زادت مشاعر الإحباط بعد مضي أكثر من 90 دقيقة على بدء الاجتماع وبدأت تتحوّل إلى غضب عارم؛ إذ قدّم مدير المنتج دراسة جدوى مُحكمة وقوية ومقنعة ولا تقبل الجدل من وجهة نظره لطرح ابتكار ذكي في السوق، لكنه فشل في إقناع الرئيس التنفيذي للتسويق الذي بدا غير مبالٍ.
لم يكن الرئيس التنفيذي للتسويق المسؤول الرئيسي عن خط المنتجات، لكنه كان مسؤولاً عن مكانة العلامة التجارية والتموضع الاستراتيجي؛ وصرّح خلال الاجتماع بأنه فهم عرض القيمة تماماً، لكنه خشي أن يؤثر في المكانة المتميزة التي يريدها للمنتج، فلم يوافق على أي إجراء إضافي لتطويره.
فقدَ مدير المنتج أعصابه في قاعة الاجتماع المليئة بخبراء التسويق ومطوري البرمجيات قائلاً: "ما الأدلة التي يمكنني تقديمها لك لإقناعك بتغيير رأيك؟".
كنتُ جالساً بهدوء في زاوية القاعة، وكنت أعرف بالضبط ماهية الرد الذي سيُجيب به الرئيس التنفيذي للتسويق
الذي قال وهو ينظر إلى مدير المنتج الغاضب مباشرة: "لا شيء؛ لن يقنعني أي دليل أو حجة".
شهدتُ مواقف مشابهة لتلك الحادثة ما يربو على 12 مرة (وسمعتُ العديد من القصص المماثلة أيضاً) ولم أعد أشعر بالدهشة منها، منها عروض ترويجية قُدمت أمام المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال المغامرة (الجرئية)، ومدراء العلامات التجارية، ولجان استعراض المنتجات، و(أو) الرئيس التنفيذي، لكن من الواضح أن ذلك ليس مهماً. في الواقع، يمكن عدّ المواقف التي قدّم فيها المسؤول عن اتخاذ القرار إجابة حقيقية وقابلة للتنفيذ حول كيفية إقناعه على أصابع اليد الواحدة (في إحدى الحالات، تعيّن على رائد الأعمال الطموح الحصول على موافقة مستشار الشركة العام؛ وفي حالة أخرى، تعيّن على المبتكر الحصول على موافقة خطية من مورّد مهم بشأن استخدام مكوّنه في المنتج المُبتكر).
ويكون الرفض شخصياً أحياناً؛ بمعنى أن يكون مقدّم العرض الترويجي غير محبوب ويحصل على رفض لإذلاله أو إهانته فقط. وفي حالات أخرى أكثر شيوعاً، يكون سبب الرفض ناجماً عن عدم استعداد مقدمي العروض الترويجية بالدرجة الكافية؛ أي أنهم يفرطون في اعتمادهم على العمليات التنظيمية والقوائم المعدة إعداداً سابقاً في التحضير للعرض؛ يستوفي مثل هؤلاء الأشخاص الشروط اللازمة لتقديم العرض (وإلا فلن يحظوا بفرصة تقديمه أساساً)، لكنهم يفشلون في البحث عن الأدلة التي تقنع صنّاع القرار الرئيسيين بالموافقة على اقتراحاتهم.
يجب ألا يقدّم الموظفون عروض ترويج لمشاريعهم المبتكرة دون جمع معلومات ورؤى حقيقية حول الحجج التي ستدفع صنّاع القرار إلى تغيير آرائهم. ويجب أن تكون الإحصائيات الصحيحة متوافرة أيضاً بالطبع، لكنني مدهوش من عدم وعي فِرق المنتجات الجديدة أو مجموعات العمل المستقلة بمصطلحات العلامة التجارية، أو النقاط الاستراتيجية المبهمة، أو المسائل التجارية المهمة بالنسبة لأصحاب السلطة الذين يحاولون إقناعهم بمنتجاتهم. في الواقع، يمكن للأشخاص الأعلى سلطة في قاعة الاجتماع إدراك مدى استعداد الشخص الذي يسعى للحصول على موافقتهم قبل أن يقدم العرض، وقد يفتخر صنّاع القرار أصحاب التحيزات والأحكام المسبّقة بأنفسهم عندما تثبت صحة أحكامهم المسبّقة صراحة أو ضمناً، على الرغم من أن افتخارهم هذا قد لا يكون ملائماً.
قدّم فريق المنتجات في إحدى شركات الأجهزة الطبية عرضاً مقنعاً جداً لدرجة أنني طلبت معرفة سبب عدم حصوله على موافقة بالتطوير سابقاً، لكن لم يملك أعضاء الفريق إجابة شافية. فنصحتهم بإجراء بحث لتقصي السبب؛ وبعد أقل من 3 أيام، أرسل لي قائد الفريق رسالة إلكترونية تُفيد بأن الرئيس التنفيذي للتسويق قارن هذا النوع من المنتجات بالمنتجات التي يقدمها المنافس الرئيسي للشركة؛ ولم يكن يرغب في تمويل منتج يُعد نسخة أو تقليداً لمنتجات أخرى.
أثار ذلك السبب حواراً مفيداً حول نهج الرئيس التنفيذي للتسويق في التمايز التنافسي، بمعنى أنه سيقبل المنتجات المقلّدة في حال أضافت ميزات أو قدرات وظيفية تتماشى مع مكانة الشركة الأساسية، ولحسن الحظ تبيّن أن تحقيق ذلك الشرط ممكن.
هل كان يجب على فريق المنتج أن يفهم متطلبات الرئيس التنفيذي للتسويق فيما يتعلق بالتصميم على نحو أفضل؟ هل كان يجب على الرئيس التنفيذي للتسويق تحسين تواصله لضمان أن يفهم الفريق أولوياته؟ بالطبع. لكن هذه التباينات في توقعات التصميم تتكرر دائماً.
يعتقد المبتكرون ورواد الأعمال الداخليون أن مهمتهم هي تطوير أفضل الابتكارات الممكنة ضمن قيود الزمن والميزانية، لكن من الواضح أن هذا الاعتقاد مغلوط وساذج؛ بل مهمتهم هي تطوير أفضل الابتكارات الممكنة التي ستحظى بدعم قوي وحماسي من إداراتهم دون تردد. وبالتالي، يجب أن تكون الإجابة أو الإجابات عن السؤال: "ما الذي سيجعلك تغير رأيك؟" معروفة قبل عرض أول شريحة باوربوينت في الاجتماع.
ثمة استثناء قوي وفريد لهذه النصيحة؛ فقد يكره الرئيس التنفيذي للتسويق الفكرة، وقد يكره مجلس استراتيجية المنتج أفكار مصممك، وقد ترى وحدة الأعمال المنافسة أنك تهديد داخلي لها، لكن الطريقة الأكيدة "لتغيير آرائهم" هي وجود عميل حقيقي وقوي يُبدي اهتمامه بابتكارك المقترح، فالعميل الذي يعبّر عن شغفه وحماسه واستعداده لدفع ثمن الابتكار هو أفضل وسيلة إقناع.
إذا لم يمتلك العميل الرفيع المستوى القدرة على تغيير آراء المعارضة الداخلية في شركتك، فذلك يشير إلى مشكلات أكبر في عملية الابتكار تتعدى قدرتي على حلها.