يفقد الكثير من الموظفين الثقة في الرؤساء التنفيذيين لشركاتهم. فخلال مسح أجراه مؤشر الاستطلاعات "إيدلمان ترست باروميتر" (Edelman Trust Barometer) لعام 2017، أعرب 37% فقط من المشاركين على مستوى العالم عن ثقتهم في الرؤساء التنفيذيين، ليستمر بذلك نمط انخفاض الثقة في السنوات الأخيرة. وتمثل هذه النتائج مصدراً كبيراً للقلق، لأن ثمة علاقة بين الثقة بالقادة التنظيميين ضمن المؤسسة ونية الموظفين على البقاء، وامتثالهم للقرارات الاستراتيجية، وأداء العمل الموحد.
والخبر السار هنا أنه يمكن لكبار القادة في الشركات تحسين مستوى مصداقيتهم، من خلال التركيز على علاقات الموظفين بقادة الصف الأول لديهم.
إذ وجدت مع صديقتي تشيري أوستروف، خلال دراستنا البحثية التي نُشرت في مجلة "علم النفس التطبيقي" (Applied Psychology)، أن القيادات العليا يمكنهم تحسين نظرة الموظفين لهم ضمن المؤسسة، من خلال التركيز على علاقات الموظفين بقادتهم المباشرين. وبعبارة أخرى، تنتقل الثقة تدريجياً.
وفي دراستنا، اختبرنا فيما لو كان الموظفون الذين يثقون بقادة الصف الأول يثقون، بالتبعية، بالقيادات العليا ضمن المؤسسة. وبشكل عام، يتعامل الموظفون يومياً مع قادتهم المباشرين ومشرفيهم أكثر من تعاملهم مع القيادات العليا في المؤسسة، ويعرفونهم على نحو أفضل، ويلمسون أسلوبهم في كل من التعامل مع المشكلات، وتنفيذ استراتيجية العمل، والتواصل مع بقية الزملاء في فريق العمل.
واستندنا، هنا، إلى ما يُعرف باسم مفهوم "انتقال الثقة"، الذي يحدث عندما يقيس الأشخاص ثقتهم في كيان ليسوا على دراية كافية به بناءً على ثقتهم بكيان يعرفونه حق المعرفة. وقد أثبت مفهوم انتقال الثقة هذا فعاليته على مستوى الأفراد، والعلامات التجارية، وكذلك المؤسسات. لذلك، جمعنا بين نموذج انتقال الثقة التدريجي الخاص بنا والنظرية التي تدعى "نموذج قيمة المجموعة"، والتي تخلص للقول إنه عندما يتلقى الموظفون معاملة طيبة من القادة، فإن ذلك يدفعهم للشعور، رمزياً، بأنهم أعضاء قيّمون في المؤسسة.
ولقد وجدنا أن الثقة تنتقل إلى المستويات الأعلى عندما يتبع قادة الصف الأول سلوكيات تفسَر على أنها عدالة إجرائية، مثل اتخاذ القرارات بحيادية، والاستماع إلى مخاوف المرؤوسين. وبعبارة أخرى، عندما يُثبت القادة في الصف الأول تحلّيهم بالعدل والإنصاف، سيشعر الموظفون الذين يثقون بهم بأنهم يثقون أيضاً بالقيادات التنظيمية العليا ضمن المؤسسة.
ووجدنا كذلك أنه من المرجح أن تنتقل الثقة، تدريجياً، لدى أولئك الموظفين الأقل التزاماً بالقيم الثقافية المتعلقة بتفضيل مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد. إذ يميل هؤلاء الأشخاص إلى تقدير حريتهم الفردية أكثر من الانصياع للسلطة، ويبدون مخاوفهم بشأن العدالة وحفظ الحقوق، لذلك كانت سلوكيات قادة الصف الأول التي تنم عن تحليهم بالعدالة الإجرائية محفزاً أقوى لانتقال الثقة لهذه الفئة من الموظفين.
وفي القسم الأخير من نموذج انتقال الثقة التدريجي الخاص بنا، قارنا بين آثار الثقة بقادة الصف الأول وآثار الثقة في القيادات العليا. ووجدنا أنه على الرغم من أن الثقة في قيادات الصف الأول مهمة لأنها تؤثر على الثقة بالقيادات العليا، فإن الثقة في القيادات العليا بذاتها تسهم في سلامة المؤسسة بشكل عام، لأنها تؤثر بقوة على أداء الموظفين.
وهذا منطقي، لأن الثقة في قادة الصف الأول قد تؤثر فقط على سلوكيات الموظف المعني، أو يمكن ملاحظتها من قادة الصف الأول.
وفي المقابل، تحفز الثقة في القيادات التنظيمية العليا الموظفين، وتدفعهم سريعاً لاستيعاب أهداف المؤسسة، التي بدورها تؤثر على نطاق أوسع من سلوكيات الموظف، بما في ذلك السلوكيات التي لا ترتبط مباشرة بقادة الصف الأول.
وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أهمية بناء الثقة بين الموظفين بالنسبة للقيادات العليا للمؤسسة. والخبر السار هو أن هناك وسيلة فعالة لتعزيز الثقة بالقيادات العليا عن طريق دعم الثقة في قادة الصف الأول. فمن المرجح أن الموظفين الذين يثقون في قادة الصف الأول ويلاحظون أسلوبهم في التعامل العادل مع الآخرين سيثقون في القيادات العليا في المؤسسة.
وفيما يخص تدريب قادة الصف الأول، فمن الجيد البدء بتقوية مهارات بناء الثقة لديهم، بما فيها التمسك بالنزاهة المهنية، والاهتمام برفاهية الموظفين وتطويرهم، والتأكد من أنهم يتحرّون العدل عندما يتخذون قراراتهم وكذلك عند تخصيص المكافآت أو الموارد.
وتلك الخطوات مهمة للغاية، حيث يؤدي قادة الصف الأول دوراً حيوياً في تفسير السياسات والممارسات التنظيمية وسنّها للموظفين. فيحتاج كل من الإدارة وقادة الصفوف الأولى إلى إدراك أنه، من وجهة نظر الموظفين، يمثل قادة الصف الأول المؤسسة ويؤثرون على نظرة الموظفين للقيادات العليا فيها.