من المؤكد أننا جميعاً صادفنا مدراء سيئين، سواء كانوا من نوعية المدراء الطموحين والعدوانيين الذين لا يتورّعون عن فعل أي شيء في سبيل ارتقاء السلم الوظيفي بالشركة، أو العكس، أي مدراء وصلوا إلى مناصبهم بطرائق ملتوية ويفتقرون إلى المهارة أو الإرادة اللازمتين لأداء مهام منصبهم على الوجه الأكمل.

وما زلت في حيرة من أمري بشأن السبب الذي يجعل هذا العدد المهول من المدراء يسيئون أداء أدوارهم بهذا الشكل الذي يدعو إلى الرثاء. لقد عرفنا كيف تبدو “الإدارة الرشيدة” لعقود من الزمن، وأُنفِقت مبالغ طائلة على برامج تنمية المهارات الإدارية لمساعدة المدراء على تحسين مستوى أدائهم. ومع ذلك، لا تزال المشكلة قائمة؛ ففي استقصاء أجريته مؤخراً، كان أقل من ربع المشاركين في الاستقصاء يشجعون الآخرين على العمل تحت إشراف مدرائهم.

لعل المشكلة تكمن في اعتمادنا على تعليم الممارسات الإيجابية؛ إذ نُبرِز السلوكيات التي يجب على المدراء التحلي بها، إلى أن ينتهي بنا المطاف إلى الوقوع في مزلق الابتذال. على سبيل المثال، عندما طرحت شركة جوجل برنامجاً يستند إلى البيانات الضخمة لتحديد ما يميز أفضل مدرائها عن غيرهم، انتهى بهم المطاف إلى عبارات مبتذلة، مثل: “كن مدرباً جيداً” و”احرص على تمكين فريقك” و”أتقِن أساليب التواصل”.

لذا دعونا نجرب النهج المعاكس الذي يركز على السلوكيات السيئة التي نحاول التخلص منها.

وأستعرض فيما يلي نتائج محاولتي لمعرفة كيف تبدو الإدارة السيئة، قياساً على التعبير الشهير “الخطايا السبع القاتلة”. لقد طورت هذه الأفكار خلال ندوات نقاشية مع مسؤولين تنفيذيين ناقشنا خلالها تجاربهم في الإدارة الرشيدة والسيئة. ربما كنا بحاجة بطبيعة الحال إلى إعادة صياغة أوصاف مثل “الجشع” و”الشهوة” بحيث تصلح للاستخدام في الحياة المؤسسية، وإن كنتُ أعتقد عموماً أنهما صالحان للاستخدام في هذا السياق. أعددتُ أيضاً استبياناً صغيراً لمساعدة الموظفين المكتبيين في مختلف أنحاء المملكة المتحدة على تقييم مدرائهم المباشرين. هل يرتكب مديرك واحدة أو اثنتين فقط من هذه الخطايا الإدارية؟ أم أنه يرتكب الخطايا السبع كلها؟

الخطايا الإدارية

أوضحتُ بعض الخطايا الإدارية بأمثلة مستقاة من حياة رؤساء تنفيذيين مشهورين؛ لأننا جميعاً على دراية تامة بقصصهم. ولكن الخطايا الإدارية تنطبق بطبيعة الحال على جميع المسؤولين في مختلف المستويات الإدارية في المؤسسة؛ فهي تنطبق على المشرف المباشر بقدر ما تنطبق على رئيس الشركة أو المؤسسة.

الجشَع: المدير الجشِع هو مَنْ يبحث عن الثروة والمكانة والنمو رغبةً في نيل الشهرة وتسليط الأضواء عليه. يوصف هذا المدير باختصار بأنه مؤسِّس الإمبراطورية، ولسنا مضطرين إلى البحث بعيداً للعثور على أمثلة للمدراء المؤسِّسي الإمبراطوريات. ولعل أبرز الأمثلة على هذه النوعية من المدراء اليوم رائد الأعمال البرازيلي الذي جعل شركة إي بي إكس غروب (EBX Group) للطاقة والتعدين والخدمات اللوجستية أسرع الشركات نمواً في البرازيل، إيك باتيستا الذي صار هو نفسه ثامن أغنى شخص في العالم. كان باتيستا متزوجاً من امرأة ظهرت على غلاف مجلة “بلاي بوي” وبطلاً سابقاً في سباقات الزوارق الفائقة السرعة، ووصل به الجشع إلى أن وضع نصب عينيه أن يصبح أول شخص في العالم يمتلك ثروة قدرها 100 مليار دولار، وهكذا ازداد جشعه إلى أن سقط في النهاية سقوطاً مدوياً.

الشهوة: ترتبط الشهوة أيضاً بالمشاريع التي لا تهدف لشيء سوى التباهي والتفاخر، كالمشاريع الاستثمارية أو عمليات الاستحواذ الخالية من أي معنى منطقي، ولكنها تلبي رغبات المدير. وأول مَنْ يتبادر إلى الذهن هنا وريث إمبراطورية سيغرام (Seagram)، إدغار برونفمان. فما أثار “ذهول الكثيرين” في عالم الأعمال إقدامه على التنازل عن حصة مجموعته ذات القيمة الكبيرة في شركة الكيماويات العملاقة، دو بونت (Du Pont)، من أجل شراء حصة كبيرة في شركة يونيفرسال ستوديوز (Universal Studios). يمكننا تفسير دوافعه بإلقاء نظرة سريعة على سيرته الذاتية التي تشير إلى أنه كان مُحباً لكتابة الأغاني وصناعة الأفلام منذ أن كان في سن المراهقة.

الغضب: لا يحتاج الغضب إلى الكثير من التفسير. يكفي أن تفكّر في شخصيات مثل ألبرت دنلاب “المنشار”، فرِد غودوين “القاسي”، جاك ويلش “القنبلة النيوترونية”؛ هؤلاء جميعاً كانوا مشهورين بانفلات أعصابهم. نرى أمثال هؤلاء المدراء في جميع مستويات السلّم الوظيفي؛ كان وجه أول مدير عملت تحت إشرافه يحتقن بحمرة الغضب وترتعش أطرافه ثم يصرخ في وجه موظف مسكين بسبب فشله في تصحيح أخطاء أحد البرمجيات على النحو المطلوب.

الطمع: الطمع في عالم الأعمال هو تلك الرغبة التي تداعب المدير للاضطلاع بمسؤوليات قد لا يطيقها؛ فهو يريد التدخُّل في القرارات كلها ويريد الاطلاع على آخر المستجدات باستمرار ولا يحاول أن يستريح أبداً. نطلق على هذا الأسلوب الإداري اسم “الإدارة التفصيلية”، وهو الأسلوب الذي اتبعه غوردون براون خلال المدة القصيرة التي شغل إبانها منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة، إذ كان يصر على مراجعة أبسط القرارات الإدارية والنفقات بنفسه. العمل مع أمثال هؤلاء المسؤولين ليس ممتعاً بالمرة؛ لأنهم يحبون، على حد تعبير تشارلز هاندي الشهير، “سلب” مرؤوسيهم حقهم في اتخاذ القرار. هناك أيضاً خطر تعثُّر عملية صناعة القرار؛ إذ يشير الرئيس التنفيذي لشركة ليغو، يورغن كنودستورب، إلى أن الشركات أكثر عرضة للفشل بسبب “عسر الهضم” وليس بسبب “الجوع”، وهو ما اكتشفته حكومة حزب العمال برئاسة غوردون براون.

الكبرياء: يتحوّل الكبرياء المحمود إلى نوع من الغرور، وهو المبالغة في تقدير المرء لقدراته. وفي كل الأزمات الأخيرة التي شهدتها الشركات، وفي مقدمتها نيوز إنترناشيونال ونوكيا وبي بي وحتى تويوتا، كان هناك دليل ملموس على اتصاف أسلوب المسؤولين التنفيذيين في قمة هرم السلطة بالغرور؛ إذ تتملّك الكبرياء من المسؤولين، في واقع الأمر، قبل انهيار الشركات. ولعل أبرز قصة كبرياء قاتلة شهدها عالم الأعمال في السنوات الأخيرة كانت قصة إنرون؛ فقد كان مسؤولوها التنفيذيون يحبون أن ينظروا إلى أنفسهم باعتبارهم “أذكى الرجال وأنبههم على الإطلاق”، حتى إنهم اختصروا رؤية الشركة من أن تصبح “شركة الطاقة الرائدة في العالم” إلى أن تصبح “الشركة الرائدة في العالم”. ونعلم جميعاً المصير المؤسف الذي حاق بهذه الشركة.

الحسد: يتجلى أبرز مظاهر الحسد عندما يسطو المدير على إنجازات الآخرين وينسب الفضل لنفسه؛ لكن الحسد يطل برأسه أيضاً بأساليب أقل وضوحاً: عندما يفضّل المدير عدم ترقية موظف واعد خوفاً من كشف أوجُه قصوره وإظهار نقاط ضعفه؛ أو عندما يحتفظ لنفسه بمعلومات مهمة بدلاً من مشاركتها مع أعضاء فريقه.

الكسل: الكسل هو اتصاف المرء باللامبالاة في مكان العمل، والمدراء الذين يقعون فريسة للكسل لا يؤدون عملهم ببساطة. يتصف هؤلاء المدراء بالإهمال ويعجزون عن التواصل بفعالية ولا يُبدون أي اهتمام باحتياجات فِرقهم. ويركزون بدلاً من ذلك على راحتهم الشخصية وينصبُّ تركيزهم في كثير من الأحيان على اهتماماتهم الشخصية خارج مكان العمل. لقد رأينا جميعاً لمحات من الكسل في مكان العمل، ومن أمثلتها ما يلي: المدير الذي يأخذ استراحة غداء طويلة ولكنه يدّعي أنه “مشغول جداً” بحيث لا يستطيع الجلوس معنا؛ والزميل الذي لا يؤدي العمل المطلوب منه في مقترح المشروع المطلوب تقديمه؛ والمسؤول التنفيذي الذي يعدك بالرد عليك بشأن شيء ما ولكنه لا يفعل ذلك أبداً. على الرغم من أن تداعيات الكسل قلّما تظهر في عناوين الأخبار، فإنني أظن أن الكسل يلقي بظلاله على معظم المدراء. قد تكون تكلفة الكسل مرتفعة للغاية عندما تفشل الإدارة في إجراء التعديلات الاستراتيجية اللازمة عند تعرُّض العمل لأزمة.

إذا أخذنا الخطايا السبع كلها في الحسبان، فسنجد أنها تنطبق بحذافيرها على استراتيجيات الإدارة الكلاسيكية، إذ يحدّد المدير الاتجاه العام ويراقب مستوى الأداء ويتكفّل بمراجعته، ثم يُجري التعديلات اللازمة.

إذا كنت مديراً (ومعظمنا كذلك)، فقيّم نفسك بنفسك، واكتشف أياً من هذه الخطايا تغريك نفسك بارتكابها أكثر من غيرها. وتذكر أنه لا يوجد شخص مثالي خالٍ من العيوب، ولعلك ارتكبت واحدة على الأقل من هذه الخطايا. وإذا كنت تمتلك الجرأة والشجاعة الكافيتين، فاطلب من أعضاء فريقك أن يقيّموك، مع اعتبار هذا التقييم إجراءً استثنائياً أو جزءاً من عملية موسَّعة لتقييم الأداء بطريقة 360 درجة. أصعب جزء هنا هو التصرف استناداً إلى المعلومات التي تتلقاها. لكن ميزة هذا النهج، مقارنةً بغيره من الأساليب المماثلة، أنه يمكّننا على الأقل من وضع أيدينا على الجرح الذي لطالما حاولت تجنُّبه.

قيّم مديرك

أجب عن الأسئلة السبعة التالية لتقييم نفسك بنفسك أو لتقييم مديرك الحالي. أجب عن كل سؤال على مقياس من 1 إلى 5، حيث 1 = “لا، على الإطلاق” و5 = “نعم، إلى حد كبير جداً”.

  1. إلى أي مدى تسعى أو يسعى مديرك إلى النمو من أجل النمو فقط؟
  2. إلى أي مدى تتابع أو يتابع مديرك المشاريع المفضلة التي يهتم بها، بغض النظر عما إذا كانت تتوافق مع أهداف المؤسسة؟
  3. إلى أي مدى تبدو أنت أو يبدو مديرك غاضباً إلى حد الجنون في العمل عند ارتكاب أخطاء صغيرة نسبياً؟
  4. إلى أي مدى تتدخل أو يتدخل مديرك في كل كبيرة وصغيرة تخص المشاريع التي يشرف عليها ويتولى مسؤوليتها؟
  5. إلى أي مدى تسعى أو يسعى مديرك إلى الحصول على التقدير ونيل الاستحسان لمنجزاته التي حققها؟
  6. إلى أي مدى تحاول أو يحاول مديرك السطو على جهود الآخرين لكي ينسب الفضل لنفسه في كل عمل يجيدون أداءه؟
  7. إلى أي مدى تحاول أنت أو مديرك استغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية، بدلاً من الاهتمام باحتياجات الآخرين ومصلحتهم؟

احسب عدد الأسئلة الحاصلة على 4 درجات و5 درجات لتعرف عدد الخطايا الإدارية التي قد تغريك نفسك أو تغريه نفسه بارتكابها.