ملخص: كيف يؤثر الحرمان من النوم في الصحة الجسدية والنفسية والأداء المهني؟
- أولاً، تنسى كيفية أداء المهام البسيطة، فالحرمان من النوم ولو لليلة واحدة كفيل بزعزعة أداء منطقة الحُصين في الدماغ، والتي تؤدي دوراً رئيسياً في في الذاكرة والتعلم.
- ثانياً، يجعلك الحرمان من النوم أقل تعاطفاً وصبراً مع الآخرين، إذ يؤثر في نشاط اللوزة الدماغية ما يسبب القلق والعدوانية والتسرع في اتخاذ القرارات.
- ثالثاً، قد يؤثر الحرمان من النوم سلباً في علاقاتك الشخصية والعاطفية، فعندما تكون سعيداً في علاقتك ستنام نوماً أفضل، وعندما تنام نوماً أفضل ستصبح علاقتك أفضل أيضاً.
لا نقدّر قيمة النوم إلا عند حرماننا منه، وهذا هو حال الكثيرين، إذ يعاني 30-40% من الناس مشكلات في النوم، ويعاني 70 مليون أميركي و45 مليون أوروبي حرماناً مزمناً من النوم.
يحدث أن يواجه المرء ظروفاً طارئة أحياناً تؤدي إلى اضطراب نومه، لكن الأرقام تُظهر أننا لا نعي أهمية النوم في مختلف جوانب حياتنا، ومنها الحياة المهنية، وما يثير القلق هو الضعف العام في الوعي بالأثر السلبي للحرمان من النوم في الصحة الجسدية والنفسية، ومن الأمثلة الواضحة تفاخر الكثيرين بالتضحية بالنوم لإنجاز المزيد من المهام، وكأن ذلك علامة على التفوق الدراسي أو المهني.
لكن تفضيل العمل على النوم يعني التركيز على النتائج القصيرة الأمد وإهمال تبعات الحرمان من النوم على المدى الطويل. إذا كنت تود تقديم أفضل أداء على المستوى الدراسي أو المهني أو الشخصي، فيجب أن تنام جيداً، لأن النوم الجيد يؤدي إلى تعزيز تركيزك وانتباهك وقدرتك على تحمل الضغط، إضافة إلى أنه يحسن حالتك المزاجية ويجعل عقليتك إيجابية أكثر.
لا بد أنك سمعت هذه النصيحة من قبل، لكن أفضل طريقة لمعرفة قيمة النوم هي فهم بعض الدروس الحديثة من علم الأعصاب، وهو المجال الذي كرس وقتاً طويلاً لدراسة أثر النوم في الدماغ وما يحدث فيه بسبب الحرمان من النوم الكافي.
ما الذي يحدث للدماغ عند الحرمان من النوم الكافي؟
قبل أن ندخل في التفاصيل، سننظر نظرة عامة سريعة على حالة الدماغ خلال النوم: تشير دراسات متعددة إلى أن الدماغ خلال النوم يبقى نشطاً ويستمر في معالجة المعلومات، أما الجسد فيدخل في حالة الراحة مع بقائه مستعداً للاستجابة عند الضرورة. يمكن تشبيه الدماغ بالهاتف الذكي: فعدم استخدامك الهاتف ليلاً لا يعني أنه توقف عن العمل.
الوظيفة الرئيسية للدماغ خلال النوم هي التخلص من السموم التي تتراكم بين العصبونات على مدار اليوم والتي يمكن أن تؤثر في الأداء المعرفي السليم على المديين القصير والطويل. يفعل الدماغ ذلك لإفساح المجال لتجارب تعلم جديدة أهم، ويمكن تشبيه الأمر بعملية الحذف التلقائي على جهاز الكمبيوتر، حيث تزيل الملفات في سلة المهملات باستمرار لتحرير المساحة وتسريع المعالجة.
يعد التخلص من هذه الفضلات (السموم) عاملاً حاسماً لدعم وظائف التعلم والذاكرة الأساسية، بالإضافة إلى تنظيم الحالة المزاجية والعواطف والرغبة الجنسية، أي يمكن تشبيه النوم بتعبئة السيارة بالوقود. إن فكرة تقليل النوم من أجل العمل أكثر بغية زيادة الإنتاجية هي فكرة غير منطقية، تماماً مثل فكرة عدم التوقف للتزود بالوقود بغية الوصول إلى الوجهة على نحو أسرع.
كيف يؤثر الحرمان من النوم في حالتك النفسية والجسدية وأدائك المهني؟
الحرمان من النوم يجعلك تنسى كيفية تنفيذ المهام البسيطة
الحرمان من النوم ولو لليلة واحدة كفيل بزعزعة أداء منطقة الحُصين في الدماغ، والتي تؤدي دوراً رئيسياً في الذاكرة والتعلم. يؤدي الحُصين دوراً رئيسياً في مساعدتك على الاحتفاظ بالمعلومات على المديين القصير والطويل، إضافة إلى أنه يحدد مدى قدرتك على تحديد الاتجاهات والتحرك في المكان (ولهذا السبب خلصت دراسة شهيرة أجراها العلماء على أدمغة سائقي سيارات الأجرة في لندن إلى أن حجم الحُصين لديهم أكبر من الطبيعي).
عندما لا تحصل على كفايتك من النوم قد تجد أنك تنسى أكثر، أو تواجه صعوبات في التركيز أو حفظ الأرقام، أو ربط المعلومات الجديدة بالذكريات المخزنة سابقاً في الدماغ. ستؤثر هذه المشكلات تأثيراً كبيراً على أدائك في العمل، إلا إذا كنت تؤدي مهمات روتينية متكررة لا تتطلب تركيزاً شديداً أو جهداً ذهنياً. لكن حتى حينما تؤدي مهمات سهلة نسبياً، ستلاحظ تراجعاً في أدائك، فالحرمان من النوم يجعل التركيز صعباً، ومن ثم فإنك قد تبذل جهداً أكبر للتعامل مع المهام التي كانت بديهية لك في السابق.
تأثير الحرمان من النوم على الذاكرة الطويلة الأمد
كما ذكرنا، فإن النوم يمنح دماغك الوقت للتخلص من الفضلات الأيضية، ومنها البروتينات التي يمكن أن تتراكم وتشكل اللويحات بين خلايا دماغك، وترتبط قلة النوم بانخفاض معدل الذكاء على المدى القصير، وبمرض ألزهايمر على المدى الطويل.
خلصت مراجعة شملت 86 دراسة علمية إلى أن الأشخاص الذين ينامون فترة أطول يتعلمون بمرونة وكفاءة أكبر ويتمتعون بتركيز ذهني أعلى، ولذلك فإن تدهور القدرات المعرفية لديهم في مرحلة الشيخوخة يكون أبطأ. ويسهم اتباع نمط نوم صحي في تحسين الأداء الدراسي والمهني، وتعزيز التطور الفكري. إذا كانت وظيفتك معقدة فهذا يعني أن عليك أن تتعلم أكثر وتفكر في مشكلات جديدة باستمرار وتجد حلولاً لها، ما يتطلب منك أن تحسن جودة نومك وتزيد مدته.
الحرمان من النوم يحفز القلق والعدوانية. يحفز النوم تفاعلاً كيميائياً في دماغك، وهو تفاعل ضروري لتنظيم الحالة المزاجية والعاطفية. يسمى هرمون الدماغ الرئيسي في هذا التفاعل الميلاتونين، وينتج الجسم المزيد منه خلال المساء ليجعلك تشعر بالنعاس، وكمية أقل خلال الصباح لإيقاظك. يرتبط الميلاتونين أيضاً بتغيرات الحالة المزاجية، ويحدث هذا غالباً عندما يفرز جسمك الهرمون للإشارة إلى أن وقت النوم قد حان، لكنك تتجاهله وتبقى مستيقظاً.
تجعلك قلة النوم حاد الطبع أو فظاً أو شديد الانفعال، وهو ما قد يلاحظه الآخرون غالباً، وذلك لأن الميلاتونين يؤثر في منطقة اللوزة الدماغية. تمثل اللوزة الدماغية مستشعراً عاطفياً يحدد إذا كنت تعيش تجربة إيجابية (أشعر بالأمان) أو تجربة سلبية (أشعر بالغضب أو الخوف)، وسبب القلق والعدوانية والتسرع في اتخاذ القرارات هو النشاط في هذه المنطقة، فأي تغيرات تطرأ عليها خلال الليل ستؤدي إلى تأثيرات تستمر إلى صباح اليوم التالي وتمتد إلى سلوكك، ومنه صبرك على الآخرين وتعاطفك معهم.
يمكن أن تتمثل المشاعر السلبية أيضاً، مثل الخوف والقلق، خلال نومك في أحلام مخيفة أو مزعجة، ولأن قلة النوم تزيد الانفعال والضيق، فقد تجد نفسك عالقاً في حلقة مفرغة، فيضطرب مزاجك بسبب تدني جودة نومك، ويسبب لك اضطراب المزاج الكوابيس فيضطرب نومك. لذا إذا كنت تريد أن تكون زميل عمل أو زوجاً أو صديقاً لطيفاً ومحباً، فيجب أن تنام أكثر.
الحرمان من النوم يهدد علاقاتك
قد يؤثر الحرمان من النوم سلباً في علاقة الأزواج، فهم ينامون في الغرفة نفسها، وإذا كنت تعاني الحرمان من النوم فإن تأثيره لن يقتصر على حياتك وعملك، بل سيمتد إلى حياة شريكك وعمله أيضاً. ومن غير المستغرب أن يكون هناك تأثير متبادل بين جودة النوم وجودة العلاقة: فعندما تكون سعيداً في علاقتك ستنام نوماً أفضل، وعندما تنام نوماً أفضل ستصبح علاقتك أفضل أيضاً.
على الرغم من الأبحاث الكثيرة التي تؤكد التأثيرات السلبية للحرمان من النوم، فأنا متأكد من أنك ستستمر في رؤية أصدقائك وزملائك يتفاخرون بقلة النوم، وكأن ذلك يزيد إنتاجيتهم ونجاحهم. عندما يحدث هذا، تذكر أن العلم يقول العكس: الحصول على قسط كافٍ من النوم المتواصل يمنح دماغك الراحة اللازمة، ما يعزز قدراتك المعرفية وسعادتك وصحتك.