زلزال هنا، فيضان هناك، وحرب ما بين الاثنين. تحاصرنا الأخبار المؤسِفة المليئة بالمعاناة الإنسانية والدمار في كل مكان وعلى مدار الساعة، وتلقي بظلالها الثقيلة على صحتينا النفسية والجسدية، وقد تؤثر سلباً في قدراتنا على العمل أو حافزنا له، خصوصاً أن العمل نفسه لا يخلو من الضغوط والصعوبات. فكيف يمكننا إذاً أن نحافظ على إنتاجيتنا ونمونا الشخصي في عالم مليء بالاضطرابات؟
قد يكون الحفاظ على الإنتاجية والتطور الشخصي في ظل الأخبار السلبية أمراً صعباً ولكنه ضروري من أجل نجاحك ورفاهيتك، وإليك الاستراتيجيات التي ستساعدك على ذلك، دون أن تنقطع طبعاً عن أخبار العالم.
1. قلِّل من التعرض للأخبار السلبية
مقاومة الرغبة في متابعة الأخبار السلبية أمر صعب، خصوصاً أننا مبرمجون لرصد الخطر وتوقعه، لذلك، قد نظن أننا كلما تابعناها أكثر، كنا أكثر استعداداً. وبالطبع، من المهم متابعة الأخبار والبقاء على اطلاع، خصوصاً في أوقات الأزمات؛ لكن عليك أن تعلم أن مشاعر الحزن والخوف والغضب الناجمة عن المتابعة المستمرة للعناوين السلبية قد تبقيك عالقاً في نمط من المراقبة المتكررة، ما يؤدي إلى مزاج أسوأ وقلق أكبر وظهور بعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن كثرة التعرض لمحفزات سلبية لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم بنتائجها (مثل أخبار الحروب أو الكوارث الطبيعية على سبيل المثال) يرتبط بانخفاض الأداء والإنتاجية. لذلك، إليك ما يمكنك فعله:
- ضع حدوداً لكمية الأخبار السلبية التي تتعرض لها، وخصص أوقاتاً محددة لمتابعتها خلال اليوم، وحاول ألا يكون هذا الوقت صباحاً أو قبل بدء العمل حتى لا يتأثر مزاجك وأداؤك.
- قلِّل الوقت الذي تقضيه على منصات التواصل الاجتماعي، أو عطِّل إشعاراتها، أو ألغِ على الأقل متابعة المواقع الإخبارية، لأن التدفق المفاجئ وشبه المستمر للتقارير الإخبارية يفاقم الشعور بالقلق. يمكنك بالطبع استخدام هذه المواقع مصدراً للأخبار عبر البحث عنها والإعجاب بمنشوراتها مرة أو مرتين في اليوم، لكن لا تجعلها تظهر في آخر الأخبار أو الموجز.
- عطِّل إشعارات تطبيقات الأخبار إن كنت تمتلك أياً منها على الهاتف أو الكمبيوتر، حتى لا تفرط في قراءة تحديثات الأخبار دون وعي.
- اختر مصادر أخبار موثوقة توفِّر معلومات شاملة وواقعية وتابعها، وتجنب المحتوى المتحيز الذي يستميت في استمالة العواطف أو يتلاعب بها.
- وازِن بين الأخبار السلبية والمحتوى الإيجابي الذي قد يكون قصصاً ملهمة أو محتوى تعليمياً أو ترفيهياً.
- تأكد من ممارسة بعض الأنشطة التي من شأنها أن تحسِّن حالتك المزاجية بعد متابعة الأخبار السلبية؛ مثل الاستماع إلى الموسيقا المبهِجة، أو الاستمتاع بحمام دافئ، أو الذهاب في نزهة قصيرة في الأرجاء.
2. حافِظ على تركيزك وقت العمل
مع مراعاة النقاط السابقة، وحتى تحافظ على تركيزك وتزيد إنتاجيتك في خضم كل ما يدور حولك من أحداث وأخبار سلبية؛ اتبع النصائح التالية:
- نظِّم مساحة العمل الخاصة بك: أنشئ بيئة عمل هادئة خالية من المشتتات، وشغِّل بعض الموسيقا الهادئة، وحافِظ على مكان العمل مُرتباً.
- اتّبِع تقنيات فعالة لإدارة الوقت: مثل تقنية بومودورو.
- جهِّز قائمة مهامك: تعدد المهام يقلل الإنتاجية ويزيد التوتر. لذلك، اُكتب قائمة مهامك، اُكتبها كتابة، فقد ثبت أن وجود خطة مكتوبة يزيد الإنتاجية، ورتّب هذه المهام بحسب الأهمية والأولوية، ثم نفِّذها واحدة تلو الأُخرى.
- حدِّد هدفاً ذكياً: بالإضافة إلى تأثير الأخبار السيئة في التركيز والإنتاجية، فقد يكون المشروع أو المهمة التي تريد إنجازها معقدة أساساً، ما يزيد شعورك بالإرهاق وعدم التركيز. لذلك، قسِّم المهمة إلى أجزاء أصغر، وحدِّد هدفك بالضبط، وكيف ستتبع تقدمك في إنجازه، وهل هذا الهدف واقعي أو هل سيتحقق بحلول الموعد النهائي، وكيف سيتناسب مع الخطة الشاملة أو الهدف الأكبر، ومتى ينبغي البدء به. تقسيم المشروع الكبير والمعقد إلى مهام أصغر يحسِّن قدرتك على التركيز ويزيد إنتاجيتك.
تذكّر أن وجود روتين يومي منظم يمكن أن يوفر إحساساً بالاستقرار والتحكم. حدد ساعات عملك وفترات الراحة المنتظمة، ووقت الفراغ للحفاظ على التوازن بين العمل والحياة. بالإضافة إلى ذلك، خصص بعض الوقت لتحسين الذات وتنمية المهارات. اقرأ الكتب، أو خذ دورات أو احضر ندوات عبر الإنترنت تتعلق بمجالك واهتماماتك. لا تبقِ تفكيرك مشغولاً بما حدث أو ما سيحدث.
3. حاوِل أن تبقى إيجابياً
الموظفون الأكثر تفاؤلاً الذين يتمتعون بحالات عاطفية إيجابية يكونون أعلى إنتاجية. لذا، حاوِل أن تبقي بيئة العمل إيجابية قدر المستطاع، حتى لو كان العالم الخارجي سلبياً. فالتذمر حول الأخبار المزعجة الخارجة عن إرادتك، لن يحدث فرقاً؛ بل لن يؤدي إلى إلا استنزاف طاقتك وزيادة الشعور بالقلق واليأس. لذلك، اكتب قائمة بالأحداث التي لا يمكنك التحكم بها، وامنح نفسك الإذن بألا تقلق بشأنها، ثم ركِّز على ما يمكنك التحكم فيه والجوانب الإيجابية في عملك وحياتك. وأيضاً، فكّر في ممارسة الامتنان وكتابة المذكّرات؛ إذ من شأنهما المساهمة في تعزيز التفاؤل والإيجابية.
4. واظِب على التواصل مع شبكة الدعم الاجتماعي الخاصة بك
حافِظ على التواصل مع الأصدقاء والزملاء والانخراط في الأنشطة والمناقشات والتفاعلات الاجتماعية، لأن هذه السلوكيات من شأنها أن تعزز التفاؤل والتأقلم، وقد وُجد أن تعزيز القدرة على التفاؤل يساعد الناس على التعامل مع الأخبار السيئة والسلبية على نحو أفضل، دون الانفصال عن عالمهم الخارجي.
5. مارِس اليقظة الذهنية
اليقظة الذهنية نوع من أنواع التأمل الذي تركز فيه انتباهك ووعيك على ما تحس به وتفكر فيه في اللحظة الراهنة؛ بدلاً من العيش في الماضي أو الإسقاط على المستقبل، وهي ممارسة تسهم في تقليل التوتر والقلق وتحسِّن الانتباه والذاكرة وتعزز تنظيم المشاعر. فليس غريباً أن يتشتت تفكيرك مع كثرة الأخبار المزعجة أو حتى مع وابل المعلومات العادية التي تنهال عليك من كل حدب وصوب، وهنا يأتي دور اليقظة لتركيز انتباهك على ما تفعله في اللحظة الحالية.
يمكنك أن تستفاد من طريقة 5 4 3 2 1 لتطبيق اليقظة الذهنية، وهي أن تستخدم حواسك لملاحظة البيئة من حولك، على سبيل المثال، سمِّ 5 أصوات يمكنك سماعها، و4 أشياء يمكنك رؤيتها، و3 أجسام يمكنك لمسها في مكان جلوسك، ورائحتين يمكنك شمهما، وطعماً واحداً يمكنك تذوقه. يساعدك هذا التمرين على أن تصبح أكثر وعياً بمحيطك المباشر، والتركيز في اللحظة الحالية، والانتباه للوقت الذي يبدأ ذهنك بالشرود فيه وإعادته سريعاً إلى حيث يجب أن يكون.
6. واجِه التوتر وطوِّر مرونتك النفسية
تمارين التنفس العميق، اليوغا، التأمل، اليقظة الذهنية؛ تقنيات من شأنها أن تساعدك على التقليل من توترك والحفاظ على هدوئك في مواجهة الأخبار السلبية. وبالطبع، أنت تعلم أن الحياة غير متوقعة، وأي شيء جائز الحدوث؛ لذلك، فإن بناء المرونة سيساعدك على التكيف مع الأحداث والأخبار السيئة على نحو أفضل، والحفاظ على تركيزك وإنتاجيتك في الأوقات السيئة والجيدة. ولبناء المرونة، عليك تبنّي عقلية النمو واعتبار التحديات فرصاً للنمو وليست تهديدات، مع تطوير ذكائك العاطفي بغية التعرف إلى المشاعر وإدارتها بفعالية، وتعزيز مهارات حل المشكلات، والانفتاح على التغيير، واحتضان عدم اليقين، وإدارة الوقت بفعالية، ورعاية الذات.
7. صُن صحتيك الجسدية والنفسية
الجوع والغضب مزيج خطِر على تركيزك وإنتاجيتك، خصوصاً في ظل كل ما يدور حولك من أخبار شؤم. وكما تعلم، العقل السليم في الجسم السليم. لذلك، احرص على تناول وجبات الطعام دون تأخير أو تخطي، ووازن بين تناول البروتين الخالي من الدهون والكربوهيدرات المعقدة والدهون الصحية، وتناول وجبة خفيفة من الفاكهة الطازجة أو الخضار أو المكسرات بين الوجبات. بالإضافة إلى ذلك، ضع في اعتبارك بعض الأطعمة التي تفيد صحة الدماغ أكثر من غيرها، مثل الخضار الورقية والأسماك الدهنية والتوت والجوز، بالإضافة إلى شرب الشاي والقهوة باعتدال. وبالتأكيد، اشرب كمية كبيرة من الماء، وخُذ قسطاً كافياً ووافياً من النوم ليلاً، تذكّر أن 7 ساعات هي الحد الأدنى.
مارِس التمارين الرياضية بانتظام، لأنها تحوِّل الانتباه عن الأفكار أو الأخبار السلبية، بالإضافة إلى أنها تغيِّر كيمياء الدماغ على نحو يزيد إنتاج الناقلات العصبية المضادة للقلق مثل السيروتونين، وحمض غاما أمينوبوتيريك، وعامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ، والكانابينويدات الداخلية، فضلاً عن أنها تعزز التركيز وقوة الإرادة. ولا تنسَ أن تنتبه لحالتك النفسية، فلا تتوانَ عن طلب المساعدة المتخصصة إذا كانت الأخبار السلبية تؤثر في صحتك النفسية وإنتاجيتك تأثيراً سلبياً كبيراً.
8. كُن لطيفاً مع نفسك وكافئها
لا تنسَ أن تأخذ فترات راحة وتحدد موعداً منتظماً للتوقف عن العمل، وأن تعترف بإنجازاتك الكبيرة والصغيرة وتكافئ نفسك عليها، لأن هذا الأسلوب، وعلى الرغم من بساطته، يعزِّز دافعك ورفاهيتك وإنتاجيتك، ويشحن طاقتك من أجل مواجهة ما سيأتي في اليوم التالي من عمل وأحداث وأخبار. على سبيل المثال، شاهِد برنامجاً تلفزيونياً ترغب في مشاهدته، أو تناول قطعة من الشوكولاتة، أو اذهب في نزهة صغيرة، وما إلى ذلك.
ختاماً، يمكن القول إن الحفاظ على الإنتاجية خلال الأوقات الصعبة هو مهارة تتطلب الممارسة والانضباط الذاتي، ويمكنك من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات وتعديلها بما يتناسب مع وضعك متابعة ما يحصل في العالم الخارجي مع الاستمرار في إحراز تقدم في عملك وتطوير نفسك.