ملخص: من السهل أن نفقد الأمل في هذه الأوقات العصيبة التي يلفها الغموض، بيد أن السماح لنفسك بالغرق في اليأس يؤثر في حياتك المهنية والشخصية على حد سواء. ولكن ثمة بديل يتمثل في عملية تتضمن تخيل مستقبل إيجابي معقول وتحديد الخطوات لتحقيقه واعتبار العقبات المحتملة نقاط انعطاف تتيح لك الحفاظ على الأمل وتعديل مسارك.
الأمل عامل ضروري لنجاح الإنسان لم تكن الشركات توليه اهتماماً قبل أن تجبرها الجائحة على ذلك، وفي فترات الاضطراب الشديد يمكن أن يبدو الأمل هشاً، أو الأسوأ هو أن يبدو إعداداً لخيبة أمل مستقبلية، ومع ذلك فالأمل ضروري لشعورنا بالرضا ودافعيتنا وصحتنا وأدائنا. عندما تبدو الأمور قاتمة يكون الحفاظ على الأمل من أصعب مهام إدارة الذات وأهمها، وهو صعب لأنه يتطلب توازناً حساساً بين قبول أننا لا نستطيع معرفة المستقبل والإيمان بأنه سيكون أفضل من الحاضر، وهو ضروري لأننا عندما نفقد الأمل نفقد رغبتنا في التحمل والانتصار في نهاية المطاف.
مع دخولنا في السنة الثالثة من الجائحة، والحرب الجارية في أوكرانيا، والأدلة الكثيرة على الكارثة المناخية الوشيكة، واضطراب سلاسل التوريد العالمية والتضخم وغيرها من المشكلات، أصبح الحفاظ على الأمل أهم من أي وقت مضى؛ فنحن بحاجة إليه في عملنا وحياتنا الشخصية على حد سواء. النبأ السار هو أنه بإمكانك اتخاذ خطوات للحفاظ على الأمل وتحقيق فوائد التفاؤل الموثقة الكثيرة.
يجب أن نبدأ بفهم طبيعة الأمل. شين لوبيز هو باحث أكاديمي وكبير العلماء في شركة "غالوب"، وهو يعرّف الأمل بناءً على دراسته المتعمقة له بأنه: "الإيمان بأن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر مقترن بالإيمان بأنك قادر على جعله كذلك". هذا المزيج من التفاؤل والقدرة الشخصية على التحكم بمسار الحياة هو ما يميز الأمل عن شبيهيه الأضعف وهو التظاهر بالشجاعة والتمني. عندما نسحب بطاقة يانصيب فنحن نعمل ضمن نطاق التمني، وعندما نضع خطة عمل ونأخذها إلى المصرف من أجل الحصول على قرض فنحن نعمل ضمن نطاق الأمل.
يولّد الأمل فوائد هائلة في جميع مراحل الحياة؛ فالطلاب المتفائلون يحققون نتائج أكاديمية أفضل، والبالغون المتفائلون يكون رضاهم عن الحياة أكبر، والمسنون المتفائلون تكون معدلات الوفيات بينهم أقل. ووفقاً لخبرتي في تدريب القادة في المؤسسات على اختلاف أحجامها لاحظت أن التفاؤل سمة أساسية لدى أصحاب الأداء المتميز.
يبدأ تحويل الأمل إلى عملية مضبوطة باستخدام المخيلة الواعية لرسم صور لمستقبل أفضل ثم وضع خطة تدعم هذا المستقبل، ويكتسب هذا الأمل القدرة على الصمود عندما نتقبّل حقيقة أن المستقبل مجهول ولا يمكننا معرفته على الرغم من أعظم جهودنا. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها من أجل الحفاظ على الأمل في هذه الفترة التي يلفها غموض وحزن كبيران:
تخيل مستقبلاً إيجابياً معقولاً
منذ 3 سنوات، شاركت واحدة من أهم المحامين المتخصصين في القضايا البيئية في ندوة كنت أديرها عن القدرة على التحمل، في مرحلة التحضير أنهى المشاركون تقييماً يطلب منهم تحديد درجة موافقتهم على الجملة: "سيكون المستقبل على الأرجح أفضل من الحاضر". عندما تحدثنا عن قيمة الأمل في تعزيز القدرة على التحمل قالت: "بإمكاني تقديم بيانات تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر"، وتحدثت والدموع تملأ عينيها عن معاناتها في الحفاظ على تفاؤلها في عالم يسير على طريق لا رجعة عنه نحو كارثة مناخية.
إذا لم تتمكن من تخيل مستقبل أفضل فمن المستحيل أن تشعر بالأمل، إذ يؤثر ما نتخيله في عواطفنا وأجسادنا. يجني الرياضيون فوائد كبيرة من ناحية أدائهم الجسدي عندما يتخيلون بصورة متكررة وواضحة أنهم يقدمون أداءً جيداً. وفي المقابل، عندما نتخيل مستقبلاً قاتماً بصورة متكررة وواضحة فسيؤثر ذلك في أدائنا ومزاجنا وحالتنا الفيزيولوجية. يرتبط الاكتئاب بعدم القدرة على تخيل مستقبل إيجابي، ويرتبط الانشغال بتخيلات سلبية قوية باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فندفع ثمناً عاطفياً وجسدياً لمستقبل من المحتمل ألا يتحقق.
لذلك، بدلاً من التركيز على مستقبل موحش ارسم في مخيلتك الواعية عدة صور لمستقبل بديل معقول لنفسك يمدك بالطاقة والحافز بدلاً من الخوف والقلق.
أولاً، دوّن ما تتخيله حالياً عن المستقبل والعواطف التي تثيرها هذه الصور. حاول أن تصف بدقة ما تتخيله (مثل " ما زلت أعمل من غرفة نومي في السنة المقبلة") بدلاً من الوصف العام (مثل "أعمل من المنزل"). تتمتع الصور المحددة بأثر أكبر على حالتنا الداخلية مقارنة بالأفكار العامة، وغالباً لا نكون واعين تماماً للصور التي نحملها أو الأثر الذي توقعه علينا داخلياً، ومنح هذه الصور صيغة فعلية ملموسة هو الخطوة الأولى، على غرار التصور السلبي في الفلسفة الرواقية حيث يؤدي تصور سيناريوهات أسوأ الحالات بوضوح إلى تجريدها من قوتها.
ثانياً، تخيل أن الأمور سارت على نحو جيد على مدى العامين المقبلين واكتب لنفسك رسالة من المستقبل. صف حياتك، ما الذي يجري في عالمك العملي؟ وما الذي يجري في عالمك الشخصي؟ والسؤال الأهم: "أين سأكون إذا سارت الأمور على نحو جيد؟" تتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة الشعور بالتفاؤل مع التفكير المنطقي في آن معاً.
ثالثاً، قف في المستقبل. تخيل نفسك بوضوح في المستقبل الذي وصفته، وتخيل المحادثات التي تجريها مع الناس حولك، وتخيل شعورك، وحاول أن تشرك أكبر قدر ممكن من حواسك، كإحساس احتضان شخص تحبه وملمس اليد التي تصافحها عند الاتفاق على ترقيتك. تبين الأبحاث أنه كلما ازداد وضوح تخيلاتك وقوتها ازداد أثرها المباشر في حالتك الداخلية.
حدد الإجراء التالي الأفضل
يستدعي الأمل صياغة ما يسميه الباحثون "أفكار المسارات" التي تعزز الإيمان بأننا قادرون على تحويل المستقبل الذي نتخيله إلى واقع؛ فالمخيلة تجعل آمالنا ممكنة، والتخطيط يجعلها حقيقة.
عمل مدرب الأداء الذهني الأسطورة بيتر جنسن مع أكثر من 100 لاعب أولمبي من أصحاب الميداليات الأولمبية، وعندما يبدأ العمل مع لاعب جديد يسحب ورقة بيضاء، يكتب في الزاوية اليمينية العليا هدفه، مثل "التأهل للألعاب الأولمبية لعام 2024"، وفي الزاوية اليسارية السفلى يكتب حالته الحالية، مثل "يحتل المرتبة الخامسة على المستوى الوطني"، ثم يرسم خطاً مائلاً يصل بين الزاويتين ويبدأ بالتعاون مع اللاعب بالتخطيط لمساره على الجدول الزمني. يبدأ أولاً بتسجيل أهم العلامات المرجعية مثل "التجارب الأولمبية" و"البطولات الوطنية" ويستمران بالعمل رجوعاً إلى أن يصلا إلى سؤال بسيط: "ما هي الخطوة التالية الأفضل؟"
يمكنك اتباع نفس الأسلوب في مسارك المهني وغيره. ما هو أفضل مسار نحو المستقبل الذي تخيلته؟ ما هي أهم العلامات المرجعية؟ والأهم، ما هي الخطوة التالية؟ إذا واجهت صعوبة في تحديد خطوتك التالية، فحاول شق طريقك عبر مجالات العمل المحتملة التالية:
السلوكيات: هل يتعين علي القيام بسلوك معين بدرجة أكبر أو أقل أو بمثابرة أكبر؟
العلاقات: هل يتعين علي بناء علاقة ما أو توطيدها أو التخلي عنها؟
التعلم: هل يتعين علي الاستثمار في تطوير مهارة أو قدرة ما؟
المعتقدات: هل يتعين علي التخلي عن معتقد ما أو صقله؟
اعتبر العقبات نقاط انعطاف، لا هزيمة
المكون الأخير من الأمل هو الذي يمنحه القدرة على الصمود والتصالح مع حقيقة أننا غير قادرين على السيطرة على أو التنبؤ بالمستقبل بالرغم من مخيلتنا القوية وأفضل الخطط المدروسة. عندما لا تسير الأمور وفقاً للخطة، نمّ القدرة على النظر إلى المحنة باعتبارها نقطة انعطاف لا سبباً للتخلي عن الأمل.
في اللعبة الارتجالية "لحسن الحظ، لسوء الحظ" يبدأ أحد اللاعبين قصة بعبارة "لحسن الحظ"، قد يقول شيئاً مثل: "لحسن الحظ، عثرت على ورقة نقدية بقيمة 100 دولار على الأرض". ثم يتابع لاعب آخر القصة بادئاً بعبارة "لسوء الحظ": "لسوء الحظ، عندما انحنيتَ لأخذها أصبتَ بفتق"، وهكذا دواليك.
تعتبر هذه اللعبة وسيلة تذكير مفيدة بالفرص الكامنة في المحن، ويقول كثير من الأشخاص الناجحين الذين عملت معهم على مر السنين إن لحظات الفشل هي محفزات مهمة للنجاح الذي حققوه في نهاية المطاف.
مع تقدمك في لعبة "لحسن الحظ، لسوء الحظ" التي تلعبها مع نفسك، يجب أن تتوقع ألا تسير الأمور وفق الخطة التي وضعتها بحذافيرها، وعندما تصيبك محنة اسأل نفسك عن احتمال أن تكون نقطة انعطاف لك وما يمكنك فعله لتحويل جزئية "الحظ السيئ" إلى "الحظ الجيد". واسأل نفسك أيضاً عما تتعلمه من المحنة من أمور يمكن أن تساعدك في المستقبل، ثم تخلّ عن خطتك الأولى وابدأ بإعادة تخيل مستقبل بديل.
عندما تتمكن من تخيل مستقبل معقول أفضل من الحاضر، حدد المسار الذي سيوصلك إليه وتقبّل حقيقة أن الأمور نادراً ما تسير وفق الخطة، وستعزز بذلك الأمل المفيد والقادر على الصمود.