نحن، كمستهلكين، ننتج قدراً هائلاً من النفايات. فالعالم برمته ينتج سنوياً 1.3 مليار طن من النفايات الصلبة. ومن المتوقع أن يزداد هذا القدر ليصل إلى 2.2 مليار طن بحلول عام 2025. تتحمل بلدان منظمة "التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) مسؤولية إنتاج 44% من النفايات، وفي الولايات المتحدة الأميركية وحدها، ينتج الفرد في المتوسط مقدار وزن جسمه من القمامة شهرياً، فكيف يمكن الحد من النفايات؟
تلمّح الحكمة السائدة إلى أن الشركات ليس لديها ما يحفزها على إطالة دورة حياة منتجاتها، وتقليل الإيرادات التي قد تجنيها من بيع سلع جديدة. إلا أن عدداً متزايداً من الشركات والأعمال التجارية يفكر في كيفية تقليل النفايات الناتجة عن المستهلكين. وهذا يرجع جزئياً إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والمعادن، وأيضاً ينسب الفضل جزئياً إلى أن المستهلكين والشركات على حد سواء يزدادون وعياً حول ضرورة حماية البيئة.
يتطلع عدد متزايد من المستهلكين إلى تحقيق الاستدامة، بدلاً من النظر إلى سعر المنتج وأدائه فقط، عند اختيار المنتجات التي يشترونها، والعلامات التجارية التي يشترون منها. في استطلاع شمل 54 من أشهر العلامات التجارية في العالم، أفادت معظمها أن المستهلكين يظهرون اهتماماً متصاعداً بنمط الحياة المستدام. وفي الوقت ذاته، يشير استطلاع عن المستهلكين في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة إلى اهتمام المستهلكين بترشيد استهلاك الطاقة، والحد من النفايات.
في أغلب الأحيان، يتحكم المستهلكون فيما يحدث للمنتج. ولكن كما تدرك بعض الشركات، فإن وضع عبء إعادة التدوير بأكمله على كاهل المستهلك لا يعد استراتيجية ناجحة، بالأخص عندما يكون رمي المنتج والتخلص منه هو الخيار الأسهل والأنسب.
مبادرات الشركات للحفاظ على البيئة
أطلق بعض تجار التجزئة والمصنعين، في قطاعي الملابس والأحذية، والإلكترونيات، برامج لجعل عملائهم مهتمين بالحفاظ على منتجاتهم، والحيلولة دون إلقاء الأشياء التي لا تزال ذات قيمة في مكب النفايات. ومن خلال تقديم خدمات للمساعدة في تمديد عمر منتجاتها، تَعِد الشركات بتقديم جودة عالية ومتانة جيدة للمستهلكين، وتجني بذلك المكاسب الناتجة عن سمعتها كشركات صديقة للبيئة.
فعلى سبيل المثال، تقدم شركة الجينز السويدية،"نودي جينز" (Nudie Jeans)، خدمة إصلاح مجانية لسراويل الجينز في 20 متجراً من متاجرها. إذ يُحضر الزبائن سراويل الجينز البالية خاصتهم إلى المتاجر لكي يجري تجديدها، بدلاً من التخلص منها. وتوفر الشركة أيضاً مجموعة أدوات لإصلاح الجينز، تُطلَب عبر البريد الإلكتروني، ومقاطع فيديو تعليمية عبر الإنترنت، بحيث يتسنى للزبائن تعلم كيفية إصلاح سروال الجينز في المنزل. المقصد من هذا المبدأ هو أن إطالة عمر سروال الجينز ليس جيداً فقط للبيئة، إنما يسمح للمستهلك كذلك بالحصول على قيمة أكبر من منتجات الشركة. فعندما يرغب الزبائن في التخلص من سراويلهم، يمكنهم إعادتها إلى المتجر، الذي سيتولى بدوره استخدامها لغرض آخر وإعادة بيعها.
هناك شركة ملابس أخرى، تدعى "باتاغونيا" (Patagonia)، وهي شركة ملابس خارجية، تتبع المبدأ نفسه. فقد عقدت شراكة مع موقع "آي فيكس إت" (iFixit)، وهو أحد المواقع القائمة على مبدأ "افعلها بنفسك"، بغرض تعليم المستهلكين كيفية إصلاح ملابسهم، مثل الملابس الخارجية المضادة للمياه في المنزل، كما تقدم "باتاغونيا" للمستهلكين برنامج إصلاح مقابل رسوم متواضعة. وفي الوقت الجاري، تصلِح الشركة قرابة 40 ألف قطعة ملابس سنوياً في مركز خدماتها في مدينة رينو بولاية نيفادا. وكما تقول روز ماركاريو، الرئيسة التنفيذية للشركة، فإن هذه الاستراتيجية تخلق شركة صديقة للبيئة. وفي الوقت ذاته، تعزز خدمة إصلاح الملابس الجودة التي يتوقعها المستهلكون في المنتجات.
في البرازيل، كانت شركة "أديداس" الكبرى المتعددة الجنسيات، تدير برنامجاً لإعادة تدوير الأحذية يُدعى "بصمة مستدامة" (Sustainable Footprint)، منذ عام 2012. فقد تمكن الزبائن من إحضار أحذيتهم أياً كانت العلامة التجارية إلى المتاجر، ثم تقوم الشركة بدورها بتفكيكها لتصبح أنواع وقود ومواد خام بديلة، أو ما يعرف اختصاراً بـ (AFR)، وهي عناصر غير مرغوب فيها تجري إعادة استخدامها كمواد خام لتوليد الطاقة، بدلاً من إلقائها في مدافن النفايات ومحارق القمامة، وتستخدم وقوداً لتشغيل مصانع الإسمنت. تُروّج شركة "أديداس" في البرازيل للبرنامج في متاجرها بعرض مقاطع فيديو لتوعية الزبائن، وذلك بغية تحفيزهم على إحضار المزيد من الأحذية البالية معهم، وتقدم لهم أيضاً تخفيضاً في كل مرة يحضرون فيها زوجاً من الأحذية البالية. هذا يُحسّن من سمعة الشركة، ويُجمل صورتها، عن طريق جعل الناس أكثر وعياً وإلماماً بقيم الشركة ومبادئها.
أيضاً ثمة فرص هائلة كامنة في المخلفات الإلكترونية. إذ تشير التقديرات إلى أن العالم في عام 2014 قد أنتج قرابة 42 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية (أجهزة كهربائية، ومعدات إلكترونية تم التخلص منها، أو من أجزاء منها)، مع إنتاج أميركا الشمالية وأوروبا لـ 8 ملايين طن متري و12 مليون طن متري على الترتيب. تشمل المواد المستخرجة من النفايات الإلكترونية الحديد، والنحاس، والذهب، والفضة، والألمنيوم، وهي مواد يمكن إعادة استخدامها، أو إعادة بيعها، أو انتشالها، أو إعادة تدويرها. وتقدّر قيمة هذه المواد إجمالاً بحوالي 52 مليار دولار أميركي. (بالطبع، فضلاً عن ذكر أن النفايات الإلكترونية تحتوي على الكثير من العناصر السامة، مثل الرصاص، والزئبق، والكادميوم، والزرنيخ،
وهو سبب آخر لعدم إبقاء هذا النوع من النفايات في مدافن النفايات). وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، قدمت الشركات العملاقة في مجال الإلكترونيات، مثل "بست باي" (Best Buy)، و"سامسونج" برامج لاسترجاع النفايات الإلكترونية، تهدف إلى تجديد المكونات والأجزاء الإلكترونية القديمة واستخدامها في منتجات جديدة.
كيفية الحد من النفايات من قبل الشركات والمستهليكن
بالنسبة للشركات الأخرى المهتمة بالحد من النفايات، ودعم البيئة، وتعزيز نمط الحياة المستدام الذي يرجوه المستهلكون، فإليكم الخطوات الأولى في الطريق نحو بناء علاقة مع المستهلكين هدفها إعادة التدوير، واستعادة قيمة المنتجات.
أولاً، اعثر على شركاء
إذا كنت تدير شركة تصنيع تعتمد على موزعين خارجيين، فإن متاجر البيع بالتجزئة هي الشريك الأمثل لك لجمع المنتجات القديمة. تعقد شركة "ديوالت" (DeWalt) لتصنيع الأدوات الكهربائية، شراكات مع شركات مثل "لويس" (Lowes)، و"نابا أوتو بارتس" (Napa Auto Parts)؛ لتجميع الأدوات القديمة في متاجرها بغية إعادة تدويرها. تعود هذه الشراكة بالفوائد على كلا الجانبين من خلال السماح بعقد شراكات غير تقليدية (مثل عقد شراكة بين شركتين من قطاعين مختلفين) للعمل معاً على جانب معيّن من سلسلة القيمة، مثل شركة محركات مع شركة كماليات، كما في هذا المثال هنا.
ثانياً، قدّم الحوافز
إن الوعي البيئي ليس كافياً في كل الأحوال لجعل الزبائن يعمدون إلى إعادة تدوير البضائع القديمة. فمثلاً، اكتشفت شركة "ديوالت" أن كثيرين من المتعاقدين كانوا يحتفظون بأدواتهم القديمة، حتى إذا تركوا عملهم، لأنها كانت معدات غالية الثمن، وكان من الصعب إيجاد حجة مقنعة لإعادة تدويرها. ومن خلال تقديم خصومات فورية تصل قيمتها إلى 100 دولار، أطلقت الشركة برنامجاً تجارياً للمقايضة لتشجيع الناس على إعادة الأدوات. ومن هنا استطاعت الشركة إعادة استخدام هذه المواد في تصنيع منتجات جديدة بتكلفة منخفضة.
ثالثاً، ابدأ ببرنامج تجريبي، وتوقع أن تُغيّر التفاصيل كلما مضيت قدماً
من المتوقع أن تطرأ تغييرات على أي برنامج استرجاع مع مرور الوقت، وذلك حسبما يتناسب مع زبائنك، وأهداف شركتك. فربما تشهد معدلات مشاركة منخفضة من قبل الزبائن في البداية، أو على النقيض من ذلك، قد تنعم بنجاح هائل لدرجة أن تصبح تكلفة إعادة التدوير باهظة للغاية. خذ شركة "بست باي" مثالاً، فهي تحظى بنصيب الأسد من النفايات الإلكترونية، نظراً إلى افتقار منافسيها الأكبر "أمازون" و"وول مارت"، إلى برامج إعادة تدوير خاصة بها. ومنذ أن أطلقت "بست باي" برنامجها، أدخلت تغييرات على سياسته لإضافة رسوم قدرها 25 دولاراً مقابل إعادة تدوير أجهزة التلفاز القديمة، للحفاظ على استمرار البرنامج.
رابعاً، اخلق ثقافة من القيم المشتركة مع الزبائن
إن العلاقة التي تربط تاجر التجزئة أو المُنتِج بالمستهلك لا تتمحور فقط حول الحوافز المالية. فمن خلال رفع مستوى الوعي بالجهود التي تبذلها الشركة للحد من النفايات، وتأسيس ثقافة من تحمل المسؤولية، والإصلاح، وإعادة الاستخدام، تستطيع أن تظفر بولاء العملاء بناءً على القيم والمسؤوليات المشتركة بينكما.
ما هذه الأمثلة إلا غيض من فيض، لكنها توضح كيف يمكن تحويل سلسلة القيمة وتغيير إجراءات العمل عن طريق مساعدة الزبائن على تحقيق استفادة أكبر من المواد التي يستخدمونها. يؤدي الحد من النفايات من خلال إقحام المواد المستعملة في عملية الإنتاج إلى تقليل النفقات، وخفض أسعار الشراء: عدد أقل من عمليات الشراء من المتاجر، والمزيد من مبادرات إعادة استخدام المنتجات التي بحوزة المستخدمين بالفعل.
وفي نهاية الحديث عن الحد من النفايات، جميعنا يعلم أن الشركات تلعب دوراً كبيراً في خلق الاقتصاد الدائري، الذي تتمثل قيمته في إنتاج قدر أقل من الموارد الجديدة، وقدر أكبر من الموارد التي نملكها بالفعل من تحقيق استفادة أكبر منها، لكن عليها أيضاً أن تجعل الزبائن منخرطين في هذه العملية.