الحيادية في أثناء اتخاذ القرارات

4 دقائق
الحيادية في اتخاذ القرار

من منا لم يواجه خيبة أمل لقرار مهم كان اتخذه مسبقاً، ولم يعط هذا القرار النتيجة المرجوة منه. ويصبح الشعور أسوأ عندما نعرف أن قرارنا الذي اتخذناه كان مرتجلاً وغير صائب، ولم نعط كل المعلومات والمعطيات التي لدينا -أو بعضها- فرصتها الحقيقية للمشاركة في القرار. يرجع الأمر في هذا الشعور إلى مدى الحيادية في اتخاذ القرار.

يمكن أن نتحمل نتيجة قرار صائب لكنه نحا منحى مغايراً لما كنا نرجو، لكن ما لا نتقبله هو نتيجة قرار مرتجل، وأدى بنا هذا الأمر إلى مرحلة كما يقول المثل (اتسع الخرق على الراقع).

مصادر القرارات غير الصائبة

نحن أحياناً نصدر قرارات غير صائبة في مجال العمل والحياة الشخصية والاجتماعية. وقد نسهم في تشكيل تلك القرارات دون دراية منا.

تتكرر القرارات المرتجلة وتأتي بأشكال متعددة، ويظهر أكثرها تحقيقاً للأذى كما هو مبين في الأمور التالية:

  1. صناعة القرار بسبب الغرور أو المعتقد أو تجربة سابقة، أو الخوف من شيء ما، أو استشارة أشخاص يشبهوننا في طريقة التفكير

  2. التقاط معلومات وبيانات تبرر القرار الذي نحن بصدده

  3. إعلان القرار وتنفيذه والدفاع عنه بأقل مستوى مطلوب

  4. قبول المدح والإطراء إذا آتى القرار أكله، وعند فشله نلقي باللوم على الآخرين

الأمر الأول -كما ورد سابقاً- هو في عملية صناعة القرار. أي شخص يعرف بالمنهجية العلمية -أو بمشاركة سابقة مع آخرين في اتخاذ قرار بشأن ما- يعلم أنه من الخطأ إصدار أي قرار قبل تجميع المعلومات والحقائق ذات الصلة. ينبغي أن نكون محاطين برؤية واسعة للحالة التي بين أيدينا قبل تحديد الاختيار، والسؤال هو لماذا العديد من الناس يذهبون في الطريق المعاكسة.

اقرأ أيضاً: المزالق الخفية في اتخاذ القرارات

تتطلب عملية اتخاذ القرار الجيد جهداً مضنياً. ونحن كثيراً ما نتخذ قرارات مهمة ونحن تحت ضغط جهلنا بالمستقبل أو عامل الوقت. وبما أن عالمنا هو عالم معقد فإن الأشخاص والمؤسسات -متعاونين أو متضاربين- يتعاملون مع أي قرار بطرق مناقضة للفهم.

هناك عوامل كثيرة يجب أخذها بعين الاعتبار. نادراً ما نحوز على معلومات ذات صلة باتخاذ القرار، ونعتمد عليها، وهي تتماشى مع الأمر الذي بين أيدينا. بالمقابل هناك وفرة ولو جزئياً بالمعلومات ذات صلة -ومن مصادر متباينة يمكن الوثوق ببعضها- قد تضعنا على مفترق طرق.

اعتماداً على ما سبق، من السهل أن نرى شخصاً اتخذ قراراً سريعاً أولاً ثم بحث عن المعلومات والبيانات التي تدعم رأيه. ويختلف الأمر إذا أردنا شخصاً درس الأمر بروية وتمعن قبل القرار.

اقرأ أيضاً: هل ترغب بقرارات أقل تحيزاً؟ استعن بالخوارزميات

الحيادية في اتخاذ القرار

قبل القفز إلى مرحلة اتخاذ القرار علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: هل لدينا شخص يعطينا من وقته ليجمع لنا صورة شاملة عن الموضوع الذي نريده. إذا كان هذا الشخص موجوداً فعلينا أن نحيل دراسة هذا القرار إلى ذاك الشخص أو ذاك الفريق إن وجد.

وتلك الفكرة لا تروق للإداريين الذين يرون أن اتخاذ أي قرار يجب أن يمرّ عبر أعلى مستويات الإدارة. عملتُ مرة في مؤسسة فيها 1,500 موظف، وكان على نائب الرئيس الأول الموافقة على طباعة نسخ الأوراق قبل طباعتها. إذا كان الأمر كذلك في مؤسساتنا، فإنه علينا أن نخلق جواً يستطيع فيه موظفون في مستويات أقل أن يتخذوا مثل هكذا قرارات. بهذا العمل فإننا نكسب وقتاً لاتخاذ قرارات أكثر أهمية ونحسن من قدرات مؤسساتنا بشكل كلي.

وعلينا أيضا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: هل لدينا حقاً الرؤية الواضحة والشاملة لأمر ما قبل اتخاذ أي قرار أو الدفاع عنه. فإن كان جوابنا بالنفي، فإننا لا نستطيع تبرير هكذا قرار. إنني أرى أن كثيراً من قراراتنا هي من الحالة الثانية الواردة أعلاه (التقاط معلومات وبيانات تبرّر قرارنا الذي اتخذناه مسبقاً).

هذا التصرف موجود في أعمالنا وفي حياتنا بشكل عام. حتى الشخصية الإعلامية ستيفين كولبير ابتدع تعبير "تمني الحقيقة" (truthiness) ومعناه الرغبة في أن تكون المفاهيم والحقائق التي نتمنى أن تكون صحيحة هي كذلك بالفعل. هناك دائماً الكثير من البيانات التي تدعم توجهنا مهما كان، خاصة مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يجعل الأمور علينا أكثر سهولة.

من السهل أن نكون ضحايا الانحياز التأكيدي عندما نُعير انتباهنا إلى معطيات تؤيدنا في قرارتنا، ونغض الطرف عن بيانات لا تتوافق مع ميولنا.

كيف يمكن تجنب الوقوع في هكذا الفخ؟ تكمن الخطوة الأولى في الجواب أن نعترف أنه علينا ألا نثق بما تمليه علينا ميولنا وهوانا. لا يوجد أحد منا يحب أن يعترف أنه منحاز إلى أمر ما، لأن في الكلمة إيحاءات سلبية.

في أحسن الأحوال، اعترف بعض صانعي القرار صراحة أنهم كانت لديهم أفكار مسبقة عن الأمور قبل إصدار قراراتهم.

ما هي القيم والمعتقدات التي تبلور تفكيرنا؟ إذا تعمقنا في الأمر أكثر، وواجهنا أنفسنا بالحقائق فإننا نضطر إلى احترام وجهات نظر الآخرين، وتلطيف الحدة في قرارتنا، وهذا يساعدنا في رؤية الأمور بشكل أوضح.

وهناك اتجاه آخر يطلب منا أن نذهب عكس ما يمليه علينا إحساسنا. ماذا سيحدث لو أننا قررنا الذهاب عكس اتجاه ما كنا اخترناه من توجّه. دعنا نلملم المعطيات التي نحتاجها لدعم مثل هكذا قرار، ونقارنها بمعطيات كانت في السابق تؤيد قرارنا الأول. سوف نعيد تقييم القرار على ضوء هذه المجموعة الأكبر من المعطيات. ويبدو أن الصورة في هذه المرحلة لا تكون واضحة تماماً لكنها متوازنة أكثر.

اقرأ أيضاً: 10 طرق للتقليل من الانحياز في عملية اتخاذ القرارات ضمن شركتك

لنجرب أخيراً عرض ما اخترناه من أمر على صديق حميم أو أكثر قبل إعلان الخيار والدفاع عنه. هذا الصديق الذي يريد لنا الخير ستكون عنده الشجاعة ليقول لنا بصدق إن في الأمر نقص، أو نسينا شيئاً مهماً، أو كنا مخطئين تماماً.

إذا أخبرنا الصديق بأمر من تلك الأمور السابقة فإنه علينا أن نعيد التفكير بخياراتنا وما يتعلق بها من معطيات.

قلة من الناس يخططون لاتخاذ قرارات ارتجالية، لكن عندما نكون تحت ضغط من الضغوط من أجل إصدار قرار سريع ومراعاة الحيادية في اتخاذ القرار، فإننا نصبح ضحية قرار مخجل. إذا سألنا أنفسنا الأسئلة الصعبة، وكان بجانبنا أشخاص ناصحون ومستشارون مخلصون، واعترفنا أن لنا تصورات مسبقة للأمور، فإن بإمكاننا إدراك الضعف في عملية اتخاذ القرارات ثم نعدّلها.

اقرأ أيضاً: كيف تبني خبرة تعزز فهم التحيز في عملية صنع القرار؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي