ملخص: أدركت الهيئة العامة للغذاء والدواء أهمية دعم القطاع الخاص والمستثمرين إلى جانب دورها الرقابي، إذ تعتبر هذا القطاع شريكاً في مهمتها للحفاظ على سلامة المنتجات وجودتها، إضافة إلى أن تشجيع المزيد من الشركات على بدء أعمالها ونموها سيحفز المنافسة في الأسواق ما سيرفع الجودة. وقد تمكنت الهيئة من تحقيق دورها الرقابي بنسبة 98%، ونجحت في الوصول إلى نسبة 96% من رضا العملاء، وذلك وفقاً لمؤشرات الأداء الخاصة بالهيئة، فكيف نجحت الهيئة في تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟ يُجيب المقال عن هذا السؤال عبر إبراز 4 خطوات اعتمدتها الهيئة العامة للغذاء والدواء: 1. تعزيز التواصل، 2. وضع التشريعات، 3. تقديم الدعم المباشر، 4. محفزات الإنتاج والتصنيع.
ينظر الكثير من القادة في قطاع الأعمال إلى الجهات الرقابية الحكومية على أنها عائق أمام بدء أعمالهم ونموها، وخاصة في قطاعات مثل الغذاء والدواء حيث يتعاظم دور هذه الجهات لارتباطها المباشر بصحة المستهلكين. وعلى الرغم من أهمية التشريعات والإجراءات الرقابية للمستهلكين وقطاع الأعمال أيضاً فيما يتعلق بضمان جودة المنتجات ومكافحة الاحتكار وضمان الامتثال للقوانين، فإن بعض الممارسات التي تنتهجها الجهات الرقابية تدفع المستثمرين أحياناً إلى توجيه أعمالهم خارج الدولة، أو البحث عن ثغرات لمحاولة الالتفاف على اللوائح، لتقع الخسارة على الجميع في النهاية.
وقد يعتقد بعض المستثمرين أن الجهات الرقابية الحكومية في مثل هذه الحالة أمام خيارين، إما أن تنجح في دورها الرقابي، وإما أن تركز أكثر على بناء علاقة جيدة مع العملاء، لكن هناك خيار آخر أكثر جدوى وفاعلية وهو الموازنة بين الدورين، وعلى الرغم من صعوبة تحقيقه، نجحت بعض الجهات مثل الهيئة العامة للغذاء والدواء في تحقيق هذه المعادلة.
أدركت الهيئة العامة للغذاء والدواء أهمية دعم القطاع الخاص والمستثمرين إلى جانب دورها الرقابي، إذ تعتبر هذا القطاع شريكاً في مهمتها للحفاظ على سلامة المنتجات وجودتها، إضافة إلى أن تشجيع المزيد من الشركات على بدء أعمالها ونموها سيحفز المنافسة في الأسواق ما سيرفع الجودة. وقد تمكنت الهيئة من تحقيق دورها الرقابي بنسبة 98%، ونجحت في الوصول إلى نسبة 96% من رضا العملاء، وذلك وفقاً لمؤشرات الأداء الخاصة بالهيئة، فكيف نجحت الهيئة في تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟
1. تعزيز التواصل
يعد التواصل مفتاحاً رئيسياً لزيادة رضا العملاء وبناء الثقة والولاء بين أي جهة وعملائها، لذلك، يعد تعزيز التواصل الفعال أداة رئيسية لكسر الحاجز النفسي لدى القطاع الخاص مع الجهات الرقابية، وقد كانت هذه النقطة أولوية لدى قيادات هيئة الغذاء والدواء الذين اتخذوا أكثر من خطوة لتعزيز التواصل:
- قاعة لاستقبال العملاء: بدأ القادة بتصميم صالة مخصصة لاستقبال العملاء من القطاع الخاص أو المستثمرين، ووفقاً لطبيعة الاستفسارات والطلبات المقدمة، يتم توجيه الموظف المناسب لتقديم الاستشارة إلى العميل، إلى جانب تشجيع الموظفين على قضاء وقت طويل مع العملاء لتقديم الشرح الوافي والرد الكامل والمُرضي على استفساراتهم كلها.
لم تكتفِ الهيئة ببناء قنوات التواصل، بل ركزت أيضاً على التأكد من جودتها، فأتاحت نظاماً متكاملاً لتوثيق الاتصالات والشكاوى ومتابعتها من فريق محايد يعيد التواصل مع جميع من تواصلوا مع الهيئة لسؤالهم عن جودة الخدمة المقدمة لهم، ويعمل على تقديم مراجعة شهرية للأداء تحت إشراف رئيس الهيئة.
عززت الهيئة التواصل أيضاً عبر عقد ورش العمل والمؤتمرات واللقاءات الفردية والجماعية مع الجهات المختلفة سواء حكومية أو خاصة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتقديم شروحات كافية لها من ناحية، ومعرفة آرائها بشأن تشريع أو قرار ما تسعى الهيئة لاتخاذه من ناحية أخرى.
- التوعية: يُعد موقع الهيئة بمثابة دليل متكامل لكل رائد أعمال أو مستثمر يريد بدء أعماله في قطاعات الغذاء والدواء، فعلى سبيل المثال، أطلقت الهيئة دليلاً بعنوان رحلة العميل للمستثمرين لمساعدتهم على معرفة الإجراءات والمتطلبات في تخصصات الهيئة كافة، فمثلاً في قطاع الدواء تتيح منصة رحلة العميل للمستثمر الاطلاع على كيفية تسجيل الأدوية واستخراج التراخيص والاستيراد والتصدير، والمزيد من الخدمات.
وتتيح الهيئة أدلة استرشادية لكل ما يتعلق بالقطاع مثل الدليل الإرشادي لطلبات دعم البحث والابتكار في مجال الغذاء أو الأعلاف، ودليل الاشتراطات التغذوية للمنشآت الغذائية التي تقدم الطعام للمستهلك خارج المنزل، ودليل تسجيل المنتجات الغذائية، إضافة إلى تقديم قوائم معلوماتية مثل قوائم المواصفات السعودية وقوائم المواصفات الدولية، وتحرص على تنظيم حملات لتوعية المستهلكين بحقوقهم وكيفية استخدام المنتجات وحفظها، والرد على استفساراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
- استشارات مجانية: تستكمل الهيئة عملية التواصل الفعالة عبر تقديم استشارات مجانية للشركات والمصانع قبل التأسيس، وكذلك إمدادها بدورات تدريبية وورش عمل فعالة تساعدها على بدء أعمالها.
2. وضع التشريعات
تعتبر هذه المهمة التي تضطلع بها الهيئات الرقابية الحكومية مصدر التوتر بينها وبين القطاع الخاص، الذي يعتقد أن بعض التشريعات قد تؤثر في بدء الأعمال ونموها، وهنا تسلك الهيئة طريقاً يضمن لها وضع التشريعات واللوائح التي من شأنها تعزيز الأسواق والصناعات، فقد استخدمت الهيئة منصة استطلاع آراء الجهات الحكومية والخاصة وكذلك الأفراد حيال أي مشروع تنظيمي أو تشريعي أو لائحة، وقد تعمل على تغيير كثير من الأنظمة وفقاً لذلك دون التأثير على سلامة المنتجات.
على سبيل المثال، كانت الهيئة حينما تتخذ إجراءً أو تصدر تشريعاً جديداً، تطلب من القطاع الخاص تنفيذه خلال شهر واحد، لكن الأمر كان يسبب إرباكاً لقادة الأعمال، فقررت الهيئة ترك تنفيذ القرار اختيارياً مدة تتراوح بين 12 شهراً إلى 18 شهراً قبل إقراره إقراراً نهائياً.
3. تقديم الدعم المباشر
أطلقت الهيئة مبادرة واسعة النطاق باسم "داعم" لرفع جودة الصناعات الوطنية عبر فريق فني متخصص يقدم الدعم والتطوير، وهي أبرز مثال على توجه الهيئة لمساعدة المنشآت المحلية وليس فقط الرقابة عليها، إذ يزور مفتشون تابعون للهيئة مصانع محلية لم تتمكن من الحصول على الترخيص من الهيئة بعد، فيساعدونها على تحقيق معدلات الالتزام باللوائح والاشتراطات الفنية المعتمدة لدى الهيئة والممارسات التصنيعية المثالية لضمان سلامة المنتجات.
وعلى سبيل المثال، زارت الهيئة مصنع جوفال، أحد مصانع الزيتون في منطقة الجوف. واعتقد صاحب المصنع في البداية أن الهدف من وراء هذه الزيارة هو منح المخالفات فقط، لكنه رأى حرصاً حقيقياً من المفتشين على دعمه وتوجيهه لدرجة أنه أطلق عليهم "شركاء نجاح"، فقد كان المصنع يمتلك خطاً وحيداً للإنتاج يعتمد على 231 ألف شجرة زيتون، ومع تطبيق تعليمات الهيئة، تحوّل إلى مصنع ضخم يعتمد على مليون ونصف شجرة زيتون ويصدّر أيضاً إلى خارج المملكة، وقد نال أعلى تصنيف من الهيئة وهو تصنيف (A+). والأمر نفسه في منطقة الأحساء التي كانت تضم 33 مصنعاً للتمور ، ثلاثة منها فقط استطاعت الحصول على الترخيص من الهيئة، فعملت مبادرة داعم على تقديم التوجيه والمشورة للمصانع غير المرخصة، وحصلت على الترخيص خلال 6 أشهر.
واستهدفت المبادرة نحو 34% من المصانع الوطنية الخاضعة لرقابة الهيئة، وأسهمت في زيادة حصول المصانع على تقييم (A+) بنسبة 18%، وتصنيف (A) بنسبة 83%، وتصنيف (B) بنسبة 44%، الأمر الذي انعكس على ارتفاع عدد المصانع المرخَّصة، وتحسين جودة المنتجات المحلية وسلامتها.
4. محفزات الإنتاج والتصنيع
قدمت الهيئة عدداً من المحفزات التي نجحت في جذب مستثمرين عالميين إلى القطاع وحتى مستثمرين محليين من خارج القطاع لبدء أعمالهم في قطاعات الغذاء والدواء، فمثلاً تقدم الهيئة للمنشآت المتوسطة والصغيرة التي تسعى لإنتاج أو استيراد منتجات دوائية لا تتوافر في المملكة خصماً يصل إلى 95% من رسوم تسجيل الدواء، إلى جانب منحها الأولوية للتسجيل، وكذلك تقدم لمصانع الأدوية التي تنقل الخطوات التصنيعية إلى المملكة محفزات مثل منح السعر المميز للدواء. ونتيجة لهذا الدعم، زادت مصانع الأدوية بنسبة 50% في السنوات الأخيرة، فعلى مدار 30عاماً مضت بلغ عدد مصانع الأجهزة الطبية 100 مصنع، في حين أنشئ 50 مصنع إضافياً في العامين الأخيرين.
قصة نجاح: تطوير صناعة الورد الطائفي في المملكة
تُعرف محافظة الطائف بزراعة الورود التي تنافس الورود الهولندية،إذ تضم أكثر من 2,000 مزرعة للورد الطائفي الذي يدخل في صناعة 80 منتجاً، لكن منشآت زراعته وتصنيعه لم تكن مرخصة من الهيئة العامة للغذاء والدواء أو تحمل شهادة مواصفات الهيئة التي هي بمثابة تذكرة العبور للأسواق الدولية. لأنها لم تكن مرخصة من وزارتي الزراعة أو الصناعة، فأخذت الهيئة على عاتقها زمام المبادرة.
بدأ قادة الهيئة بزيارة مزارع الورود ومعاملها ومصانعها، والتقوا ملّاكها والعاملين بها، ثم عقدوا ورشة عمل لمنتجي الورد الطائفي ومصنّعي منتجاته لنقاش التحديات، وبعدها شُكِّل فريق عمل من الجهات الحكومية لوضع خطة لتحسين وضعها بما يضمن استمراريتها ودعمها للتصدير. وبالفعل وضِعت خطة لتطوير المصانع، وفي أقل من عامين، أُصدرت شهادات من وزارة الزراعة وعلى ضوئها أصدرت الهيئة تراخيص وبدأ المزارعون والمصنّعون بيع منتجاتهم وتصديرها.
هذه الخطوات التي اتخذتها الهيئة لم تؤثر قط على دورها الرقابي الذي اعتبرته أولوية قصوى، بل كانت مكملاً له، ما يثبت أن تحقيق التوازن بين الدورين، الدور الرقابي ودعم القطاع الخاص ليس مستحيلاً، وأن الهيئات الرقابية يمكنها أن تكون داعماً وشريكاً لقادة الأعمال.