هل تشهد شركتك فترات رخاء وازدهار؟ إذاً آن الأوان لتفعيل خطة بديلة

4 دقائق

تعرِف الشركات المزعزعة أكثر من أي أحد أننا جميعاً عرضة لزعزعة أعمالنا، حتى أسرع مما نتخيل. كلنا بحاجة إلى فصل ثانٍ وربما حتى ثالث. تحتل المسرحيات وحيدة الفصل مكانتها في المسرح، غير أنها عموماً ليست محببة لمشوار العمل أو تاريخ الشركة. التحدي الذي يلوح في الأفق هو التوقيت؛ فغالباً ما نحتاج إلى الانتقال إلى الخطة البديلة بينما ننشغل بتنفيذ الخطة الرئيسة. وما أن تلوح في الأفق حقاً شركة مزعزِعة لنمط مزاولة الأعمال، وإذا لم نكن قد مضينا قدماً بالفعل في الهيمنة على نطاق جديد، فسنجد أنفسنا محاصرين.

لننظر إلى شركة "كوستكو" (Costco)، على سبيل المثال، وهي عبارة عن متجر ضخم حقق نجاحاً منقطع النظير ويعمل تحت مظلة شركة أخرى تُعرف ببساطة باسم "كوست" (COST) أو حتى "سام كلوب (Sam’s Club) أيضاً، ذراع أعمال متجر "وول مارت" المؤَسس على النمط نفسه. ولقد مر على مزاولة هذين المتجرين الكبيرين لأعمالهما ثلاثة أو أربعة عقود إلى الآن، حيث زعزعا تجارة التجزئة وأجبرا المنافسين على التكيف مع الثورة التي أحدثاها.

لكن هناك جرس إنذار لوجهات التسوق المعروفة هذه. بالنسبة للذين يترددون على هذه المتاجر، فإن تجربة حروب ساحة الانتظار بالخارج والحركة المرورية العصيبة في ظل تكدس عربات التسوق بالداخل تجعلك تتساءل كيف يمكن لأي إنسان أن يعتقد أن ثمة مشكلة تتبلور في عصرنا هذا. وبالنسبة للذين لا يألفون منكم تلك الشركات، فإن الأساس المنطقي الرئيس لديها هو أن المتسوقين يشترون عضوية سنوية لـ "النادي" ويمكنهم حينئذ التمتع بخصومات على مجموعة كبيرة من البقالة والسلع المنزلية وغيرها من المنتجات. يجب أن تكون على استعداد للشراء بالجملة، ولكن إذا كنت كذلك، فالوفر الذي ستحققه سيكون مهولاً. فما الذي لا يروق لنا في هذه المنظومة؟

أولاً، هذه المتاجر عبارة عن وجهات يقصدها الناس. وموقعها أغلب الظن في مناطق حضرية، ويسهل الوصول إليها من الطرق السريعة من طُرق الخدمة، وتلبي احتياجات التسوق للعائلات الأكبر حجماً عادةً التي تعيش في بيوت أكبر تنتشر في ضواحي المدينة. لكن الوصول إليها ليس ميسوراً مثل سوق الحي. لم يكن هذا عنصراً مهماً في أثناء فترات الذروة؛ فقد كان المتسوقون على استعداد للقيادة لمسافة أطول، ولا سيما طالما أن متجري "كوستكو" و"سام كلوب" يبيعان البنزين بأسعار مغرية، لشراء احتياجاتهم بالجملة واستغلال الخصومات.

لكننا الآن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وتشهد الخصائص السكانية تحولات بطرق ليست في صالح تلك المتاجر. فالمستهلكون الأصليون أصابهم الكبر، وقصد الجيل الأصغر سناً المركز الحضري حيث البيوت/ الشقق أصغر حجماً ومناسبة لحجم عائلاتهم، ولم يعد الشراء بالجملة مغرياً لهم. إذا كان لديك مساحة تخزين محدودة جداً، ، فمن المرجح ألا تشتري دزينة من ورق المراحيض — وهو المنتج الأكثر مبيعاً بمتجر "كوستكو" — مرة واحدة. وعلى الأقل ثمة عنصر واحد من كل خصيصة سكانية، بداية من خريجي الجامعات وحتى الآباء الذين استقل عنهم أبناؤهم، بدأت تقيم وزناً لحياة "البساطة". فهي أقل إهداراً للموارد، سواء موارد الفرد أو العائلة، وكذلك موارد العالم ككل.

إن هذه التفضيلات المتطورة للأجيال المتعاقبة، أو حتى في الجيل نفسه في مراحل حياتية مختلفة، دقيقة جداً وغير محسوسة غير أنها قوية في نهاية المطاف. وهي واحدة من المحفزات الأساسية للابتكار وتعطيل نمط الحياة السائد؛ ثمة أولويات جديدة تظهر وتخلق احتياجات بانتظار أن تُلبى وتفتح الباب أمام مجالات جديدة ليست حافلة بالمنافسين بعد. لكن هذه التغييرات أيضاً تمثل تحدياً كبيراً للشركات الراسخة والراكنة إلى وضع لا يتطور بحيث يواكب تلك التغيرات. لقد كتبت مؤخراً عن طول عمر شركة "ماكدونالدز"، ولاسيما منتجها "بيج ماك"، التي شارفت على الخمسين عاماً. وبعدها بفترة وجيزة، صادفت بيانات مُنذرة بأفول نجم الشركة مفادها أن شخصاً واحداً فقط من بين 5 أشخاص من أبناء أوائل الثمانينيات وأوائل الألفية الثانية قد جرّب شطيرة "بيج ماك" واحدة. وثمة مؤسسات أميركية تتجاوز "ماكدونالدز" عمراً حتى أطاحت بها مؤسسات أخرى. ما من أحد في منأى عن ذلك.

إن مشكلة الخصائص السكانية التي تعانيها شركة "كوستكو" يمكن تذليلها؛ فالمناطق الحضرية لن تختفي بين ليلة وضحاها، مما يسمح بفسحة زمنية للتكيف، والواقع قد تشهد انبعاثها كما حدث في حالة المراكز الحضرية التي هجرها الناس في فترة من الفتات. لا يروق العيش "البسيط" للجميع، وخاصةً في الولايات المتحدة حيث يتجاوز متوسط حجم البيوت الجديدة ما كانت عليه البيوت عام 1973 بألف قدم مربع، أي قبل سنوات قليلة من بداية نشأة نموذج المتاجر الصغيرة. ومن الواضح أنه ما زالت هناك مساحات لتخزين كل ورق المراحيض هذا، ومن ثم فتلك البيوت بيئة لائقة للذين يبيعون ورق المراحيض بكميات كبيرة.

ومع ذلك، نجد أن ثمة منافسة تهدد حتى خدمة "أمازون برايم" هي شركات جديدة منافسة. فمن المتوقع أن تظهر شركة "بوكسيد دوت كوم" (Boxed.com) كشركة مزَعزِعة حيث تتيح نمط فرصة التسوق بالجملة عبر شبكة الإنترنت نفسه. ورغم أن تلك الشركة لديها حالياً مجموعة محدودة جداً من المنتجات، فهي في توسع مستمر ولا تفرض الشركة رسوم عضوية للتسوق. والشحن مجاني للمشتريات التي تتجاوز مبلغاً متواضعاً من المال له حد أدنى. وهناك شركات وليدة للتسوق عبر الإنترنت تقدم تنويعات للتسوق على هذه الفكرة. وفي مناخ يتعين فيه على شركات مثل "أمازون" حتى أن ينتابها القلق، كيف تتكيف المتاجر الفعلية على أرض الواقع مع السوق المتغيرة؟

إنها لا تتكيف على الإطلاق، الأمر الذي يسوقنا إلى المشكلة الثالثة الكبرى: بدأ المحللون يلاحظون أن أعداد العضويات الجديدة في تراجع مستمر — فرسوم العضوية مصدر لعائدات مهولة — بالإضافة إلى أن المبيعات كما هو واضح أقل قوة إذا تراجعت قاعدة العملاء. يبدو أن أكبر نقد ومصدر قلق هو أنه لا توجد خطة بديلة. بناءً على البيانات المتاحة، وفي ظل غياب التغير، هناك تحذيرات متزايدة للمستثمرين حول السلامة المستقبلية لنموذج عمل شركة "كوستكو". إن المستثمرين الواعين للحقيقة يعجلون بتراجع الأعمال، ويفاقمون من سوء الأحوال حتى أسرع بكثير من التحول من التركيز السكاني الضاحيي إلى الحضري.

ثمة درس مستفاد هنا لنا جميعاً؛ وهو أن الوقت اللازم لصياغة الخطة البديلة، بل والشروع في تنفيذها، هو سلفاً لاحتياجنا لها. إذا انتظرنا لحين تراجع النمو أو لحين وقوع الكساد أو حدوث التحول المستقبلي، فسنكون عرضة لخطر التخلف عن الركب. في منتصف عرض الفصل الأول من المسرحية، وقبل أن يُسدل الستار بفترة طويلة، يتعين علينا إعداد الملابس للفصل الثاني وتجهيز الأدوات المساعدة. انظر إلى الموسيقيين المعروفين تاريخياً على أنهم عجائب لن تتكرر. ربما أن النجاح العابر كان أفضل من الفشل الذريع، لكنه ليس النتيجة المذهلة التي نعقد الآمال على تحقيقها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي