إنّ أفضل الشركات أداء هي تلك التي تحقق أفضل توافق استراتيجي. ولكن من المسؤول في الشركة عن الاهتمام بمدى توافق استراتيجية الشركة مع هدفها وإمكانياتها؟ من خلال بحثي وتقديمي للخدمات الاستشارية في الشركات، لاحظت أنه في أغلب الأحيان لا يوجد شخص أو مجموعة معينة تتولى مسؤولية الإشراف على تنظيم الشركة بكاملها. هناك عدة أفراد ومجموعات مسؤولة عن عناصر مختلفة ضمن سلسلة القيمة التي تشكّل تصميم الشركة، وغالباً ما تكون هذه المجموعات غير متحّدة بالشكل المطلوب. وفي كثير من الأحيان، يسعى القادة (يتم تحفيزهم) لحماية مجالاتهم وتحسينها، فيجدون أنفسهم في حروب منافسة داخلية مستنفِذة للطاقات، بدلاً من العمل مع أقرانهم لتحقيق التطور والتوافق عبر المؤسسة بأكملها.
إذاً، من الذي يجب أن يكون مسؤولاً عن ضمان تحقيق التوافق الاستراتيجي في الشركة بقدر الإمكان؟ لا ينبغي أن تكون الإجابة هي "الرئيس التنفيذي" أو "رئيس مجلس الإدارة" أو من يعادلهما. فالعمل على تحقيق التوافق في الشركات الحديثة أكثر تعقيداً بكثير من أن يُضاف إلى قائمة أعمال شخص يتضمن عمله النظر في مئات الأمور الأخرى، بغض النظر عن مدى قوته وموهبته. إذاً، يتوجب عليك أن تدرس التالي لصالح شركتك:
عملياً، من هو الشخص المسؤول على مستوى المؤسسة عن ضمان التوافق الاستراتيجي قدر الإمكان؟ هل يتناسب تركيزه وسلوكه مع المسؤولية الملقاة على عاتقه، أم أنها مجرد إضافة إلى وظائفه اليومية الرئيسية؟ هل هي مسؤولية أكبر المدراء في شركتك، أم أنه يجب توزيع هذه المسؤولية أكثر؟ ما هو مقدار الوقت المخصص في شركتك لإعادة النظر في مبادئها التنظيمية الرئيسية ومناقشة كيفية تطوير الإمكانيات التي تناسب عملاء الغد ومدى تواتر القيام بهذه الإجراءات، مقابل التركيز على الأعمال اليومية؟
كيف تتخذ الشركة قرارات مدروسة حول تنظيمها باعتبارها نظاماً معقداً من عدة أجزاء متحركة ومترابطة (بما في ذلك الإمكانيات التنظيمية والموارد والأنظمة الإدارية)، والتي تهدف جميعها إلى تحقيق هدف شامل؟ ما هي أطر العمل والمعلومات التي يحتاج إليها القادة لطرح أسئلة جيدة وإجراء محادثات أفضل وصنع خيارات استراتيجية تنظيمية قوية؟
ما هي الإمكانيات التي يحتاجها القادة على مستوى المؤسسة لكي يكونوا فعّالين في تحقيق التوافق لضمان أنّ الشركة متناسبة مع هدفها الرئيسي؟ يقول القادة الذين عملت معهم، ممن تولوا مهمة تحقيق التوافق الاستراتيجي، أنهم بحاجة إلى "شمولية التعدد" من ناحية المنظور والمقدرة. وتعني شمولية التعدد في هذا السياق: تعدد المستويات، أي قدرة التفكير على مستوى المؤسسة- بمعنى القدرة على رؤية الصورة الكاملة؛ فتعدد المستويات هو امتلاك الخبرة الواسعة والعميقة في مجال الاختصاص (T-shaped)؛ أو بمعنى آخر هي امتلاك المعرفة العامة والمتخصصة المناسبة لمختلف مجالات العمل ضمن الشركة؛ أما تعدد الجنسيات: فهو عدم وجود تحيز جغرافي أو ثقافي عندما يتعلق الأمر بالفرص أو صناعة القرارات. في حين أنّ التعدد في تبني مختلف وجهات نظر أصحاب المصلحة المعنيين: يعني فهم الشركة من وجهات نظر ومصالح متعددة، وأخيراً؛ تعدد المراحل: هو التفكير في جميع النتائج القصيرة والمتوسطة وطويلة المدى على الرغم من الضغط الذي يجبر هؤلاء القادة على تحقيق النتائج الفورية.
إذا لم يكن هنالك إجابات واضحة لهذه الأسئلة، ربما لا يوجد من يولي قضية التوافق الاستراتيجي في شركتك اهتماماً كافياً. إذا كان هذا صحيحاً، يتوجب عليك معالجة هذه الفجوة في جوانب تركيز القيادة وإمكانياتها بشكل عاجل. إنّ تحقيق ميزة تنافسية مستدامة من خلال تحقيق التوافق الاستراتيجي الأفضل لا يحدث بمحض المصادفة، بل يحتاج إلى تصميم وإلا فلن يتحقق، كما أنه يتطلب نوعاً خاصاً من القيادة والذي أسميه بالقيادة المؤسسية.
ماذا يفعل قادة المؤسسات؟
على عكس الأفكار السائدة حول القيادة الشخصية، والتي تهتم بشكل أساسي باستنهاض الناس وتشجيعهم، تُعنى القيادة المؤسسية بإدارة جميع موارد الشركة وتنظيمها باعتبارها نظاماً مكوناً من عدة أجزاء متحركة ومترابطة، والتي يكون فيها الناس (أو الموارد البشرية) مجرد عنصر فيها، ومن غير الضروري أيضاً أن يكونوا العنصر الأهم لتطوير الإمكانيات التنظيمية على المستوى الاستراتيجي. إنّ قادة المؤسسات ليسوا الأشخاص القياديين بالمعنى التقليدي، إنهم معماريو نظام الشركة المسؤول عن نجاحها طويل المدى.
إنّ هدف القيادة المؤسسية هو القيام بتدخلات استراتيجية لضمان توافق أهم مكونات تصميم الشركة الأساسي بشكل سلس. تتضمن هذه المكونات استراتيجية الشركة (كيف تحاول الشركة تحقيق هدفها طويل المدى؟)، وإمكانياتها التنظيمية (ما الذي تحتاجه لتحقيق الهدف بشكل جيد؟)، ومواردها (ما الذي يجعلها جيدة بشكل كاف لتحقق الهدف، بما في ذلك الهياكل والثقافات والناس والعمليات؟)، والأنظمة الإدارية (التي يتم من خلالها إنجاز الأداء اليومي المطلوب لتحقيق الهدف). وتشكّل هذه المكونات المهمة سلسلة القيمة التي تمكّن الشركات من تحقيق الأهداف طويلة المدى بشكل جيد نسبياً، وعادة ما تكون سلسلة القيمة هذه قوية بقدر قوة أضعف حلقاتها.
بشكل رئيسي، إنّ قادة المؤسسات مسؤولون عن الأمور التالية:
1- التصور: أي صياغة رؤية قوية لماهية التوافق الاستراتيجي في الشركة، وتوصيل هذه الرؤية بطريقة مفهومة إلى الآخرين، بما في ذلك المستثمرين والموظفين والشركاء والعملاء. وتحدد هذه الرؤية المبادئ الرئيسية التي ستوجّه التخطيط الاستراتيجي المفصّل في الشركة والتصميم التنظيمي والأولويات التشغيلية والأهداف المتعلقة بالأداء.
2- التصميم: باتباع المبادئ المذكورة أعلاه، ينبغي على قادة المؤسسات تصميم كل مكون من مكونات سلسلة القيمة بحذر حتى تكون مكمّلة لبعضها البعض تماماً وداعمة لهدف الشركة طويل المدى. قد تحدث بعض التعديلات على تصميم المؤسسة بصورة عرَضية، إلا أنّ اهتمام القادة بالتوافق الاستراتيجي ينبغي أن يكون ثابتاً. كما ينبغي إعادة النظر في تصميم الشركة وإدارتها باعتبارها نظاماً معقداً ومتكيفاً مكوناً من العديد من المكونات المتحركة والمعتمدة على بعضها بشكل منتظم بناء على تشخيص قوي، وذلك لضمان استمرار تناسبها مع هدفها على الرغم من التغييرات في البيئة الخارجية.
ويكمن التحدي في عدم وجود خيار مناسب للجميع في ما يتعلق باستراتيجية الشركات أو التصميم التنظيمي الذي يؤدي إلى تحقيق أفضل توافق استراتيجي. ينبغي أن تكون الهياكل والثقافات التنظيمية على سبيل المثال مميزة بقدر الاستراتيجيات التي تدعمها وتوفرها، والتي تعتمد بدورها على هدف المؤسسة طويل المدى. مثلاً، تحاول العديد من الشركات، بهدف أن تصبح أكثر إبداعاً، أن تعيد تصميم نفسها كشبكة، مفتوحة ومعتمدة على منهجيات سريعة وشديدة الترابط، من الفرق والشركاء، حيث تكون المعرفة موزعة. إلا أنّ مشكلة هذا التصميم أنّ الشركات التي تعتمد على هذه الشبكات تميل إلى أن تكون معقدة الإدارة وصعبة التحكم. أما بالنسبة للشركات التي تتمحور حول المنتجات، حيث تكون إدارة التكلفة هي الأولوية الاستراتيجية، تبقى (من حيث المبدأ) السمة الهرمية البسيطة نسبياً والمستقرة والمغلقة للتفكير "البيروقراطي" أفضل تصميم تنظيمي.
من هم قادة المؤسسات؟
غالباً ما تقع مسؤولية القيادة المؤسسية على عاتق المسؤولين التنفيذيين بحكم العادة. في بعض الشركات التي تعتمد على هياكل عمل مبنية على الشبكة، تقع هذه المسؤولية ضمن مهام فريق التصميم. ولا توجد طريقة واحدة أفضل من غيرها لتنفيذ القيادة المؤسسية.
استثمرت شركة ريكو (Ricoh) اليابانية متعددة الجنسيات، على سبيل المثال، في بناء وظيفة التصميم الداخلي ضمن إمكانيات عمالتها القوية التي يبلغ عددها 105 آلاف والعاملة في 200 دولة، والتي تُعرف باسم "مركز تطوير أعمال المستقبل" (Future Business Development Center). وكان الهدف من هذا البناء هو العمل على مستوى المؤسسة وقيادة تحول إيجابي في الأعمال عبر مختلف مجالات الاختصاص والمناطق الجغرافية بما يتماشى مع استراتيجية المجموعة طويلة المدى ومتطلبات العميل المستقبلي. وتم بناء هذا المركز للاستفادة من مختلف إمكانيات التفكير التصميمي ومن تنوع الفريق المكون من تقنيّين ومستشارين ومحللين وباحثين. إذ لا يقتصر الفريق على المدراء المهنيّىن. ويتطلب التفكير في تحقيق أفضل توافق استراتيجي على الرغم من زيادة تعقيد الأعمال تسخير الذكاء والطاقات الجماعية للفريق الذي يقصد هدفاً محدداً والمكون من قادة المؤسسة عبر الشركة وشبكات الدعم الموسعة الداخلية والخارجية الخاصة بهم.
بغض النظر عن الشخص أو المجموعة المسؤولة عن هذه المهمة، تُعد القيادة المؤسسية أمراً أساسياً لتصميم وإدارة شركات أكثر تعقيداً باعتبارها أنظمة عالية القدرة ومؤهلة لتلبية احتياجات العملاء ومقاومة المناورات الهدّامة لمنافسيها. وبغياب هذا النوع من القيادة تكمن الخطورة في تقلّب الشركات بين مختلف الاستراتيجيات والتصاميم التنظيمية غير المترابطة في محاولات غير منتهية من إعادة التنظيم أو على العكس من ذلك، إبقاء (على سبيل الخطأ) الأمور على حالها والتأخر عن المنافسين في سوق سريع التغيّر.
إنّ أفضل الشركات هي التي تمتلك هذا التوافق الاستراتيجي ولكن فقط عندما يُقاد بالتصميم.