العديد من تجار التجزئة كانوا يعملون بمستوى متوسط الجودة لعقود من الزمن. وقد أدى تركيزها على خفض تكاليف العمالة إلى وجود وظائف سيئة وارتفاع معدل عمليات استبدال الموظفين وقدرة تنافسية ضعيفة. عدم الاستقرار في العمالة هذا إضافة إلى قرارات غير واقعية صادرة عن أقسام في المقرات الرئيسية، ينتج عنه متاجر ذات إدارة ضعيفة. وهناك الكثير من المنتجات، والنماذج التجريبية، والأدوات والتغييرات، بينما لا يحظى الموظفون سوى بالقليل جداً من التدريب والتأهيل برغم محاولات مدراء المتاجر المستمرة للعمل على تطوير طاقم العمل وإدارة العمل اليومي. ولذا، فإنه لا يعد مفاجئاً غرق هذه المتاجر بالمشاكل التشغيلية، وتقديمها تجربة سيئة للمستخدم. الجميع محبطون، ولكن إذا كانت الشركات غير قادرة على تحديد الخسائر الفعلية للجودة المتوسطة، وكذلك حساب المكاسب المالية المحتملة من بناء نظام يعتمد معايير أفضل، فإن أغلبية المدراء لن يصلوا إلى قناعة بضرورة إعطاء الأولوية للإصلاح. وفي هذا المقال، نقدم طريقة لإجراء هذه الحسابات.
غالباً ما يتطلب الخروج من دائرة الجودة المتوسطة رفع الأجور والفوائد وتحسين جداول العمل وبناء أنظمة لتطوير الموظفين وترقيتهم. كما أنه يتطلب تحسين عمل الموظفين، من خلال وضع معايير محددة لبعض المهام على سبيل المثال، بالتزامن مع تمكين الموظفين من حل مشاكل الزبائن حال ظهورها. تعد عملية تحسين الوظيفة هذه استثماراً: فهي تضمن إنتاجية الموظفين وقد تساهم في تحقيق مبيعات أعلى وتكاليف أقل. وكنتيجة سيكلّف توظيفهم كثيراً إلا أن قيمتهم ستكون أعلى من تكلفتهم بكثير. نسمي عملية الجمع هذه بين الاستثمار في الأفراد والخيارات التشغيلية التي تسمح بوجود قوة عاملة محفزة ومؤهلة استراتيجية الوظائف الجيدة.
لا يمنح المسؤولون التنفيذيون في قطاع التجزئة الأولوية عادة لمثل هذه الاستراتيجيات. فعلى الرغم من أنها تبدو جيدة، إلا أنهم لا يقتنعون بقدرتهم على تحمل تكاليفها. إن التكاليف المرتفعة للإنتاج، كارتفاع معدلات الأجور والفوائد، تعتبر سهلة وسريعة القياس، بينما يصعب قياس الفوائد التي توفرها جودة العمل والموظفين. بالإضافة إلى ذلك غالباً ما تكون تكاليف الاستمرار بالوضع الراهن مخفيّة ولا يسهل قياسها. لا تدرك الإدارة العليا مقدار خسارتها اليومية، وإلى أي مدى تتراجع قدرتها على التنافس.
ولإعداد الجدوى المالية التي تهدف بدورها إلى زيادة استثمار الشركة في موظفيها وتحسين عملهم، يستطيع المسؤولون التنفيذيون في قطاع التجزئة قياس ثلاثة أنواع من الفوائد
فوائد إعداد الجدوى المالية
1. خفض التكاليف
الناتج عن تحسين معدلات استبدال الموظفين والتنفيذ التشغيلي (مثل التقليص) ووقت العمل الإضافي والعمالة غير المنظمة والرسوم القانونية ورسوم الامتثال.
2. إيرادات أعلى
ناتجة عن تحسن التنفيذ التشغيلي (مثل قلة حالات نفاذ المخزون والمعاملات المتروكة) وزيادة حجم السلة الشرائية (زيادة عدد المنتجات التي يشتريها الزبائن أثناء زيارة واحدة للمتجر) وزيادة عدد المعاملات (ناتج عن ارتفاع عدد الزيارات إلى الموقع) والتي تنشأ جميعها عن تحسن تجربة المستخدم.
3. مكاسب إنتاجية العمالة
الناتجة عن تحسن إدارة عبء العمل (مثل التدريب المتداخل للموظفين وتنظيم عبء العمل) وعدم إضاعة الكثير من الوقت بسبب توزيع المهام بصورة رديئة، وسوء الأنظمة اللوجستية (مثل فترات التسليم الطويلة) والتغييرات المتكررة في آخر لحظة.
من خلال ملاحظاتنا في العديد من شركات البيع بالتجزئة، قدرنا أن ما نسبته 25% من وقت الموظفين يذهب هدراً وتزيد هذه النسبة عند المدراء.
يمكن للمسؤولين التنفيذيين وضع سيناريوهات حول التأثير النهائي لنظام الوظائف الجيدة، باستخدام افتراضات مختلفة حول حجم التحسينات أو مستوى الارتقاء المحقّق. بالإضافة إلى تقديم إطار شامل لحجم الفوائد، فإن قياس هذه التأثيرات الإيجابية يمكنه مساعدتهم في فهم ما يمكنه أن يكون حقيقيا التحسن على صعد معينة، كاستبدال الموظفين والتقلص وحجم السلة الشرائية، لتبرير استثمار معين من شأنه بناء نظام وظائف جيدة.
ولتقديم مثال حول كيفية قياس المسؤولين التنفيذيين في قطاع التجزئة للجانب الإيجابي، ابتكرنا سلسلة افتراضية من 500 متجر وأسميناها غروسيري كو (GroceryCo). تبلغ إيراداتها السنوية 9 مليارات دولار وأرباحها 200 مليون دولار. أداؤها كمتوسط أداء شركات القطاع فيما يتعلق بدوران الموظفين (60%) والتنفيذ التشغيلي ( نسبة 3.6% للتقلص ، و4.0% لحالات نفاذ المخزون، و0.5% للمعاملات المهملة ). (تقديرات المعاملات المهملة ناتجة عن عملنا مع الشركات. لم نحسب التكاليف القانونية وأوقات العمل الإضافية لسلسلة غروسيري كو لأننا لا نملك تقديرات جيدة، ونتوقع أن تكون هذه التكاليف منخفضة في العديد من شركات البيع بالتجزئة).
بالنسبة لسلسلة غروسيري كو تُقدر التحسينات بنسبة 25% في دوران الموظفين والتقلص ونفاذ المخزون والمعاملات المهملة بما يقارب 120 مليون دولار في إيرادات التشغيل، أي 60% تقريباً من مجموع الأرباح الحالية. هذا لا يتضمن زيادة المبيعات الناتجة عن زيادة رضا العملاء وولائهم بسبب تحسن الخدمة (بسبب مثلاً الموظفين المتعاونين والمطّلعين والمتاجر النظيفة ذات الرفوف المليئة تماماً وطوابير المحاسبة القصيرة)، والتي غالباً ما تمثل الجانب الإيجابي الأهم لنظام الوظائف الجيدة. على سبيل المثال ينتج عن الزيادة بنسبة 1% في المعاملات اليومية وفي حجم المعاملة إضافة 45.2 مليون دولار إلى إجمالي الربح سنوياً. قد يكون المكسب الصافي الذي يبلغ 165 مليون دولار كافياً للتعويض عن زيادة في الأجور بنسبة 20% لجميع الموظفين العاملين بنظام الساعات، مما يزيد متوسط أجر الساعة من 13.50 دولار إلى 16.20 دولار. وبحسب تقديراتنا قد تتمكن غروسيري كو، من خلال تطبيق نظام الوظائف الجيدة من تحرير 7 ملايين ساعة من العمالة القابلة لإعادة التوزيع سنوياً.
ترتكز هذه التقديرات على خبرة كلا شركات البيع بالتجزئة الصغيرة والكبيرة. في عام 2014 على سبيل المثال التزمت سلسلة متاجر الحيوانات الأليفة ماد باي (Mud Bay)، والتي تضم 45 متجراً في شمال غرب الولايات المتحدة، برحلة لاعتماد نظام الوظائف الجيدة. وبحلول عام 2017 كانت الشركة قد رفعت الأجور بنسبة 30% وزادت كذلك نسبة الموظفين الذين يعملون لأكثر من 30 ساعة أسبوعياً (ويحصلون على فوائد تالياً) من 65% إلى 82%، وأحدثت العديد من التغييرات في عملياتها ابتداء من تبسيط عملية التنسيق إلى تخفيف عبء العمل ووضع معايير محددة لبعض المهام. كانت النتائج مبهرة: استطاعت ماد باي خفض معدل استبدال الموظفين بنسبة 35%، وزيادة المبيعات لكل قدم مربع من 317 دولار إلى 394 دولار، وزيادة المبيعات الساعية لكل موظف من 133 دولار إلى 149 دولار، ودوران البضائع من 6.8X إلى 7.5X. في الفترة ما بين عامي 2011 و2013، أي قبل اعتماد نظام الوظائف الجيدة، كان المعدل الوسطي لنمو المبيعات في المتجر نفسه 6.5% إلا أنه ارتفع ليصبح 9.3% بين عامي 2015 و2017.
بدأت شركة وول مارت أيضاً رحلة اعتماد نظام الوظائف الجيدة. استثمرت الشركة بموظفيها؛ إذ رفعت على سبيل المثال الأجور الابتدائية بنسبة 50% خلال الأعوام الأربعة الماضية، وطورت جداول العمل، واستثمرت في توفير المزيد من البرامج التدريبية. وفي الوقت ذاته تحاول الشركة تطوير عمل الشركات الزميلة، إذ ابتكرت معايير عمل جديدة (والتي تسميها “الطريقة المثلى الوحيدة“،ونشرت التقنية لزيادة الإنتاجية وبسطت عملية التنسيق في أجزاء من متاجرها. وأخيراً آتت هذه الجهود ثمارها: حققت مبيعات المتجر في وول مارت خلال الربع الأول من عام 2019 النمو الأعلى منذ تسعة أعوام. وقد علق المدير التنفيذي دوغ ماكميلين قائلاً “لدينا الآن أساس متين في متاجرنا“.
كما أن نظام الوظائف الجيدة يتمتع بجدوى تنافسية قوية. لا تتناسب الجودة المتوسطة في العمليات مع البيئة التنافسية الشرسة في قطاع البيع بالتجزئة اليوم: المنافسة من مواقع التجارة الإلكترونية وارتفاع توقعات الزبون وسوق العمالة المحدودة وزيادة الأجود الدنيا وتشريع جداول العمل وازدحام مساحات البيع بالتجزئة (تسجل الولايات المتحدة أكبر مساحة بيع بالتجزئة لكل شخص). وبهدف المنافسة تحاول العديد من شركات البيع بالتجزئة تحقيق النمو من خلال الرقمنة والعروض الجديدة وعمليات الاندماج والاستحواذ، مما يضيف تعقيدات أكثر على أساس ضعيف.
ولكن الشركات التي أسست أنظمة للوظائف الجيدة تجد نفسها في مراكز تنافسية أقوى من غيرها. ففي حين أن بعض سلاسل متاجر الحيوانات الأليفة خسرت زيارات المستخدمين إلى مواقعها الإلكترونية، تستمر مبيعات شركة ماد باي بالنمو، كما يرسل زبائنها رسائل يعبرون فيها عن ولائهم للمتجر. بالإضافة إلى ذلك تمكّن العمليات القوية والموظفين المحفزين والقادرين شركة مود باي من التكيف مع احتياجات زبائنها بسرعة أكبر من السابق. كما أن الأساس القوي للمتاجر الذي يتمتع به وول مارت الآن يعد مهماً جداً للتحول الرقمي الذي تخوضه الشركة.
لذلك على شركات التجزئة الراغبة في الازدهار في أسواق اليوم والغد الآخذة بزيادة قدراتها التنافسية أكثر من أي وقت مضى، توفير تجربة أفضل للعملاء. وهذا غير ممكن دون تطوير تجربة الموظف والعمليات على حد سواء. إن الأسباب الأخلاقية وراء تطوير وظائف العمل بالتجزئة واضحة. قد يساعد قياس تكاليف الوضع الراهن المسؤولين التنفيذين في تحقيق الجدوى المالية التي يستحقها مبدأ الاعتماد على الوظائف الجيدة.
يشكر مؤلفو المقال ماكس كيغان وميغان لاركوم وكيت لازاروف بوك على مساعدتهم في تطوير منهجية لوضع الجدوى المالية للوظائف الجيدة.