ألقيت أكثر من 3 آلاف خطاب أمام الجماهير في جميع أنحاء العالم على مدار السنوات الثلاثين الماضية، وكانت العروض التقديمية جزءاً أساسياً من عملي لدرجة أن العديد ممن يعرفونني جيداً فوجئوا عندما علموا مقدار القلق الذي كانت تسببه لي. بعد أن أجريت عملية سحب عصب السن الرابعة، أشار طبيب الأسنان إلى أنني على ما يبدو أعاني صرير الأسنان في أثناء النوم، واقترح عليّ استخدام واقٍ للفم؛ ارتديت 3 منها على مدى السنوات القليلة التالية، لكن تحطمت جميعها. لحسن الحظ، تقدم علم المواد بصورة أسرع من تطور صرير أسناني وحصلت في النهاية على واقٍ أكثر متانة، ومع ذلك، كنت على وشك تقبّل حقيقة أن النوم المتقطع ومتلازمة تململ الساقين بالإضافة إلى أوجاع متنوعة في جميع أنحاء جسدي كانت ثمناً لمجال العمل الذي اخترته.

أدركت أنني مررت بنقطة تحول منذ 10 سنوات عندما دُعيت لإلقاء خطاب أمام جمهور مرموق من قطاع الأعمال في مسرح راديو سيتي ميوزيك هول بمانهاتن في مدينة نيويورك؛ نمت بهدوء في الليلة السابقة دون قلق أو توتر، وعندما مررت عبر الستائر القرمزية لمواجهة 6 آلاف مسؤول تنفيذي يرتدون جميعهم بدلات أنيقة، تحول الخوف والقلق اللذان كانا يلازمانني في الماضي إلى شعور من البهجة والامتنان.

أدركت حينها أن العروض التقديمية ستكون جانباً دائماً من مجال عملي، فبدأت بتجميع الأساليب العملية لتعزيز متعتي بتقديم العروض التقديمية وتقليل الصعوبات المرتبطة بها. فيما يلي 6 استراتيجيات أحدثت فرقاً كبيراً بالنسبة لي:

1. ساعد الآخرين، لا تبهرهم

اكتشفت أن جزءاً كبيراً من التوتر الذي أشعر به مرتبط بدوافعي أكثر من الحدث بحد ذاته، فقد كنت أشعر بالقلق الشديد بشأن الطريقة التي سينظر بها الآخرون إلي أكثر من قلقي فيما إذا كنت سأفيدهم فعلاً. بعبارة أخرى، تنشأ ضغوطي الأكبر عندما أركز على صورتي أمام الناس بدلاً من تقديم أداء جيد، أتذكر عندما توقفت في إحدى المرات إلى جانب الطريق في التلال فوق وادي السيليكون في طريقي إلى معتكف مع فريق تنفيذي تقني، وكنت قلقاً جداً بشأن العرض التقديمي. سألت نفسي: “لماذا أفعل هذا؟” وبينما كنت أتأمل الوادي الفسيح، تلاشى الضيق الذي كنت أشعر به، وشعرت بوضوح شديد مفاجئ. أدركت حينها أن مهمتي لا تتعلق بي شخصياً، بل بمن كنت سأتحدث إليهم، فحولت تركيزي إلى الأفكار المهمة التي كنت أرغب بمشاركتها، ولم أعد مهتماً فيما إذا فعلت ذلك بصورة مثالية أم لا؛ كان طموحي الوحيد هو طرحها بطريقة تفيدهم وتقدم لهم تجربة ذات قيمة. يقل توتري عندما يكون دافعي مساعدة الآخرين لا نيل إعجابهم.

2. تمرَّن على عرضك التقديمي، ولكن ليس إلى حد الهوس به

تعلمت أن أميز الحالات التي يؤدي الإفراط في التمرين فيها إلى نتائج عكسية: عملياً، يزداد مستوى توتري عندما أرى أن فوائد استعدادي تتناقص، عندما يتحول التدريب إلى هوس غير صحي، أجد أنه من المفيد ببساطة التوقف والانخراط في بعض الأنشطة المشتتة للانتباه. إذا كنت سأقدم عرضاً تقديمياً جديداً، أتدرب عليه 3 مرات فقط؛ مرة واحدة عندما أنتهي من تحضيره، ومرة أخرى في اليوم الذي يسبق العرض، وأخيراً قبل ساعات قليلة من بدء العرض.

3. ادمج فواصل للراحة خلال العرض التقديمي

شعرت على مدى 3 أسابيع قبل عرضي التقديمي الأول الذي سيستمر 3 ساعات بالقلق إلى درجة أني لم أتمكن من تناول الطعام جيداً. كنت أفكر دائماً في كيفية الحفاظ على أدائي خلال فترة العرض التقديمي الطويلة، شعرت أن العرض لمدة 3 ساعات متواصلة مهمة شاقة بالفعل يصعب إنجازها على أفضل وجه، وسيكون تقسيمه إلى أجزاء صغيرة مدة كل منها 10 دقائق أفضل، فبدأت بتنظيم الأفكار التي سأعرضها في أجزاء صغيرة مترابطة ومتسلسلة.

4. تفاعل مع الجمهور خلال العرض

كان الاكتشاف القيّم الآخر الذي جعلني أشعر بالارتياح هو إدراك أن الجمهور يكره أسلوب الحديث الأحادي الطويل بقدر ما أخشاه تقريباً. في الواقع، يفقد الجمهور الاهتمام بالعرض ويشعر بالضجر عندما يطول ويصبح رتيباً، ولكن هناك الكثير من الطرق الذكية لإشراك الجمهور بحيث تزيد فعالية العرض وأثره وتخفف من رتابته، وفي الوقت نفسه تمنحك فترات راحة للتقليل من قلقك. دمجت هذه الرؤية مع الرؤية السابقة من خلال تقسيم جميع محاضراتي إلى أجزاء صغيرة تتخللها أنشطة موجزة قصيرة تشرك الجمهور متصلة بالموضوع ومناسبة له.

يمكنك إشراك الجمهور بطرق مختلفة. ادعُ المشاركين مثلاً إلى التفكير معك أو تجربة عواطف معينة معك أو مساعدتك أو تجربة شيء ما معك. على سبيل المثال، يمكنك مشاركة البيانات ودعوة الجمهور إلى محاولة تحليلها معك (التفكير معك)؛ أو عرض مقطع فيديو قصير يثير مشاعر ذات صلة بموضوعك (مشاركة العواطف)؛ أو مطالبة شخص ما بقراءة اقتباس ذي صلة لأحد الخبراء والتعليق عليه (المساعدة)؛ أو تجربة مهارة تدرّسها بطريقة آمنة ومنظمة (التجربة). غالباً ما يُقال لي إن الجمهور الذي يتمتع بالخبرة والمعرفة غير مهتم بالمشاركة في العرض، ولكن ذلك غير صحيح. فهو لا يرغب في الانخراط بطرق سخيفة أو عديمة الفائدة، ويفضل الانخراط في أنشطة منظمة جيداً وذات صلة بالموضوع تقدّر ذكاءهم وتحافظ على احترامهم.

على سبيل المثال، عندما أدرّس مهارات التدريب على المحادثات الحاسمة لفريق تنفيذي، أبدأ بتقسيم أعضائه إلى فرق ثنائية ومطالبتهم بتمثيل مشهد قصير يؤدي فيه شخص دور طبيب مسيء والآخر دور المريض لأبين لهم طرق الاستجابة في هذا الموقف، ويقتصر ردهم على جملة واحدة كي لا يشعروا أن عليهم أداء دور جدي، وكي يصبح الجو أقرب للدعابة إذا كانوا يفضلون ذلك بدلاً من التعامل مع الموقف بجدية مفرطة. يسهم هذا النشاط التفاعلي في ترسيخ الموضوع الذي أريد إشراكهم فيه ويخلق على الفور جواً دافئاً ومريحاً في الغرفة، كما أنه يخفف الضغط عني لبعض الوقت قبل استجماع أفكاري ومتابعة العرض.

5. تعرف إلى نفسك

لا يحتوي العرض التقديمي بطبيعته على ما يثير القلق، بل ينبع التوتر عادة من ذاتك، غالباً لأن العرض التقديمي يدفع عقلك لاستحضار بعض تجارب حياتك المؤلمة التي سببت لك صدمات (على سبيل المثال، عندما ضحك الحضور حين كنت تغني بطريقة مضحكة في جوقة منفردة في الصف الثالث). لقد أدركت بمرور الوقت أن المعايير التي فرضتها على نفسي لتحقيق الكمال والرغبة في نيل استحسان الجميع هي المصدر الأساسي لقلقي. وحين طورت مصادر للشعور بالطمأنينة والقيمة بعيداً عن هذه الأهداف التي لا يمكن تحقيقها، وجدت أنه من الأسهل التركيز على خدمة الآخرين وتخليت عن الحاجة إلى إثارة انطباع جيد.

6. تنفَّس بعمق

أعطتني عالمة النفس إيمي كادي أداة عملية للغاية للحد من التوتر. أثبتت كادي خلال تجارب مضبوطة أنه من الممكن تقليل مستوى هرمونات التوتر في الدم إلى حد كبير قبل الدخول إلى اجتماع مثير للقلق بمجرد أخذ أنفاس عميقة وببطء مع اتخاذ وضعية قوية تنقل إحساساً بالثقة والتمكين، كالوقوف مثل بطلة فيلم ووندر وومان أو بطل فيلم سوبرمان. عندما سيطر التوتر عليَّ في اللحظات الأخيرة قبل بداية أحد عروضي التقديمية، وجدت مكاناً منعزلاً واستخدمت هذه التقنية لاستعادة رباطة جأشي.

ساعدتني هذه الأساليب على مر السنين في تعلم التواصل مع الجمهور بطريقة هادفة، وتحويل العروض التقديمية التي كانت مثيرة للقلق سابقاً إلى بعض من أكثر التجارب إرضاءً في حياتي. بعد أن تعلمت تجنب الشك الذاتي والتركيز على مصادري الذاتية للقيمة ودوافعي العميقة لمشاركة أفكاري والتنفس بعمق، أصبحت تجربة الوقوف أمام الجمهور نعمة بالنسبة لي ولم تعد نقمة مطلقاً.