لم تعد الرياضة تمثل جانب الترفيه للشعوب وحسب، ولم يتوقف دورها عند حدود ممارسيها وانعكاساتها الإيجابية على صحتهم وسعادتهم، بل أصبحت أحد أهم الجوانب التي تؤثر على اقتصاديات الدول سواء بشكل مباشر من خلال صناعة الرياضية أو غير مباشر من خلال تأثير الانتصارات الرياضية واستضافة البطولات في رفع الحالة المعنوية لأفراد المجتمع وإنتاجيتهم وفي تأثر قطاعات مختلفة مثل السياحة والسفر، وغيرها، إلى جانب دور الرياضة في التقارب بين الشعوب وتعزيز العلاقات فيما بينهم.
ومن ملاحظة عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي بلغ 211 عضواً، وعدد الدول الأعضاء في اللجنة الأولمبية الدولية الذي وصل إلى 205 دولة، نجد أن العدد يفوق عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يدل على مكانة الرياضة في رسم العلاقات الدولية وتعزيزها، وفي الجانب الاقتصادي تشير الاحصائيات إلى متابعة 3.3 مليار مشاهد لبطولة كأس العالم الأخيرة لكرة القدم بموسكو 2018، وقد تجاوزت صناعة الرياضة في الولايات المتحدة الأميركية (212.5) مليار دولار سنوياً، وهو يمثل ضعف قيمة قطاع الصناعة وسبعة أضعاف الإنتاج السينمائي كما توفر (275) ألف وظيفة سنوياً، وفي اليابان احتلت صناعة الرياضة المرتبة الخامسة، فيما احتلت في إيطاليا المرتبة الثانية، وبلغ الإنتاج في قطاع الرياضة بالصين (326.3 مليار دولار)، بزيادة 15.7% سنوياً، وكذلك على مدى السنوات الأربع الماضية نمت الوظائف في جميع الصناعات المتعلقة بالرياضة بنسبة 12.6%، وهو ما يزيد على ضعف نمو سوق العمل في القطاعات الأخرى البالغ 5.5%، كما تجاوز متوسط الأجور في الوظائف ذات الصلة بالرياضة المتوسط الوطني البالغ 47,947 دولاراً وبلغ 78,455 دولاراً، وهي مؤشرات تدل على مكانة الرياضة عالمياً وإسهامها في اقتصاديات الدول.
الرياضة أيضاً هي القوة الناعمة القادرة على الجذب ولم الشمل وتقديم نموذج عالمي للتسامح والتعايش بين مكونات المجتمع الواحد وبين شعوب الدول، ويعد اختيار كفاءات وطنية شابة ومتمكنة في المجال الرياضي لضمها لبرنامج خبراء الإمارات تأكيداً على مكانة الرياضة في الدولة وثقة القيادة الرشيدة بدور الرياضة في تنمية المجتمعات ودعم الاقتصاد، ودور كوادرنا الوطنية لتحقيق هذه الأهداف والمساهمة في تحقيق التنافسية العالمية وتعزيز مكانة الدول كقوة ناعمة، كما أن المستقبل يحمل الكثير لهذا القطاع بعد تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد والتي يتوقع أن تبلغ قيمة سوقها على مستوى العالم نحو 120 مليار دولار بحلول عام 2020، ونحو 300 مليار دولار بحلول عام 2025، وذلك بفضل الزيادة في أنشطة الأبحاث وتطوير المنتجات، كذلك دخول الذكاء الاصطناعي، والبيانات وغيرها من التطورات التي سوف تعكسها الرياضة في كافة قطاعتها وأعمالها.
وعليه فإن الكفاءات الوطنية المنتسبة لبرنامج خبراء الإمارات سوف تجد في هذا القطاع الجدارة والقدرة على تطبيق أفضل الممارسات العالمية والعصرية بفكر وطني، وعلى كافة المنتسبين لهذا البرنامج الطموح أن تكون لديهم رؤية واضحة للآفاق الرحبة التي يمكن لهذا القطاع أن يبلغها في حال وضعه في بيئة العمل المتطورة المناسبة، حيث أوصى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الوصايا العشر ضمن كتاب "قصتي"، أن يكون دور القائد الأساسي هو معرفة الاتجاه وإرشاد فريقه نحوه وتحفيزهم باستمرار للوصول إليه، كذلك صنع الفريق الذي يحمل الأهداف لآفاق جديدة، وأخيراً التنافس في بيئة مفتوحة، ثم الانطلاق لبناء الحياة، وهي كلها وصايا سوف تعزز من دور الخريجين في المستقبل القريب كونهم قادة في مجالات عملهم، وعليهم الاسترشاد بها وتطبيقها في مسيرتهم القادمة لتحقيق بصمات لا تنسى كل في مجاله وتخصصه وفي القطاع الذي ينتمي إليه.
ومما لاشك فيه أن التوجيه له دور كبير ومؤثر في هذا البرنامج في الحاضر أو المستقبل سواء للقطاع الرياضي أو غيره من القطاعات الأخرى المستهدفة في البرنامج، حيث يعد الموجه هو (بيت الخبرة) للمتدرب والمرشد الأكاديمي له، حيث يقدم له خلاصة خبراته وتجاربه التي عايشها ومارسها، كما يقدم له معرفته عن قطاع العمل والتحديات التي تواجه هذا القطاع من واقع الخبرات العملية، فيتولد حوار مثمر بين جيلين في جلسات ودروس ولقاءات مكثفة ومتواصلة بهدف نقل تلك الخبرات و ترجمتها إلى مبادرات في مجال تخصصه وفق رؤية عصرية وقراءة التطورات وآفاق المستقبل.
كما أن تداخل القطاعات الأخرى والتواصل الدائم بين كافة المنتسبين والموجهين لبرنامج خبراء الإمارات قد أعطى نظرة شاملة ومتكاملة لرؤية قيادتنا الرشيدة نحو المستقبل وكيفية الربط ما بين كل القطاعات التي يستهدفها برنامج خبراء الإمارات، حيث نجد أنّ كافة القطاعات (التنمية المجتمعية، التنمية الاقتصادية، البنية التحتية والبيئة، الأمن والشؤون الخارجية) مترابطة وتسهم بشكل كبير في نمو وريادة المجتمع وتحقيق مؤشرات التنمية، كما تعمل في نسق واحد كمسرعات للمستقبل المنشود لدولتنا، فإذا كانت الرياضة تسهم حالياً بما قيمته 1% من الناتج المحلي، فإنّ هذا الرقم سوف يتضاعف بعد تطبيق الممارسات التي تستند على مسرعات المستقبل وغيرها من التطورات المستقبلية، كما أنّ القطاع الرياضي يمكن الاستناد إليه مستقبلاً لتحقيق العديد من المكتسبات الاقتصادية والمجتمعية وبناء علاقات دولية وشراكات مع كبرى المؤسسات الرياضية.
نحن نعمل في القطاع الرياضي وفق رؤية واضحة وقراءة للمستقبل، من خلال محورين رئيسين وهما محور (ابتكار المستقبل الرياضي) بما يشمله من رؤى ومبادرات عصرية ومستقبلية، ومحور (أسعد مجتمع رياضي) بما يتضمنه من برامج ومبادرات متنوعة لكافة فئات المجتمع ولكافة المستويات، وتم استخلاصها من مئوية الإمارات 2071 بما تحتويه من محاور (الحكومة، التعليم، الاقتصاد، المجتمع). وكذلك المبادئ الثمانية لـ (الحٌكم والحكومة) التي أرساها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لكل من يتولى مسؤولية في إمارة دبي، وكذلك وثيقة الخمسين" التي تتضمن تسعة بنود لمدينة دبي المستقبل والحياة التي يتمناها لكل من يعيش في مجتمعها. وأخيراً المبادئ السبعة لمدن المستقبل التي وضعها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي ورئيس المجلس التنفيذي ورئيس مجلس دبي الرياضي.
كما نضع نصب أعيننا أن نكون (وجهة رياضية عالمية) سواء من خلال الانضمام لـ "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية" في فئة تمكين المجتمعات من خلال مؤتمر دبي الرياضي الدولي الذي يستقطب سنوياً صنّاع القرار ومشاهير اللعب والتدريب والإدارة في كرة القدم العالمية للتحاور وتقديم خلاصة تجاربهم لتطوير كرة القدم العالمية، و"جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي" التي تدعم جهود المبدعين وترتقي بمستوى الإنجازات لجميع العاملين في المجال الرياضي، وكذلك من خلال تنظيم أكثر من 400 فعالية رياضية سنوياً بالتعاون والشراكة مع أكبر المؤسسات الرياضية الدولية والشركات الخاصة ومن بينها دعم مبادرات مهمة مثل تطوير محمية المرموم الطبيعية ومنطقة حتّا وشارع جميرا، وغيرها، وهي عوامل تؤكد قدرة القطاع الرياضي بالشراكة مع القطاعات الأخرى على تحقيق العديد من مؤشرات الريادة والتميز.
والمستقبل القريب يعتمد على اقتصاد المعرفة الذي وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإنه يسيطر على 7% من الناتج الإجماليّ المحليّ في العالم، وسوف يخلق وظائف في المستقبل ليس للمؤهلين معرفياً فقط من برنامج الخبراء، بل للمبدعين والمبتكرين منهم، ولأصحاب المهارات الداعمة لأعمالهم. والقطاع الرياضي يحمل الكثير في المستقبل من خلال خلق وظائف جديدة تعتمد على العنصر البشري المحمّل بالإبداع والابتكار، حيث ستكون التكنولوجيا في عصر المعرفة هي أداة مساعدة للإنسان.
وفي إطار إعداد تلك الخبرات للمستقبل فإننا في القطاع الرياضي نعمل على تواصل الأجيال وانتقال أثر الخبرة من خلال التحاور مع الخبراء والمختصين من أصحاب المناصب الدولية المرموقة وتنظيم واستضافة الأحداث والفعاليات ذات الصدى العالمي وكذلك ضم الكفاءات الوطنية في اللجان وفرق العمل وتحملهم المسؤولية أو ترشيحهم لعضوية اللجان وفرق العمل المتنوعة، هذا مع إعدادهم داخلياً من خلال برامج إعداد القيادات الرياضية، والحصول على الدرجات العلمية العليا، بهدف تقديم كفاءات وطنية تمتلك الخبرات التي تؤهلها لأداء دورها الوطني، كما نعمل على استضافة مقرات أكبر المنظمات الرياضية الدولية وتنظيم أكبر الفعاليات الرياضية، ونيل عضوية اللجنة الأولمبية الدولية ورئاسة الاتحادات الرياضية الدولية وتحقيق الميداليات الأولمبية والبطولات العالمية في المستقبل القريب.
هذا الإطار المتكامل يؤكد مكانة الدولة ضمن الدول العشر الأوائل في 19 مؤشراً عالمي وفي المركز الأول عالمياً في 4 مؤشرات في تقرير التنافسية العالمية 2018، وسوف يجعل من القطاع الرياضي خلال عشرين عاماً هو نموذج عالمي للأبداع والابتكار والإنجاز تتسابق الدول للاسترشاد به نظراً لتكامله مع القطاعات التنموية الأخرى.