إليك هذه القصة التي تتحدث عن الحفاظ على الوقت تحديداً. مضى اجتماعك المتأخر بعد الظهيرة المقرر عقده لساعة من الزمن ببطء ليستغرق 75 دقيقة دون أن تلوح له نهاية واضحة في الأفق. وأنت تعلم أنه لا يزال يتعين عليك إرسال رسائل بريد إلكتروني مستعجلة، والآن ستضطر إلى الاختيار ما بين المغادرة متأخراً أو العمل على كمبيوترك المحمول بعد تناول العشاء. أنت تتصرف بتهذيب ظاهرياً وتشارك في النقاشات وترد بشكل مدروس على زميلك في العمل الذي يدير الاجتماع. لكنك تشعر بالانزعاج في داخلك. إذ تخطى هذا الشخص للتو جدولك الزمني.
يمكن أن تكون مواقف كهذه محبطة. إذ قد تمنعك الطلبات غير المتوقعة من زملاء العمل من إنجاز مهمة هامة أو تجبرك على مغادرة العمل في وقت متأخر أو قد تؤدي إلى اضطراب في الوقت المخصص للعائلة في المنزل. ما الذي تستطيع فعله في هذه المواقف لتضع الحدود وتُعلم الآخرين بها حتى لا تشعر بأن وقتك لا يُحترم في المستقبل؟
بوصفي مدربة لإدارة الوقت، فقد شهدت طرقاً مختلفة نجح الأشخاص من خلالها في وضع حدود لزملائهم. وسيختلف ما هو ممكن منها باختلاف وظيفتك وثقافة عملك وزملائك في العمل، لكن إليك بعض الأمثلة حول الحدود التي تستطيع إرساءها واستراتيجيات إبلاغها للآخرين.
التوافر في الاجتماع
يُعدّ طمس أجزاء من جدول مواعيدك ببساطة باعتبارك مشغولاً خطوة جيدة أولى. ابحث عن الأوقات التي لا تستطيع فيها حضور الاجتماعات أو لا ترغب بتحديد الاجتماعات ضمنها كالفترات التي تسبق وقتاً معيناً أو تليه. يمكنك طمس جدول أعمالك بسبب جدول تنقلاتك لأنك تصطحب أطفالك إلى المدرسة أو لأنك تحب فحسب أن تُخصص الجزء الأول من يومك للتركيز على العمل. والهدف هنا هو تحديد وقت فراغ على جدول أعمالك بحيث سيرى الآخرون أنك مشغول وغير متاح لهم.
وإذا تلقيت طلباً لعقد اجتماع خلال تلك الفترة الزمنية، فاقترح وقتاً بديلاً. وإذا لم تملك الصلاحية لإعادة جدولة الاجتماع أو كان يشمل مجموعة أكبر، فيجب أن تُقرر ما إذا كان حضوره ضرورياً بالنسبة لك أو كان بوسعك حضوره عبر الهاتف. وفي بعض الحالات، قد لا تتاح لك قدرة مماثلة على وضع الحدود في أوقات قريبة من وقت الاجتماع كما هو الحال عندما تنسّق ما بين مناطق زمنية دولية أو عندما تنسق لمشروع استشاري في منتصف الأسبوع. وفي مثل هذه الحالات، عليك أن تقوم بما تراه مناسباً حسب وضعك. تجنب الاجتماعات التي ستبقيك مستيقظاً بعد وقت نومك المفضّل أو تتطلّب الاستيقاظ في منتصف الليل في حال كان ذلك ممكناً. إذ لا تستحق الفوائد الإضافية الناجمة عن الاجتماع الأضرار اللاحقة بإنتاجيتك في اليوم التالي بسبب حرمانك من النوم.
فترة الاجتماعات وكيفية الحفاظ على الوقت
يمكن أن يكون للاجتماعات التي تتعدى الوقت المسموح تأثير كبير على جدول أعمالك. إذ يمكن لثلاثة اجتماعات فقط تستغرق وقتاً أطول من المتوقع بـ 15 إلى 20 دقيقة أن تقتطع ساعة من يومك. وقد تساعد بعض الاستراتيجيات في الحفاظ على حدود للمدة التي تستغرقها الاجتماعات.
أولاً، حدد طول المدّة التي تريد أن تستغرقها الاجتماعات التي تقودها. مثلاً، أرسل دعوة لحضور اجتماع يستغرق 30 دقيقة تتضمن جدول أعمال واضح ومركز بدلاً من التخطيط لاجتماع يستغرق 60 دقيقة بحكم العادة. ثانياً، حدد أوقاتاً قريبة من بعضها للاجتماعات بحيث تضطر إلى إنهاء الاجتماع الحالي في الوقت المناسب أو قبل بضع دقائق من موعد انتهائه لتمنع التأخر في الوصول إلى اجتماعك التالي. (ضع في اعتبارك أنه يمكن لهذه الاستراتيجيات أن تساعد بقية الحضور أيضاً إذ إنه قد يكون لديهم التزامات متعاقبة أيضاً). وأخيراً، أعرب عن نيتك من البداية. كأن تقول مثلاً: "يجب أن ننهي الاجتماع في الساعة الثانية والنصف، لذا فلنحرص على تغطية البنود الأكثر أهمية بحلول ذاك الوقت". بعد ذلك، عندما يتبقى من خمس إلى عشر دقائق لنهاية الاجتماع، قُل: "لدينا 10 دقائق تقريباً. ما هو أهم شيء يجب أن نتناوله قبل أن نختتم الاجتماع؟". إن تنظيم وتيرة الاجتماع كلياّ عامل حاسم للانتهاء في الوقت المحدد.
وقت العمل المركز
يُمثل توافر وقت دون انقطاع لإنجاز المهام مشكلة كبيرة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص، لذا يجب أن تبذل جهداً كبيراً من أجل وضع الحدود في هذه الحالات. تتمثل أولى طرق التعامل مع هذه المسألة في حجب الأوقات التي تكون مشغولاً فيها على جدول أعمالك. يقوم بعض الأشخاص بهذا الأمر في وقت محدد كل أسبوع بين الساعة التاسعة والـ 11 صباحاً مثلاً مرتين في الأسبوع. ويختار آخرون حجب الوقت أسبوعياً حسب الحاجة للانتهاء من المشاريع. استخدم الأسلوب الأكثر فائدة بالنسبة لك.
وإذا حاول زملاؤك في العمل جدولة الاجتماعات في وقت تركيزك على العمل أو المرور إلى مكتبك للدردشة دون موعد مسبق، فاقترح وقتاً آخر. في الواقع، ابتدع نوعاً من الحواجز المادية لمساعدتك على إكمال عملك في وقت تركيزك على العمل. إذا كان لديك باب، فأغلقه. إذ إن بضع ساعات من العمل المركز مفيدة لفريقك أكثر من حضورك المستمر. وإذا لم يكن لديك باب (أو إذا دخل زملاؤك عندما يكون بابك مغلقاً حتى)، فاختبئ في مكان ما كغرفة المؤتمرات أو مكتب آخر أو المقهى حتى. تواريك عن الأنظار هو أحد استراتيجيات إرساء الحدود الأكثر فاعلية.
صحيح أن الاستراتيجيات المذكورة أعلاه قد تجعل وقتك محدوداً، إلا أن أحد مصادر تشتت الانتباه الأخرى الشائعة في العمل هو الاتصالات الواردة باستمرار من زملاء العمل، سواء كانت عبر الهاتف أو محادثة على الإنترنت أو بريداً إلكترونياً أو الحضور بشكل شخصي. ويمكن لطريقة تواصل زملائك في العمل معك أن تؤثر على مدى انزعاجك منها، لكن يمكنك أن تقلل تأثيرها عليك من خلال التحكم في طريقة وصول هذه الرسائل إليك.
على سبيل المثال، أنا أشجع العملاء الذين أدرّبهم في عملي على التواصل معي بشكل أساسي عبر البريد الإلكتروني. وبتلك الطريقة، يمكنهم التواصل معي في أي وقت من النهار أو الليل وفي أي يوم من أيام الأسبوع، لكنني لا أطّلع على الرسائل حتى أصبح جاهزة للرد عليها، وأقوم بذلك عادة في مكتبي من يوم الاثنين حتى يوم الجمعة. وإذا تواصل معي أحدهم باستخدام طريقة أخرى، سأرد بشكل عام على رسالتهم باستخدام البريد الإلكتروني حيثما كان ذلك مناسباً، وسأشدد على أن طريقة التواصل المفضلة لدي هي عبر البريد الإلكتروني. يمنعني عدم رؤية الرسائل حتى يوم العمل التالي من أن أميل إلى الرد عليها ليلاً وأثناء العطلات الأسبوعية. كما يساعدني أيضاً في ألّا أشغل بالي بالرسائل التي لم أستجب لها حتى أتمكن من فصل حياتي الشخصية عن العمل بالكامل.
وحتى لو لم يكن بإمكانك دائماً أن تُملي طريقة تواصل الأشخاص معك، يمكنك في كثير من الأحيان أن تُحدد التوقعات بشأن موعد استجابتك. على سبيل المثال، قد تصلك رسالة نصية متعلقة بالعمل في الساعة الـ 10 ليلاً، لكن يمكنك أن تردّ عليها في صباح اليوم التالي. أو قد تتمكن من الانتظار لترد على الرسائل بدءاً من عطلة نهاية الأسبوع حتى يوم الاثنين. وبالطبع، ثمة بعض الحالات التي لا يكون فيها إرساء الحدود ممكناً بالفعل كأن تكون مسؤولاً عن مسائل النقل المتعلقة بشحنة دولية. لكن يمكن للرسائل الانتظار في العديد من الحالات، ومن خلال الاستجابة ببساطة ضمن الأوقات التي تبدو مناسبة لك، يمكنك أن تلمح للشخص الآخر بحدود وقتك الخاص. قد ترغب في بعض الحالات في أن تكون صريحاً حتى كأن تقول: "أنا أرد على هذه الرسالة الآن، لكنني أريد منك أن تدرك أنني لا أرد على الرسائل عادة بدءاً من عطلة نهاية الأسبوع وحتى يوم الاثنين".
ستعتمد الحدود التي يتعيّن عليك إرساؤها وتلك التي تستطيع إرساءها على تفضيلاتك الشخصية بالإضافة إلى وظيفتك. لكن من المحتمل باستخدام هذه الاستراتيجيات أن تبدأ في الحفاظ على الوقت وإرساء المزيد من الحدود مع زملائك في العمل بحيث لا تبدو مهذباً ظاهرياً فحسب، بل تشعر بهدوء داخلي أيضاً.
اقرأ أيضاً: