ما الأسئلة التي عليك طرحها لتخرج من أزمة منتصف العمر المهني أقوى؟

5 دقيقة
منتصف العمر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: من الشائع عندما تصل إلى منتصف مسارك المهني أن تشعر بأنك فشلت في تحقيق التوقعات، وأضعت عليك بعض الفرص والمسارات المهنية. لكن الوصول إلى منتصف العمر بحسب الخبراء هو فرصة مهمة للنمو والتأمل الذاتي، وإعادة تقييم الأولويات، والاستفادة من التجارب، ووضع مسار مهني يتماشى مع الأهداف التي تسعى لتحقيقها في النصف الثاني من مسيرتك المهنية.

قد تمثّل فترة منتصف العمر، التي تتزامن غالباً مع منتصف الحياة المهنية، لحظة يتقاطع فيها ما حققه الفرد من إنجازات، وما يطمح إليه، والواقع الذي يعيشه حالياً. والتعامل مع إحساس الفشل في تحقيق التوقعات أمر شائع في الواقع؛ لكن إدراك حقيقة أن بعض الأحلام والتطلعات السابقة قد لا تتحقق أبداً أمر مُفزع.

لكن يرى الخبراء من جهة أخرى أن هذه المرحلة الزمنية قد تمثّل فرصة مهمة للنمو، وإعادة تقييم الأولويات، والاستفادة من التجارب، ووضع مسار مهني يتماشى مع الأهداف التي يسعى الفرد لتحقيقها في المستقبل.

يقول مؤسّس أكاديمية موديرن إيلدر (Modern Elder) ومؤلف كتاب الاستمتاع بمرحلة منتصف العمر: 12 سبباً لتحسّن الحياة مع التقدم في العمر” (Learning to Love Midlife: 12 Reasons Why Life Gets Better with Age)، تشيب كونلي، إن النصف الأول من الحياة يركز على “تراكم الخبرات والتجارب، وجمع الأصدقاء، وتكوين العائلة، وتحسين السيرة الذاتية، وشراء مقتنيات المنزل، أما النصف الثاني من الحياة فهو مخصص للتغيير، والتركيز على الجوانب المهمة”.

قد يبدو الشروع في عملية التغيير مرهقاً أو مستحيلاً حتى وسط الانهماك في تلبية مسؤوليات فترة منتصف العمر، فقد تقف متطلبات العمل والأسرة والالتزامات الأخرى عائقاً أمام فرص تأمل النفس. لكن تقول مؤسِّسة شركة نيكست ليفل كارير سيرفسز (Next Level Career Services)، إيبوني جويس، وهي مؤسسة تقدم خدمات التدريب المهني للعاملين في منتصف مساراتهم المهنية إن تخصيص الوقت والحاجة إلى التفرغ الذهني للتفكير في المسار المهني وإعادة تقييمه أمر يستحق الجهد، “فهو يوفر رؤية شاملة تساعد الفرد على تحديد كيف سيكون مستقبله واتجاهه”.

وإليكم 6 أسئلة يوصي بها كل من كونلي وجويس عند تقييم المسار المهني خلال فترة منتصف العمر.

1. ما الأمر الذي سأندم على عدم فعله أو تعلّمه بعد عشر سنوات؟

بحسب كونلي، قد يحمل الندم طابعاً سلبياً، مع ذلك فهو فرصة جيدة للاستفادة من التجارب. ويُضيف: “الفائدة من التقدم في العمر هي اكتساب رؤية محيطية، والقدرة على التنبؤ بالمستقبل، وفهم عواقب الأفعال”. ويُوصي بالاستفادة من “قوة الندم المتوقع” عبر تخيّل مشاعر الإحباط التي قد تنتاب الفرد في المستقبل إذا لم يتخذ الإجراءات الضرورية اليوم. ويقول إن هذه النظرة الاستشرافية تساعدك على اتخاذ قرارات تعود بالنفع عليك في المستقبل.

تُظهر البحوث ارتباطاً بين حب الاستطلاع، وتعلم مهارات جديدة، وخوض غمار تجارب مثيرة وبين العيش حياة أطول وأكثر سعادة. على سبيل المثال، تعلّم كونلي ركوب الأمواج والتحدث باللغة الإسبانية في منتصف حياته. إذاً، فكّر في المجالات التي ترغب في تعلمها، والروتين الذي ترغب في اعتماده، والتجارب التي تحب خوض غمارها، والأماكن التي تنوي زيارتها الآن قبل فوات الأوان. والهدف بحسب رأيه هو “اتخاذ قرارات تركز على تحقيق الرضا على الطويل المدى، وليس على تحقيق الرضا الفوري”.

2. كيف يمكنني الوصول إلى هدفي؟

يتأثر العديد من الأفراد بعوامل خارجية في بدايات مساراتهم المهنية، سواء كان ذلك بفعل الضغط الذي يفرضه الوالدان، أو القيم الاجتماعية، أو الرغبة في التأقلم مع تصورات معينة للنجاح، وهو ما يقود إلى اتخاذ قرارات مهنية تُعطي الأولوية لتوقعات الآخرين على حساب الرغبات والاهتمامات الشخصية. وقد تؤدي التضحيات من أجل الشريك والأطفال مع مرور الوقت إلى إلغاء الطموحات الشخصية.

تقول جويس إنه عندما يقترب الفرد من منتصف حياته، يحين وقت الانتقال من مسار مهني يتأثر بالقوى الخارجية وجداول عمل الآخرين إلى آخر هادف يلبّي الطموحات الشخصية. وتضيف: “تشكّل تلك المرحلة فرصة للتحرر من الندم حول الأمور التي لم تتحقق في الماضي، والتركيز على الأحلام الشخصية بدلاً من ذلك”.

ويقول كونلي إن تحديد معنى المسار المهني الهادف يتطلب ممارسة التأمل الذاتي. “ما المجال الذي يثير شغفك؟ ما المجال الذي يحفزك للعمل؟ ما المسار الذي ترغب في استكشافه؟ ما الأنشطة التي كنت تستمتع بها في فترة سابقة من حياتك لكنك أهملتها منذ ذلك الحين؟” تساعدك الإجابة عن تلك الأسئلة في تحديد فرص إعادة التمحور المحتملة في مسارك المهني، سواء كان ذلك بالانتقال إلى قطاع مشابه أو إلى مجال مختلف تماماً. “كما أنها تساعدك على إدراك وجود مزيد من الخيارات المتاحة”.

3. ما المهارة أو القدرة التي اكتسبتها والتي أستطيع تقديمها للعالم؟

عندما يصل الفرد إلى منتصف حياته، يصبح لديه كنز من التجارب والرؤى الثاقبة، وربما بعض التحديات الصعبة التي تركت فيه آثاراً عميقة. يقول كونلي إنه من المهم التفكير في المهارات والخبرة العملية التي اكتسبها الفرد، والنظر في كيفية استخدامها لإحداث أثر إيجابي على الآخرين. ويستمد إلهامه من الطبيب النفسي والكاتب ديفيد فيسكوت، الذي قال: “الغاية الحقيقية للحياة هي اكتشاف الموهبة الفريدة التي تميز الفرد، ومن ثم تطويرها؛ في حين أن المعنى الحقيقي للحياة هو تقديم الإسهامات لصالح الآخرين”.

ويوصي كونلي بتنفيذ تمرين كلاسيكي طوّره بيتر دراكر، يستند إلى مبدأ أن يطرح عليك شخص ما السؤال: “ما عملك؟” 5 مرات على التوالي، إذ يساعدك كل سؤال لاحق على تحسين إجابتك وتضييق نطاقها. يقول كونلي: “إن الإجابة النهائية تشكّل لحظة إلهام غالباً حول طبيعة عمل الفرد. وتلك هي اللحظة نفسها التي أدركت فيها قدرتي على جعل الآخرين يتفاعلون إيجاباً بعضهم مع بعض”. بمعنى آخر، الهدف هو أن تفهم نقاط قوتك وتوظّفها بطرق هادفة تتناسب مع غايتك الشخصية.

4. كيف أريد أن تبدو أيامي في المستقبل؟

تقول جويس: يشجعنا الآخرون غالباً على وضع طموحات كبيرة لمستقبلنا المهني؛ كأن يطلب منك المدراء ومستشارو التوظيف تصوّر مستقبلك في 5 أو 10 سنوات، أو تحديد تصورك لمفهوم النجاح. وعلى الرغم من أهمية هذه الأسئلة، تقترح جويس التركيز على تفاصيل أصغر في المستقبل قائلة: “فكّر في التفاصيل اليومية لروتينك”.

وتقترح تصوّر يوم عادي في مستقبلك المثالي، بدلاً من التركيز على أهداف بعيدة الأجل؛ فكّر في الطريقة التي ترغب فيها في قضاء وقتك، والأشخاص الذين ترغب في التفاعل معهم، والأنشطة التي ترغب في ممارستها خارج مكان العمل. تتيح لك هذه التجربة الذهنية اكتساب فهم أفضل حول الحياة التي ترغب في عيشها ومواءمة أهدافك مع الجوانب العملية لحياتك اليومية.

5. ما التنازلات التي أنا على استعداد لإجرائها، أو تلك التي لم أعد مستعداً لتحملها؟

من الطبيعي أن تشكك في قراراتك السابقة وتفكّر في السيناريوهات البديلة؛ لعلّك أصبحت شخصاً ثرياً اليوم لو أنك سلكت ذلك المسار المهني، أو لعلّ علاقاتك أو زواجك أصبح أقوى لو أنك اتخذت قرارات مختلفة في الماضي.

لكن تشير جويس إلى أهمية تذكير الشخص بأن “القرارات التي اتخذها في الماضي كانت تناسب احتياجاته وأولوياته آنذاك”؛ ومع تقدمه في العمر اليوم، أصبح يعتنق وجهة نظر أوسع حيال تلك القرارات. لعلّ أطفالك أصبحوا شباناً وأكثر استقلالاً، ما يتيح لك التركيز على مسارك المهني دون أي مشتتات من الواجبات المنزلية. أو لعلّك لم تعد مستعداً لإجراء التنازلات التي قدمتها في الماضي، وترغب في أن تولي حياتك الشخصية الأولوية بدلاً من ذلك.

والحل بحسب رأيها هو التفكير الجاد في القيم والأولويات، واتخاذ قرارات مدروسة حول التنازلات التي تستعد لإجرائها. وتضيف: “لا توجد إجابات صحيحة أو خاطئة عند التفكير في هذه القضايا، لكن يجب أن يكون الفرد واعياً عند اتخاذ القرارات.

6. ما الجوانب الإيجابية التي تشهدها حياتي؟

نواجه مع تقدم العمر مشكلات صحية مألوفة جداً تتمثّل في ضعف الذاكرة، وتآكل المفاصل، والهبات الساخنة، وانخفاض مستويات الطاقة، إضافة إلى التحديات والمواقف المحرجة المرتبطة بمرض الشيخوخة. لكن بدلاً من التركيز على هذه التحديات، يقترح كونلي تغيير وجهة النظر للتركيز على الجوانب الإيجابية لمرحلة الشيخوخة مثل الحكمة المكتسبة، والتجارب القيّمة، والنمو الشخصي. وهذا التغيير في وجهة النظر ليس مجرد تفاؤل بعيد عن الواقع، بل هو تفكير ينطوي على فوائد حقيقية وملموسة على الرفاهة وطول العمر. وأظهرت إحدى الدراسات بالفعل أن الأشخاص الذين يمتلكون إدراكاً ذاتياً إيجابياً عن مرض الشيخوخة عاشوا مدة أطول بمتوسط 7 سنوات ونصف، مقارنة بأولئك الذين يتبنون نظرة سلبية عنه.

التحيز ضد كبار السن لا يزال قائماً في مكان العمل والمجتمع على حد سواء، لكن يشجع كونلي على مواجهة التحيّز الداخلي أيضاً؛ فإذا أبديت حب الاستطلاع والمشاركة المتحمسة، فسيركز الآخرون على طاقتك الإيجابية، لا على تجاعيد وجهك.

باختصار، تحمل مرحلة منتصف العمر معها العديد من التحولات والتحديات: ترك الأبناء المنزل للعيش باستقلالية، وسن اليأس، وفقدان الوالدين، ومشكلات صحية غير متوقعة، وتغيرات في مسارات المهن والعلاقات. لكن لا يوجد أي خطة توجيهية، والهدف كما يقول كونلي هو الاستفادة من الحكمة والتجارب التي اكتسبها الفرد على مدى السنين، و”تنظيم المرحلة التالية من حياته بوعي”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .