بحث: استخدام التخفيضات والرسوم الإضافية لتغيير سلوك الأفراد

5 دقائق

فكر في آخر مرة زرت فيها المقهى الذي في حيِك، هل عُرض عليك حسم لإحضار كوب القهوة الخاص بك؟ هذا ما يحدث في مقاهي ستاربكس في الولايات المتحدة، إذ يحصل الزبائن الذين يحضرون أكوابهم معهم على حسم بقيمة 10 سنتات. وهل غُرّمت يوماً بسبب عدم إحضار كوبك معك؟ هذا ما يحصل في مقاهي ستاربكس في ألمانيا، حيث يدفع الزبائن مبلغ 5 سنتات إضافية كغرامة على استخدام الكوب الورقي.

يظهر هذا النوع من المحفزات في كل مكان، فكثير من متاجر البقالة حول العالم تشجع استخدام الأكياس المعدة للاستخدام المتكرر عن طريق تقديم حسوم صغيرة مقابل إحضار أكياسك الخاصة، أو تفرض غرامات صغيرة إذا لم تحضرها. حتى أنه من الممكن أن تواجه محفزات من هذا النوع في العمل، فيزداد عدد الشركات التي تقدم حسوماً لموظفيها لقاء اتباع سلوك صحي معين، (كتقديم حسم على أقساط التأمين عند التسجيل في برامج الحفاظ على الصحة، مثلاً) وتغرّم السلوك غير الصحي (كرفع مبالغ أقساط التأمين على المدخنين، مثلاً).

عادة، تأتي هذه المحفِّزات اليومية في أحد شكلين، حسم أو غرامة، وتُطبق عادة لسبب بسيط، ألا وهو أن النقود تشكل حافزاً للجميع. وقد ثبتُ مرة بعد مرة أن الإنسان يُغير سلوكه عندما يتم تحفيزه مالياً، لأنّ كسب النقود يُسعده، وتؤلمه خسارتها.

ولكن، هل الجانب المالي هو وحده ما يؤثر بنا؟ أم أن هناك شيئاً آخر؟ يُشير بحثنا الذي أجريناه مؤخراً إلى وجود شيء آخر.

أجرينا أربع دراسات شملت قرابة ألفي مشارك، وتوصلنا إلى أنّ بنية الحافز، المتمثلة في الحسم أو الغرامة، تُرسل رسالة خفية للناس بشأن ما يعتقده الآخرون ويفعلونه. يُبين عملنا الذي أجريناه مع زميلنا أون أمير، أنه عندما يواجه الإنسان غرامات (أو حسوماً)، يفهم أن السلوك المحفِّز هو قاعدة اجتماعية أقوى. في إحدى الدراسات مثلاً، قرأ 302 من المشاركين عن مقهى يُحفز الزبائن على إحضار أكواب قابلة للاستخدام المكرر، استنتج المشاركون الذين علموا أن المقهى يُغرّم الزبائن الذين لا يُحضرون أكوابهم معهم أن إحضار الكوب شائع ومقبول اجتماعياً، أكثر من المشاركين الذين علموا أن المقهى يقدم حسماً. وفوق ذلك، كان المشاركون الذين علموا بأمر الغرامة يشعرون بإحراج أكثر وذنب أكبر بسبب عدم التقيد بالتوقعات، وقد أدى رد الفعل العاطفي المتوقع هذا إلى زيادة نية المشاركين لإحضار أكوابهم معهم إلى المقهى.

وعلى اعتبار البشر حيوانات اجتماعية، فهم يملكون حافزاً قوياً للتأقلم مع أقرانهم، أي اتباع ما يفهمون أنه قاعدة اجتماعية. ولهذا السبب، ركّزت حملات كثيرة تهدف لتوجيه الرسائل على القواعد الاجتماعية من أجل النجاح في تغيير عدد كبير من السلوكيات التي تتراوح بين تناول غذاء صحي وإعادة استخدام المنشفة في الفندق. وتشير هذه الأمثلة، وكثير غيرها إلى أنّ استدلال الإنسان على وجود قواعد اجتماعية قوية يزيد استعداده لاتباع السلوك المعياري.

ويقترح بحثنا أن فرض الغرامات يعمل بهذه الطريقة نفسها، فهو يُرسل رسالة ضمنية تفيد بأن اتباع السلوك المستهدف هو قاعدة قوية، وهو ما يُحفز الإنسان على المشاركة فيه ليتأقلم مع المجتمع. أضف إلى ذلك أننا توصلنا إلى أنّ الأشخاص الذين يهتمون كثيراً بنظرة الآخرين لهم هم أكثر حساسية تجاه الغرامات. فمن يقولون إنهم يهتمون بسمعتهم الاجتماعية يلتزمون بالغرامات أكثر من التزامهم بالحسوم، في حين لا يكون لدى الذين لا يظهرون اهتماماً بالتأقلم مع نظرائهم استعداد لتغيير سلوكهم استجابة لصيغة الحافز.

القواعد الاجتماعية تشجع التغيير الدائم

يتمتع تغيير القواعد الاجتماعية بجاذبية خاصة، ولكن ليس من أجل تحفيز سلوك آني فحسب، وإنما لقدرته على تحقيق تغييرات دائمة في السلوك. وفي حين أن المحفزات النقدية (بما فيها الحسوم) تُشجع سلوكاً لمرة واحدة بالفعل، يشير بحثنا إلى إمكانية تحقيق آثار طويلة الأمد على السلوك عند وضع هذه المحفزات في شكل غرامات، لأنها تشير إلى قاعدة اجتماعية.

خذ مثلاً دراسة أجريت على 602 من المشاركين، إذ توصلنا من خلاها إلى أنّ المشاركين الذين يعلمون أن متجر البقالة يفرض غرامة على استخدام الأكياس البلاستيكية يستنتجون أن إحضار أكياسهم الخاصة أمر معتاد ومناسب، أكثر من المشاركين الذين يعلمون أنه يقدم حسماً عند إحضار أكياسهم الخاصة. وبالتالي، قال المشاركون الذين تعرضوا للغرامات إنهم على استعداد أكبر لإحضار أكياسهم الخاصة إلى متاجر بقالة أخرى في المدينة، حتى وإن لم تُستخدم المحفزات الخاصة بالأكياس، ببساطة لأنهم تعلموا أن إحضار أكياس معدة للاستعمال المتكرر هو واجب اجتماعي.

وفي تجربة أخرى، علم 294 طالباً في جامعة كبيرة أننا نشجع الطلاب على استخدام معقم الأيدي (كان ذلك في موسم الإنفلونزا) قبل استخدام أجهزة الكمبيوتر في الجامعة (على اعتبارها بيئة مُعدة لتكاثر الجراثيم). وأتحنا للطلاب فرصة لشراء ظرف من العلكة قبل الدخول إلى مخبر الكمبيوتر، وعلِم نصفهم أن رسوماً إضافية ستضاف إلى مشترياتهم إذا لم يستخدموا معقم الأيدي، في حين علم النصف الآخر أن حسماً سيقدم لهم إذا استخدموا معقم الأيدي. وفي وقت لاحق من ذاك اليوم، راقب المساعدون في البحث الطلاب وهم يمرون بجانب عبوة معقم الأيدي أثناء مغادرتهم المخبر، وبالتأكيد، كان استخدام الطلاب الذي علموا بشأن الغرامة سابقاً لمعقم لأيدي أكثر من استخدام الطلاب الذين علموا بشأن الحسم بما يزيد عن الضعف، حتى من دون تذكيرهم به، ومن دون تقديم حافز مالي. ويشير ذلك إلى أن الغرامات لا تشكل محفزاً مالياً فحسب، بل وتُعلّم الإنسان أن السلوك هو قاعدة اجتماعية، وهي رسالة يبدو أنها تشكل سلوكه اللاحق.

ماذا يعني ذلك؟ مع تزايد عدد المؤسسات والحكومات التي تستعين بالحوافز اليومية الصغيرة من أجل التشجيع على اتباع سلوكيات معينة، يُشير بحثنا إلى أنّ هذه الحوافز تتمتع بقوة أكبر مما نعتقد. فهي تدل على معلومات حيوية بخصوص مدى شعبية السلوك وملاءمته. وتؤدي هذه القرارات، التي تبدو بسيطة بشأن صياغة هذه المحفزات (على شكل حسم أو غرامة)، إلى آثار قوية ودائمة غير متوقعة على سلوك الإنسان. وقد تؤثر الغرامات أيضاً في الأشخاص الذين لا يهتمون بتغيير سلوكهم من أجل حافز بمبلغ 5 سنتات أو 10 أو حتى دولارين، ولا يتعلق ذلك بالمال وإنما برغبتهم في التأقلم مع نظرائهم. وبالنتيجة، يمكن لهذه الحوافز الصغيرة المتمثلة بالغرامات جذب جمهور أكبر مما كنا نعتقد سابقاً، وهو لن يُغير السلوك الآني فحسب، وإنما سيغير السلوك لاحقاً أيضاً.

وبالنسبة للمدراء الذين يصيغون المحفزات لموظفيهم، وواضعي السياسات والمسوقين الذين يضعون المحفزات لتغيير سلوك المستهلكين، قد يكون من الحكمة التفكير بالآثار المحتملة الواسعة والمتشعبة التي يمكن أن تنشأ لاحقاً.

القيود على الغرامات

لكن قوة الغرامات ليست بلا حدود فقبل فرض الغرامات، من الضروري التفكير في المعتقدات الحالية لدى أفراد المجتمع الذين سوف يتأثرون بها. إذا كان أفراد المجتمع يعتقدون أن السلوك الذي يتم تحفيزهم لاتباعه يتماشى مع معتقداتهم المحلية أو التنظيمية، فعلى الأرجح أنهم سيؤيدونه (مثلاً، الغرامة بقيمة 10 سنتات على استخدام الأكياس البلاستيكية في مجتمع يهتم كثيراً بشأن البيئة). من الناحية الأخرى، إذا كانت الغرامات تتعارض كثيراً مع المعتقدات، فقد يعتبرها الناس مجحفة وسيكون رد فعلهم عليها سلبياً، وهو ما سيقوض فوائد هذا الحافز (مثل محاولة تغريم استخدام الأكياس البلاستيكية في مجتمع لا يؤيد المساعي البيئية مثلاً).

وهناك نقطة أخرى يجب التفكير بها، وهي احتمال أن تُشير الغرامات إلى معلومات بشأن الأشخاص الذين يخالفون السلوك الذي تحفزه. فتشير أبحاث سابقة إلى أنّ فرض غرامة على سلوك ما قد يتسبب بوصم من يتبعونه. قد يكون هذا الأثر المحتمل مقبولاً بالنسبة لسلوكيات محددة، كتغريم الناس على عدم التصرف بطريقة تراعي البيئة، ولكن يجب على الشركات تفادي التحفيز على سلوكيات قد تكون خارج نطاق سيطرة الإنسان، أو ترتبط بالفئات المهمشة، مثل تغريم الموظفين الذين يعانون من الوزن الزائد أو البدانة.

أخيراً، تعدّ المحفزات الصغيرة أدوات يمكن استخدامها في تشكيل سلوك الناس، ويشير بحثنا إلى احتمال أن تكون شديدة الفعالية، ليس في تغيير السلوك لمرة واحدة فحسب، وإنما في تشكيل القواعد الاجتماعية كذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي