة مع مصالح المساهمين. واُستخدمت الحجة نفسها لحشد التأييد من أجل ربط الأجور أكثر بأداء الشركة وتقديم حوافز ضريبية لتشجيع فكرة "الدفع مقابل الأداء". بسبب هذا، اعتمد الكونغرس تشريعاً في عام 1992 يجعل الضرائب على الأجور التنفيذية التي تزيد عن مليون دولار أقل إذا كانت "تستند إلى الأداء". وبات اليوم 62% تقريباً من أجور المدراء التنفيذيين في شكل أسهم، مقارنة مع 19% عام 1980.

الإفصاح عن التعويض التنفيذي

يتفق تعريف نظرية الوكالة للأداء مع ما اقترحه المجلس الأعلى للتعليم في عام 2015 والذي يطالب الشركات بتقديم معلومات أكثر عن عائداتها التنفيذية وعائدات مساهميها في بياناتها السنوية. كما تدعو القواعد المقترحة الشركات إلى الإبلاغ عن مجموع عائداتها السنوية للمساهمين في مقابل العوائد السنوية لمنافسيها، ووصف العلاقات بين عائدات مساهميها وتعويضات مدرائها مقارنة بالشركات المنافسة.

حقوق المساهمين

نادت هذه النظرية بأهمية حصول المساهمين على فرصة أكبر فيما يتعلق بترشيح وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة وإتاحة الفرصة لهم من أجل الدعوة لعقد اجتماع خاص، أو التصرف بناء على موافقة خطية من أغلبية المساهمين، أو حتى طرد المدير التنفيذي. إذ تُشير البيانات الواردة من "فاكتست" (FactSet) ومصادر أُخرى إلى زيادة نسبة الشركات المذكورة في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" التي تصوت بالغالبية على اختيار أعضاء مجلس الإدارة من 16% في 2006 إلى 88% في 2015، كما زادت نسبة من لديها أحكام اجتماعات خاصة بها من 41% في 2002 إلى 61% في 2015، وارتفعت نسبة منح حقوق الوصول إلى المساهمين من أقل من نصف بالمائة في 2013 إلى 39% بحلول منتصف 2016.

قوة المجالس

تسبب التفكير القائم على نظرية الوكالة في القضاء على مجالس الإدارة لصالح الانتخابات السنوية للمدراء، كما قضت النظرية على ما كان يُعرف باسم "حبوب السموم" (poison pills) والتي تُعطي المجالس القدرة على إبطاء أو منع "المالكين" من التصويت على عرض كبير معروض على الشركة. حيث انخفضت حصة الشركات على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" التي تملك مجالس متداخلة من 61% إلى 10%، وانخفضت حصة استخدام "حبوب السموم" من 60% إلى 4%. علماً أنه لا يزال في إمكان بعض الشركات استخدام تلك الحبوب ضمن حالات خاصة كاستجابة لعرض غير محبذ كما فعل مجلس "أليرغان" ردا على محاولة "فاليانت".

مواقف الإدارة

اُعتمد بشكل واسع مفهوم نظرية الوكالة في الإدارة. حيث أصدرت المائدة المستديرة للأعمال (Business Roundtable) عام 1997 بياناً أعلنت فيه أنه "من واجب الإدارة العليا ومجالس الإدارة الاهتمام بمساهمي المؤسسة، كما يتمثل الهدف الرئيسي لأي مشروع تجاري تحقيق عوائد اقتصادية لأصحابه". وبعدها عدّل البيان، الذي صدر بسبب ضغط المستثمرين، من موقف المائدة المستديرة ليصبح "على المساهم الحصول على عائد جيد ولكن يجب أن تنال مشاغل الناخبين المشروعة الأُخرى الاهتمام المناسب". إذ تشير دراسات مختلفة إلى زيادة طرق استجابة المدراء للمساهمين، حيث تؤكد الأبحاث أنّ الشركات التي تصويت المدراء فيها عن طريق الأغلبية تكون أكثر قبولاً لاعتماد مقترحات المساهمين ذات دعم الأغلبية، كما أن استعداد العديد من كبار المدراء للتخلي عن الاستثمارات في المشاريع المتوقع يكون أكثر ربحاً على المدى الطويل في مقابل تلبية تقديرات المحللين الفصلية للأرباح. وبحسب استطلاعات معهد "آسبن"، ينظر العديد من خريجي كلية إدارة الأعمال إلى أنّ المساهمين يمثّلون الأولوية لديهم.

سلوك المستثمر

ساعدت أفكار نظرية الوكالة على زيادة نشاط المستثمرين وشرّعت إنشاء صناديق التحوط التي تحشد رأس المال لغرض صريح متمثل في شراء أسهم الشركة واستخدام موقعها كأحد "المالكين" لإحداث تغييرات تهدف إلى خلق قيمة للمساهمين. ويتدخل المستثمرون بشكل متكرر ويعيدون تحديد كيفية تخصيص الشركات لمواردها. إذ يتم في هذه العملية إعادة تشكيل السياق الاستراتيجي للشركة والذي يُستخدم لاتخاذ قراراتها المستقبلية.

وربما يمتلك موافقة الأغلبية في تصويت على تعيين أعضاء مجلس الإدارة بعض الميزات، إذا نظرنا إليه لوحده، لكنه يساعد أيضاً على خلق بيئة يتعرض فيها المدراء لضغوط متزايدة من أجل نتائج مالية قصيرة الأجل، ويحثّهم على "التفكير كنشطاء".

الآثار المترتبة على الشركات

لكي نتمكن من معرفة الآثار الاستراتيجية لهذه النظرية، من المفيد استخدام أداة تم تطويرها في الستينيات من قبل بوسطن كونسلتينغ جروب لتوجيه عملية تخصيص الموارد. دُعيت هذه الأداء باسم مصفوفة حصة النمو (Growth Share Matrix)، وساعدت المدراء على رؤية شركتهم كمجموعة أعمال مختلفة الخصائص. حيث تكون إحدى مجموعات الأعمال تلك ناضجة وتتطلب الاستثمار فقط لأغراض التوسع المحدود والتحسين التدريجي، وذلك على افتراض امتلاكها حصة سوق قوية ومربحة مقارنة بأقرب المنافسين. ويمكن أن تكون هناك مجموعة أُخرى أيضاً ذات وضعية رائدة لكنها في أسواق سريعة النمو، وهي مربحة، لكنها تتطلب استثمارات ضخمة للحفاظ على حصتها أو تحسينها. وربما تكون مجموعة ثالثة في موقف تنافسي ضعيف ضمن الأسواق الناضجة وبحاجة إلى تمويل للبقاء على قيد الحياة، ولكن دون آفاق للنمو أو زيادة الأرباح. أو تكون هناك مجموعة في أسواق جديدة تنمو بسرعة، تُعطي الشركة القدرة على المنافسة والتوقعات المشرقة لكنها محفوفة بالمخاطر.

إذ يدعو مطور المصفوفة هذه المجموعات الأربع بأسماء "الأبقار النقدية" (cash cows) بمعنى المسؤولين عن التمويل، و"النجوم" (stars)أي الناجحين، و"الكلاب" (dogs) بمعنى الحراس و"الآفاق المشرقة" (bright prospects) أي المبادرين أو الواعدين. حيث يُعتبر الهدف من هذا التوزيع ضمان الإبقاء على "الأبقار النقدية والنجوم" ممولين بالكامل مع شطب "الكلاب"، واختيار بضعة "آفاق مشرقة" ممن لديها إمكانات على المدى الطويل لتصبح "نجوماً". وعندما لا تُدير الشركات المحفظة بهذا الشكل الشامل، تميل الأموال إلى الانتشار بالتساوي بين المجموعات على أساس العوائد المتوقعة للمشروعات.

إضافة إلى ذلك، يمكن رؤية هذه المصفوفة على أنها أداة بسيطة، إلا أنّ استخدامها ليس بهذه البساطة. إذ تحتاج إدارة الأبقار النقدية لتبقى في حالة جيدة إلى جهد كبير، كما أنّ رعاية الآفاق المشرقة في مواجهة الشركات الناشئة أمر صعب، بالتالي يجب تحديد أو تصفية الشركات غير المرغوب فيها، واختيار شركة واعدة أو اثنتين للعمل عليها. كما يمكن للشركات التي تنجح في إدارة تحدي تخصيص الموارد المستمر النمو وإعادة اختراع نفسها باستمرار مع مرور الوقت.

وتشكل مصفوفة حصة النمو خياراً مفيداً أمام المدراء الذين يسعون لخلق القيمة من أجل شركاتهم على المدى الطويل، كما أنها مفيدة لمن يرغب في رفع سعر سهم الشركة على المدى القصير. لنفترض أنّ هناك شركة في قسم "الكلاب"، وأُخرى في قسم "الآفاق المشرقة" وثالثة في "النجوم"، سيؤدي إزالة الأولى، وخفض ميزانية التسويق في الثانية، وإنهاء أقسام البحث والتطوير في الثالثة إلى أرباح كبيرة على سعر السهم، إلا أنّ مستقبل الشركة لن يكون واضحاً لكونها غير قادرة على تحديد "الآفاق المشرقة" التي يمكن نقلها لاحقاً إلى فئة "النجوم" أو "الأبقار النقدية".

ويُعتبر الاقتراح المقدم من المستثمر النشط نيلسون بيلتز عام 2014 والمتعلق بشركة "دوبونت" (DuPont) مثالاً حول ما سبق. إذ تمثلت خطته الممتدة على فترة 3 سنوات لزيادة عائدات المساهمين في تقسيم الشركة إلى ثلاث شركات مستقلة، والقضاء على قسم الأبحاث المركزي. حيث تألفت إحدى الشركات الجديدة، "غراثكو" (GrowthCo)، من أقسام الزراعة والتغذية والصحة وعلم الأحياء في "دوبونت"، في حين ضمت الثانية "سيكليكالكو/كاشكو" (CyclicalCo/CashCo) منتجات تقدم أداء منخفضاً لكن مرتفع الأرباح. أما الثالثة فكانت وحدة الكيماويات "تشيمورس" (Chemours) والتي قررت "دوبونت" بالفعل تصفيتها. وضمن شروط مصفوفة النمو، كانت خطة بيلتز، في جوهرها، متمثلة في تقسم "دوبونت" إلى "بقرة نقدية" و"نجمة" و"كلب"، والقضاء على بعض "الآفاق المشرقة" التي تظهر كنتيجة لابتكارات قسم الأبحاث المركزي. واقترح بيلتز أيضا خفض التكاليف "الزائدة" الأخرى، واعتماد سياسة أكثر ملاءمة للمساهمين في توزيع أرباح شركة "سيكليكالكو / كاشكو"، وإعطاء الأولوية لعائدات عالية على رأس المال المستثمر للمبادرات في "غراثكو"، وإدخال المزيد من الإدارة الصديقة للمساهمين، بما في ذلك مواءمة أكثر صرامة بين التعويضات التنفيذية وعوائد المساهمين. فمن شأن الخطة تفكيك شركة "دوبونت" بشكل فعال وامتلاكها مستقبلاً ضبابياً في مقابل مضاعفة متوقعة في سعر السهم.

إنشاء القيمة أم نقلها؟

من المرجح أن تبقى القضية الجدلية حول "إذا كان المساهمون يستفيدون من أي نشاط للشركة خارج نطاق ارتفاع سعر السهم" معلقة، نظراً للمشاكل المتعددة التي تعوق الدراسات المتصلة بهذا الموضوع. ولا شك في أنّ بعض النشطاء لعبوا دوراً طال انتظاره في الاستراتيجية  أو الإدارة عن طريق القيام بتحريك مجلس خامل أو قيادة التغيير، لكن من المهم ملاحظة أنّ معظم ما يُطلق عليه النشطاء اسم "خلق القيمة" يمكن وصفه بشكل أكثر دقة على أنه "نقل القيمة". فعندما يتم دفع النقود للمساهمين بدل استخدامها في تمويل أبحاث أو إطلاق أو تطوير مشاريع جديدة، فإنه لا تُنشأ قيمة، بل يتم ببساطة دفع أموال للمساهمين الحاليين كان يمكن استثمارها لتوليد عوائد مستقبلية.  

ويتجاوز الفارق الزمني بين الوقت الذي يتم فيه اتخاذ مثل هذه القرارات وتأثيرها على الأرباح الأطر الزمنية للنماذج المالية القياسية. بالتالي لا يمكن بسهولة ملاحظة الضرر المستقبلي الذي لحق بالشركة والمساهمين، أو حتى المجتمع الأوسع.

ومع معرفة أنّ رؤية ثمار أي جهد بحثي مهم يحتاج إلى وقت طويل للغاية، حيث استغرقت أحدث رقاقات شركة "آبل" 8 سنوات من العمل، سيكون هناك خطر كبير على البحث والابتكار بسبب النشطاء الذين يريدون إزالته لصالح تحقيق أرباح أعلى للأسهم قبل بيعها لاحقاً. كما أنّ النماذج المالية وأسواق رأس المال سيئة جداً في تقدير الابتكار. فبعد حصول شركة "أليرغان" على عرض شركة "فاليانت" وشركة "بيرشنغ سكوير كابيتال مانيجمنت" (Pershing Square Capital Management)، ارتفع سعر سهمها 30% مع شراء صناديق التحوط الأخرى له. إذ قامت لاحقاً بعض المؤسسات ببيع تلك الأسهم لجني مكاسب مباشرة، وسرعان ما واجهت إدارة "أليرغان" ضغوطاً من باقي المؤسسات لتسريع العملية و"تحقيق أرباح". إذ قامت الشركة، تلبية لرغبات هؤلاء المساهمين، بتقليل القوى العاملة مقارنة بما خططت سابقاً، كما قلّصت برامج البحوث الأولية. حيث وجدت دراسات أكاديمية أنّ نسبة كبيرة من تدخلات صناديق التحوط تنطوي على زيادات كبيرة في الأرباح قصيرة الأجل مع انخفاض في المشاريع طويلة الأجل، لا سيما المتصلة بمجالي البحث والتطوير.

وتتناقض ادعاءات النشطاء بشأن خلق القيمة مع المؤشرات التي تشير إلى أنّ جزءاً من القيمة المنشأة للمساهمين هي في المواقع منقولة من أطراف أُخرى. حيث لا توجد أبحاث كبيرة عن هذا، لكن تشير إحدى الدراسات إلى أنّ إحدى العوائد غير الطبيعية المرتبطة بإعلان تدخل صندوق التحوط كانت نقل الثروة من العمال إلى المساهمين. ووجدت دراسة أُخرى أنّ ساعات عمل العمال وأجورهم انخفضت في السنوات الثلاث التي تلت التدخل. كما وجدت دراسات غيرها أنّ بعض المكاسب التي حققها المساهمون أتت على حساب حملة السندات. ولا تزال هناك بعض الأبحاث التي تعمل على دراسة أثر الدفع بالأسهم للمدراء في مقابل الضرر على المستهلكين والبيئة ووجود مخالفات في المحاسبة وإعداد التقارير المالية.

في سياق متصل، لا يوجد على حد علمنا حالياً أي دراسات حول التأثير الكلي لتدخلات صندوق التحوط على باقي الجهات المعنية أو المجتمع ككل. مع ذلك، من المنطقي ملاحظة أنّ مكاسب المساهمين تكون أحياناً كسب أموال على حساب الخزينة العامة كما في حالة قيام إدارة الشركة بزيادة الأرباح عبر تحويل مقرها إلى ولاية أقل ضرائباً وهي خطوة يحبذها المساهمون، وكانت إحدى مقترحات "فاليانت" لشركة "أليرغان". وبشكل مشابه، تقضي تخفيضات الميزانية على أبحاث استكشافية تعمل على التصدي لبعض التحديات الأكثر أهمية للمجتمع. حيث يزيد هذا من الأرباح الحالية، لكن سيكون ذلك على حساب المجتمع فضلاً عن آفاق الشركة المستقبلية.

إلى جانب ذلك، تشير أنشطة صناديق التحوط إلى المخاطر المتمثلة في إعطاء سلطة كبيرة لمالكين لا يخضعون إلى المحاسبة. كما نرى في تحليلنا لهيكلية نظرية الوكالة، فإنّ تلك المشكلة حقيقية وذات عواقب خطيرة. مع ذلك، يزداد عدد من يتبنون تلك النظرية، حيث يواصل المشرعون إدراجها في السياسة العامة، وتتعرض المجالس والمدراء لضغوط متزايدة لتحقيق عوائد قصيرة الأجل، ويتوقع الخبراء القانونيون استمرار الاتجاه الخاص بتمكين المساهمين أكثر مستقبلاً. ونرى بدورنا أنّ زيادة احتمالية عمل الشركات وفقاً لنموذج نظرية الوكالة أمر مقلق. حيث يمكن أن يؤدي التزام الشركات الصارم بذاك النموذج عبر مفاصل الاقتصاد إلى ضغط أكثر لتحقيق أرباح حالية، واستثمار أقل في البحث والتطوير، واستراتيجيات تحويلية ونماذج أعمال مبتكرة أقل، وثروة أكثر للمستثمرين الأغنياء على حساب المستثمرين العاديين وباقي الناس.

نحو نموذج يتمحور حول الشركة

يجب على أي نموذج أن يُقدّم صحة المؤسسة كأولوية في جوهره وذلك على حساب تقديم عوائد قصيرة الأجل لمساهميها. ويبدأ هذا النموذج بالاعتراف بأنّ الشركات كيانات قانونية مستقلة مع احتمال امتلاكها فترة حياة غير محددة، ويمكن إدارتها لخدمة الأسواق والمجتمع مع وجود قيادة صحيحة. حيث تتجاهل نظرية الوكالة إلى حد كبير هذه السمات والقيمة الاجتماعية للشركة، والتحديات التي تواجهها الإدارة على المدى الطويل، فتتذرع بالقول بأنّ الشركات "شخصيات قانونية خيالية" (legal fictions). إذ يحذر جنسن ومكلينغ في مقالهما المنشور عام 1976 من "الوقوع في فخ السؤال حول هدف الشركة أو امتلاكها مسؤولية اجتماعية". كما يضيفان أنّ هذه الأسئلة تعني خطأً اعتبار الشركة "فرداً" بدلاً من كونها كياناً قانونياً. في حين يؤكد فريدمان أيضاً عدم امتلاك الشركة أي مسؤوليات لأنها "شخص اصطناعي" (artificial person).

في الواقع، تُعتبر الشركات هياكل قانونية، لكن لا يجعلها ذلك بأي حال شخصيات اصطناعية. كما أنها كيانات اقتصادية واجتماعية تستفيد منها الحكومات في تحقيق أهداف لا يمكن للحكومة تحقيقها. ويعود تاريخ الشركات إلى ما يقرب من 400 عام وتملك دوراً هاماً تلعبه في المجتمع. وفي الأصل، كان هدف الشركة محدد في ميثاقها الأساسي، (على سبيل المثال، بناء وتشغيل قناة مائية)، لكن لاحقاً أصبحت أهدافها عامة أكثر بحيث يمكن للشركات العمل على مجموعة واسعة من الأهداف التي تختارها إداراتها وهيئاتها. كما تلمس الخيارات التي يتخذها صناع القرار في تلك الشركات اليوم حياة الملايين، إذا لم يكن المليارات حول العالم، وتُحدث تغييرات كثيرة في المجتمعات التي تنشط فيها.

سيعترف النموذج الذي نتصوره بالواقع الكامن في إدارة هذه الشركات، وسيستجيب لاحتياجات جميع المساهمين، لا فقط أولئك الأكثر صخباً في لحظة ما من حياة الشركة. حيث نقدم هنا 8 مقترحات توفر أساساً مختلفاً جذرياً لإدارة الشركة، ونعتقد أن وجود أساس أكثر واقعية لحوكمة الشركات ومشاركة المساهمين هو أمر مفيد للجميع.

1- الشركات هي مؤسسات معقدة يزيد من كفاءتها تعيين قادة ومدراء موهوبين

ويتعلق نجاح القائد بشكل كبير بدوافعه ومهاراته وقدراته وشخصيته أكثر مما يتعلق بربط راتبه بالعائدات المتولدة للمساهمين. إذا لم يكن القادة مجهزين بالكامل لأداء ما سبق، وإذا لم يُمنحوا هامش مناورة أكثر، لن يتمكنوا من تحسين الوضع، وربما يجعلونه أسوأ. (يتمثل جزء من مشكلة الأجر الحالي القائم على الأسهم في أنه يخلط بين المهارات التنفيذية والحظ). كما تُعتبر التحديات المتصلة بقيادة الشركة أمراً مهماً (مثل صياغة الاستراتيجية وبناء مؤسسة قوية وتطوير وتحفيز المدراء التنفيذيين الموهوبين، وتخصيص الموارد لأعمال الشركة المختلفة الحالية والمستقبلية). وتقلل نظرية الوكالة من أهمية هذه التحديات وأهمية تطوير الأفراد القادرين على تلبيتها في مقابل تركيزها على الحوافز كمفتاح يضمن قيادة فعالة.

2- لا يمكن للشركات البقاء مزدهرة لفترة طويلة مالم تكن قادرة على التعلم والتكيف وتطوير نفسها بانتظام

ربما تحتاج الشركات في بعض الصناعات اليوم إلى إعادة اختراع نفسها كل خمس سنوات لمواكبة التغيرات في الأسواق أو المنافسة أو التكنولوجيا. ومن الأمور المهمة التي على الشركات التحلي بها هو تغيير الفكرة الحالية عن تعيين المدراء. لكي يكون لدينا إدارة ناجحة، علينا تعيين أفراداً يملكون صلاحية اتخاذ القرارات مع منحهم أهدافاً واضحة وتقديم حوافز لهم لتحقيقها، بدل تقديم الرواتب لهم أو منعها اعتماداً على تحقيق تلك الأهداف (ما يفترض قدرة المدراء على التنبؤ بالأرباح وهو أمر صعب هذه الأيام). وتشمل معظم المهام التعاون عبر عدة أقسام وإدارات، ما يُصعّب إقامة رابط واضح بين مساهمات أشخاص محددين (مثل المدير التنفيذي) والنتائج التي تحققت (سلباً كانت أم إيجاباً).

3- تؤدي الشركات العديد من الوظائف في المجتمع.

تساهم الشركات في المجتمع عبر توفيرها فرص استثمار وتوليد ثروة، لكنها تساهم أيضاً في إنتاج السلع والخدمات وتوفير فرص العمل وتطوير التكنولوجيات ودفع الضرائب وتقديم مساهمات أُخرى للمجتمعات التي تعمل فيها. وستجد عند النظر إلى "غرض المؤسسة" كل ما سبق وأكثر. حيث ينجذب اقتصاديو نظرية الوكالة، كما هو واضح، نحو زيادة ثروة المساهمين كهدف رئيسي، في حين يميل المسوقون إلى تفضيل خدمة العملاء، أما المهندسون فيميلون نحو الابتكار والتميز في أداء المنتج. من وجهة نظر المجتمع، تعتبر السمة الأهم للمؤسسة قدرتها على أداء كل هذه المهام في وقت واحد. حيث كان الغرض الأصلي للمؤسسة تاريخياً تيسير النمو الاقتصادي عبر تمكين المشاريع التي تتطلب استثمارات واسعة النطاق وطويلة الأجل، وهو ما يمكننا رؤيته في المناقشات المتصلة بتأسيس الشركات محدودة المسؤولية وقوانين عملها.

4- للشركات أهداف مختلفة واستراتيجيات مختلفة لتحقيقها.

لا يرى المجتمع الشركة بالطريقة التي يراها فيها مؤسسوها أو مدراؤها أو قيادتها. وكما تختلف أغراض واستراتيجيات الشركات، يجب أن تختلف المقاييس الخاصة بأدائها. وعلاوة على ذلك، تمر استراتيجيات الشركات دائماً بمرحلة انتقالية مع تغير الأسواق، ومن شأن المبالغة في التأكيد على تقديم عائد للمساهمين ومقارنة أداء الشركات أن يشوّه تخصيص الموارد ويقوّض قدرة الشركة على تنفيذ استراتيجيتها المختارة.

5- يجب على الشركات خلق قيمة لدوائر متعددة

في نظام السوق الحر، لا تنجح الشركات إلا إذا كان العملاء يريدون منتجاتها، والموظفون يريدون العمل فيها، والموردون يريدون أن يكونوا شركاءها، والمساهمون يريدون أسهمها، والمجتمعات تريد وجودها. فمن الضروري معرفة كيفية الحفاظ على هذه العلاقات ومعرفة متى تكون المقايضات ضرورية بين مصالح هذه المجموعات المختلفة. حيث تبسّط نظرية الوكالة هذا الأمر ما يؤدي إلى تقليل استثمار الشركة في باقي العلاقات على حساب علاقتها مع المساهمين.

6- على الشركات امتلاك معايير أخلاقية تقود تفاعلها مع جميع من تتواصل معهم، بما في ذلك المساهمين والمجتمع

يمثل الالتزام بهذه المعايير، والتي تتجاوز منع الغش والتواطؤ، ضرورة لنيل تلك الشركات الثقة اللازمة من أجل العمل بفعالية مع مرور الوقت. ويمكن أن يؤدي عدم توضيح نظرية الوكالة لأخلاقيات الشركات إلى سلوك غير أخلاقي وربما يؤدي إلى سلوك إجرامي. ويولد هذا الحاجة لتشريعات يعارضها بدورهم أنصار نظرية الوكالة.

7- تندرج الشركات في نظام سياسي واجتماعي اقتصادي تكون صحته حيوية لاستدامتها

كتبنا في أماكن أُخرى عن العواقب المدمرة لعدم اكتراث الشركات بالعوامل الخارجية السلبية الناتجة عن أنشطتها. ووجدنا أنّ المشاكل المجتمعية تشكل مصدراً للمخاطر وتؤثر على فرص الشركات. وهناك حالات لشركات قامت بمعالجة قضايا مجتمعية مثل شركة "إكوماجينيشن" (Ecomagination) والتي أنشأتها "جنرال إلكتريك" لمواجهة التحديات البيئية، أو الاستراتيجية التي اتبعتها شركة الاتصالات الصينية "تشاينا موبايل" في الريف، والتي ساعدت على تضييق الفجوة الرقمية بين سكان المدن والأرياف في الصين، وأدت إلى نمو الشركة لفترة قاربت النصف عقد. في حين يؤدي إصرار أصحاب نظرية الوكالة على عدم تحمل الشركات أي مسؤوليات اجتماعية لأنها "خيال قانوني" وأنّ المشاكل الاجتماعية تقع خارج نطاق الأعمال التجارية (وينبغي تركها للحكومات) إلى ضيق رؤية يمنع قادة الشركات من رؤية المخاطر والفرص، وهو ما يؤثر على مستقبل الشركة لاحقاً.

8- تختلف مصالح المؤسسة عن مصالح أي مساهم أو مجموعة المساهمين فيها

أقر مدراء شركة الهند الشرقية الهولندية عام 1610 بأنّ المساهمين ذوي الأفق الزمني للاستثمار البالغ 10 سنوات لن يكونوا متحمسين لقيام الشركة بالاستثمار في مشاريع طويلة أجل تمتد 20 عاماً. فكان الحل، الذي اقترحه أحد مسؤولي الشركة متمثلاً في تجاهل الشركة أولئك المستثمرين والتركيز على أهدافها الاستراتيجية، ما يعني الاستثمار في مشاريع طويلة الأجل للحفاظ على مكانتها في آسيا. وتُعتبر الفكرة القائلة بأنّ لدى جميع المساهمين المصالح نفسها، وأنّ تلك المصالح تماثل مصالح المؤسسة فكرة غير دقيقة، كما أنها تعطي ذريعة للمساهمين الأقوياء لجعل الشركة تخدم أغراضهم الخاصة عبر ادعائهم التصرف نيابة عن جميع المساهمين.

تؤكد هذه المقترحات الحاجة إلى نهج للحوكمة يُعطي المؤسسة دورها في المجتمع بشكل مختلف، ويركز على الأداء المستدام لها. كما يجب وجود دور أقوى للمجالس ونظام لمحاسبتها هي والمدراء التنفيذيين ويكون أوسع من مجرد مساءلتهم أمام المساهمين. وفي النموذج المقترح، ستتخذ المجالس وقادة الأعمال نهجا مختلفاً جوهرياً تجاه المهام الأساسية مثل وضع الاستراتيجيات، وتخصيص الموارد، وتقييم الأداء، وإشراك المساهمين، وهو ما يجعل المدراء مثلاً يخصصون وقتاً أطول لصياغة الاستراتيجية وتخصيص الموارد.

لا يزال هناك حاجة إلى تطوير النموذج الجديد بالكامل، لكن يمكن تحديد المفاهيم الأساسية له حالياً. فإذا نظرنا إلى بحث "مقاربات متباينة لحوكمة الشركات" (Contrasting Approaches to Corporate Governance)، سنرى النموذج الذي نتصوره للشركة يتبع قانون الشركات الأساسي في رؤيته الشركة ككيان مستقل، وتأتي سلطة الإدارة ممن يديرها، وفي نهاية المطاف من القانون. كما يرى أنّ المدراء مؤتمنون (لا وكلاء)، بالتالي هم ملزمون بالعمل وفقاً لمصلحة المؤسسة ومساهميها ولا يعادل هذا تنفيذ رغبات غالبية المساهمين. كما يعترف هذا النموذج بتنوع أهداف المساهمين وأدوار الشركة المتنوعة في المجتمع. ونعتقد بدورنا أنّ هذا النموذج أفضل من نموذج الوكالة فيما يتعلق بواقعية إدارة الشركة للنجاح مع مرور الوقت، وأكثر اتساقاً مع الغرض الأصلي للشركات ويقدم إمكانات فريدة من نوعها للمشاريع التي تنطوي على استثمارات واسعة النطاق وطويلة الأجل.

ومن المعلوم أنه من غير الممكن معرفة الآثار العملية بعيدة المدى لحوكمة الشركات، لكننا نتوقع رؤية بعض أو كل هذه الميزات في مجالس إدارة الشركات التي تتبنى هذا النهج:

  • زيادة احتمال وجود مجلس متزن لتسهيل الاستمرارية ونقل المعرفة المؤسسية
  • اهتمام أكثر على مستوى مجلس الإدارة لموضوع التخطيط المستقبلي وتطوير القيادة
  • وقت أكثر من المجلس لاستراتيجيات النمو والتجديد المستمر للشركة
  • روابط أوثق بين التعويض التنفيذي وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة
  • اهتمام أكثر بتحليل المخاطر وحالات الغموض السياسية والبيئية
  • نهج استراتيجي (غير ضيّق الأفق) فيما يتعلق بتخصيص الموارد
  • زيادة التركيز على الاستثمار في القدرات والابتكارات الجديدة
  • استخدام أموال الشركة بشكل أكثر تحفظاً في مواجهة تقلبات السوق
  • الاهتمام بمواطنة الشركات والقضايا الأخلاقية التي تتجاوز مجرد الامتثال القانوني

لن يعفي نموذج الحوكمة الذي يركز على حاجة الشركات إلى توفير عائد بمرور الوقت من عكس تكلفة رأس المال، لكنه سيجعل الشركات منفتحين على مجموعة مواقف استراتيجية وآفاق زمنية أوسع، وسيُسهّل جذب المستثمرين ممن يشاركون الشركة أهدافها. حيث سيسعى المضاربون دائماً إلى استغلال التغيرات في سعر السهم، ولكن لن يؤثر ذلك على حوكمة الشركات بشكل كبير. إذ أدت نظرية الوكالة، وباقي مذاهب الاقتصاد الحديث الأُخرى، إلى إزالة الفروق بين المستثمرين وحولتهم إلى مضاربين على الأسهم.

وفي حال قُبل نموذجنا، سيملك المضاربون فرص ربح أقل من خلال تحويل المساهمين على المدى الطويل إلى مصدر لزيادة الأرباح وزيادة أسعار الأسهم على المدى القصير. كما أنّ حجة إضفاء الشرعية على مضاربات الأطراف غير الخاضعين للمساءلة ممن لا يُعرف مقدار الأسهم التي يملكونها ستفقد قوتها. إلى جانب ذلك، يمكننا تخيل وجود مجموعة مستثمرين ومدراء أصول جديدة تركز بوضوح على الاستثمار طويل الأجل، وربما تتطور نماذج تقييم جديدة ترى آفاق الشركات بشكل أوسع أو تخصص هامشاً للابتكارات والأصول غير الملموسة ذات القيمة العالية فضلاً عن العوامل الخارجية الأُخرى التي غالباً ما يتم تجاهلها في النماذج الحالية. كما يرغب المساهمون في الاحتفاظ بأسهم في الشركات التي تعد بعودة قوية ومستمرة وتتصرف كمواطن عادي مقارنة بغيرها، وربما يبرز مستشارون وكلاء يخدمون هؤلاء المستثمرين ذوي الرؤى.

نتوقع أيضاً دعم أكبر للتدابير الرامية إلى تعزيز مساءلة المساهمين. على سبيل المثال، يمكن التعامل مع المساهمين النشطين ممن يسعون للحصول على نفوذ أو سيطرة أكبر كمؤتمنين للشركة أو تقييد قدرتهم على بيع أسهمهم. إذ يميل المنظمون إلى المطالبة بشفافية أكثر حول من يملك أسهم الشركة. وبشكل أكثر تحديداً، يُطلب من صناديق الاستثمار الكشف عن هويات مستثمريها وتوفير معلومات إضافية عن طبيعة حوكمتها. ويجوز للمنظمين إقفال نافذة العشرة أيام المتاحة حالياً بين الوقت الذي يستحوذ فيه صندوق التحوط على حصة عليه الإفصاح عنها وبين قيامه بالإفصاح عنها فعلياً. حيث تواجه الجهود الرامية إلى إغلاق النافذة حالياً مقاومة من أنصار نظرية الوكالة ممن يقولون بأنّ هناك حاجة إلى إعطاء صناديق التحوط حافزاً كافياً لمعرفة أداء المدراء وطرد ذوي الأداء الضعيف.

استنتاج

آن الأوان لتحدي نموذج الحوكمة المؤسسية القائم على الوكالة، والذي يقوم على تعظيم قيمة المساهمين دون الاهتمام بالشركة وقادتها والابتكار والتجديد الاستراتيجي والاستثمار في المستقبل. حيث أثبت التاريخ أنه مع الإدارة المستنيرة والتنظيم المعقول، يمكن للشركات لعب دور مفيد ومساعدة المجتمع على التكيف مع التغيير المستمر. ولن يحدث هذا إلا إذا امتلك المدراء والرؤساء سلطة تقديرية كافية لاتخاذ نظرة أطول وأوسع للشركة وأعمالها. وطالما أنهم يواجهون احتمال هجوم مفاجئ من قبل مالكين أسهم يريدون أرباحاً قصيرة الأجل، لن يكون لقادة الأعمال اليوم خيار سوى التركيز على الأمور قصيرة الأجل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي