يلجأ القادة في أيامنا هذه بشكل متزايد إلى البيانات الضخمة والتحليلات المتقدمة أملاً في حل مشاكلهم الملحة، سواء كانت المشاكل متمثلة في انخفاض في عدد العملاء المتكررين، أو التحول في أنماط الاستهلاك، أو محاولة للوصول إلى أسواق جديدة. ويسود الانطباع بأن كثرة البيانات أمر جيد، خاصة في ظل التقدم في الأدوات والتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية. فما هو التوظيف الصحيح للبيانات من أجل حل المشكلات؟
لا يمكن للبيانات فعل الكثير عندما يتعلق الأمر بكشف الدوافع والمبررات وراء السلوكيات الفردية ضمن نظام اجتماعي؛ صحيح أنها تمهد الطريق نحو اكتشاف المشكلة بسبب التوظيف الصحيح للبيانات، إلا أنها لن تحدد الحل. بمعنى آخر، يمكن أن تخبرك تحليلات البيانات بما يحدث، ولكنها نادراً ما تخبرك بالسبب. ويحتاج القادة إن أرادوا إيجاد الجمع البناء ما بين الماهية والسببية – أي المشكلة وسببها – إلى المزج بين القدرات المتقدمة للبيانات الضخمة والتحليلات وبين استخدام أساليب نوعية مجربة وحقيقية كإجراء مقابلات مع مجموعات من الأفراد وإجراء مجموعات تركيز والمراقبة المتعمقة.
يكون التركيز خلال حواراتي مع قادة الأعمال في العادة على الأنظمة التقنية كبيرة الحجم من أجل معرفة التوظيف الصحيح للبيانات، وذلك في معرض إجاباتهم عن سؤالي حول كيفية استخدامهم لتحليلات البيانات، حيث يمكن للبيانات والتحليلات الضخمة أن تتألق لدى تطبيقها في مجال الصيانة التنبؤية، إذ تستخدم الشركات الصناعية مثل السكك الحديدية وحقول النفط التحليلات التنبؤية لضمان التشغيل السلس إذ إنه وبدل انتظار حدوث انهيار ميكانيكي، تمنع الصيانة التنبؤية المشاكل وتحول دون التوقف.
اقرأ أيضاً: تحليل بيانات الناس لا يكشف كل شيء عنهم
إلا أنه يمكن لذات الأمور التي حققت النجاح في حالة القاطرات وحفارات النفط أن تكون أقل فعالية بكثير حينما يتعلق الأمر بالتأثير على سلوكيات الناس، إذ يكون من الصعب للغاية تحديد حلول المشاكل ضمن الأنظمة الاجتماعية والسلوكيات المولدة من قبل مجموعات كبيرة من الأفراد، أي معرفة من يفعل ماذا وفي ظل أي ظروف. ويشير هذا إلى عدم فاعلية استخدام تحليلات البيانات وحدها لحل المشكلات التي تنشأ من سلوك الأفراد.
كيفية تحديد التوظيف الصحيح للبيانات من أجل حل المشكلات
ولا يعني هذا عدم لعب البيانات والتحليلات الضخمة دوراً مهماً، بل يعني أنه في إمكان القادة توظيف أكثر الاستراتيجيات فعالية لتحديد ماهية المشكلة وسببها، وكيفية حلها من خلال فهم نقاط القوة والقيود المفروضة على استخدام البيانات الضخمة بهذه الطريقة، كما يمكن للقادة مساعدة فرقهم على تعلم القيام بالشيء نفسه. وفيما يلي خمسة اعتبارات مهمة على كل من يعمل في مجال البيانات الضخمة أن يفهمها.
يمكن للبيانات أن تحدد "ما" المشكلة:
يمكن لتحليل البيانات أن يكون مفيداً في تحديد أنماط السلوك الإيجابية منها والسلبية، كنجاح شركة أو مؤسسة مثلاً في تحفيز الناس على الانخراط في أنشطة معينة. فقد تكشف التحليلات على سبيل المثال قابلية فئة معينة من العملاء شراء منتج ما أو تجديد اشتراكها أو عضويتها. ويمكن لتحليلات البيانات المتطورة الكشف عن أنماط بين المجموعات الكبيرة والمجموعات الفرعية الأصغر.
نادراً ما تكشف البيانات عن "لماذا":
تقوم السلوكيات الفردية المتراكمة في البيانات بالكشف عن الأنماط الخاصة بمجموعات وفئات سكانية معينة، إلا أنها لن تكشف عن السبب لمجرد قيامها بإظهار ما قد تفعله امرأة ما عمرها 33 عاماً وتجني أقل من 100 ألف دولار في السنة ولديها أطفال. وقد تدفع البيانات الناس إلى إجراء افتراضات، كافتراض مثلاً وجود حد سعري مرتفع جداً لعميل معين، أو عدم رغبة المستهلك صاحب الوقت الزمني المحدود الحصول على خدمة اشتراك نشاط ترفيهي (مثل عضوية صالة ألعاب رياضية). كما يمكن وضع افتراضات أيضاً تجاه الأسباب الجذرية لسلوكيات معينة، مثل سبب تفضيل جيل الألفية الشركات التي تعطي الأولوية للأثر الاجتماعي أو سبب عمل مجموعة فرعية معينة من الموظفين دون المستوى المطلوب. إلا أن تلك الافتراضات في الوقت نفسه هي مجرد تخمينات حول مبررات سلوكيات الآخرين، وليس أساساً موثوقاً لتحديد أفضل الحلول لمعالجة المشكلة.
اقرأ أيضاً: استخدام البيانات لتوفير رعاية صحية أفضل للمشردين
معرفة "لماذا" تحتاج إلى نهج نوعي:
تتمثل الطريقة الوحيدة لاكتشاف "لماذا" في القيام ببحث نوعي مثل إجراء المقابلات ومجموعات التركيز والرصد، سواء تضمنت المجموعة الاجتماعية عملاء حاليين أو محتملين أو بائعين أو أي فئة سكانية أخرى. وتكون النتيجة عملية مكررة تبدأ بـ "من" و"ماذا"، والتي يمكن للبيانات الكشف عنها، وتصل إلى الخطوة التالية التي تشخّص "لماذا"، والتي لا تكشفها البيانات في العادة. وقد وظفت الشركات في كثير من الأحيان في الماضي خبراء في البحث النوعي للمساعدة في تحديد كيف ولماذا يستخدم العملاء منتجات معينة أو ينجذبون إلى علامات تجارية محددة. إلا أنه وفي أيامنا هذه، يحاول العديد من قادة الأعمال استخدام البيانات الكبيرة والتحليلات لأتمتة العملية بأكملها، لكن تتكشف أوجه القصور في استخدام البيانات لتشخيص السلوكيات الاجتماعية بسرعة. على سبيل المثال، يمكن لتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي تحديد الأشخاص المؤثرين لشرائح عملاء محددة بشكل جيد، لكن يتمثل التحدي في معرفة سبب انجذاب العملاء إلى أولئك المؤثرين إن أردنا صياغة استراتيجيات فعالة لإغراء العملاء لشراء المزيد أو أن يصبحوا هم أنفسهم مناصرين للعلامة التجارية.
تحتاج إلى النظر في العوامل الزمنية وغيرها:
هناك عوامل أخرى تؤثر أيضاً على السلوك، ما يزيد من صعوبة إيجاد الحلول ويقلل من فعاليتها مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال، وقبل عدة سنوات، اكتشف نادي دراجات نارية أن الدراجين الذي يقضون وقت انتظار أطول من المتوسط على جانب الطريق أقل احتمالاً لتجديد اشتراكاتهم. وبناء على تلك البيانات، أكدت الشركة على حاجتها إلى تقليل أوقات انتظارهم. ومع مرور السنين، أعطى انتشار الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى الناس طرقاً لإشغال أنفسهم بها، ما أدى إلى تغيير نظرتهم حيال الفترة التي يمكنهم فيها الانتظار. ونتيجة لذلك، فإن التركيز اليوم على وقت الانتظار لوحده (وعدم الانتباه لعوامل أخرى مثل التسعير والجودة) أثبت أنه أقل فعالية في تقليل قابلية التجديد بين أعضاء نادي الدراجات النارية.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم تحليلات بياناتك الخاصة بشكل جيد؟
تحتاج إلى القيام باختبار صارم لإيجاد الحل الصحيح:
يمكن للمؤسسات اكتساب رؤى أعمق حول المشاكل وأسبابها عند معرفة التوظيف الصحيح للبيانات وتحليل البيانات الضخمة والأبحاث النوعية ذات النطاق الأصغر، الأمر الذي يمكن أن يساعد بعد ذلك على تقديم الحلول التي يُحتمل أن تحقق النتيجة المرجوة. ويعتبر إجراء اختبار عشوائي باستخدام مجموعتين متماثلتين الطريقة الأفضل لمعرفة فعالية الحل، حيث يتم تقديم الحل لواحدة ومنعه عن الأخرى. وسيكشف تحليل البيانات من هذه التجربة ما إذا كان الحل في الواقع يحل المشكلة. صحيح من أن التجارب العشوائية يمكن أن تكون مكلفة ومعقدة، إلا أن تحليل البيانات يحقق أثراً مهما وغالباً ما يبرر نفسه من خلال العائد على الاستثمار.
تزيد فعالية تحليلات البيانات إلى حدها الأقصى عندما تكون جزءاً من عملية شاملة للتحديد والاستكشاف والاختبار من أجل تحديد التوظيف الصحيح للبيانات، إلا أنها ليست الأداة الوحيدة لهذه المهمة. ولا تزال تتطلب عملية حل السلوكيات الاجتماعية استكشافاً نوعياً صغيراً لإشراك الأشخاص ومعرفة المزيد حول ما يحفز السلوكيات الظاهرة في البيانات.
اقرأ أيضاً: كيف تحدد أي مشاريع علم البيانات التي عليك استهدافها؟