أدى تخلف بنك وادي السيليكون (SVB) عن سداد ديونه في العام الماضي إلى تسليط الضوء على موضوع تشكيل مجالس إدارة المؤسسات ومُدد عضويتها؛ إذ كان 5 من أعضاء مجلس إدارة البنك البالغ عددهم 12 عضواً يشغلون مناصبهم منذ أقل من 3 أعوام، وكان 3 منهم يشغلون مناصبهم منذ أقل من 12 شهراً وقت الانهيار. وكان 7 أعضاء يشغلون مناصبهم منذ 13 عاماً أو أكثر، ولم يكن أي منهم يمتلك خبرة مصرفية محددة قبل تعيين توماس كينغ قبل بضعة أشهر فقط من التخلف عن السداد.
وهذا يعني ضمناً أن الافتقار إلى الخبرة المرتبطة بالقطاع والشركة في مجلس الإدارة قد يؤدي إلى نتائج كارثية، وأن وجود عضو مجلس إدارة مخضرم على دراية بأحوال الشركة والقطاع قد يمنع وقوع الكارثة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فقد ينجرف أعضاء مجالس الإدارة المخضرمون إلى القناعة بالوضع الراهن بمرور الوقت، والأسوأ من ذلك أنهم قد يصبحون أصدقاء مقربين للرؤساء التنفيذيين لشركاتهم.
هل ينبغي للشركات الإبقاء على أعضاء مجالس الإدارة المستقلين فترة طويلة من الزمن لتعزيز الخبرات المؤسسية، أم يجدر بها تغييرهم بانتظام لتجنب الجمود؟ شرعنا عام 2021 في الإجابة عن هذا السؤال عبر دراسة واسعة النطاق باستخدام بيانات تغطي أكثر من 15 عاماً عن الشركات المدرجة في مؤشر إس آند بي 1500 (S&P 1500). وتوصلنا من خلالها إلى أن التشكيل المثالي لمجالس الإدارة يعتمد بصورة أساسية على تحقيق التوازن.
مزالق القيود المفروضة على مدة عضوية مجلس الإدارة
غالباً ما تفرض الجهات الفاعلة في السوق والجهات التنظيمية خارج الولايات المتحدة قيوداً على مدة استمرار أعضاء مجالس الإدارة المستقلين في مناصبهم، أما المؤسسات المعنية في الولايات المتحدة فلا تفرض قيوداً صريحة، لكن من الشائع استخدام نظام مجالس الإدارة التي يتغير أعضاؤها تدريجياً (بمعنى أن أعضاء مجالس الإدارة يظلون في مناصبهم مدداً محددة ولكنهم ينضمون إليها في تواريخ مختلفة، بحيث تنتهي مُدد عضوياتهم بالتتابع بدلاً من انتهائها جميعاً في وقت واحد). وفي الوقت نفسه، زعمت مؤسسات استثمارية مهمة، مثل وكالة نظام تقاعد موظفي القطاع العام في كاليفورنيا (كالبيرس) (CalPERS)، أن أعضاء مجالس الإدارة الذين يظلون في مناصبهم أكثر من 12 عاماً قد يفقدون حيادهم ما يؤثر في استقلاليتهم، كما صوَّتت مؤسسة، ستيت ستريت أدفايزرز (State Street Advisors)، ضد مئات من أعضاء مجالس الإدارة بسبب مخاوف تتعلق بمُدد عضويتهم، وحددت شركات مثل مايكروسوفت أهدافاً لمتوسط مدة العضوية.
ومن ناحية أخرى، قد يكون لحدود مدة العضوية عواقب غير مقصودة تتمثل في فقدان أعضاء مجالس الإدارة القيّمين الذين يعرفون الشركة جيداً. مثلاً، تقتضي المبادئ التوجيهية لأفضل الممارسات بشركة انستيتيوشونال شيرهولدر سيرفيسز (ISS) الاستشارية للتصويت بالوكالة هذا النهج، مؤكِّدة أن وضع حدود صارمة للعمر أو مدة العضوية على النحو المعمول به عادة قد يكون حلاً ذا نتائج سلبية لأنه يُرغم أعضاء مجالس الإدارة ذوي القيمة العالية على التقاعد تعسفياً.
القيمة المضافة الكبيرة لأعضاء مجالس الإدارة المخضرمين
أثبتت الأبحاث السابقة أن ارتفاع متوسط مدة عضوية مجالس الإدارة يضر بأداء الشركات، لكننا وجدنا أن التركيز على هذا المقياس يغفل نقطة مهمة وهي أن وجود عضو مجلس إدارة مخضرم استمر في منصبه فترة طويلة من الزمن يحقق قيمة مضافة هائلة دون المساس باستقلالية مجلس الإدارة عموماً. بعبارة أخرى، ثمة فارق كبير بين مجلس إدارة يتميز بارتفاع متوسط مدة العضوية ومجلس إدارة لا يتمتع سوى عدد قليل من أعضائه (أو حتى عضو واحد) بمدة عضوية طويلة.
عندما نجري تحليلاً أعمق للشركات المدرجة في مؤشر إس آند بي 1500، نلاحظ أن أكثر من ربعها يحتفظ في مجالس إداراتها بعدد ضئيل من الأعضاء المستقلين المخضرمين، أي الذين تبلغ مُدد عضويتهم 15 عاماً أو أكثر، وعادة ما تكتفي كل شركة بعضو مجلس إدارة مخضرم واحد فقط. في الواقع، يتحسن أداء الشركة بنسبة 6.5% في ظل وجود عضو مجلس إدارة مستقل مخضرم واحد على الأقل مقارنة بعدم وجوده على الإطلاق؛ لأن أعضاء مجالس الإدارة المخضرمين يحمون الشركة من ارتكاب أخطاء فادحة تُدمّر قيمتها، فهم يقللون، مثلاً، الدعاوى القضائية الجماعية التي يرفعها المساهمون ضد الشركة وتحركات المستثمرين النشطين التي ترتبط عموماً بسوء حوكمة الشركة وتدمير قيمتها. ويبدو أن المستثمرين في أسواق المال العامة يتفقون مع هذا الرأي؛ فعند وفاة عضو مجلس إدارة مخضرم، ينخفض سعر سهم شركته بنسبة 6.1% في المتوسط، وهي نسبة أكبر بكثير مما يحدث عند وفاة أيٍّ من أعضاء مجلس الإدارة الآخرين عموماً.
ومن الجدير بالملاحظة أن هذه الآثار الإيجابية لا نلمسها في مجالس الإدارة التي تضم العديد من أعضاء مجالس الإدارة المخضرمين، وبالتالي يكمن السر في احتفاظ مجالس إدارة الشركات بعضو مخضرم واحد أو اثنين فقط.
مزايا ضم عضو واحد مخضرم، لا أكثر، في مجلس الإدارة
إن تفسير هذه النتائج بسيط وواضح؛ فأعضاء مجلس الإدارة المستقلون المخضرمون لهم دور مهم في الحفاظ على الذاكرة المؤسسية، ويحققون قيمة مضافة في شركاتهم؛ لأنهم يمثلون مصدراً غنياً للمعرفة المؤسسية ويتمتعون بالمصداقية اللازمة لتقديم المشورة للإدارة العليا ومحاسبة الرؤساء التنفيذيين، وبالتالي يسهم أعضاء مجلس الإدارة المخضرمون في تحسين الكفاءة العامة لمجالس الإدارة. وثمة فوائد هائلة للمعرفة والخبرات التي يتمتع بها عضو واحد في مجلس إدارة الشركات المعقدة التي وصلت إلى مراحل متقدمة من النضج وتواجه مخاطر كبيرة، مثل الشركات العاملة في القطاعات الخاضعة للقوانين والضوابط التنظيمية المشددة، حيث تستلزم معرفة بالعمليات الحكومية والتطورات التنظيمية تتلاءم مع ظروف الشركة، واكتساب هذه المعرفة ليس سهلاً.
لنعد إلى مثال بنك وادي السيليكون، فقد كان متوسط مدة استمرار أعضاء مجلس إدارة البنك في مناصبهم مرتفعاً (8 أعوام)، لكن لم يكن به عضو مخضرم يمتلك خبرات حقيقية (15 عاماً أو أكثر) لحماية البنك من التعرّض لكارثة.
إذاً، هل ينبغي للشركات أن تسارع باختيار عضو مجلس إدارة وتتركه في منصبه دون قيود زمنية؟ مهلاً! أثبتت أبحاثنا صعوبة العثور على أعضاء مجالس إدارة مخضرمين يتمتعون بمهارات استثنائية (فغالباً ما يكونون خريجي إحدى كليات رابطة اللبلاب أو حاصلين على شهادة في القانون أو درجة الدكتوراة)، وضمهم إلى مجلس الإدارة نتيجة توافق ثنائي بينه وبين الشركة، لا الرئيس التنفيذي (في الواقع، يعاصر عضو مجلس الإدارة المخضرم 3 رؤساء تنفيذيين في المتوسط خلال فترة شغل منصبه).
ومن هنا يكمن السر في ضرورة تحلي الشركات بالمرونة في سياساتها المتعلقة بمُدد عضوية مجالس إداراتها، بحيث تتيح استمرارية أعضائه بمناصبهم مدة طويلة من خلال عدم فرض حدود صارمة أو مسبقة قد تعوق تطوير علاقات طويلة الأمد ومثمرة مع عضو محدد. بناءً على ذلك، ينبغي أن تركز المبادرات التنظيمية أو الاستثمارية التي تهدف إلى تقييد مدة العضوية على مجالس الإدارة الخاضعة لسيطرة الكثير من أعضاء المستمرين في مناصبهم فترات طويلة جداً، بدلاً من السعي لفرض حدود صارمة على مدة العضوية دون تمييز. وفي حين يضمن تغيير أعضاء مجلس الإدارة جلب أفكار ومهارات جديدة إلى الشركة، فاستبقاء عضو مخضرم أو اثنين مدة طويلة يشكل آلية حوكمة مكملة ومهمة لحماية مصالح الأطراف المعنية.
يشكّل وجود أعضاء مستقلين مخضرمين في مجالس إدارة الشركات آلية فعالة للحوكمة تؤدي إلى تحسين الأداء وتقليل التعرض للمخاطر الخارجية. ونحن نحذر من أي خطوات تنظيمية لفرض حدود صارمة على مدة العضوية، ونشدد على ضرورة النظر إلى عضو مجلس الإدارة المخضرم باعتباره جزءاً من عملية تطورية مشتركة مع المؤسسة.