يملك كلّ منا طريقة مبدئية للتعامل مع الخلافات، وتكون إمّا بتجنبها أو السعي لحلها. فمن يتجنبون الخلافات يبتعدون عن التصادم مع الآخرين خوفاً من تفاقم الخلاف، ويقدّرون الانسجام والعلاقات الإيجابية، وغالباً ما يحاولون تهدئة الآخرين أو تغيير الموضوع. فهم لا يُريدون إيذاء مشاعر أحد أو تعطيل حركة الفريق. أمّا من يسعون لإيجاد حلول للخلافات، (وأنا واحدة منهم)، يندفعون للدخول في خلافات مع الآخرين. ويميلون للاهتمام بالصراحة والصدق ويفقدون صبرهم عندما لا يجدون صراحة وصدقاً مماثلين من الطرف الآخر، بالإضافة إلى أنهم لا يوجد لديهم مشكلة من إثارة المشاكل.
لا يمكننا القول أنّ إحدى الطريقتين أفضل من الأُخرى، ولربما كانت طريقتك التي تتبعها ناتجة عن عدة عوامل، كتجارب سابقة مع الخلافات أو اتباعك لثقافة المكان الذي نشأت فيه أو المؤسسة التي تعمل ضمنها، أو نسيج المؤسسة أو حتى القواعد المبنية على أساس كونك رجل أو امرأة. وفي حين أنّ كلاً منا يتّبع طريقة يفضّلها على الأُخرى عموماً، فإنه من النادر اتباع الطريقة ذاتها دائماً. بل يبدو أننا نتبع طريقتنا بحسب طبيعة الخلاف وبحسب الشخص الذي نختلف معه بالإضافة إلى أمور أُخرى تجري في المكتب. على سبيل المثال، يمكن أن تسعى لحلّ الخلاف مع والدتك وتتجنب الخلاف مع مديرك.
ومع ذلك، من المفيد معرفة الطريقة التي نميل إليها بطبيعتنا، ومن المفيد أن نفكر قليلاً بالأسلوب الذي يتبعه الشخص الذي نختلف معه. فكيف يجب عليك التصرف إذا كنت ممن يسعون لإيجاد حلّ للخلاف وكان الطرف الآخر ممن يتجنبونه؟، هل سيكون التوصل إلى حلّ أمراً مستحيلاً إذا كنتما كلاكما ممن يتجنبون الخلافات؟
من الجيد معرفة كيف يتصرف الشخص الآخر في موقف متوتر عموماً. لذلك عليك أن تقوم بتقييم طريقة زميلك إن لم تكن تعرفها مسبقاً. فكر بالشخص الذي تتعامل معه. كيف يتواصل إجمالاً؟ وكيف يفضّل أن يتم التواصل معه؟ هل هو ممن يقولون ما يفكرون به مباشرة وصراحة أم يميل للمناورة؟ فإذا كنت تعمل كثيراً مع الشخص الذي تختلف معه فلا بد أنك تعرف طريقته في التعامل مع الخلافات، أما إن كان تعاملك معه قليلاً سيتوجب عليك الأمر جمع معلومات أكثر لتتعرف على طريقته. إذ أنه يمكن أن تختلف مع شخص يعمل في بلد آخر لا تراه إلا في الاجتماع السنوي، أو ربما يكون خلافك مع مدير قسم آخر ويعمل في بناء غير البناء الذي تعمل ضمنه. لذلك، من الأفضل أن تحصل على بعض المعلومات عن الطرف الآخر, وألّا تتشاجر معه دون أن يكون لديك ما ترتكز عليه في طريقة تعاطيك مع المشكلة.
إليك بعض الطرق لتقييم طريقة الطرف الآخر في التعامل مع الخلافات:
ابحث عن نماذج
سواء كنت تعرف خصمك جيداً أم لا، اتخذ موقع المراقب. كيف يتصرف عند النقاشات المحتدة في الاجتماعات؟ ما التعبير الذي يعتلي وجهه عندما يتشاجر الآخرون أمامه؟ هل يختصر الطرق في الخلافات ويكتفي برؤوس الأقلام أم يفضّل رؤية الصورة الكاملة للمشكلة بكل تفاصيلها؟، ماذا لاحظت من أسلوب تواصله مع الآخرين؟
خذ آراء الآخرين
يمكنك أن تسأل زميلاً أو اثنين عن رأيهم بشخصية خصمك. لكن انتبه ألّا تتحدث عنه بسوء أمام الجميع، بل اطلب من زملائك تأكيد ما لاحظته أنت فقط أو نفيه. كأن تقول مثلاً: "لاحظت أنّ عمرو فقد أعصابه في الاجتماع، هل هذه حاله دائماً؟"، أو أن تقول: "لاحظت أنّ هناء تجنبت دخول نقاش مع أيهم عندما سألها عن صحة حساباتها. هل لاحظت ذلك أيضاً؟"
بالطبع، عليك أن تسأل شخصاً تثق به، فأنت بالتأكيد لا ترغب بأن يكتشف من تختلف معه أنك تتلصص عليه.
كن مباشراً بسؤالك
ليس محبذاً أن تطرح سؤال: "كيف تودّ التعامل مع الخلاف؟" بصورة مباشرة لأنه سيكون أمراً محرجاً، ونادراً ما تجد شخصاً مستعداً للإجابة عن مثل هذا السؤال. بل ابدأ الحديث بطرح ما تفضّله أنت، كأن تقول: "لربما لاحظت أنني لا أتهرب من الخلافات ولا أحب المناورة". كما يمكنك أيضاً أن تطرح عليه ملاحظاتك عمّا رأيته منه بلباقة. حيث يمكن أن تقول: "يبدو لي أنك تفضّل المناورة وتفادي الخلاف بحسب طريقة إجابتك لأسئلة زيد في اجتماع صباح اليوم. أليس كذلك؟"
وبمجرد أن تتمكن من فهم طريقته بصورة جيدة يمكنك أن تقدم له معلومات أكثر عن خيار آخر للتعامل مع الخلاف. كما يجب عليك أن تفكر كيف سيكون التفاعل المتبادل لطريقتيكما. هل يمكنك أن تتوقع شجاراً صاخباً إذا كنتما كلاكما ممن يسعون لإيجاد حلّ؟ أم هل عليك أن تُحجم عن محاولة مناقشة المشكلة بصورة مباشرة إذا كنتما كلاكما ممن يتجنبون الخلافات؟
وهنا سنناقش كل حالة ممكنة وننظر ماذا يحدث إجمالاً وكيف يمكنك أن تعالج المشكلة بأفضل شكل.
كلاكما ممن يتجنبون الخلافات
ما يحدث عادة:
- كلاكما يميل نحو عدم فعل أي شيء.
- ربما تقوم بكبت مشاعر قد تتفجر لاحقاً.
ما يجب عليك فعله:
يجب أن يأخذ أحدكما زمام المبادرة. قل بصورة مباشرة: "أعلم أنّ لا أحد منا يُحب الخلافات، ولكن ما الذي يمكننا فعله لمعالجة المشكلة عوضاً عن تجاهلها؟". إلى جانب ذلك، افعل ما بوسعك لاستدراج الطرف الآخر بلطف وحكمة. وإذا اشتدت الأمور بينكما عليك أن تقاوم غريزتك الطبيعية التي تدفعك للهروب.
كلاكما ممن يسعون لإيجاد حلّ
ما يحدث عادة:
- لا يخاف أي منكما من قول ما يفكر به.
- يمكن أن يحتدّ النقاش بينكما بسهولة.
- قد يصل بك الأمر إلى قول أمور لا تعنيها حقاً في أوج المواجهة.
- يشعر كلاكما بأنّ الآخر قلل من احترامه.
ما يجب عليك فعله:
بما أنّ كلاكما مندفع لحلّ المشكلة، خذ وقتاً أكبر للاستعداد للمناقشة. فعليك إدراك أنك ستشعر بأنّ صبرك قد نفد، لذلك جهّز خطة للنقاش تمنح كلاً منكما عدة فرص للاستراحة. وكن مستعداً، فيمكن للأمور أن تتأزّم. لذلك، اقترح أن تأخذا وقت استراحة، تناولا فنجاني قهوة أو اخرجا للمشي قليلاً أو اذهبا إلى مكان آخر للمساعدة على تهدئة انفعالكما.
أنت ممن يسعون لحلّ الخلاف وخصمك ممن يتجنبونه
ما يحدث عادة:
- تميل لجعل خصمك يوافقك الرأي بالقوة.
- قد يتصرف خصمك بعدائية سلبية لإيصال وجهة نظره.
ما يجب عليك فعله:
اطلب من خصمك أن يشارك في النقاش بفعالية لا أن يكتم رأيه. ولا تكن عنيفاً متسلطاً. بل كن صبوراً وتحمل بطء سير النقاش.
أنت ممن يتجنبون الخلافات وخصمك ممن يسعون لحلها
ما يحدث عادة:
- قد تشعر برغبة في اتخاذ دور "الشخص الجيد" ومجاراة خصمك فيما يريده.
- ربما تشعر أنّ خصمك يسحقك بطلباته.
ما يجب عليك فعله:
اطلب ما تحتاجه بصراحة ووضوح. كأن تقول: "إذا كنت تريد أن يكون نقاشنا هذا مثمراً، فأنا أحتاج منك لأن تكون صبوراً وتنتبه لنبرة صوتك وأسلوبك في الكلام معي". إلى جانب ذلك، افرض احترامك على خصمك بكونك صريحاً ومباشراً. ولا تأت على ذكر تقليل الاحترام، فهو ما قد يثير غضب الطرف الآخر.
أخيراً، يمكننا القول أنه مهما كانت حالتك، تذكر أنّ هدفك هو الوصول إلى حلّ للخلاف، وليس الحكم على طريقة الآخرين في التعامل معه. وتجنّب قول شيء مثل: "لدينا مشكلة هنا لأنك على ما يبدو لا تعرف كيف تناقش المواضيع الصعبة". بل عليك أن تتعاطف مع الشخص الآخر، ومع نفسك أيضاً، وأخذ ما تعرفه عن طبيعتيكما بعين الاعتبار من أجل تجاوز المشكلة بحكمة وحذر.