طريقة بسيطة للبقاء ثابتاً في لحظات التوتر

5 دقائق
التحكم في التوتر

كيف يمكنك التحكم في التوتر والقلق؟ يجب أن يكون الانتباه تمريناً جسدياً تماماً بقدر ما هو تمرين ذهني. قد تظن عند النظر إلى لفظ "الانتباه"، أنه شيء تؤديه بعقلك فقط. في الواقع، أظهرت أبحاث كثيرة، ومنها بحثي هذا، أن الاكتراث بحالة أجسامنا غالباً ما يكون وسيلة سهلة للانتباه، ويساعدنا على الحد من التوتر حال حدوثه.

يبدو هذا مخالفاً للمنطق، لأن أجسامنا غالباً ما تكون آخر ما نفكر فيه حين ترتبك عقولنا. وإن قُدّر لنا أن نراقب حالة أجسامنا مرة في لحظات التوتر، فإن مراقبتنا لها ستكون على الأرجح عندما تداهمنا تلك اللحظات، مثل الإصابة بمتلازمة النفق الرسغي، أو بآلام في الظهر، أو عند شفط اللبن الزائد من الثدي، وأعباء تنظيف الأسنان عند الطبيب، وقرحة القدم، وأيام المرض، أو حتى عند الإحساس الروتيني بالجوع الذي يُجبرنا على التوقف عن عملنا عدة مرات خلال اليوم لنأكل. ولكن إذا ركزنا اهتمامنا على أجسامنا، فإنها قد تكون مرساتنا التي تثبّتنا في خضم ما يحدث الآن، حتى وإن لم تكن الأحاسيس باعثة على السرور.

هذه هي الكيفية التي يعمل بها الإرساء، بأن نجذب الانتباه لأجسامنا، لنلاحظ (لا لنتجنب) الإحساس بالانقباض والانبساط، وبالألم واللذة، وحتى نلاحظ مجرد التجربة الحسية المحايدة الخاصة (لنقل مثلاً) بكتفنا اليمنى أو قوس قدمنا اليسرى. هذا التمرين يساعدنا على الرجوع إلى الواقع، ذلك أن أجسامنا، في الحقيقة، هي أسرع وأضمن طريق للعودة إلى الوقت الحاضر، عندما نفقد عقولنا في محاولة استرجاع الماضي أو تجربة العيش في المستقبل.

عندما لا تكون عقولنا منتبهة، نسبب لأنفسنا الكثير من المعاناة غير الضرورية. تُعتبر اللوزة العصبية، التي تقع في الفص الصدغي من الدماغ، هي الجزء المسؤول عن اكتشاف الخوف ومعالجته في الدماغ. وعند تنشيط لوزتنا العصبية بموقف من المواقف التي تُفسر على أنها تهديد محتمل، حتى وإن كان الموقف مجرد قراءة رسالة بريد إلكتروني مزعجة لا أكثر، فإنها تبدأ في إحداث تغييرات فسيولوجية، مثل زيادة انقباض العضلات وتسارع النفس. وتزداد هذه العلاقة قوة لدرجة أننا نتخذ رد فعل الجسم دليلاً على الخطر، تماماً مثلما كانت كلاب بافلوف تتخذ صوت الجرس دليلاً على تقديم العشاء. ونتيجة لذلك، يمكن أن تتولد لدينا حلقة مفرغة، والتي يعمل فيها التوتر العضلي الزائد والنفس المتسارع، الناجم كل منهما عن تنشيط اللوزة العصبية، على تحفيز اللوزة أكثر فأكثر. ولكن لحسن الحظ، يمكننا استخدام أسلوب الإرساء لنخرج من تلك الحلقة.

بدأ أحد طلابي وهو في مرحلة تأسيس شركة أعمال ناشئة، يصاب بالذعر مراراً قبل لقائه مع أصحاب رأس المال المجازف المحتملين. كان عقله يكاد يطير خوفاً من توقع أسوأ النتائج، كأن تُرفض نبرة صوته، أو تبدو فكرة أعماله عارية من القيمة. وما إن تعلّم كيف ينسجم مع جسمه، ويمنح نفسه دقيقة قصيرة ليرسو، بأخذ أنفاس قليلة ويشعر بثبات قدميه على الأرض، حتى هدأت نفسه وأصبح متزناً بدرجة تمكنه من إجراء محادثات أفضل بكثير من ذي قبل. وإليك بعض تمارين الإرساء البسيطة الفعالة التي يمكنك ممارستها.

خذ نفساً واحداً:

يلزمنا نفس واحد مقصود لنغيّر وجهةَ نظرنا. نفس واحد يمنحك راحة من ثرثرة العقل وفرصة لجسمك للاستقرار بعد أن أُثير استجابة لتهديد محتمل. عندما تكون في محنة، تكون أغلب الوقت في منتصف قصة تقصّها على نفسك وتُصدّقها تماماً. ونفس واحد يمكن أن يُخرجك من القصة، بأن يقلل استجابتك للانفعال. وبمقدورك أن تتبع النَفس في جسمك، حيث تكسب مساحة كافية لتقرر ما إذا كان رأسك معك (منسجماً مع مقاصدك الحالية ومع الغاية الكبرى) أم ضدك، ثم تختار بوعي الطريق الذي تريد أن تسلكه.

انتبه للعواطف:

ثمة سبب آخر لترسو في جسمك، وهو أن السر يكمن في إحساسك بعواطفك تجاه الآخرين، والتي من المهم أن تعترف بها حتى وإن كان من المحتمل أن تبدو وكأنها مسؤولية على عاتقك، وخصوصاً في العمل. لقد درست سلبيات الكبت العاطفي (يمكنك الاطلاع على بعض الدراسات عنه من هنا،وهنا، وهنا)، وأستطيع التأكيد لك أنه أسوأ من عبء المسؤولية. إنه تفاعل مع العواطف السلبية متناقض لكن غير حاسم، ويرتبط سلبياً باضطراب المزاج وبالعواطف السلبية. وبعبارة أُخرى، إذا كنت تقرّ وتعترف بوجود عواطف مزعجة، فاعلم أن لها قدرة على أن تسبب لك الضيق بدرجة أقل قوة من الكبت العاطفي. في إحدى الدراسات، كان المشاركون يكتبون في كل يوم، وعلى مدار أربعة أيام، عن أي تجربة مؤلمة أو حدث محايد يمرون به. وزار الذين كتبوا عن الأمور المزعجة المركز الصحي، خلال الأشهر الستة التالية، مرات أقل ممن كتبوا عن الأحداث المحايدة. إنك حينما تنتبه لحالة جسمك، يمكنك التقاط بداية تدفق المعلومات العاطفية في الاتجاه المعاكس قبل أن تسطو تلك المعلومات على جهازك العصبي كله، لأنها بمجرد أن تفعل ذلك سيكون قد فات الأوان على إمكانية استخدامها لصالحك.

لا تنس أن لزملائك أجساماً أيضاً:

هل تشعر بالضيق تجاه رئيسك في العمل؟ وتظن أنك لا تقوى على الصمود حتى ليوم واحد آخر مع زميل لا يطاق؟ اعلم إذاً أنك إن سمحت لجسمك، فسيوصلك بالآخرين (حتى أولئك الصعاب الطباع) لأن الجسم يمثل جزءاً كبيراً من القواسم المشتركة بيننا. هذا الأمر يبدو جلياً، لكن الآثار عميقة حقاً. إن أجسامنا، بما يصاحبها من لذة وألم _ بآلامها وأمراضها الحاضرة، واحتياجاتها ومواطن ضعفها، واستحالة الاختيار من بينها ما نشاء، والخوف من فقدانها يوماً ما، والطرق التي نحارب بها أجسامنا أو نتظاهر بأنها غير موجودة _ هي تجارب مشتركة فيما بيننا. وعندما تتجاهل جسمك (أو تحاول تجاهله)، فإنك تفوّت على نفسك جزءاً أساسياً من قواسمنا المشتركة. إذ إن التعاطف الذي تكسبه من هذا الوعي يساعد على أن يكون لديك علاقات مهنية مثمرة، بدلاً من المعاناة من الإحباط والألم المستمرين.

اجعل المتعة الضئيلة تبدو كبيرة:

لا تبخس قدر فرحة أخذ هذه الرشفة الأولى من القهوة بعد الظهر. إنها طبيعة البشر التي تجعلهم يلاحظون الألم أكثر من ملاحظتهم للذة، ولكن بالممارسة واستخدام محفزات الذاكرة يمكنك تذوق طعم البهجة طوال اليوم بمصدر للسعادة بسيط وأكيد، وهو أن لك جسماً تحسّ به. فقد تأتي السعادة من الجلوس بعد الوقوف لفترة طويلة جداً، أو من الوقوف والتمدد بعد الجلوس، أو إمساك قلم جديد بقبضة لينة ومريحة بشكل خاص، أو الضحك بشدة عندما يكون هناك شيء مضحك، أو الأكل عندما تكون جائعاً، أو الهدوء النسبي في المكتب بعد صباح مرّ مع أطفال يصيحون، أو سحب قدميك من حذاء غير مريح تحت مكتبك. إن كل يوم يمرّ عليك، مهما كان سيئاً، يتيح لك فرصاً لا تحصى كتلك الفرص التي تُشعرك بالراحة. كنت في لقاء مؤخراً بـ "مستشفى المحاربين القدامى"، في مدينة بالو ألتو. وبينما كنت أسير، مررت باثنين من قدامى المحاربين. كان كلاهما يجلس على كرسيّ متحرك أمام المبنى. ومال أحد الرجلين نحو رفيقه وقال: "حسناً، إنه لشيء رائع أنك تستطيع تحريك يديك". وأجابه الآخر قائلاً: "أجل، معك حق. هذا شيء عظيم!" إن وجهة نظرهما تقدّم لنا تذكيراً قوياً بأن في وسع معظمنا، إذا شئنا، أن نجد في حياتنا اليومية فرحة صغيرة تستحق الاحتفاء بها.

يُعتبر الإجهاد سمة لا غنى عنها في حياتنا العملية، لكنك لست بحاجة إلى تمارين مدروسة أو آليات هروب لتتعامل معه. ما تحتاجه ببساطة هو التحكم في التوتر والوسيلة التي تجعلك تقف ثابتاً في حالة من الإحساس الجيد بالجسم، لترسوَ وتعود إلى الواقع. لا يلزمك سوى لحظة قصيرة لتقرع الأرض بقدميك وتتذكر أن لديك أداة يُعتمد عليها حاضرة دائماً لتخفف عنك إجهادك. وهي تعمل هكذا بكل بساطة، لأنك ولدت مزوداً بها.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي