ملخص: يعمل كثير من مدراء المشاريع التقليديين وفق خطط محددة مسبقاً سعياً إلى تحقيق أهداف محددة مسبقاً أيضاً. لكن في بيئة تتبنى نهج "أجايل" يصبح مفهوم العمل "المنتهي" غير قابل للاستخدام. ما الذي تتطلبه الإدارة الفعّالة للمشاريع ذات المستلزمات دائمة التغير؟ يقدم مؤلف هذا المقال 3 استراتيجيات أساسية من أجل الحفاظ على أهمية مدراء المشاريع ومساعدة مدير المشاريع على التكيف مع عالم نهج "أجايل" المرن: أولاً، يجب أن يحرص على فهم أهداف مؤسسته فيما يتعلق بتطبيق مسارات العمل الخاصة بنهج "أجايل". ثانياً، يجب عليه إعادة النظر في معايير النجاح التي يتّبعها، فبدلاً من التركيز على معايير محددة كالميزانية أو الجدول الزمني أو النطاق أو العمل، يجب أن يركز على معايير، مثل زمن دورة التطوير ونسبة القرارات التي يتم صنعها بناء على البيانات الموضوعية. وأخيراً، يجب على مدير المشاريع الذي يعمل وفق نهج "أجايل" مواصلة التمعن في عملياته والسعي إلى التكيف وتطوير نفسه كي يتمكن من تلبية الاحتياجات الآخذة بالتطور لدى عملائه وموظفيه.
اعتادت إدارة المشاريع اتباع نهج تسلسلي في عملياتها، وبناءً على افتراض أنه بالإمكان تعريف المشاريع "المنتهية" على نحو واضح، فقد تم تدريب مدراء المشاريع عموماً على العمل باتجاه مواعيد نهائية وميزانيات ونُطُق صريحة ومحددة مسبقاً. لكن هذا الافتراض يفقد دقته أكثر فأكثر.
مع تزايد اتباع أساليب "أجايل" المرنة، تعمل مؤسسات كثيرة الآن وفقاً لأنظمة مستمرة الحركة بدلاً من الأنظمة الثابتة. وما إن نقول إن العمل على النظام قد "انتهى" يبدأ هذا النظام بفقدان أهميته تدريجياً. ما عليك سوى سؤال نفسك: "متى انتهى العمل على نتفليكس أو جوجل؟"، لتدرك أن مفهوم المشروع "المنتهي" يفقد معناه وأهميته. ومن دون هدف وحالة سيصبح من المستحيل استخدام أدوات إدارة المشاريع التقليدية، مثل مخططات "غانت"، والميزانية المحددة، وخريطة العمل الصارمة، وستكون مجرد مضيعة للوقت.
ولذلك، بدأت المؤسسات الكبيرة والصغيرة بالانتقال على نحو متزايد إلى نموذج الفِرق الصغيرة التي تعمل ضمن دورات قصيرة وتتعلم باستمرار. تسعى هذه الفرق إلى تحقيق النتائج لا المردود، وتجمع الأدلة وتحدد أولوياتها في الوقت الحقيقي من أجل تحديد الخطوات التالية بدلاً من الاتباع الصارم لخطة محددة مسبقاً. تتحدى هذه العملية القدرة على التنبؤ بصورة أساسية، وتتبنى الغموض في التكنولوجيا وسلوك العملاء اللذين يشهدان تطوراً سريعاً، ولذلك فهي لا تتناسب مع إدارة المشاريع التقليدية التي تركز على تلبية متطلبات المشروع المحددة مسبقاً.
بأخذ هذه التحديات في الحسبان، ما الذي يجب على مدير المشاريع فعله؟ هل يتحول إلى مدير المنتج؟ أم عليه إتقان منهجية "سكرم" التعاونية؟ ماذا عن سنوات الخبرة والرؤى التي اكتسبها؟
الحفاظ على أهمية مدراء المشاريع عند اتباع نهج "أجايل"
ليس بالضرورة أن تنهي أساليب "أجايل" المرنة إدارة المشاريع تماماً، وإنما تستدعي تحويل ممارساتها. وعلى وجه التحديد، يجب أن يبدأ خبراء إدارة المشاريع اليوم بثلاثة أمور ليحافظوا على أهميتهم وكفاءتهم في عالم يزداد فيه اتباع نهج "أجايل" باستمرار:
1. فهم أهداف المؤسسة من نهج "أجايل"
قد تقدم المؤسسة برنامجاً لتدريبك على نهج "أجايل"، أو ربما قرأت كتاباً يتحدث عنه، لكن هذا لا يعني أنك أصبحت تعرف أهداف الفريق المحددة من الانتقال إلى عقلية مرنة. وبدلاً من الاكتفاء بالمعرفة السطحية لنهج "أجايل"، يجب أن تتعمق كي تفهم سبب تبني مؤسستك له. هل هو تقليل الوقت اللازم لإدخال المنتجات الجديدة إلى السوق؟ هل هو تخفيض الاعتماد على البائعين أو الشركاء الخارجيين؟ أم أن المؤسسة تطبق نهج "أجايل" ببساطة لأن الجميع يفعل بذلك؟ إذا كان الحال كذلك، فلديك فرصة لتحديد أهدافك الخاصة وتوضيح كيف ستساعد المرونة التنظيمية فريقك في تحقيقها.
لكن يجب الانتباه إلى أن أهداف مؤسستك ليست واضحة دائماً، وإذا لم تعلم سبب تبني مؤسستك نهج "أجايل" فما عليك سوى الاستفسار عنه. تحدّ قادتك وزملاءك والمساهمين الآخرين للإجابة عن السؤال: "إذا اتبعنا نهج "أجايل" على النحو الصحيح، فما الذي سيصبح أفضل؟"، ثم اطرح السؤال الثاني: "كيف يمكننا الاستفادة من مهاراتنا الفريدة للمساعدة في تحقيق ذلك؟".
2. إعادة النظر في معايير النجاح المتبعة
كان مدير المشاريع فيما مضى يُعتبر ناجحاً إذا أنجز قدراً محدداً من العمل في الوقت المحدد وضمن الميزانية المحددة، لكن يجب أن تتغير طرق قياس النجاح هذه في عالم يتبنى نهج "أجايل". يجب على مدير المشاريع الذي يتبنى نهج "أجايل" التركيز على معايير، مثل زمن الدورة؛ أي: مقدار الوقت الذي يستغرقه عنصر محدد في العمل لاجتياز كامل عملية البحث والتطوير التي يقوم بها الفريق. زمن الدورة هو انعكاس مباشر لقدرة الفريق على التعلم والتكيف السريعين، ويمكن تطبيقه على صنع المنتج أو الميزة إلى جانب المدة الزمنية التي يستغرقها الفريق لتعلم مهارات جديدة.
خذ، مثلاً، تحديد المدة التي تستغرقها فكرة ما للانتقال من مرحلة الاقتراح إلى مرحلة الإنتاج، والأهم هو سرعة فريقك في تحديد ما إذا كانت الفكرة تستحق الاستثمار فيها. يمكن أن يعكس زمن الدورة سرعة وصول الميزات إلى أيدي العملاء، وهو معيار مهم بحدّ ذاته، لكن الأهم من ذلك، هو سرعة الفريق في التعلم واتخاذ القرار بالاستمرار في المسار نفسه أو الانتقال إلى العمل على فكرة أخرى.
إلى جانب أنه على مدير المشاريع بذل جهد لزيادة نسبة القرارات التي يتخذها بناء على أدلة موضوعية، مثل آراء العملاء بدلاً من الافتراضات الشخصية الاعتباطية. لذا حاول تحديد عدد اقتراحات المبادرات الجديدة المدعومة ببيانات السوق بدلاً من التفكير في الاقتراحات التي يعتبرها أحدهم جيدة برأيه الشخصي. وعلى الرغم من صعوبة تحديد طريقة صنع القرارات في بعض الأحيان، فمجرد التفكير في هذا الأمر سيساعد مدير المشاريع في البقاء على المسار الصحيح.
3. الاستمرار بالتحقق من طرق العمل وتكييفها
أحد المبادئ التوجيهية الأساسية في نهج "أجايل"، هو المذهب التجريبي، وهو فلسفة السعي إلى اكتساب المعرفة المبنية على الأدلة. وعندما يعمل مدير المشاريع في عالم "أجايل" الجديد، سيتوقف نجاحه على الاستمرار في تجريب الأفكار وتقييم ما ينجح منها وما لا ينجح وتكرار العملية بناء على ذلك. قد تكون بعض أدوات التقنيات التقليدية المعتادة في إدارة المشاريع مفيدة في نهج "أجايل"، وبعضها الآخر ليس كذلك.
مثلاً، عملت منذ عدة أعوام مع فريق في مصرف كبير وأمضيت 6 أشهر في العمل على التحقق من فكرة منتج جديد وتصميمه وبنائه. كانت قيادة المصرف واثقة من أن المنتج سيحقق نجاحاً كبيراً لدى العملاء ويشكل مصدراً جديداً مهماً للإيرادات. لكن في موعد المراجعة القانونية، وهي المرحلة الأخيرة من عملية البحث والتطوير الموحدة في المؤسسة، ألقى الفريق القانوني خبراً صادماً للجميع حين قال: "نحب الفكرة كثيراً، لكن كل ما بناه فريق التطوير ليس قانونياً. وليس بإمكان المصرف تنفيذ هذه المبادرة بأي طريقة من الطرق".
أصيب أفراد فريق التطوير بالإحباط الشديد، وكان إحباط مدير المشاريع أكبر. فقد اتبعنا جميعنا عمليات إدارة المشاريع القياسية، ومع ذلك ذهب عمل 6 أشهر هباء. أصبنا جميعنا بخيبة أمل كبيرة، وهذا طبيعي، لكن بدلاً من الاستسلام لواقع أن هذه العملية المعيبة غير قابلة للتغيير، اقترح مدير المشاريع في الاجتماع الاسترجاعي التالي إجراء تغيير على العملية: بدلاً من وضع المراجعة القانونية في نهاية كل مبادرة، هل بإمكان أحد خبراء قسم الشؤون القانونية المشاركة في اجتماعات الفريق مرة واحدة كل أسبوعين؟ كان هذا التغيير صغيراً لكنه أتاح حواراً مستمراً بين فريقي التطوير والشؤون القانونية، ما قلّص فرص وقوع مفاجآت غير سارّة بعد أشهر من العمل.
في بعض الأحيان تسهم سنوات خبراتنا وتجاربنا في حجب رؤيتنا لفرص التطوير. فكّر في تبني العقلية التي يسميها أسترو تيلر، رئيس برنامج "إكس" (X) في شركة "جوجل" "الشكّ المتحمس". احرص على الاستمرار في التماس المعلومات حول الطرق الممكنة لتحسين عملياتك كي تتلاءم مع السياق التنظيمي الحالي، وتحدث إلى زملائك لتتمكن من فهم كيف يساعدهم عملك، وتحدد المجالات التي يمكنك إضافة القيمة إليها، واعمل على تيسير اجتماعات استرجاعية مع فريقك ولا تخش الانتقادات، بل تعلم منها، واعمل على تكييف أسلوبك كي يتمكن من تلبية احتياجات زملائك وعملائك على نحو أفضل. لا شك في أن بعض هذه التغييرات سيتعارض مع الطرق التي اعتدت اتباعها في تنفيذ العمل، لكن هذا هو تحديداً التطور اللازم كي تحافظ الفرق على مرونتها وسرعة استجابتها وقدرتها على بناء منتجات وخدمات ذات قيمة في سوق دائم التغير.
وفي نهاية الحديث عن كيفية الحفاظ على أهمية مدراء المشاريع، ليس بالضرورة أن يعني اتباع نهج "أجايل" إلغاء إدارة المشاريع تماماً، لكنه بالتأكيد يعني ضرورة تكيف مدير المشاريع معه وإلا فسيصبح دوره دون فائدة. ومن أجل النجاح في مكان عمل يتبع نهج "أجايل" المرن، يجب على خبير إدارة المشاريع السعي إلى فهم أهداف مؤسسته وإعادة النظر في معايير النجاح التي يتبعها في ضوء هذه الأهداف، وتبني عقلية النمو والتكرار المستمرين في تطويره لذاته.