فعندما يبدو أحدهم متوتراً أو واثقاً من نفسه، فإن توتره أو ثقته في نفسه يظهران لنا جميعاً بأوضح ما يكون. فكِّر في العبارة التالية التي تم نطقها بشيء من التردد: “لديّ ما أقوله؟” مقارنةً بالرسالة نفسها المُعلَنَة بثقة: “لديّ ما أقوله”. انقر هنا لسماع الفارق، علماً بأن العبارة في كلتا الحالتين مسجلة بصوتي، لكن الاختلافات بينهما مذهلة بحق. ما النبرة التي تريد أن يستخدمها موظفوك عند التحدث إلى العملاء؟

لقد دارت نقاشات كثيرة مؤخراً حول نبرة الكلام المتصاعدة (تلك التي تظهر عندما تبدو عباراتنا كأنها أسئلة) ونبرة البكاء الصوتي (التي تظهر عندما يكون صوتنا منخفضاً ومشوشاً، وبخاصة في نهايات الجُمَل). تُعزى هذه الأساليب باستمرار إلى المتحدثات الإناث، لكنني ألاحظها لدى كلٍّ من الرجال والنساء على حدٍّ سواء، والحل لكليهما هو التنفس بعمق.

وبصفتي مغنية أوبرا سابقة، فإنني أعرف مدى تأثير التنفُّس على نبرة الصوت؛ إذ يجب على المطربين استخدام التنفُّس العميق لإكساب الصوت نبرة قوية في قاعة مزدحمة بحيث يصل صوتنا إلى أفراد الجمهور كلهم. لم أكن أظن أن هذه المهارة ستفيدني بمجرد مغادرتي مجال الغناء الأوبرالي، إلى أن اضطررت إلى إلقاء خطابي الأول، حينها أدركت كم جعلتني تدريباتي الأوبرالية متحدثة عامة لا يُشقُّ لها غبار.

والآن، بعد أن درست مهارات الخطابة وإلقاء العروض التقديمية لأكثر من عقد من الزمان، يمكنني القول بكل ثقة إن القدرة على تنظيم أنفاسك أحد أهم المجالات وأقلها تقديراً من الناحية التعليمية في مجال الخطابة. فتنظيم أنفاسك أمرٌ بالغ الأهمية عندما تتحدث في اجتماع، وأمرٌ بالغ الأهمية عندما تلقي خطاباً أو عرضاً تقديمياً، وهو أحد العناصر الأساسية لتعزيز الكاريزما الشخصية لأي مسؤول تنفيذي.

ومن الجدير بالذكر أن هذه المسألة ليست جديدة على الساحة؛ فقد تلقَّت مارغريت تاتشر دروساً في ضبط نبرة الصوت لدى شغلها منصب رئيسة وزراء المملكة المتحدة، وهناك فيديو “قبل وبعد” يمكنك من خلاله ملاحظة الفارق. يعتقد البعض أنها كانت تحاول عامدةً التحدث بصوت منخفض (وثمة أبحاث رائعة تشير إلى أن الأشخاص ذوي الأصوات الأعمق يحققون نجاحاً أكبر في مجالي الأعمال والسياسة). وعلى الرغم من ذلك، فقد سمعت اختلافاً في طريقة تنفُّس تاتشر، ما جعل صوتها أكثر ثراءً وجاذبية، ونتيجة لذلك أكثر انخفاضاً.

وعندما عرضتُ هذا الفيديو على طلابي في كلية هارفارد كينيدي، انقسم الطلاب حول الأسلوب المفضَّل لديهم؛ فقد فضَّل البعض الصوت السابق لأنه كان رقيقاً وأنثوياً، بينما فضَّل البعض الآخر الصوت الأخير لأنه أكثر ملاءمة لصوت شخصية تشغل منصباً بأهمية منصب رئيسة الوزراء من وجهة نظرهم.

وبغض النظر عن نوعك الاجتماعي أو نبرة صوتك الطبيعية، فكيف يمكنك تسخير قوة التنفس للتحدث بثقة وتمكُّن؟

1. ابدأ بالوقفة الصحيحة

قف مُباعِداً بين قدميك بمقدار عرض الكتفين، مع توزيع الوزن بالتساوي، وارفع ذراعيك لأعلى فوق رأسك. تنفَّس بعمق. وفي أثناء الزفير، أنزل ذراعيك ببطء إلى جانبيك وحافظ على القفص الصدري ثابتاً في مكانه. تأكد من عودة كتفيك إلى وضعهما الطبيعي، دون انحنائهما خلف أذنيك. هذا هو أفضل موقف للتحدث (والغناء)؛ حيث تقف شامخاً، منتصب القامة، مُظهِراً ثقتك بنفسك. وبالمناسبة، فهذه الوقفة مشابهة للوضعية المعبّرة عن امتلاك القوة التي تحدثت عنها أستاذة كلية هارفارد للأعمال، آمي كادي، خلال كلمتها في مؤتمر تيد.

2. تنفَّس بعمق

ضع إحدى يديك على سرة البطن واليد الأخرى على صدرك. تنفَّس بعمق، ولاحظ حركة اليدين. وأريد التنويه هنا إلى أنني ألاحظ أن الكثيرين يتنفسون بينما يتركون صدرهم يرتفع لأعلى ويهبط لأسفل، لكني أريدك أن تحافظ على ثبات صدرك في موضعه وتفكّر في حركة التنفُّس في معدتك خلال تنفُّسك. ثم قم بالزفير ببطء، كما يحدث عند إخراج الهواء من بالون منتفخ. هل تجد صعوبة في ذلك؟ جرِّب تمرين “الجلوس على الجدار” الذي تتكئ فيه على الجدار مع الحفاظ على انتصاب ظهرك قُبالة الجدار وثني ساقيك قليلاً. تساعدك هذه الوضعية على التركيز على بطنك في أثناء التنفُّس بدلاً من تحريك صدرك. إخلاء مسؤولية: إذا شعرت بدوخة أو دوار، فتوقّف عن هذا التمرين وتنفّس بشكل طبيعي. لا يهدف هذا التمرين إلى إيذائك، بل يهدف بمنتهى البساطة إلى الشعور بالاختلاف.

3. تحدَّث “في أثناء التنفس”

بمجرد أن تأخذ نفساً كاملاً، قد لا تعرف كيف تستفيد منه. بدلاً من حبسه، استخدم ذلك النفس لدعم كلماتك، واتركه يخرج بثبات في أثناء التحدُّث. وأحب استخدام تشبيه السوشي هنا. تخيل قطعة من الساشيمي؛ شريحة رقيقة من السمك ملفوفة على طبقة من الأرز. تخيّل أن صوتك هو شريحة السمك وأن أنفاسك هي طبقة الأرز. من أجل دعم الصوت، فأنت بحاجة إلى نَفَس دائم وممتلئ بالهواء خلال الجملة بأكملها. ماذا سيحدث إذا كانت شريحة السمك أطول من طبقة الأرز؟ ستترهل وترتخي، وهذا بالضبط ما يحدث لنبرة صوتنا عندما تتقطّع أنفاسنا في نهاية الجملة، ما يخلق صريراً أشبه بالبكاء؛ لذا تدرَّب على الزفير ببطء في أثناء التحدث واجعل نبرة صوتك تُصدِر رنيناً بنبرة ممتلئة قوةً وحيويةً. أولاً، تدرّب على الزفير في أثناء العد ببطء: “1 … 2 … 3 … 4 … 5 …”، ثم تدرّب على الزفير في أثناء نطق الكلمات التالية: “مرحباً، معكم (اسمك)…”.

4. تدرّب باستخدام هاتف ذكي أو مع شريك

من السهل على الآخرين ملاحظة أي تغيير في نبرة صوتك، في حين أنه من الصعب أن تلاحظه بنفسك. وعندما أنظّم ورشة عمل في إحدى الشركات، أطلب من المشاركين البحث عن شريك وتجربة طريقتين مختلفتين للتحدث: أولاً، تقديم أنفسهم باستخدام صوتهم “العادي”، ثم أخذ أنفاس عميقة وتقديم أنفسهم باستخدام طريقة التنفُّس العميق المذكورة أعلاه. لا يُلاحظ المشاركون دائماً الاختلاف في نبرة أصواتهم، لكنهم يُلاحظون غالباً الاختلاف في نبرة الصوت لدى شركائهم، الذين تبدو أصواتهم أكثر ثراءً وامتلاءً وثقةً. يمكنك فعل الشيء نفسه في مكتبك مع زميل أو تسجيل صوتك على هاتفك الذكي. لقد جرّبتُ هذه التقنية باللغة الإنجليزية ولغة الماندرين الصينية ولغات أخرى، ويمكننا جميعاً ملاحظة الفارق.

كم مرة يجب أن تتنفس؟ على الأقل في نهاية كل جملة! وإذا كنت تميل إلى الإسراع في أثناء إلقاء كلمة أو عرض تقديمي، فعليك ممارسة التنفُّس عند كل علامة ترقيم، وسيجبرك هذا على الإبطاء.

كم مرة يجب أن تتنفس باستخدام هذه التقنية؟ لا تحتاج إلى استخدامها طوال الوقت. بدلاً من ذلك، مارس هذه التقنية ببطء، مستغلاً جو الخصوصية في منزلك أو مكتبك، حتى تتمكّن من فعل ذلك بسهولة ويسر. وتأتي الطائرات في المرتبة الثانية باعتبارها مكاناً رائعاً لممارسة التنفُّس، تليها تلك الاجتماعات أو المكالمات الجماعية التي لا تنتهي وتشهد عقد مؤتمر عبر الفيديو. مارس عدة تمارين للتنفُّس بعمق في كل مرة، ثم استرخ وتنفس بشكل طبيعي. وتدَّرب لمدة دقيقتين يومياً كل صباح على نطق جملة “مرحباً، معكم (اسمك)” في أثناء الزفير ببطء. وبمرور الوقت، يمكنك التنفس بسرعة وخُفية بين الجمل، كما أن هذا سيهدئ أعصابك قبل التعرُّض لمواقف عصيبة، مثل إلقاء كلمة أو إجراء محادثة صعبة.

لا يرتبط الأمر هنا بمحاولة أن يبدو المرء كأنه شخص آخر؛ بل يرتبط بإكساب صوتك الثراء والامتلاء اللذين يستحقهما كلّما تحدثت أمام الآخرين، بحيث تتوافق قوة نبرة صوتك مع قوة كلماتك. إذا فعلت ذلك، فسينصت إليك الآخرون.