كيف تثق في نفسك أكثر في العمل وتتخلص من الحاجة لموافقة الآخرين؟

5 دقيقة
التحرر من الحاجة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لا يعني التحرر من الحاجة إلى الموافقة المستمرة في العمل تجاهل آراء الآخرين وأفكارهم أو التوقف عن الاهتمام بما يحدث في محيط العمل. في الواقع، إن أنجح القادة هم الذين يحققون التوازن بين التعاطف والحزم، واليقين والرأفة، والود والقوة. في هذا المقال، تقدم المؤلفة استراتيجيات لتعزيز الثقة وتقليل الحاجة المفرطة إلى موافقة الآخرين في العمل: 1. استمع إلى حدسك. عندما تضطر إلى اتخاذ قرار، اسأل نفسك: “هل أفعل هذا لأنني أعتقد أنه المسار الصحيح للعمل، أو لأنني أريد أن يُنظر إليّ بطريقة معينة؟” 2. اعمل على صياغة آرائك أولاً قبل الالتفات إلى آراء الآخرين. 3. سَل نفسك “ماذا لو؟”. 4. أرجئ الرد على القضايا المثيرة للجدل أو المسائل الشائكة مدة 24 ساعة 5. التزم بالوعود التي تقطعها على نفسك.

اكتسب أحد عملائي، ويُدعى حسام، سمعة طيبة بوصفه قائداً لطيفاً ومتعاوناً يحب الآخرون العمل معه؛ كان يهتم بالتفاصيل ويسأل عن أحوال موظفيه وعائلاتهم ويتابع عمل فريقه للتأكد من عدم تعرض أفراده لضغط كبير في العمل، ولا يتردد في تقديم النصح لهم في المواقف الصعبة. وجد الموظفون راحة في التحدث إلى حسام بغض النظر عن مناصبهم الوظيفية، وشعروا باهتمامه الحقيقي بآرائهم، على عكس المدراء الآخرين في الشركة.

وخلف الشخصية الودودة والمحبّبة التي يظهرها حسام، يخفي رغبته العميقة في إرضاء الآخرين والحصول على موافقتهم على قراراته واستحسانهم. على سبيل المثال، كان يتردد في طرح أفكاره والتحدث عنها بثقة في أثناء الاجتماعات ويجول بنظره على الحضور محاولاً معرفة ردود الفعل. فهم من إيماء بعض الزملاء برؤوسهم أنهم يوافقون على فكرته، بينما كان تعبير الوجه المحايد أو العبوس الخفيف على وجوه البعض الآخر كفيلاً بإثارة شكوكه وإضعاف ثقته بنفسه، وحتى في المواقف التي يجب أن تظهر فيها ثقته بخبرته، كان يتردد في اتخاذ قرارات نهائية دون الحصول على موافقة الشركاء كافة من الأقسام المختلفة. على الرغم من أن هذا الأمر كان يظهر على أنه رغبة في الاستفادة من الآراء جميعها، فهو في الواقع التماس للتطمينات أدى في كثير من الأحيان إلى تأخير القرارات أسابيع وأحياناً شهر.

كانت إحدى جلسات تقييم الأداء بطريقة 360 درجة نقطة تحول في حياة حسام المهنية؛ إذ أدى تردده في تقديم ملاحظات مباشرة أو معالجة المشكلات بشجاعة (خوفاً من إزعاج شخص ما أو من أن يبدو قاسياً) إلى تشويش اتجاه الفريق الحدود داخله. على الرغم من تقدير الجميع للطف حسام، كانوا بحاجة ماسة إلى قيادة أكثر حزماً. كان من الصعب على حسام قبول حقيقة أن جهوده ذات النوايا الحسنة أدت إلى نتائج غير مرغوب فيها؛ إذ قوضت كلاً من فعاليته ونجاح فريقه.

بصفتي مدربة تنفيذية للقادة الذين يتمتعون بحساسية أكبر تجاه احتياجات الآخرين (الذين أُطلق عليهم اسم “المكافحون الحساسون”)، عملت مع عدد لا يحصى من القادة مثل حسام، الذين يعانون حاجة مفرطة إلى الحصول على الموافقة والتوكيد من الآخرين، ما يلحق الضرر بهم وبفرقهم ومؤسساتهم على نطاق أوسع. اسمحوا لي أن أوضح هذا الأمر: الرغبة في الشعور بقبول الآخرين وتقديرهم طبيعية وصحية بغض النظر عن منصبك الوظيفي، لكن عندما يصبح كل من اتخاذ القرارات وتقدير الذات والشعور بالقيمة الشخصية معتمداً بصورة مفرطة على آراء الآخرين، أو عندما تبدأ بالتنازل عن قيمك وأفكارك فقط لنيل الموافقة والاستحسان أو تجنب الرفض، فهذا يعني أن الأمور تجاوزت حدها المسموح به.

كيف يمكنك تحقيق التوازن الصحيح الذي يجمع بين الثقة بالنفس واحترام آراء الآخرين؟ إليك بعض الطرائق التي تساعدك في التحرر من الاعتماد المفرط على إشادة الآخرين والتقييمات الإيجابية:

استمع إلى حدسك

في خضم مشاغل العمل اليومية، يمكن أن تصبح ردود أفعالنا اعتيادية لا سيما عند مواجهة الضغوط والتحديات. الاستماع إلى حدسك وإجراء تقييم لمشاعرك الداخلية هو وقفة قصيرة تكسر نمط سلوكك لتحليل استجاباتك التلقائية والتحقق من أنها تعكس حرصك على صالح الفريق والمؤسسة، لا رغبتك في كسب الإعجاب. يساعد هذا التأمل الذاتي أيضاً في التمييز بين الدوافع الداخلية (مثل القيم الشخصية أو الأخلاقيات أو الاهتمام الحقيقي) والدوافع الخارجية (مثل الرغبة في كسب الثناء، أو الخوف من التقييمات السلبية، أو الحاجة إلى التأقلم والاندماج). بالإضافة إلى ذلك، يعمل هذا الإجراء على الموازنة بين الاندفاع والتفكير العقلاني. تضمن هذه الطريقة عدم سيطرة مخاوفك على المنطق والتفكير البعيد المدى.

عندما تضطر إلى اتخاذ قرار، اسأل نفسك: “هل أفعل هذا لأنني أعتقد أنه المسار الصحيح للعمل، أو لأنني أريد أن يُنظر إليّ بطريقة معينة؟” يمكن أن يساعدك هذا في التمييز بين الرغبة الحقيقية في التواضع أو الاجتهاد أو الشمولية من جهة، والحاجة المفرطة إلى التأكيد والموافقة من جهة أخرى. يمكنك أيضاً أن تتعمد نقد نفسك وطرح وجهات نظر معارضة لأفكارك ومقترحاتك. تحدَّ افتراضاتك عن طريق تبنّي وجهة نظر معاكسة ومناقشة معتقداتك أو قراراتك وأفكارك كما لو كنت ناقداً خارجياً.

اعمل على صياغة آرائك أولاً قبل الالتفات إلى آراء الآخرين

من السهل أن تتأثر بآراء الآخرين إذا لم تكن متمسكاً بوجهة نظرك الشخصية ومبادئك الأساسية؛ ربما تجد نفسك متفقاً مع أكثر شخص قدرة على الإقناع في الاجتماع، ليس لأنك معجب بآرائه بالفعل بل لأنك ترغب في أن تبدو متعاوناً ومنسجماً مع الفريق. لذلك، قبل أي اجتماع أو نقاش مهم، تعمّق في استكشاف المعلومات ذات الصلة وفكر فيها جيداً وتوصل إلى استنتاجاتك الشخصية. تجنب الاطلاع على ملاحظات الآخرين أو استشارتهم حتى تكوّن أفكارك الشخصية المستقلة حول الموضوع.

لا يعني تكوين رأيك الشخصي أولاً التشدد أو العناد، بل يدل على وضوح قناعاتك الشخصية وثقتك بها؛ فالاعتراف بجدوى وجهة نظرك وارتكازها على خبراتك ومعرفتك الفريدة يوفر نوعاً من التوكيد الذاتي، ما قد يقلل الحاجة إلى موافقة الآخرين. يسمح لك ذلك أيضاً بتغيير موقفك بطريقة واعية ومدروسة، بناءً على المعلومات الجديدة لا على تأييد الآخرين واستحسانهم.

سَل نفسك “ماذا لو؟

إذا شعرت بتردد بسبب تخوفك من آراء الآخرين، فواجه هذه المخاوف مباشرة من خلال طرح سؤال “ماذا لو؟” على نفسك:

  • ماذا لو لم يحظَ هذا القرار بإجماع تام؟
  • ماذا لو لم يلبِّ التوقعات جميعها؟
  • ماذا لو اضطررت إلى تغيير الخطة أو الاستراتيجية لاحقاً؟

يجبرك هذا السؤال البسيط على التفكير من منظور أوسع وأكثر توازناً والنظر إلى المواقف من زاوية مختلفة، فهو يحول تركيزك من محاولة إرضاء الجميع إلى المهم حقاً، وبالتالي، يمكنك اتخاذ قرارات صحيحة تستند إلى القيم والقناعات الشخصية.

في أغلب الأحيان، ستجد أن أسوأ السيناريوهات التي تتخيلها في ذهنك مبالغ بها أو لا أساس لها من الصحة، وستدرك أيضاً أن رفض الآخرين والتحديات التي تواجهها في الواقع جزء من مسيرة القيادة، وليست تقييماً لقدراتك الشخصية. الهدف هو التحول من تجنب الرفض إلى التعلم منه والنمو.

أرجئ الرد على القضايا المثيرة للجدل أو المسائل الشائكة مدة 24 ساعة

عندما أعلن حسام، العميل الذي ذكرتُ قصته سابقاً، عن التغيير الذي أثار ردود فعل متباينة، شعر بضرورة اللجوء إلى الفريق التنفيذي والحصول على موافقتهم وتأكيدهم صحة قراره، وبدلاً من التسرّع والتصرف باندفاع، قرر تأجيل اتخاذ أي خطوة حتى اليوم التالي، فمنحه هذا التأجيل الوقت اللازم لاستعادة هدوئه وتمييز النقد البنّاء عن رفض التغيير.

يمكنك اتباع قاعدة الانتظار مدة 24 ساعة قبل الرد على المشكلات الشائكة والمثيرة للجدل، ومع مرور الوقت ستكتسب رؤية أوسع وتسمح لمشاعرك بالاستقرار، ما يمكّنك من الاستجابة إلى المشكلات بطريقة مدروسة. في كثير من الأحيان، ستلاحظ تضاؤل حاجتك المُلحة إلى طلب الموافقة وتأكيد صحة قراراتك أو إجراء تغييرات سريعة، أما إذا بقيت لديك رغبة جامحة في الحصول على موافقة فورية، فاستشر خلال هذه الفترة أحد المرشدين أو الزملاء الموثوقين، لكن بهدف الحصول على وجهة نظر مختلفة وليس فقط لطلب الموافقة والتأكيد.

التزم بالوعود التي تقطعها على نفسك

يؤدي الوفاء بالوعود الصغيرة التي تقطعها على نفسك، مثل احترام احتياجاتك الأساسية أو التعبير عن أفكارك، إلى بناء الثقة بالنفس، ما يقلل اعتمادك على موافقة الآخرين وتوكيدهم على المدى البعيد. في كل مرة تعد نفسك بأمر وتفي به، تُعزِز ثقتك بمصداقيتك ونزاهتك، وهما ركيزتان أساسيتان لاتخاذ قرارات موثوقة والتمسك بها.

ابدأ بالوعود الصغيرة القابلة للتنفيذ، يمكن أن تكون بسيطة مثل أخذ استراحة الغداء لاستعادة نشاطك أو تخصيص وقت تطوير نفسك مهنياً. يكمن السر في اختيار التزامات مجدية وحقيقية وقابلة للتنفيذ وفقاً لقدراتك الحالية. إذا لم تتمكن من الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسك، فلا تنتقد نفسك بشدة، بل حاول الاستفادة من ذلك لتعديل نهجك وتحسينه.

لا يعني التحرر من الحاجة إلى الموافقة المستمرة في العمل تجاهل آراء الآخرين وأفكارهم أو التوقف عن الاهتمام بما يحدث في محيط العمل، فأنجح القادة في الواقع هم الذين يوازنون بين التعاطف والحزم، واليقين والرأفة، والود والقوة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .