احذر المبالغة في التواضع عندما تكون قائداً

5 دقيقة
التواضع
هابي ناتي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: التواضع هو القدرة على الاعتراف بالخطأ وعدم المعرفة، والإقرار بدور الآخرين في النجاح المحرز وتقدير إسهاماتهم فيه، وهو أسلوب قيادة قائم على وعي القائد بذاته وثقته في نفسه واحترامه الآخرين والسعي لتحقيق النجاح الجماعي لا الفردي. لكن هناك 3 طرق يمكن للتواضع المفرط أن يضعف بها صلاحياتك القيادية: 1) أن يُنظر إليك على أنك قائد متردد غير حاسم؛ 2) أن تعوق تقدمك في مسارك المهني؛ 3) أن تكون حجر عثرة أمام تطور فريقك. يقدم الكاتب نصائح للتغلب على هذه التحديات مع الحفاظ على مزايا أسلوب القيادة بتواضع.

سونيل مسؤول تنفيذي متمرس في إحدى شركات التكنولوجيا الرائدة، وهو معروف بتواضعه؛ فقلما ينسب الفضل لنفسه عند تحقيق إنجاز، بل يفضل أن يشارك فريقه المديح والثناء ويسعى دائماً إلى إجماع الآراء قبل صنع القرار. وفي حين عزز أسلوبه القيادي بيئة إيجابية لفريقه، فقد أدى إلى تصورات بأنه متردد، خاصةً عند الحاجة إلى صناعة قرار حاسم. وتعزز هذا الانطباع ووصل إلى ذروته عندما سبّب تردده في اتخاذ قرار من دون إجماع كامل تأخيراً ضيّع على الشركة فرصة سوق مربحة. كان هذا الموقف نقطة تحول لسونيل أضاءت حقيقة معقدة أمام عينيه: التواضع فضيلة بلا ريب، ولكنها عندما ترتبط بالقيادة تتحول إلى سلاح ذي حدين.

التواضع هو القدرة على الاعتراف بالخطأ وعدم المعرفة، والإقرار بدور الآخرين في النجاح المحرز وتقدير إسهاماتهم فيه، وهو أسلوب قيادة قائم على وعي القائد بذاته وثقته في نفسه واحترامه الآخرين والسعي لتحقيق النجاح الجماعي لا الفردي. أظهرت الأبحاث أن القائد المتواضع يعزز مشاركة الموظفين ويرفع مستوى الثقة والتعاون بين أفراد فريقه، وهو ودود ومنفتح على مختلف الآراء، وبالتالي يشجع ثقافة التحسين المستمر والقدرة على التكيف.

ولكن مقولة “ما زاد على حده انقلب إلى ضده”، تنطبق على التواضع، وكما تبيّن لي من عملي مدرباً تنفيذياً لقادة الشركات المحنكين منهم والجدد على حد سواء، فإن فرط التركيز على إبداء التواضع يقوّض صلاحيات القادة. يكمن التحدي الذي يواجه قادة مثل سونيل في تحقيق الفعالية من خلال الموازنة بدقة بين التواضع والحزم، وأقدم لك هنا 3 طرق يضعِف بها التواضع فعالية القائد.

1. ربما تعطي انطباعاً بعجزك عن اتخاذ قرار حاسم

ينشأ هذا التصور الشائع لأن القائد المتواضع في سعيه لتقدير إسهام كل فرد في الفريق، يفضّل إجماع فريقه على قراره على السرعة في صنعه، ومع أن قصده هو إضفاء صبغة ديمقراطية على عملية صنع القرار، فهذا النهج يُساء تفسيره أحياناً ويعطي انطباعاً بالتردد في حسم الموقف أو يؤدي إلى عدم اقتناع الموظفين برؤيته الاستراتيجية.

يدرك القائد الفعال أن التواضع الحق لا يقتصر فقط على تقليص صلاحياته، بل ينطوي على استخدامها بثقة عند الضرورة. ويكمن التحدي في إثبات أن التماس آراء الآخرين لا يعني ترددك في قرارك، بل هو مصدر قوة يؤدي إلى نتائج أكثر استنارة وشمولاً.

ولإدراكي ذلك، نصحت سونيل أن يطور نهجه القيادي بهدف ألا يتخلى عن تواضعه وفي الوقت نفسه أن ينمّي قدرته على صنع القرارات الاستراتيجية ويتمسك بها حتى عندما يستعصي عليه تحقيق إجماع حولها.

اقترحت عليه البدء بتحديد أطر واضحة لصنع القرار داخل فريقه، بحيث يوضح نطاق المشاركة والمراحل التي سوف يُصنع القرار فيها، وكذلك تعيين المسؤول عن تبعات القرار وتقييم ضرورة الإجماع الكامل عليه. أتاح هذا النهج تنفيذ عملية منظمة وشاملة، ليطمئن أفراد الفريق إلى أن أفكارهم محل تقدير، ولكنهم أصبحوا يتوقعون ويتفهمون أنه لا يمكن صنع جميع القرارات بمشاركة الفريق بأكمله.

كما شجعت سونيل على التعريف برؤيته الاستراتيجية بحزم أكبر، ووضع القرارات ضمن سياق هذه الرؤية لينبه على توافق ما يتخذه من إجراءات مع الأهداف الأوسع نطاقاً للشركة. وبالتالي، استوعب أفراد فريقه أسباب قراراته، وتعززت ثقتهم في قيادته حتى في حال عدم مشاركتهم المباشرة في عملية صنع القرار.

وبمرور الوقت، أقرّ سونيل بتحول كبير في ديناميات فريقه وتطور أسلوب قيادته، وأصبح فريقه يثمّن وضوحه وتوجيهاته في أسلوبه الجديد الذي وازن بين الشمول والحسم. وتبين له أن ثقته بقدرته على صنع قرارات صعبة تعززت بإدراكه أن التواضع الحقيقي ينطوي على تمكين الآخرين من خلال القيادة الواضحة لا بالتخلي عن المسؤوليات. وعندما طوّر نهج قيادته تمكن من تسريع زمن تنفيذ المشاريع وعزز سلطته وصلاحياته ورسّخ احترام دوره القيادي، دون الإخلال بجوهر التواضع في أسلوب قيادته.

2. ربما تعرقل تقدمك المهني

قد تظن أن تخصيص الثناء لأفراد فريقك أو منحهم كل الفضل بادرة تحفزهم وتجعلك تبدو في نظرهم قائداً غير أناني، ولكنه تصرف لا يخلو من ضرر عليك. فعلى سبيل المثال، إحدى عميلاتي هي مديرة عامة لمصنع، وقد أبدت بادرة مشابهة؛ فعندما نفّذ فريقها عملية إنتاج جديدة وأكثر كفاءة أدت بنجاح إلى خفض التكاليف وتقليص وقت التوقف عن العمل بدرجة كبيرة، اغتنمت فرصة عقد اجتماع عام على مستوى الشركة ونسبت النجاح إلى فريقها، مع أن توجيهها الاستراتيجي وقيادتها كانا محوريين في نجاح المشروع.

ليس هذا فحسب، فكلما امتدحها رؤساؤها، كانت ترد غالباً بعبارات مثل: “لا شيء يستدعي كل هذا، أديت عملي فحسب” أو “حالفني الحظ بفريق رائع”، ما أدى فعلياً إلى تغييب دورها الحاسم في تلك الإنجازات. أدى إصرارها على هذا النهج إلى إضعاف حضورها، كما كان سبباً في تقييد رصيدها السياسي الضروري لأي فرصة سانحة للارتقاء على سلم القيادة مستقبلاً وتطوير تأثيرها في المؤسسة الضروري لمساعدة فريقها، سواء بتأمين التمويل أو توفير فرص ترقية للموظفين الموهوبين.

فعندما تعتبرك الشركة مصدر قوة ونجاح تزداد قدرتك على إقناع الآخرين بدعم خطتك في العمل، وبذلك تمهد الطريق لتطبيق أفكارك وتطوير موظفيك، وهو ما يتطلب منك تحقيق التوازن السليم بين التواضع والثقة. تشير الأبحاث إلى استراتيجية فعالة تعتمد على التشجيع المزدوج، حيث تمدح زميلاً أو نظيراً أو فريقاً أو منافساً لكن أيضاً تبرز إنجازاتك في آن معاً؛ عند الثناء عليك وعلى دورك القيادي في نجاح تنفيذ مشروع ما مثلاً، بمقدورك أن تقول: “أشكركم. وأنا فخور بما حققناه. لقد كان جهداً جماعياً، وأود أن أشيد بالنهج المبتكر الذي اتبعه أفراد فريقي، ما أسهم في نجاحنا بدور كبير”. أنت بهذه الطريقة تؤكد دورك في الإنجاز وتبرز إسهام فريقك في الوقت نفسه.

3. قد تحد من تطور فريقك

يرى القائد المتواضع نفسه في خندق واحد مع فريقه، ويؤمن في الغالب بأن وقته ليس أثمن من وقت زملائه، لذلك يقلق من شعورهم بالإرهاق أو الإحباط إذا فوّض بعض المهام إليهم. منبع هذه القناعة هو الخوف من أن يفرض أعباءً على فريقه، ولكنه لا يدرك أن خوفه عليهم يعوق فرص تطورهم ونضجهم مهنياً. هنا، يمنعك هذا التواضع المفرط من تفويض المهام بفعالية، ما يؤدي إلى عبء عمل لا يحتمل وإلى الاحتراق الوظيفي في نهاية المطاف. ولكن معنى التواضع الحقيقي للقائد هو أن تعترف بكفاءات فريقك وأن تعمل على الاستفادة منها بكل فعالية.

تخيل أن يرغب قائد في تخفيف العبء عن فريقه فيتولى بنفسه المهام الإدارية، مثل تدوين ملاحظات الاجتماعات أو التخطيط لاجتماعات الفريق؛ في حين أنه يقصد ألا يثقل على أفراد الفريق، فهو يحرمهم عن غير قصد من فرص تعزيز مهاراتهم في التنظيم والتنسيق، وبذلك تؤدي تصرفات القائد الحسنة النية إلى تحمله عبء عمل ثقيل، وتحد في الوقت نفسه من تعرض الفريق لهذه التجارب المهنية التأسيسية.

أجرى زينغر فولكمان بحثاً أكد من خلاله أن القائد الأعلى فعالية يفوض فريقه بالمهام لا من باب تخفيف العبء عنه، ولكن ليتفرغ أكثر للمبادرات الاستراتيجية، لأنه يدرك أن تفويض المهام لا يقتصر فقط على التخلص من عبئها بل يتعلق بتعزيز كفاءة الفريق وقدرته على التحمل.

ومن هذا المنظور، يصبح التفويض الفعال تصرفاً ينم عن التواضع؛ فهو يتطلب من القائد تمكين فريقه والثقة بأفراده ليكونوا أهلاً للتحدي وتهيئة بيئة تساعد الجميع على التفوق. يشجع هذا الفهم الدقيق للتواضع القائد على تحقيق التوازن بين مسؤولياته ومنح فريقه الحرية ليطلق العنان لإمكاناته كاملة.

إن التواضع في القيادة خصلة محمودة في أغلب المواقف، ولكن الإفراط في التواضع يعود بالضرر على مسارك المهني وعلى فرص تطور فريقك. وعندما تكون على دراية بالمواقف التي يجب ألا تفرط في التواضع فيها، فإنك تحمي نفسك من التجاوزات وتستفيد من رغبتك الحقيقية في تسليط الضوء على مجهودات الآخرين دون أن تلحق الضرر بنفسك في أثناء ذلك؛ يكمن السر في أن تتبنى نهجاً متزناً تجمع فيه بين التواضع والحرص على إثبات الذات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .