العودة إلى أساسيات التواصل البشري

5 دقائق
التواصل البشري

ملخص: في حين أن بعضنا قد يكون حريصاً على مشاركة تجاربه مع زملاء العمل القدامى والجدد عند العودة إلى المقرات المكتبية، فإن البعض الآخر قد لا يكون مستعداً للحديث عن تجاربه النفسية الأليمة التي مر بها خلال العام ونصف العام الماضيين. وقد نشعر كأننا صرنا أشخاصاً مختلفين عما كنا عليه في فبراير/شباط 2020. على أقل تقدير، ربما صرنا أكثر بعداً كل منا عن الآخر وكذلك أقل اعتياداً على إيقاعات بعضنا لبعض. ولإعادة ضبط علاقاتنا الشخصية في العمل، وربما جعلها أفضل مما كانت عليه قبل تفشي الجائحة، لا بد من العودة إلى أساسيات التواصل البشري. ويستعرض كاتبا المقالة واحدة من أهم المهارات الاجتماعية الأساسية، ألا وهي الانسجام؛ أي امتلاك القدرة على الوعي بحالتك الذهنية والجسدية في أثناء التناغم والتواصل مع شخص آخر. ويقدمان في هذا السياق 4 خطوات لمساعدتك على إدارة المشاعر العديدة التي قد تعتريك عند عودتك إلى العمل حضورياً، ما يجعل تواصلك أكثر فعالية.

 

قد تكون العودة إلى العمل حضورياً مسألة صعبة يصاحبها مزيج معقد من المشاعر. وسواء كنت متحمساً للعودة إلى المقرات المكتبية أو تتوجس منها قلقاً، فمن البديهي توقع أن يفرض عليك الحضور في محيط مأهول بأشخاص آخرين بذل الكثير من الطاقة التي ربما لم تضطر إلى بذلها منذ فترة من الزمن. ولكن لماذا يستلزم التفاعل الشخصي بذل كل هذه الطاقة، وكيف يمكنك حشد الطاقة لإعادة التواصل البشري مع زملائك؟

ففي حين أن بعضنا قد يكون حريصاً على مشاركة تجاربه مع زملاء العمل القدامى والجدد، فإن البعض الآخر قد لا يكون مستعداً للحديث عن تجاربه النفسية الأليمة التي مر بها خلال العام ونصف العام الماضيين. وقد نشعر كأننا صرنا أشخاصاً مختلفين عما كنا عليه في فبراير/شباط 2020. على أقل تقدير، ربما صرنا أكثر بعداً كل منا عن الآخر وكذلك أقل اعتياداً على إيقاعات بعضنا لبعضتنمية المها. وقد يكون هذا أكثر صعوبة على أولئك الذين يعانون الرهاب الاجتماعي في الأساس. أضف إلى ذلك الطاقة الإضافية اللازمة للتعرف على أشخاص جدد تم تعيينهم في أثناء الجائحة ولم تتعرّف عليهم إلا افتراضياً، أو قد تكون أنت نفسك موظفاً جديداً، وتشعر بالقلق حيال كيفية الاندماج في فريقك على أرض الواقع.

وعلى غرار البدايات الأولى للجائحة، فإن الانتقال مرة أخرى إلى العمل حضورياً سيتطلب فترة أخرى من الزمن ريثما تعتاد الوضع المستجد. وقد يكون بعضنا غير مستعد لمثل هذه الزيادة المفاجئة في مستوى التحفيز الاجتماعي الذي يتطلبه العمل حضورياً. نتيجة لذلك، لا تُفاجأ إذا وجدت صعوبة ملموسة في التركيز على المحادثات أو المهمات التي كنت تجدها سهلة للغاية في السابق.

ولإعادة ضبط علاقاتنا الشخصية في العمل، وربما جعلها أفضل مما كانت عليه قبل تفشي الجائحة، لا بد من العودة إلى أساسيات التواصل البشري. ونستعرض في كتابنا الصادر عام 2021 بعنوان "نفتقد بعضنا بعضاً" (Missing Each Other) واحدة من أهم المهارات الاجتماعية الأساسية، ألا وهي الانسجام؛ أي امتلاك القدرة على الوعي بحالتك الذهنية والجسدية في أثناء التناغم والتواصل مع شخص آخر. ويُقصَد بها القدرة على "التناغم" و"التزامن" مع كل من مشاعرك ومشاعر الآخرين على مدار التقلبات والانعطافات غير المتوقعة التي تعتري التفاعلات البشرية في بعض الأحيان.

وهي مهارة مفيدة إلى أبعد الحدود، سواء في مكان العمل أو على مستوى علاقاتنا الشخصية. وإليك كيفية وصفها في الكتاب: "يجب ألا ننظر إلى الانسجام باعتباره مجرد عنصر يسهم في تعزيز العلاقات العاطفية الحساسة مع الآخرين، بل كقوة فريدة، قوة تمكِّننا من وضع تصور واضح للتواصل مع الآخرين وتوصيل رسائلنا لهم بطريقة مفهومة، إلى جانب تمكيننا من إدارة الصراعات".

ونشير في هذا السياق إلى أننا نحرص في أبحاثنا وخبراتنا العلاجية على دعم المراهقين والبالغين المصابين بطيف التوحد من خلال تكوين علاقات اجتماعية والحفاظ عليها. ولاحظنا خلال هذا العمل أن التركيز على هذه المهارة الاجتماعية الأساسية، أي الانسجام، مفيد جداً في تحسين جودة التفاعلات. ووجدنا أنها لا تفيد الأشخاص المصابين بطيف التوحد فحسب، وإنما تفيد أيضاً أي شخص تقريباً، حتى إنها تفيدنا نحن شخصياً. ونرى أنه بالإمكان تقسيم الانسجام إلى 4 مكونات، يمكن تطوير كل منها من خلال الممارسة المنتظمة.

ويمكن أن تساعدك الخطوات الأربع التالية على إدارة المشاعر العديدة التي قد تعتريك عند عودتك إلى العمل حضورياً، بدايةً من الشعور بالإثارة إلى الإحساس بالقلق، وتجعل تواصلك أكثر فاعلية من خلال زيادة فرصك في سماع ما يحاول الآخرون توصيلك لك وفهمه، والعكس صحيح. يمكنها أيضاً تعزيز قدرتك على الحفاظ على تزامنك مع الآخرين، خاصة في المحادثات المحرجة أو الصعبة.

خصّص بعض الوقت لإعداد جهازك العصبي

تمهل لحظة واحدة قبل أن يبدأ اجتماعك التالي مباشرة، واخفض ذقنك إلى الأسفل، وتخيل أن رأسك معلق برفق من الأعلى، ما يمنحك إحساساً بإطالة رقبتك بلطف. أرخ كتفيك. وتخيل أن بطنك يتمدد مع كل شهيق ويعاود الاسترخاء مع الزفير. تناغم مع بيئتك. تسهم هذه الخطوات في تهدئة جهازك العصبي وتجعلك تشعر بمزيد من الترابط والتركيز في اللحظة الحالية. وسيساعدك ذلك على أن تعير الطرف الآخر كل انتباهك، وهي هدية ثمينة في عالمنا الذي يحفل بمشتتات رقمية لا نهاية لها.

وغالباً ما نتخذ هذه الخطوات بأنفسنا قبل الدخول في اجتماع محفوف بالكثير من المخاطر، وننمّي حالة من "الوعي المصحوب بالاسترخاء"، ما يجعلنا نشعر بأننا أكثر قدرة على التعامل مع الطرف الآخر ويجعلنا أقل انغماساً في مخاوفنا وتوترنا. وحبذا لو حاولت ممارسة هذه الخطوات بنفسك يومياً. وإذا فعلت ذلك بالشكل الصحيح، حتى في سياق أنشطتك المعتادة، فسوف تطور قدرتك على التواصل البشري مع الآخرين في خضم متطلبات العمل.

استمع إلى الطرف الآخر، وإلى نفسك

انتبه إلى الإشارات التي يرسلها الطرف الآخر. حاول التفكير لمدة دقيقة أو دقيقتين على الأقل فيما يقوله ويعبّر عنه، وأمعن النظر فيه كما لو كان أهم شيء بالنسبة لك. وفي أثناء استماعك إليه، تحقق من نفسك من حين لآخر، لكي تتعرف على حقيقة مشاعرك، بدايةً من العواطف إلى الأحاسيس الجسدية. وإذا شعرت بالتوتر النفسي، فارجع إلى الخطوة السابقة: أرخِ كتفيك، واسترخِ، وخذ نفساً وأنت يقظ ذهنياً. ثم أعر الطرف الآخر انتباهك من جديد.

قد يكون الإصغاء إلى الآخرين أمراً في غاية الصعوبة، خاصة عندما تكون متوتراً أو منغمساً في أفكارك أو ملهياً في مشتتات الانتباه. وعندما تمارس هذه الخطوات بانتظام، ستتمكن من الحصول على الوضوح وسماع ما يقوله لك مديرك أو زملاؤك في العمل بحذافيره، دون أن تسيء فهمهم بسبب القلق حيال ما قد يقولونه أو الانشغال بالنتائج التي ستتمخض عنها المحادثة.

تدرَّب على التعاطف

حاول التفكير في تجربة الطرف الآخر أو وجهة نظره. إذ تختلف التجارب الحياتية لكلٍّ منا بطريقة أو أخرى، لذا كن متسامحاً مع احتمالية وجود وجهات نظر تختلف عن وجهة نظرك الشخصية. واحرص على مراعاة الحواجز التي قد تعترض طريقك في محاولة فهم الطرف الآخر، مثل افتراضاتك المسبقة حياله أو ما تحتاج إليه منه أو رد فعلك تجاهه.

من ناحية أخرى، قد يواجه زملاؤك بصمت تحديات جسيمة بسبب تداعيات الجائحة، وقد تتشابه هذه التحديات مع معاناتك الشخصية. فاحرص على مراعاة هذه التفسيرات البديلة أو غير الملموسة عندما تواجه مشكلة في فهم أحدهم. وتسهم تنمية مستوى معين من التعاطف مع الذات ومع الآخرين في التغلب على الصراعات أو الخلافات بطريقة أكثر كياسة.

واصل التعبير عن الاهتمام

في حين أن ثقافتنا تشجعنا على الاتصاف بالحزم والعمل على تحقيق أهدافنا الخاصة، فغالباً ما يكون التواصل البشري أكثر فاعلية عندما نلمس الوتر الحساس لدى الآخرين على المستويين العقلي والعاطفي. ومن هذا المنطلق، يمكنك السماح للطرف الآخر بالبدء بأهدافه الخاصة أو ما يدور في ذهنه. وحينما تفعل ذلك بانفتاح واهتمام، فسوف تعزز علاقتك به على نحو أفضل وتزيد فرص استماعه إليك بدوره. حاول الحفاظ على تدفق التفاعل معه لبضع دقائق على الأقل، دون أن تتأثر كثيراً بمخاوفك أو أهدافك الخاصة أو المشتتات الرقمية.

وإذا بدا لك أن هذه الطلبات تفوق طاقتك عندما تبدأ رؤية زملائك في العمل مرة أخرى، فابدأ بممارسة هذه الخطوات عند التحدث مع أفراد أسرتك أو أصدقائك المقربين. يمكنك تطوير "ذاكرة عضلية" تستوعب هذه المهارات من خلال الممارسة اليومية، ما يزيد من احتمالية تطبيقها في خضم متطلبات العمل.

وبالطبع حبذا لو كانت الأطراف المشاركة في المحادثة أو الاجتماع تملك هذه المهارات أيضاً. ولكن حتى إذا كانت تفتقر إليها، فقد يلمس زملاؤك في العمل طريقتك الجديدة في التواصل ويقدرونها. وسيكون لشعور هذه الأطراف بأنك تصغي إليها وتتفهم أفكارها وعواطفها تأثير إيجابي، وقد يلهمها هذا ويشجّعها على أن تكون أكثر انفتاحاً واستجابة لك.

ولا تشغل بالك بإتقان هذه المهارات بصورة مثالية. فلن تجد أحداً يتقنها تمام الإتقان، ونمر جميعاً بلحظات قد نسيء فيها فهم الآخرين ونعجز عن الانسجام معهم. ولكن مع امتلاك المهارات التي تناولناها بالوصف ها هنا، ستعرف أنه يمكنك البدء من جديد وإعادة التواصل بعد كل هفوة. واعلم أن أي تحسن طفيف في هذه المهارات قد يكون له تأثير إيجابي كبير على علاقاتك في العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي