ملخص: ستطلب شركة "آبل" من المستهلكين قريباً اختيار ما إذا كانوا يرغبون في السماح للشركات بتتبع بياناتهم واستخدامها في الإعلانات المخصصة. وتحارب شركة "فيسبوك" هذا القرار بإطلاق حملة إعلانية شرسة، مستشهدة بأدلة على أن القرار سيضر بالشركات الصغيرة. ولكن تبين أن هذه الأدلة خاطئة، و"فيسبوك" تعرف ذلك بالتأكيد. لماذا اعتمدت شركة "فيسبوك" على الحملات الإعلانية المضللة في ذلك؟
في 28 يناير/كانون الثاني في مؤتمر "أجهزة الكمبيوتر والخصوصية وحماية البيانات" (Computers, Privacy, and Data Protection)، تحدث تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" عن أهمية منح المستخدمين المزيد من التحكم في الكيفية التي تُستخدم بها بياناتهم في الإعلانات على الإنترنت. وتحقيقاً لهذه الغاية، سيطلب نظام التشغيل الجديد في "آبل" من المستهلكين قريباً اختيار ما إذا كانوا يريدون السماح للشركات بتتبع بياناتهم واستخدامها في الإعلانات المخصصة.
"فيسبوك" والإعلانات المخصصة
ولكن "فيسبوك" التي تعتمد بشكل كبير على الإعلانات المخصصة استجابت لهذا القرار بشكل عنيف، فقد نشرت إعلانات في صفحة كاملة في صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) و"وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) و"واشنطن بوست" (Washington Post) تتهم "آبل" بإلحاق الضرر بالشركات الصغيرة. وأنشأت أيضاً موقعاً إلكترونياً يتيح للشركات الصغيرة التعبير عن شواغلها ومخاوفها إزاء قرار "آبل".
يتمثل الادعاء الأساسي الذي قدمته "فيسبوك" في أن الشركات الصغيرة ستخسر إيرادات إذا لم تتمكن من استخدام الإعلانات المخصصة. إذا إنها تقول في إعلاناتها وعلى موقعها الإلكتروني: "تشير بيانات 'فيسبوك' إلى أنه بدون الإعلانات المخصصة ستشهد الشركات المعلنة الصغيرة انخفاضاً في المبيعات يقدر بأكثر من 60% مقابل كل دولار تنفقه". وهي نسبة كبيرة للغاية، وتشير إلى أن سياسة "آبل" المؤيدة للخصوصية على وشك توجيه ضربة مدمرة للشركات الصغيرة. ولكن من أين تأتي البيانات التي تدعم هذا الادعاء الكارثي؟ وهل سيصمد هذا الادعاء إذا خضع للفحص الدقيق؟
لتقييم هذا الادعاء بشكل صحيح، ينبغي لك أولاً فهم المقياس الشائع الذي استخدمته "فيسبوك" لتحديد مدى نجاح الإعلانات، وهو: عائد الإنفاق على الإعلانات (ROAS). يشير هذا المقياس إلى حجم الإيرادات المرتبطة بالإعلانات، ولكنه لا يشير إلى حجم الإيرادات المتحققة من الإعلانات.
لفهم سبب أهمية هذا الاختلاف، تخيل أن هناك شركة تعرف عملاءها جيداً؛ ما يساعدها على التنبؤ بدرجة عالية من الدقة بالمبلغ الذي سينفقه العميل في الشهر القادم. إذا كانت هذه الشركة توجه إعلاناتها إلى العملاء الذين يُتوقع أن ينفقوا الكثير من الأموال، فإن كل دولار يُنفَق على الإعلانات سيكون مرتبطاً بتحقيق إيرادات عالية. وهذا رائع لأن الشركة بذلك قد حققت عائداً مرتفعاً من الإنفاق على الإعلانات. ولكن الأمر كالتالي: سوف يدر هؤلاء العملاء إيرادات عالية على أي حال. ولهذا السبب تم استهدافهم في المقام الأول. لذا سيكون من الخطأ الاستنتاج بأن هؤلاء العملاء أنفقوا أموالاً أكثر بسبب الإعلانات المخصصة.
تدعي "فيسبوك" في حملتها ضد سياسة "آبل" الجديدة أنها عندما قارنت عائد الإنفاق على الحملات الإعلانية التي استفادت من المعلومات الشخصية بعائد الإنفاق على الحملات التي لم تفعل ذلك، وجدت أن الشركات الصغيرة ستعاني من انخفاض في الإيرادات بنسبة 60% إذا حُرمت من الإعلانات المخصصة.
من المؤكد أن هذه النسبة تبدو مخيفة وكبيرة للغاية. كما أن التجارب العشوائية المنضبطة التي تقارن بين ظهور إعلانات مخصصة وعدم ظهور إعلانات على الإطلاق عادة ما تكشف عن اختلافات تُقدر بأقل من هذه النسبة بكثير.
المشكلة في نسبة الـ 60% هي أن "فيسبوك" لم تعلن عن أي شيء يتعلق بنوعي الحملات التي كانت تقارن بينهما. كل ما نعرفه هو أنهما ربما اشتملتا على قطاعات وشركات ومنتجات وفترات زمنية وأماكن مختلفة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن المقارنة التي أجرتها "فيسبوك" لا تعني شيئاً. في الواقع، قد يكون كل ما تظهره المقارنة هو أن الشركات التي تعرف عملاءها جيداً حققت عائد إنفاق على الإعلانات أعلى من الشركات التي لا تعرف عملاءها جيداً.
مشكلة الحملة الإعلانية المضللة لشركة "فيسبوك"
ولكن هذه ليست المشكلة الوحيدة في حجة "فيسبوك".
فوفقاً لـ "فيسبوك"، قرار "آبل" مدمر في أثناء هذه الجائحة على وجه الخصوص؛ فكما ورد في إعلانات "فيسبوك" وكما ذكر موقعها الإلكتروني، "44% من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم بدأت في استخدام الإعلانات المخصصة أو زادت من استخدامها على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الجائحة، وفقاً لدراسة جديدة أجرتها شركة "ديلويت" (Deloitte)".
بدت هذه النسبة غريبة في نظرنا، لذا ألقينا نظرة متفحصة على الدراسة التي أجرتها شركة "ديلويت"، واكتشفنا أن "فيسبوك" أعلنت عن النسبة بطريقة غير صحيحة.
ففي هذه الدراسة سألت شركة "ديلويت" شركات من 9 قطاعات ما إذا كانت قد زادت من استخدامها للإعلانات الموجهة على وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء الجائحة. وقد تبين أن قطاع الاتصالات والتكنولوجيا هو القطاع الذي شهد أكبر زيادة، ولكنها زيادة بنسبة 34% فقط. وشهدت القطاعات الأخرى زيادة أقل بكثير. على سبيل المثال، شهدت شركات الخدمات المهنية زيادة بنسبة 17% فقط. وبذلك، يبدو أن "فيسبوك" انتقت البيانات التي تدعم حجتها على أفضل وجه.
بإشارتنا إلى هذا الأمر فإننا لا نقصد تجاهل شواغل العديد من الشركات الصغيرة بشأن التغييرات التي تجريها "آبل" على سياسة الخصوصية. فهي شواغل حقيقية وواقعية؛ إذ إنه بموجب خطة "آبل" الجديدة، سيتعين على الشركات شرح ممارسات جمع البيانات التي تتبعها عند طرح تطبيقات جديدة أو إجراء تحديثات، ولن يمنح العديد من المستخدمين الإذن بتعقب سلوكياتهم عبر الإنترنت. تقول "فيسبوك" أنها ترغب في الوقوف إلى جانب الشركات الصغيرة في مواجهة هذه التغييرات، ولها كل الحق في ذلك. ولكن نشر معلومات مضللة عبر حملة إعلانية مضللة حول فعالية الإعلانات ليس الطريقة المناسبة والصحيحة للقيام بذلك.