ملخص: من المهم عند إجراء مقابلات العمل أن تبرز أصالتك، فالتصرف على طبيعتك أمام المُحاور يساعدك على بناء علاقة إيجابية معه ويميّزك عن المنافسين. والأصالة تعني أن تكون صادقاً، لا أن تتظاهر بالكمال؛ لأن شخصيتك وأسلوبك الفريد في التواصل من أهم أصولك. وتنصح المؤلفة بأن تبقى على سجيتك، لا أن تحاول التحلي بالكمال، أو تحفظ كل التفاصيل التي ستتحدث عنها، أو تقدم صورة مغايرة عن شخصيتك. إذا حصلت على الوظيفة بالفعل، فستثق حينها بأنك في المكان الصحيح، وإذا لم تحصل عليها، فستشعر بالرضا لأنك لم تقدم صورة زائفة عن نفسك أو تتنازل عن قيمك خلال المقابلة من أجل وظيفة لم تكن ملائمة لك.
تشتهر مقابلات العمل بأنها تجارب صعبة وغير مريحة، إذ يمتلك المرشحون بضع دقائق فقط لإبهار وكلاء التوظيف، ومدراء التوظيف، ولجان المقابلات؛ وقد يدفعهم هذا الضغط إلى تبنّي سلوك رسمي مبالغ فيه وبعيد عن طبيعتهم، أو إخفاء شخصياتهم الحقيقية، ما يصعّب على المحاورين بناء علاقات حقيقية وصادقة معهم أو تخيّلهم أعضاء محتملين في الفريق.
ما هو السر لبناء علاقة إيجابية مع المُحاور والتميز عن المرشحين الآخرين للوظيفة إذاً؟ لا ينطوي الهدف في المقابلات على التحدث بصورة مثالية، بل على إظهار شخصيتك الحقيقية والصادقة. وإليك 4 نصائح لمساعدتك على البقاء صادقاً مع نفسك، حتى في مقابلات العمل غير المريحة بطبيعتها:
افهم أسلوبك في التواصل وعبّر عنه بصدق
ابدأ بالوعي الذاتي؛ أي حدد الجوانب الرئيسية من شخصيتك لتفهم أسلوبك في التواصل، مثل ميلك إلى الانفتاح أو الانطواء، واستخدامك التفكير التحليلي أو قدراتك الإبداعية، لتقدم بعد ذلك إجابات تتوافق مع شخصيتك.
فكّر مثلاً في السؤال الآتي: "كيف تتعامل مع الأولويات المتضاربة؟" إذا كنت شخصاً منفتحاً، فيمكنك شرح كيفية تفاعلك بنجاح مع أصحاب المصالح الذين يمتلكون وجهات نظر وأهدافاً متضاربة. أما إذا كنت شخصاً انطوائياً، فيمكنك تسليط الضوء على كيفية استفادتك من مهارتك في الاستماع العميق وحدسك في التعامل. وإذا كنت تستخدم أسلوب التفكير التحليلي، فيمكنك مناقشة كيفية استخدامك البيانات لتقديم قصة مقنعة، في حين إذا كنت شخصاً مبدعاً، فيمكنك تسليط الضوء على كيفية اقتراحك نهجاً مبتكراً لم يفكر فيه أصحاب المصالح من قبل.
تحملُ نظرة الآخرين عنك قدراً مماثلاً من الأهمية؛ فإذا كنت تخشى أن يفهم الآخرون بعض الجوانب من شخصيتك على نحو خاطئ أو أن يُسيئوا تقديرها في المقابلة، ففكر في كيفية معالجة هذه التصورات دون التنازل عن أصالتك، لأن ذلك سيزيد من مستوى توترك. على سبيل المثال، إذا كان معروف عنك أنك شخص كثير الكلام، ففكر في كيفية تقديم إجابات حوارية تفاعلية من خلال الحفاظ على التركيز والالتزام بالإيجاز، دون الانحراف عن الموضوع أو تقديم تفاصيل غير ضرورية. وعلى العكس، إذا كنت شخصاً يتسم بالهدوء والاتزان، ففكر في كيفية إبراز سمة الهدوء بصفتها أحد أصولك عند إدارة المواقف العالية الضغوط، وأكّد قدرتك على التعامل مع الأمور العاجلة بفعالية.
عندما تفهم تماماً أسلوبك الأصيل والفروق الدقيقة في شخصيتك، فيمكنك حينها إجراء تعديلات استراتيجية تتيح لك إبراز شخصيتك الحقيقية من خلال إجاباتك، ما يساعدك على بناء علاقة مُقنعة وصادقة مع المحاورين. يتيح لك هذا النهج تقديم نفسك بصفتك مرشحاً مثالياً للوظيفة، ويخفف في الوقت نفسه مشاعر التوتر والقلق الناتجين من محاولة التظاهر بشخصية لا تعكس حقيقتك.
كن واعياً بلغة جسدك
تعكس لغة جسدك شخصيتك، فإذا كنت تريد الحفاظ على أصالتك، فتصرّف على طبيعتك بدلاً من أن تُجبر نفسك على التصرف بصورة مثالية. على سبيل المثال، إذا كان من طبعك استخدام يديك في أثناء الحديث، فلا تحاول إخفاء ذلك خلال مقابلتك. وإذا كنت تشعر بالراحة عند الجلوس بوضعية ظهر مستقيمة، فلا تتردد عن فعل ذلك، لكن إذا كنت تميل إلى الجلوس بوضعية ظهر منحنٍ، فلا تضغط على نفسك للجلوس بوضيعة رسمية، بل ركز على الجلوس بوضعية مريحة تعكس ثقتك بنفسك، كأن تُبقي كتفيك في حالة استرخاء وتضع ذراعيك على الطاولة.
إن التواصل البصري مهم جداً في المقابلات أيضاً، سواء كانت مباشرة أو افتراضية، على الرغم من أنه قد يجعلك تشعر بعدم الراحة؛ وإذا بدا لك ذلك مرهقاً بالفعل، فحاول التركيز على حاجبي المُحاور، أو أشح بنظرك بعيداً لبضع لحظات في أثناء التفكير في إجابتك. يساعد التدرب على التواصل البصري مع شريك أو صديق أو حتى أمام المرآة على جعل هذه العادة تبدو طبيعية. إذا كنت مصاباً بأحد اضطرابات التنوع العصبي ويصعب عليك النظر إلى المحاور مباشرة، فعليك أن توضّح ذلك له في بداية المقابلة وأن تؤكد له أنك ما زلت منخرطاً في الحديث تماماً.
من المهم أيضاً أن تتدرب على السيطرة على تعابير وجهك ولغة جسدك. على سبيل المثال، تخيل أن المُحاور يطرح عليك سيناريو افتراضياً صعباً، إذا اتسعت حدقتا عينيك خلال حديثه، فقد يُفسر ذلك بأنه شعور بالإرهاق بدلاً من الاهتمام والفضول، وقد توحي إشاحة نظرك بعيداً بعدم الاهتمام أو الانزعاج من الموقف، في حين قد يوحي عدم إبداء أي تعابير على وجهك بعدم فهم الموقف أو عدم التعاطف مع ما حدث.
لذا، طور استراتيجية ثابتة لمساعدتك على التعامل مع تلك اللحظات الصعبة، يمكنك مثلاً أن تظهر تعابير تعكس هدوءك وإمعانك في التفكير وتعرب عن تعاطفك تجاه الوضع قبل الرد. كما يساعدك التدرب على الرد في تلك المواقف أمام المرآة أو مع شخص تثق به على التواصل بطريقة مهنية وأصيلة، حتى عندما تضطر إلى مواجهة حقائق ومعلومات صعبة.
خطط لبناء علاقة إيجابية وتواصل فعّال
من المهم أن تبني علاقة هادفة مع المحاور دون أن تبدو شخصاً متطفلاً. وتتطلب إقامة تفاعلات صادقة ومهنية بعض التخطيط المسبّق.
ابدأ بإجراء بحث حول المُحاور لتحديد أوجه التشابه بينكما، مثل الخلفيات التعليمية، أو أماكن الإقامة، أو الاهتمامات المتشابهة، ثم ادمج هذه القواسم المشتركة بصورة طبيعية في المحادثة حيثما كان ذلك مناسباً. على سبيل المثال: "لاحظت أننا تخرجنا في الجامعة نفسها؛ هل انضممت إلى دورة تعليمية أسهمت في تعزيز مسارك المهني؟".
إضافة إلى ذلك، مارس الاستماع الفعال وكرر ما تسمعه قبل الإجابة عن أي سؤال أو مناقشة الافتراضات. على سبيل المثال، إذا ذكر المحاور التحديات التي تواجه المؤسسة، فيمكنك أن تقول: "ما فهمته هو أن الفريق يواجه بعض الفجوات في التنسيق، وأنك مهتم بمعرفة إن كنت واجهتُ مواقف مماثلة من قبل". توضح هذه العبارة مدى تفاعلك وتشجع على فتح نقاش أعمق.
علاوة على ذلك، فكر في طرح أسئلة مدروسة للحصول على رؤى ثاقبة إضافية، على سبيل المثال: "ما هي الاستراتيجيات التي جربتها بالفعل مع الفريق، وماذا كانت نتائجها؟" ابحث عن أرضية مشتركة من خلال طرح أسئلة مفتوحة أو مشاركة تجارب مماثلة تتماشى مع النقاط التي يطرحها المحاور أو مع قيم الشركة. يمكنك أن تقول مثلاً: "لاحظت أن الشركة تركز على مسؤولية الشركات الاجتماعية، كيف يشارك الموظفون عادةً في هذه المبادرات؟".
اختر مكاناً مريحاً لإجراء المقابلات عن بُعد
أخيراً، إذا كانت المقابلة عن بُعد، فمن المهم أن تأخذ في الاعتبار أثر الموقع في الحفاظ على أصالتك وقدرتك على التواصل بفعالية. اختر مكاناً مألوفاً تشعر فيه بالراحة. إذا كان مكان عملك المعتاد هو مكتب في غرفة النوم، فلا مشكلة في ذلك بتاتاً، لكن احرص على تظليل الخلفية للحفاظ على مهنيتك. وإذا وجدت صعوبة في الحفاظ على تركيزك خلال المقابلة، فاستعن بأدوات مساعدة خارج نطاق رؤية الكاميرا تُعينك على التركيز، مثل الألعاب الصغيرة المريحة للأعصاب، أو الصلصال، أو حتى قلم.
يكمن السر في تقليل أي عوامل تشتت انتباهك، لذا، حاول جاهداً منع أي انقطاع في الحديث بسبب حيوان أليف أو طفل أو أي مصدر إزعاج آخر مثلاً. ولكن كن مستعداً أيضاً لمواجهة أي مواقف غير متوقعة، وتعامل معها خلال مقابلة العمل مثلما تتعامل معها في حياتك اليومية تماماً. على سبيل المثال، إذا بدأت القطة المواء أو دخل طفلك الغرفة في أثناء المقابلة، فما هو رد فعلك الطبيعي؟ ضع خطة جاهزة للتعامل مع أي مقاطعة غير متوقعة، مثل اضطرارك إلى تقديم الطعام للقطة، أو حمل طفلك، أو ببساطة الاعتذار لدقائق معدودة. وتذكّر، ليس من الضروري أن تكون المقابلات مثالية؛ فالحياة تعج بالمواقف الفوضوية وغير المتوقعة، ومن المهم بالتالي أن تضع خطة للتعامل مع هذه اللحظات الحتمية. إضافة إلى ذلك، كن مستعداً للتعامل مع مُحاور مشتت الانتباه. فإذا كان يواجه مقاطعات في أثناء المقابلة، فتفاعل معه بصدق كما لو كنت تتحدث مع صديق، واتبِع أي توجيهات يقدمها لك، فقدرتك على التكيف تعكس ذاتك الحقيقية، ما يجعل المقابلة تبدو حواراً طبيعياً بدلاً من عرض مصطنع.
باختصار، الأصالة تعني أن تكون صادقاً في التعبير عن نفسك لا أن تبدو شخصاً مثالياً. وفي الواقع، إن شخصيتك وأسلوبك الفريد في التواصل من أهم أصولك، لذا، حاول البقاء على سجيتك بدلاً من محاولة التحلي بالكمال، أو حفظ كل التفاصيل التي ستتحدث عنها، أو تقديم صورة مغايرة عن شخصيتك. إذا حصلت على الوظيفة بالفعل، فستثق حينها بأنك في المكان الصحيح، وإذا لم تحصل عليها، فستشعر بالرضا لأنك لم تقدم صورة زائفة عن نفسك أو تتنازل عن قيمك خلال المقابلة من أجل وظيفة لم تكن ملائمة لك.