تأقلمت الجامعة الأميركية في بيروت مع الحروب والتحديات وخرّجت قيادات في السياسة والاقتصاد
تاريخ الجامعة الأميركية في بيروت
الجامعة الأميركية في بيروت أقدم مؤسّسة للتعليم العالي في العالم العربي. تكشف قصتها عن مرونة إدارية وإبداعية في مواجهة الظروف والتأقلم معها.
عند تأسيس الجامعة في العام 1866، كانت تدعى الكلية السورية الإنجيلية، لكن اسمها أصبح الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1920.
لقد مرّت الجامعة الأميركية في بيروت بمنعطفات ساهمت في تغييرها وتحديد ملامحها، كما شهدت في كل حقبة تاريخية عاصرتها قيادات عربية في السياسة والاقتصاد والأعمال والطب والهندسة ومجالات وإختصاصات شتى تخرجت من حرم هذه الجامعة المرموقة.
المنعطف الأول هو ما عرف باسم "قضية لويس". ففي خطابه في حفل التخرّج في الكلية في العام 1882، اقتبس الدكتور إدوين لويس كلاماً من نظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين. وبسبب ذلك، أقنع مؤسس الكلية دانيال بلس ومجلس أمنائها لويس بالاستقالة ووضعوا مدوّنة للسلوك. وقد أسفر عن ذلك موجة استقالات طالت تقريباً جميع أعضاء الهيئة التعليمية الناطقين بالعربية، ممّا أجبر الكليّة على تغيير لغة التعليم إلى الإنكليزية. ومع مرور الوقت أدركت قيادة الجامعة خطأ هذه المقاربة المتزمّتة، كونها ستتسبّب باضطراب وسط الطلاب، وخسارة أعضاء الهيئة التعليمية المميّزين. فكانت النتيجة انتقال الجامعة وبقوّة إلى مقاربة تعليمية علمانية ليبرالية في العلوم الإنسانية.
المنعطف الثاني حصل في عهد الرئيس الثاني للجامعة هوارد بلس، الذي حدّث المناهج وساوى بين أعضاء الهيئة التعليمية من أهل البلاد والأعضاء الأميركيين والأنغلوسكسون فمنحهم الحقوق والمزايا ذاتها. وقد امتدّ عهد هوارد بلس حتى رئاسة بايارد دودج، وكان العهد الذهبي الأول للجامعة التي شهدت تعيين أفراد بارزين في الهيئة التعليمية، مع التشديد على الأبحاث العالية الجودة في العلوم الإنسانية، والطب، والعلوم. وقد أثمر ذلك تأسيس ثلاث كليات جديدة في خمسينيات القرن العشرين، لتضاف إلى الكليتين الأصليتين: كلية الآداب والعلوم وكلية الطب. هذه الكليات الجديدة هي كلية الهندسة والعمارة، وكلية العلوم الزراعية والغذائية، وكلية العلوم الصحية. أمّا الحقبة التي شكّلت واحدة من أعظم المراحل في تاريخ الجامعة، فامتدّت من ثلاثينيات القرن العشرين حتى سبعينياته، وأثمرت إنجازات عديدة، منها مساهمة الجامعة بتأسيس الأمم المتّحدة في العام 1945 ووضع مسودّة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، فضلاً عن تنكّب الجامعة للعديد من الأدوار الرائدة الأخرى عربياً وعالمياً.
المنعطف الثالث كان الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في نيسان 1975 واستمرّت حتى تشرين الأول 1990. وقد تسبّبت هذه الحرب بفقدان الجامعة لموقعها الرائد في العديد من المجالات البحثية والتعليمية، وخسارتها لأبرز أعضاء هيئتها التعليمية في الطب والإنسانيات والعلوم والهندسة. وتعرّض حرم الجامعة للعنف، واغتيل اثنان من العمداء وأحد رؤساء الجامعة، وتعرّض آخرون منها للخطف والإصابة.
لكنّ هذه الفترة، وربما خلافاً لأي فترة أخرى، أبرزت دور الجامعة كمركز للعمل الإنساني والخدمة والشجاعة. فقد خاطر أساتذة وطلاب وموظفون بحياتهم ليعلّموا ويتعلّموا. كما تعاون الأطّباء والممرضون والعاملون في العناية بالمرضى والجرحى ذوي الإصابات الخطرة من ضحايا الحرب المدمّرة التي أودت بحياة واحد من كلّ 20 شخصاً يعيشون في لبنان في ذلك الوقت. وبقيت الجامعة واحة للتسامح والالتزام والليبرالية والقيم العلمانية المشتركة.
ولكن ما أن وضعت الحرب أوزارها، حتّى وجدت الجامعة نفسها في موقع صعب. إذ كانت قد خسرت 16 عاماً من التقدّم العالمي في الثقافة والعلوم بحيث باتت متأخّرة كثيراً عن الجامعات الغربية الرئيسية بما لا يسمح لها بالتنافس معها، وتحديداً في العلوم. وفي العديد من المجالات البحثية التي برزت الجامعة الأميركية في بيروت فيها قبل الحرب، باتت الجامعة بعد الحرب مضطرّة لبذل جهود كبيرةً لكي تلحق بالركب. لكنّ الأمر الأكثر إقلاقاً كان التسييس المتزايد في أوساط الهيئات الطلابية وتواجد مسلّحين في حرم الجامعة. كما أنّ الحراك الطلابي، الذي يعود إلى أيام تنامي وعي الطلاب خلال قضية لويس، تزايد حدّة وعنفاً اعتراضاً على الدعم المتزايد من الحكومة الأميركية لإسرائيل، وسط تنامي حدّة اليأس من وضع الشعب الفلسطيني. وانفجرت الأوضاع في العام 1974 عندما تسبّبت زيادة نسبة 10% المزمعة على الرسوم الجامعية من قبل إدارة الجامعة اليائسة بإدانة واسعة النطاق من الطلاب وبإضراب عام، فاحتل الطلاب العديد من المباني الأساسية في الجامعة.
التعافي في مرحلة ما بعد الحرب وتسريع إنجاز الرسالة البحثية
مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، جاء اتفاق الطائف لتحقيق المصالحة الوطنية والالتزام بنبذ العنف. لكنّ الجامعة الأميركية في بيروت لم تكن بمأمن إذ دُمّر مبنى إدارة الجامعة (كولدج هول) يوم الثامن من تشرين الثاني 1991 بانفجار. ومع سعي الجامعة للتعافي ممّا حصل، تلقّت دعماً كبيراً من الخريجين عبر حملة إعادة بناء المبنى المدمّر التي نجحت في استثارة الهمم. ومع تعافي لبنان من آثار الحرب، تعافت الجامعة أيضاً وتسارع انضمام الأساتذة والطلاب إليها، وبدأت الأمور تعود إلى طبيعتها ببطء. وما بين العامين 1998 و2008، قاد جون ووتربري، الرئيس الرابع عشر للجامعة الذي يُعتبرُ شخصاً بارزاً في العلوم الإنسانية، ثورة لإعادة إحياء الرسالة البحثية للجامعة، حققت إنجازات شملت توسيع عملية تسجيل الطلاب، والنجاح في تعيين أساتذة من الشباب والمخضرمين على حدّ سواء. مجدداً كانت الجامعة الأميركية في بيروت في طريقها لتصبح مركزاً رئيسياً للمعرفة في لبنان والعالم العربي.
تجدّد المنافسة وعودة الجامعة إلى احتلال موقعها
شهدت هذه المرحلة تنامياً في أعداد مؤسسات التعليم العالي المحلية والعربية، حيث أبصر العديد منها النور بفضل الجامعة الأميركية في بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية. كما أنّ تزايد التمويل والخبرات في العديد من المجالات التي كانت الجامعة قويّة فيها، سعّر المنافسة على استقطاب أفضل الأساتذة والطلاب والموظفين، فيما عادت الجامعة إلى اللحاق بالركب خلال عهد واتربوري. ولعلّ ما شكّل تحدّياً أكبر، هو أنّ تزايد رسوم الدراسة خلال السنوات التي تلت مغادرة واتربوري لمنصبه في العام 2008 هدّد بتحويل الجامعة إلى مركز نخبوي اقتصادي أكثر منه مركز نخبوي فكري. وعلى الرّغم من العمل الأكاديمي الأساسي القوي الذي قاد إلى صعود ترتيب الجامعة على تصنيف "كيو إس" المرموق للجامعات العالمية خلال عهد بيتر دورمان الذي خلف واتربوري، إلا أنّ النزاع داخل الحرم الجامعي طبع عدداً من السنوات مؤخّراً، ولاسيما أنّ النزاعات المتعلّقة بعقود الأساتذة والموظفين الإداريين، ترافقت مع تصاعد الغضب بين الطلاب إزاء تنامي الأقساط الجامعية خلال فترة تسبّب فيها الربيع العربي واضطراباته بنقص حقيقي في دخل الأسر في لبنان والعالم العربي.
في هذه الأثناء كان اسم الجامعة الأميركية في بيروت قد وصل مرتبة مرموقة على تصنيف كيو إس، كواحدة من أهم ثلاث جامعات عربية، في حين احتلّت المرتبة 250 على المؤشر وهي مرتبة جيدة، أمّا المركز الطبي التابع للجامعة فكان في طور إعادة البناء من الناحية الإنشائية ليواكب تميّز كلية الطب في الجامعة، كما عملت الجامعة على رفع المساعدة المالية إلى الطلاب المحتاجين لتبلغ مستويات غير مسبوقة. ورغم ذلك بدا أنّ النفوذ الفكري والاقتصادي والسياسي للجامعة ينحسر مع أن قائمة خريجيها المتولين للمناصب القيادية الاقتصادية والسياسية والحكومية في لبنان والعالم العربي ودول آسيوية وإفريقية بقيت تتوسّع وتطول. كانت هناك حاجة ماسّة إلى مقاربة جديدة تتّسم بحيوية متجدّدة.
الطريق نحو المستقبل: الشراكة مع أعضاء الهيئة التعليمية
كما كتب جون ووتربري مؤخراً: "الأمر كلّه يبدأ مع الهيئة التعليمية. فالهيئة التعليمية الجيّدة تجتذب الطلاب الجيّدين". وتقوم مقاربتنا على الإقرار بالدور الحيوي لأعضاء الهيئة التعليمية، وضمان فهمهم لحقيقة أنّهم يتمتّعون بالدعم الكامل من إدارة الجامعة ومجلس أمنائها. وبعد أربعة أشهر على تولّيّ أنا شخصياً لمنصب الرئيس السادس عشر للجامعة الأميركية في بيروت، كانت إدارة الجامعة قد نجحت في التفاوض على نسخة محسّنة كثيراً من العقد الموقّع مع أعضاء الهيئة التعليمية نصّت على حماية المنافع والمزايا التي يتمتّعون بها، والتي أسهمت في اجتذاب العديد من كبار باحثينا في الجامعة واستبقائهم. وكما قلنا مراراً وتكراراً: "نريد لأعضاء هيئتنا التعليمية المميّزة أن ينصبّ اهتمامهم على التحديات الفكرية أو المجتمعية، وعلى الطالب المميّز الذي يحتاج إلى إرشاد ورعاية، وليس على موضوع التأمين الصحّي أو على الحياة، أو على المنافع التعليمية لأبنائهم وبناتهم!" وبناءً على الثقة المبدئية التي كسبناها من خلال تعزيزنا للمنافع التي يحصل عليها أعضاء الهيئة التعليمية وضماننا لها، تفاوضنا على "عقد عمل جماعي" مع نقابة عمال ومستخدمي الجامعة الأميركية في بيروت ووقّعنا هذا العقد، والتزمنا بكبح زيادة الرسوم إلى ما يقارب ثلث ما كانت عليه خلال السنوات الخمس الماضية.
وثمّة ما هو أهم بكثير، حيث وافق مجلس الأمناء في تشرين الثاني 2015 على إعادة العمل بالتثبيت الوظيفي للأساتذة* بعد أن جمّد لأكثر من ثلاثين عاماً منذ الحرب الأهلية اللبنانية. وبما أنّ مجلس الأمناء قرر منح المستحقين من أعضاء الهيئة التعليمية لدينا ما يُكافئ الإحساس بالأمان الوظيفي على المدى البعيد فيتفرّغون للبحث عن حلول لأكثر التحدّيات الإنسانية والعلمية والمجتمعية إقلاقاً، فإنّه قد قرر أن يوفّر لهم بذلك أعلى درجات الإطمئنان والثقة. لم يكن من السهل وضع نظام لإعادة العمل بالتثبيت الوظيفي للأساتذة بطريقة فعالة أكاديمياً ومالياً، فلم يسبق مؤسسة بحثية مماثلة ومرموقة حول العالم أن تحاول إعادة تطبيقه بعد توقّف لمدّة بهذا الطول. ولا توجد سابقة معروفة عن جامعة بمكانة الجامعة الأميركية في بيروت أعادت العمل بالتثبيت الوظيفي للأساتذة بعد أن كانت قد أوقفته. لكنّنا قمنا بذلك.
إن أساتذة وقيادات الجامعة يتميّزون بقدر كبير من التنوّع من حيث الجندر والعرق والإثنية. ونحن ننظر إلى هذا التنوّع بوصفه قوّة كبيرة. فالفروقات الثقافية تنصهر فعلياً، كما كان يحصل تاريخياً، عندما تكون الرسالة مشتركة ومُلهمة. وقد أثبتت فكرة انتقاء أكثر الأشخاص طموحاً وقدرة وتفانياً لتشكيل فرق عظيمة نجاحها الكبير على مدار التاريخ البشري، كما يتجلّى مثلاً في الدراسة الملحمية للمؤرخّة دوريس كيارنز غودوين (Doris Kearns Goodwin) عن أبراهام لينكولن وفريقه بعنوان "فريق المتنافسين" (Team of Rivals). فنحن في الجامعة نطمح إلى بناء فريق من "المواطنين القياديين"، ورعاية هذا الفريق بحيث يركّز هؤلاء المواطنون على الاستفادة من الدور القيادي للجامعة الأميركية في بيروت في العاصفة الحالية من الكفاح الإنساني من أجل العمل معاً لاكتشاف حلول تتمتّع بالديمومة والعدالة والمصداقية العلمية لأعظم تحدّيات اليوم والغد، ومن ثم تطبيق هذه الحلول. ليس هناك قضية تستحق النضال ويكون تحقيقها سهلاً.
إشراك الطلبة بفعالية
أما الطلاب فهم عصب الحياة في أي جامعة وسبب وجودها. وتضمّ جامعتنا طلاباً يتمتّعون بمواهب استثنائية وتحمل تقليداً راسخاً لا نظير له في الحراك الطلابي. فطلاب الجامعة الأميركية في بيروت طالبوا بالمساءلة والمشاركة في الحوكمة منذ قضية لويس في العام 1882. وطلاب الجامعة اليوم ناضجون جداً ومنخرطون في الشأن العام، ويتمتّعون بثقافة سياسية ممتازة. ورغم أنّ العديد منهم منحازون إلى مختلف الأحزاب السياسية في لبنان والعالم العربي، إلا أنّ هناك خطاً قويّاً من الاستقلال المدني اللاطائفي . كما أنّ طلاب الجامعة الأميركية في بيروت منخرطون أيضاً في العمل المدني، والعديدون منهم يقومون بإعطاء الدروس الخصوصية للأطفال الأقل حظّاً، ويعملون في المشاريع المجتمعية التي تشمل المناطق الأكثر حرماناً في لبنان واللاجئين السوريين والفلسطينيين، إضافة إلى تدريس اليافعين المستحقين من مختلف أرجاء لبنان، البلد الذي يضمّ العديد من المجتمعات الحضرية والريفية المعقّدة.
كما تمتلك الجامعة تقليداً قديماً ومستمرّاً من الانتخابات الطلابية الحرّة والنزيهة. فمن خلال العمل مع لجنة الطلاب والأساتذة التي أقودها كرئيس للجامعة، وضعنا نظاماً جديداً قائماً على التمثيل النسبي في الانتخابات الطلابية، فضلاً عن نظام للتصويت الإلكتروني صمِّمناه في الجامعة. وحقّق هذان النظامان نجاحاً باهراً في ضمان حرّية الانتخابات الطلابية ونزاهتها وخلوّها من التهديدات والمخاطر التي ترافق العديد من الانتخابات في العالم العربي بما في ذلك قي لبنان. ومن خلال ضمان إجراء الانتخابات بنزاهة وشفافية، وعدم تزايد الرسوم الدراسية بأكثر من 3% سنوياً خلال أيٍّ من السنوات الأربع المقبلة، نجحنا في كسب ثقة الجسم الطلابي. وبتركيزنا على تعزيز الموارد في مجال الصحة النفسية للطلاب، وتطويرهم مهنياً، وتأمين الوظائف لهم، وتوفير المشورة والمرافق الطلابية لهم، وتحسين الظروف المعيشية في مباني السكن الطلابي، فإنّنا منخرطون في جهود تجديد مركزية الحياة الطلابية ضمن مهمّتنا الأساسية.
إن الجامعة الأميركية في بيروت تواصل اجتذاب الطلاب من جميع أنحاء العالم. وقد بلغت نسبة طلابنا الدوليين 21%، وهي واحدة من أعلى النسب التي تسجّلها جامعة رئيسية في أي مكان، ولاسيما في العالم العربي. ولضمان مواصلة اجتذاب أفضل الطلاب وألمعهم، رفعنا حجم المساعدة المالية بالتعاون مع عدد من الشركاء مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ومبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية (MEPI)، وصندوق المنح الدراسية اللبنانية (Lebanon Scholarship Fund)، ومؤسسة ماستر كارد، ومؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، وغيرها. وتساعد جمعية "مشروع شباب لبنان الموحد" (ULYP) في تمويل أكثر من مئة لاجئ فلسطيني ليدرسوا في الجامعة الأميركية في بيروت، في حين تساعد مجموعة من المبادرات الأخرى في تمويل دراسة عدد كبير من اللاجئين السوريين. وأخيراً، فقد تلقينا الدعم من المصرف المركزي اللبناني بهدف تطوير برنامج مدعوم للقروض الطلابية الميسّرة جدّاً وبفائدة قليلة، ممّا يسمح للعديد من الطلاب اللبنانيين بتغطية تكاليف دراستهم وإقامتهم وطعامهم من دون أن يثقلوا كثيراً على كاهل أهاليهم.
مقاربة بديلة مع الموظفين الإداريين بالجامعة الأمريكية في بيروت
إحدى أولى ملاحظاتي بعد توليّ رئاسة الجامعة هو أنها محظوظة ببعض من أكثر الموظفين الإداريين تفانياً ومهارة وإخلاصاً في لبنان والعالم العربي. وبما أنّ الجامعة هي أكبر موظّف في القطاع الخاص في لبنان (أربعة آلاف موظّف)، فإنّها تُعتبرُ قوّة اقتصادية هامّة في هذا البلد. وإضافة إلى التفاوض على "عقد عمل جماعي" مع نقابة عمال ومستخدمي الجامعة، تعهّدنا بإدخال إصلاحات على المنافع والمزايا الأساسية، بما في ذلك خطة التأمين الصحّي لدينا بحيث تكون هذه المنافع، حالها حال تلك المطبقة على الهيئة التعليمية، قابلة للاستدامة فعلاً على المدى البعيد. كما عملنا مع النقابة من أجل تطوير صندوق مشترك يُسهم أعضاء النقابة فيه ليغطّي أقساط اشتراك الموظفين في التأمين الصحّي بعد التقاعد.
استعادة التميّز العالمي وصياغة شراكات تتمتّع بالديمومة
لقد ترافق الربيع العربي مع حقبة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الواسع، وحالة من الصحوة الجماعية بين الشباب العربي، تحديداً بخصوص عيوب مجتمعاتهم مثل غياب الانخراط المدني والمجتمع المدني على وجه الخصوص. وقد شهدت العقود القليلة الماضية نموّاً هائلاً في العلوم والنتاج الأدبي. العالم يتطوّر بسرعة ونحن في الجامعة الأميركية في بيروت لا يسعنا أن نقف مكتوفي الأيدي. ولحسن الحظ، الجامعة تمتلك بعضاً من أكثر الطلاب والأساتذة والموظفين إبداعاً ومرونة وابتكاراً. وتبدو الجامعة الخيار المفضّل للطلاب الأكثر تقدّماً، حتّى عندما تكون لديهم توجّهات سياسية معيّنة. وعلى عاتقنا تقع مسؤولية اتّخاذ الخيارات الصعبة. وأنا واثق من أنّ تركيز مواردنا وتعزيز التزامنا بأداء رسالاتنا الأساسية في البحث والتعليم والخدمة بهدف توفير حياة أفضل وأكرم للأفراد الأقل حظاً، سيجعلان من جامعتنا واحدة من أكثر مؤسسات التعليم العالي تأثيراً، ليس في العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم بأكمله أيضاً. ولكن بغية الوصول إلى هذا المرحلة المُستعادة، لا بل المُحسّنة، من الأهمية، يجب على الجامعة اتّخاذ خيارات صعبة لتحديد المجالات التي سوف نركّز عليها أقصى جهودنا. ويبدو أنّ خياري الشخصي وخيار هيئتنا التعليمية هو أن نركّز على القضايا العالمية ذات الأهمية الإقليمية الكبيرة، سواء في العلوم الإنسانية، أو الهندسة، أو المهن الصحية.
إنّ الجامعة الأميركية في بيروت عازمة على استعادة تميّزها الدولي والعالمي، والمضي قُدُماً تاركة وراءها بعض تجارب الحرب التي يبدو أنّها حفرت ندبة نفسية في المقاربة الاستراتيجية للجامعة. فطوال فترة الحرب تقريباً، عندما كان لبنان منقسماً بين بيروت الغربية التي تضّم أغلبية مسلمة، وبيروت الشرقية التي تضمّ أغلبية مسيحية، أدارت الجامعة برنامجاً للتعليم في بيروت الشرقية خارج الحرم الجامعي. وقد ازداد عدد طلاب البرنامج ليصل إلى 1300 طالب، أي ثلث إجمالي طلاب الجامعة، بحلول مطلع تسعينيات القرن العشرين، عندما أغلق هذا الفرع أبوابه بعد أن بات التوفيق بين الاختلافات السياسية بين الحرمين الجامعيين أمراً غير ممكن. وفي إطار هدفنا الرامي إلى استعادة نفوذ الجامعة وتميّزها مجدّداً على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، نحاول استكشاف عدد من الشراكات التعاونية الرئيسية مع كبريات الجامعات اللبنانية مثل جامعة القديس يوسف، فضلاً عن الجمعيات والجامعات الأوروبية الرائدة، إذ أنّنا منخرطون في تعزيز التبادل الطلابي وصياغة برامج للشهادات المشتركة مع كبريات الجامعات العالمية التي تمتلك فلسفات مشابهة لفلسفتنا مثل جامعة جونز هوبكنز، ومركز سلون كترينغ التذكاري للسرطان.
استعادة رسالتنا
تعرّضت الجامعة الأميركية في بيروت في بعض الأوقات خلال السنوات القليلة الماضية إلى حصار في معظم وسائل الإعلام. فهاجم بعض الصحافيين الجامعة، ووصفوها بأنّها منفصلة عن الواقع، ومفرطة في نخبويتها، وباهظة التكلفة جدّاً، وبأنّها تعاني من حالات من عدم الكفاءة تكاد تصل إلى مستوى الفساد. وفي إطار إدارتنا نحن، شدّدنا على الشفافية في المسائل المالية وغيرها، واتّبعنا سياسية الباب المفتوح أمام وسائل الإعلام في لبنان والعالم العربي. كما سعينا وبقوّة أكبر إلى تعزيز حضور رسالتنا في وسائل الإعلام المطبوعة، والإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي. وأخيراً، شجعنا أساتذتنا وطلابنا وكبار قياداتنا على زيادة التواصل والانفتاح على الحوار بخصوص التغيّرات الحاصلة ضمن جامعتنا وخارجها. والنتيجة كانت تحسّناً هائلاً في صورة الجامعة الأميركية في بيروت مع بلوغها عامها المئة والخمسين في العام 2016.
الخلاصة
مع سعينا إلى زيادة أثرنا وأهميتنا، نواصل التأكيد على الرسالة الأصلية والحاضنة لمؤسستنا، وهي في خدمة الأشخاص الأقل حظّاً. وهذه رسالة تتجلّى بشكل جميل في شعار الجامعة: "لتكون لهم حياة، وتكون حياة أفضل".
لقد فزنا مؤخراً بجائزة تنافسية هي جائزة ماك جانيت العالمية للمواطَنة، كما فاز أحد أجدد مبانينا، مبنى "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" بجائزة الآغا خان للعمارة، وهذا المبنى من تصميم المعمارية الراحلة وطالبتنا السابقة زها حديد، الملقّبة "ملكة الانحناءات الهندسية". كذلك ارتقينا في التصنيف على مؤشر كيو اس إلى أعلى مرتبة في تاريخنا، المرتبة 228 بين الجامعات العالمية. وهكذا فإنّ الجامعة الأميركية في بيروت تسعى إلى إعادة التموضع بطريقة تخوّلها أن تستقطب مجدّداً أفضل الأساتذة والطلاب والموظفين وألمعهم. هؤلاء جميعاً، إلى جانب الخريجين الأفذاذ، يُعتبرون مكوناً أساسيّاً في مجتمع الجامعة ويؤدّون أدواراً مختلفة فيها، إلا أنّهم متّحدون في رغبتهم بإعادة جامعتنا إلى موقعها المميّز والمؤثر والمهم خلال حقبتها الذهبية إذ لا توجد في العالم العربي جامعة عملت بهذا القدر من النجاح لعكس هجرة الأدمغة، الحادة، والتي ابتُليت بها منطقتنا. إنّ الهدف الذي نضعه نصب أعيننا هو قيادة مجتمعنا الجامعي إلى وضع أسس للمجتمعات المدنية المُنصِفة، والعادلة، والقائمة على المساواة، والقادرة على التغيير في جزء من العالم يفتقد كثيراً اليوم إلى الأمل الحقيقي. ونحن في الجامعة الأميركية في بيروت التي تجد نفسها في عين عاصفة إنسانية هائلة، نجرؤ على الحلم والعمل بطريقة هادفة من أجل الوصول إلى غد أفضل للبنان والعالم العربي وما وراءهما. أما السؤال الأهمّ الذي يقضّ مضجعي ويشحذ همّتي فهو إذا كنّا قد بذلنا جهداً كافياً وانتقينا أفضل الخيارات لنأخذ بيد شباب العالم العربي نحو مستقبل أكثر إنصافاً وعدالة وازدهاراً.
أسئلة من هارفارد بزنس ريفيو العربية ورئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري يجيب:
1. كيف تأقلمت الجامعة الأميركية في بيروت مالياً مع الظروف خلال الحرب، والفترة التي تلتها مباشرة؟
خلال الحرب جفّت بعض مصادر تمويل الجامعة، تحديداً في مجال سداد تكاليف استشفاء المرضى اللبنانيين المضمونين صحياً والخدمات الطبية المقدّمة لهم. كما واجه أهل البلد، الذين باتت مصادر دخل معظمهم في تلك الفترة محدودة للغاية، تحدّياً في سداد تكاليف تعليم أولادهم في الجامعة، وتراجع عدد الطلاب الدوليين غير العرب القادرين على الالتحاق بالجامعة. كلّ هذه العوامل تُرجمت بحصول ضغط مالي كبير على الجامعة. وفي الحقيقة، كادت الجامعة تضطر إلى إغلاق أبوابها خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية لولا حصولها على قرض منقذ من الحكومة اللبنانية.
كذلك لحسن الحظ، كان هناك ما يكفي من اللبنانيين والعرب الذين يعرفون مدى تميّز الجامعة، والمقتدرين مادياً لسداد رسوم الدراسة فيها، الأمر الذي سمح لها بالاستمرار خلال الحرب، وحصلت على بعض المداخيل أيضاً من برامجها الإقليمية الخارجية التي قدّمت الاستشارات إلى الجامعات الجديدة التي راحت تتكاثر في العالم العربي وفي الخليج تحديداً. أمّا التبرّعات، من جهة أخرى، فكانت محدودة في ذلك الوقت لكنّها أدّت دوراً أيضاً. وبعد نهاية الحرب، وتحديداً مع التفجير الذي أدّى إلى تهديم مبنى كولدج هول بالكامل، هبّ خريجو الجامعة والحكومة اللبنانية والمغتربون اللبنانيون والعرب لنجدتها ورفعوا لواء الجامعة وساعدوا في إعادة بناء المبنى. وكان لعضو مجلس الأمناء الدكتور رتشارد دبس دوراً فائق الحيوية في فترة ما بعد الحرب الأهلية، وأصبح لاحقاً رئيساً لمجلس أمناء الجامعة، وهو من قاد أول حملة رئيسية في الجامعة لزيادة رأسمالها.
2. كيف تتداخل التجربة الشخصيّة لرئيس الجامعة مع هذه اللحظة الحالية التي يشغل فيها أعلى منصب في واحدة من أبرز مؤسسات التعليم العالي في العالم؟
أنا أحد مواطني الجامعة الأميركية في بيروت من الباحثين من الجيل الرابع. كما أنّني شخص كرّس حياته لخدمة الأشخاص الأقل حظّاً، مع التركيز على مرض السرطان. وعندما يواجه المرء العديد من الخيارات الصعبة في تعامله مع الأمراض المدمّرة، وعندما يكون مُلتزماً بمواكبة أحدث التطوّرات الطبية، فإنّه يتعلّم كيف يقوّي نفسه بالمرونة والعزيمة، داعماً ذلك بالتعاطف مع الآخرين، وبالإحساس بوجود غاية كبرى لتقديم خدمة مثالية. إنّ غايتنا هي ضمان امتلاكنا لرؤية ورسالة مشتركتين خلال العقد القادم، لتكون جامعتنا قادرة على تطوير الأبحاث العلمية وزيادة الأهلية في التعليم والتفاني في الخدمة. وأنا واثق بأنّ في صفوفنا أعضاء من الهيئة التعليمية والطلاب والموظفين الذين سيساعدوننا على تحقيق ذلك بما يتجاوز أعظم توقعاتي. ولديّ آمال كبيرة للغاية من هذا المجتمع الرائع!
3. هناك جامعات تتوخّى الربح، وهناك التعلّم عن طريق الانترنت، ودورات التعليم المفتوح المتاحة على نطاق واسع عبر الإنترنت (MOOC)، وغير ذلك من الأشكال المتقدّمة في التعليم العالي. فكيف تجري تهيئة الجامعة الأميركية في بيروت لكي تقود أو تتبع؟
تختلف المؤسسات التعليمية التي تتوخّى الربح اختلافاً جوهرياً عن مؤسسات التعليم العالي التي لا تتوخّاه. ومن الاختلافات الأساسية أنّ المؤسسات التي لا تتوخّى الربح غالباً ما تَعتبرُ الأبحاث والخدمة جزئين أساسيين من مهمتها مثل التعليم، وهذا غير موجود إلا بالحدود الدنيا، إذا كان موجوداً، لدى المؤسسات التي تتوخّى الربح. ونحن نؤمن بأنّ المعلّمين ذوي المستوى الرفيع هم باحثون موهوبون يسعون إلى الحقيقة والمعارف الجديدة، كلّ في حقله. وثمّة فرق كبير أيضاً في الجودة لصالح المؤسسات غير الربحية كما أظهرت كل الدرّاسات تقريباً. وهذا يكمن وراء تزايد إغلاق مؤسسات ربحية كبيرة في الولايات المتّحدة خلال السنوات القليلة الماضية. وثمّة أعداد متزايدة من الطلاب الذين أخذوا يدركون بأنّ الفرق في الجودة كبير بما يكفي ليكون أكثر من مبرّر للفرق في التكلفة بين النوعين.
ومع ذلك، فإنّنا نعيش في عالم شديد التنافسية، تحتاج فيه مؤسسات مثل الجامعة الأميركية في بيروت إلى أن تظلّ تتحلّى بالتواضع وأن تواصل التركيز على رسالتها. يجب أن نقرّ بأهمية التنافس الصحّي، مثل المنافسة التي نواجهها في بعض المجالات ليس من جامعات دولية رئيسية من الغرب فحسب، وإنّما من جامعات ممتازة في لبنان مثل جامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية الأميركية. كما أنّ هنالك منافسين إقليميين ممتازين، وتحديداً في المملكة العربية السعودية والخليج في مجالات مثل الهندسة والأدب العربي، إضافة إلى بعض التحديات الناشئة من عدد من الجامعات العالمية الرئيسية مثل جامعة نيويورك، وهي جامعات التزمت بتعليم الشباب في العالم العربي. ونحن ندرس بفعالية زيادة ما نقدّمه عبر الإنترنت، بما في ذلك دورات التعليم المفتوح المتاحة على نطاق واسع عبر الإنترنت، بما أنّنا عازمون على التوسّع في مجال تعليم الأفراد البالغين. ولدينا "جامعة الكبار" التي حقّقت نجاحاً ملحوظاً وتحظى بتصنيف مرتفع، ونحن ملتزمون بتوفير الموارد لها وتطويرها. ونحن نرى أنفسنا بصورة متزايدة روّاداً في تطوير مجتمعات تضمّ متعلمين طوال العمر، لأننا نؤمن بأنّ هؤلاء الأفراد هم عنصر أساسي للوصول إلى مجتمعات حديثة وأكثر شفافية وتفاعلاً واحتضاناً للجميع.
4. بماذا تختلف الجامعة عن الشركة؟
الغاية الأساسية للجامعة هي تيسير الوصول إلى المعرفة، واستكشاف وخلق المعارف الجديدة. وهدفنا هو تعزيز معارف المجتمع والأفراد وزيادة أهليتهم وسلامتهم. الجامعات تخضع لمجالس أمناء تضمن التزامها برسالتها. وفي حالة الجامعة الأميركية في بيروت، يتمثّل دور مجلس الأمناء في ضمان التزامنا بتحقيق شعارنا: "لتكون لهم حياة، وتكون حياة أفضل". أمّا الهدف الأساسي للشركة، فهو إيجاد المداخيل لصالح المستثمرين والمالكين. الشركات غالباً ما توسّع المعرفة وتستطيع خلق الوظائف في المجتمع وتوفير المنتجات الضرورية اقتصادياً له، إلا أن مهمتها وتركيزها مختلفان جوهرياً عن الجامعة التي تخلق المعرفة لغرض المعرفة، وليس ببساطة لتحقيق الأرباح.
5. القيادة النسائية هي موضوع برز دائماً إلى الواجهة خلال الانتخابات الأميركية الأخيرة. ما هو دور النساء في القيادة في الجامعة الأميركية في بيروت وفق رؤية رئيسها، وما هو دور هذه الجامعة في تمكين النساء؟
نحن عازمون على تقديم الإرشاد والتوجيه لأستاذاتنا وموظفاتنا وطالباتنا، وإشراكهن وتمكينهن. في الجسم الطلابي، لدينا تناسب ممتاز بين الذكور والإناث، فأكثر من نصف طلابنا في البكالوريوس والدراسات العليا من النساء. والجامعة الأميركية في بيروت اعتمدت التعليم المختلط في عشرينيات القرن الماضي، قبل أربعة إلى خمسة عقود من العديد من أرفع الجامعات المختلطة في الولايات المتّحدة. كذلك فالتناسب بين الذكور والإناث بين الموظفين يتحسّن باضطراد. وكما في العديد من كبريات المؤسسات الأكاديمية، ناضلت الجامعة الأميركية في بيروت لاجتذاب المتميّزات إلى الهيئة التعليمية خلال العقود القليلة الماضية. ولهذا السبب أوّل فريق عمل عيّنته هو الفريق الذي عُني بدراسة أوضاع الأستاذات ومسيرتهن المهنية. وفي 31 كانون الأوّل 2016، سيرفع هذا الفريق تقريره الذي عكف على إعداده رجال ونساء استثنائيون، وسوف تُنفَّذ توصياته الأساسية بأكبر قدر ممكن من التصميم والسرعة. وقد التزمت إدارتنا بالتنفيذ. وكعلامة بارزة على إخلاصنا في هذا المجال الحيوي، فإن إدارتنا هي أوّل إدارة للجامعة الأميركية في بيروت تضمّ عميدتين ومديرة كلية ووكيلة مشاركة الشؤون الأكاديمية. ويأتي هذا تتويجاً للعمل الهام الذي قامت به الإدارة السابقة التي وضعت تدابير أساسية لدعم النساء ومنع التحرّش في مكان العمل. ولعلّ الأهم من كلّ ذلك هو أنّنا عيّنا مؤرخة بارزة متخصّصة بالعهد العباسي وباحثة ورائدة من الطراز العالمي هي الدكتورة ناديا الشيخ، كأوّل عميدة لأكبر وأقدم كلّية لدينا، وهي كلية الآداب والعلوم.
6. تمتلك الجامعة الأميركية في بيروت مركزاً طبياً ينبغي عليه أن يدار كشركة وكمركز بحثي كذلك. وهو يجب أن يكون منافساً وفقاً لمقاييس مختلفة. فكيف يجعل المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هذه الجامعة أكثر أو أقل تنافسية؟
يضمّ المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت أفضل الأطباء والممرّضين والمختّصين بالحقل الطبّي في العالم العربي، وهو واحد من أهم المراكز الطبية في العالم من حيث التدريب، والمهارات، والتفاني، والخبرة. كما أنّ التجهيزات الموجودة في هذا المركز وتلك التي يحاول اقتناءها هي من الأحدث. هذه التجهيزات، والبنية التحتية الحديثة العالمية المستوى للمركز، ستجعله ينافس أي مركز مقابل في العالم. أمّا المجال الذي قد تستمر فيه مؤسستنا بمواجهة مصاعب فهو قدرتنا على اقتناء المعدات الطبية التجريبية الأحدث والتي تُطرحُ حديثاً في الممارسة العملية. لكنّنا اتفقنا مع "إبيك" وهي من أكبر مقدّمي السجلات الطبية الإلكترونية في الولايات المتحدة على استخدام أحدث أنظمتها الإلكترونية للسجلات الطبية والفواتير خلال السنوات القليلة المقبلة، وبتكلفة إجمالية للنظام تفوق مئة مليون دولار خلال العقد القادم. ونحن نطبّق نظام "إبيك" لأنّنا نؤمن بأنّ مرضانا وأفراد جسمنا الطبي يستحقّون أفضل الممكن في مجال الرعاية الطبية ولأنّنا مقتنعون بأنّنا قادرون على المنافسة، ليس فقط في الجودة والأبحاث ولكن من المنظور الاقتصادي أيضاً.
في هذه الحقبة التّي تتّسم بقدر أكبر من الوعي والشفافية، أصبحت المساءلة أمراً في غاية الحيوية في الرعاية الطبية مثلها في أي مجال آخر. إنّنا واثقون بأنّ الاستثمارات الأفضل في مركزنا الطبي هي تلك التي شملت تعيين أكثر من 150 عضواً جديداً في كلية الطب خلال السنوات السبع الماضية واستثمارات رئيسية في المعدّات، وفي النظام المتطوّر للسجلات الطبية الإلكترونية. وكل هذه الاستثمارات ستزيد قدرتنا التنافسية إزاء أكثر الزبائن تطلّباً في المنطقة.
7. تُعتبرُ الجامعة الأميركية في بيروت مؤسسة تمنح فرصاً متكافئة لموظفيها، وهي تجتذب الأشخاص الموهوبين من أي مكان في العالم. وحتّى بين صفوف قياداتها العليا، تجد التنوّع الذي يجعل الجامعة مكاناً كونياً بحق. هل من الصعب إدارة مكان يتمتّع بهذا القدر من التنوّع الثقافي وقيادة الجميع إلى الإيمان بالرؤية ذاتها والعمل من أجل تحقيقها؟
تواصل الجامعة الأميركية في بيروت اجتذاب بعض أفضل وألمع الأفراد من جميع أنحاء العالم. ونسبة الطلاب الدوليين لدينا هي من أعلى النسب التي تسجّلها جامعة رئيسية في أي مكان ولاسيما في العالم العربي. وأعضاء الهيئة التعليمية وقيادات الجامعة هم على قدر كبير من التنوّع من حيث تمثيل الجنسين والعرقية. وهذا التنوّع نقطة قوّة كبيرة للجامعة. الفروقات الثقافية تنصهر فعلياً عندما تكون الرسالة مشتركة ومُلهمة ، كما يتجلّى في دراسة المؤرخّة غودوين عن لينكولن وفريقه.
نحن في الجامعة الأميركية في بيروت نطمح إلى بناء فريق من المواطنين سيفيد من الدور القيادي للجامعة بهدف اكتشاف حلول لأعظم تحدّيات اليوم والغد.