وفقاً لما قاله رالف نيكولز وليونارد ستيفنز في مقالهما في هارفارد بزنس ريفيو عام 1957، يمكن التأكيد دون أدلة علمية أن الناس يفتقرون عموماً إلى القدرة على الإنصات. يمتلك الناس آذاناً وظيفية قادرة على السمع جيداً، لكنهم يفتقرون غالباً إلى المهارات اللازمة التي تسمح لهم بالاستفادة منها في ما يُدعى الإنصات. أجرى نيكولز وستيفنز دراسة شملت آلاف الطلاب ومئات رجال الأعمال، واكتشفا أن غالبية المشاركين تذكروا ما نسبته 50% فقط من المعلومات التي تلقوها، وذلك بعد سماعها على الفور، وبعد 6 أشهر، لم يتذكر معظم المشاركين سوى 25% من المعلومات التي سمعوها في البداية.

بناءً على ذلك، أعتقد أن مهارات الاستماع لدى الناس لم تتغير كثيراً منذ عام 1957، لذلك أجريت بحثاً معمقاً عن أفضل النصائح التي تناولت فن الاستماع الذي لا يمكن إتقانه تماماً في أرشيف هارفارد بزنس ريفيو. فيما يلي ما توصلت إليه.

تقول عميدة جامعة كنتاكي وأستاذة الإدارة فيها، كريستين ريوردان، إن الإنصات يبدأ بالاهتمام الفعلي بما يقوله الآخرون. ينطوي الإنصات بتعاطف على 3 مجموعات محددة من السلوكيات. أولاً، الاستيعاب الفعلي للمعلومات؛ أي التعرف على الإشارات اللفظية وغير اللفظية التي يصدرها الشخص الآخر. ثانياً، معالجة المعلومات، حيث نفهم ما يقوله الشخص الآخر. وأخيراً الاستجابة؛ أي إثبات أنك تفهم وتقدر وجهة نظر المتحدث -ذلك لا يعني أن عليك الاتفاق معه- عن طريق الإيماءات أو إعادة ما سمعته أو الإقرار بأنك تفهم ما يقوله.

يمكنك تدوين الملاحظات في أثناء الاستماع للطرف الآخر للحفاظ على تركيزك على النقاط الرئيسية لما يقوله. يقدم رام تشاران نصيحة لاحظ أنها فعالة جداً بالنسبة للاري بوسيدي عندما كان الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل (Honeywell)؛ اعتاد بوسيدي أن يرسم خطاً عمودياً أسفل الصفحة في دفتر ملاحظاته ومن ثم تدوين الملاحظات العامة على اليسار والنقاط الأهم على اليمين، الأمر الذي ساعده في تدريب عقله على الإنصات والتركيز على النقاط الأهم.

تعرف على طبيعتك. هل أنت اجتماعي ومنفتح؟ إذاً لديك العديد من الصفات الرائعة، ولكن الاستماع الجيد قد لا يكون أحدها، فمن الصعب الاستماع للآخر إذا كنت الشخص الذي يهيمن على الحديث غالباً. هل تتمتع بضمير يقظ جداً، وهاتفك الذكي دائماً في متناول يدك وجدول مواعيدك منظم بدقة دائماً؟ مجدداً، من الصعب الإنصات عندما تشغل الشاشة انتباهك أو إذا كنت تترقب موعد الاجتماع التالي. يؤدي فهم ذاتك والدراية بميولك دوراً مهماً كي تصبح مستمعاً فعالاً، وهو من العديد من النصائح المهمة التي ذكرتها سارة ستيبتز في مقالتها.

انتبه للحظات التي يشرد فيها ذهنك لتحديد ما يمنعك من الإنصات. وردت هذه الحكمة في كتاب “سيطر على المكان” (Own the Room) لمؤلفتيه المدربتين التنفيذيتين؛ إيمي جين سو وميريل ماينان ويلكينز. عندما ينخفض انتباهك، فهل هذا لأنك منشغل بالتخطيط لردك على تعليقات محدثك؟ أم هل بدأت بالاستماع إلى ناقدك الداخلي بدلاً من التركيز على ما يقوله؟ في الواقع، لا يمكنك الإنصات عندما يكون عقلك مشغولاً بالتفكير في أشياء أخرى غير ذات صلة، فإذا لاحظت أن أمراً ما شغلك عن الاستماع، فما عليك سوى تدوين ملاحظة عنه -لا تفكر فيه، وإلا فلن تتمكن من الاستماع لمحدثك لفترة أطول- ثم أعِد انتباهك لما يقوله الشخص الآخر.

يذكر كل من نيكولز وستيفنز عاملاً آخر يمكن أن يمنعنا من الإنصات: عواطفنا الخاصة. تشوش مشاعرنا على محادثاتنا؛ عندما تلاحظ أنك تبدي رد فعل عاطفياً، تجنب إصدار حكم أو تقييم الموقف على الفور، ثم تحقق من الأدلة التي تشير إلى خطأ موقفك. إذا بحثنا بوعي عن الأفكار التي قد تثبت خطأ موقفنا أو صوابه، وهو ما يميل البشر إلى فعله عادة في اللاوعي، فإننا نقلل من احتمال إغفال وجهات النظر التي يشاركها الآخرون.

عندما يشعر شخص ما بالضيق أو الإحباط، يفترض كثير منا أنه “ينصت” إذا تحدث عن تجاربه الخاصة (لكن ذلك ليس إنصاتاً في الواقع)، أو حاول حل المشكلة موضع النقاش (وهذا حديث أيضاً). أو ربما يشعر المتحدث أننا لا نعيره انتباهنا أو لا نستمع إليه فعلياً لأننا نتبع النصيحة التي نسمعها دائماً: “لا تحاول طرح الحلول، بل استمع فحسب”. لذلك فإن أفضل طريقة للإنصات عندما يقوم شخص ما بالتعبير عن إحباطه هي طرح الأسئلة، وفقاً للطبيب النفسي ومؤلف كتاب “استمع فقط” (Just Listen)، مارك غولستون، يجب مساعدته في التعبير عن كل هذا الغضب والإحباط حتى يبدأ باستيعاب الأمر بنفسه. اطرح عليه أسئلة مثل “ما أكثر ما يثير غضبك؟” و”ما الذي يقلقك حقاً؟” وسيشعر حينها أن هناك من يستمع إليه حقاً، وستساعده في الوصول إلى جذر المشكلة التي يواجهها وإيجاد حلول لها.

يسلط نيكولز وستيفنز الضوء على المشكلة الأساسية في الاستماع، وهي أن سرعتنا في التفكير أكبر من سرعتنا في التحدث؛ إذ يخرج فمنا الكلمات بمعدل 125 كلمة في الدقيقة، بينما يمكن للخلايا العصبية أن تعالج نحو 200 كلمة في الثانية. (وهذا ما يستدعي أهمية إبطاء وتيرة سير المحادثات الصعبة.) لذلك دع عقلك يفعل شيئاً آخر في أثناء الاستماع: انتبه للنقاط الرئيسية التي يطرحها المتحدث وانتبه للغة جسده وتعبيرات وجهه، واسأل نفسك عما قد يتجنب قوله متعمداً، أو قيّم الأدلة التي يقدمها.

يقول نيكولز وستيفن في مقالهما عام 1957: “لا تتوقف فعالية المحادثة على جودة حديث الناس بقدر ما تتوقف على جودة الاستماع لها”. ولا يزال هذا الكلام صحيحاً بعد عدة عقود من كتابته. قد لا نستطيع بالضرورة تحويل الأشخاص من حولنا إلى متحدثين أفضل، ولكن يمكننا جميعاً أن نكون مستمعين أفضل.