ملخص: ما القاسم المشترك بين مَن يحققون التميز الحقيقي والأداء العالي باستمرار؟ لا تكمن الإجابة في امتلاكهم جينات متفوقة، على الرغم من أن امتلاكها يمثّل ميزة بالفعل، بل تكمن في استعدادهم للخروج من مناطق راحتهم، على الرغم من مشاعر الضيق المترافقة، وتضحيتهم بإحساس الإشباع الفوري وعدم انتظارهم المكافآت لقاء جهودهم.
ما القاسم المشترك بين من يحققون التميز الحقيقي والأداء العالي باستمرار؟
لا تكمن الإجابة في امتلاكهم جينات متفوقة، على الرغم من أن امتلاكها يمثّل ميزة بالفعل، بل تكمن في استعدادهم للخروج من مناطق راحتهم، على الرغم من مشاعر الضيق المترافقة، وتضحيتهم بإحساس الإشباع الفوري وعدم انتظارهم المكافآت لقاء جهودهم.
وتوصّلت إلى تلك النتيجة بداية من خلال جسدي، فأنا أتدرّب على رفع الأثقال بانتظام، وأتحدى نفسي لدرجة الشعور بالانزعاج، وهو ما زاد قوتي بدرجة ملحوظة على مر السنين. وفي سن الستين، أصبحت أقوى مما كنت عليه في الثلاثين.
لكن في الحقيقة، لم أسمح لنفسي بلوغ مرحلة الإعياء، لكن لو بلغت تلك المرحلة بالفعل، فأعتقد أني كنت سأكتسب قوة أكبر بحسب البحوث، فالسر يكمن في الشدة وليس المدة، ولو أنني بذلت جهداً أكبر بالفعل وكررته عدة مرات لكسبت مزيداً من الفوائد خلال وقت أقل مقارنة بالوقت الذي أخصصه الآن،
لكن لماذا لم أبذل جهداً أكبر بالفعل؟ الجواب، الذي أشعر بالحرج قليلاً للاعتراف به، هو أنني لم أكن مستعداً لتحمل مزيد من مشاعر الانزعاج. فعقلنا يوهمنا في الواقع أننا بذلنا جهداً كبيراً من قبل بالفعل.
ونمتلك بصفتنا بشراً غريزتين أساسيتين قويتين، الأولى هي تجنب الألم، وهي غريزة ساعدتنا على البقاء على قيد الحياة عندما هاجمتنا الحيوانات المفترسة في السافانا؛ والأخرى هي السعي وراء المتعة، وهي غريزة أجبرتنا ذات يوم على البحث عن الطعام، الذي كان نادراً آنذاك، والذي لا يزال يساعدنا على نقل جيناتنا.
لكن للأسف، لم يدفعنا أي من هاتين الغريزتين إلى تأخير الإشباع في سبيل كسب المنافع الطويلة المدى، بل يستدعي ذلك منا تطويع الفص الأمامي من الدماغ، وهو الجزء الأساسي المسؤول عن وظائف التفكير العليا، لمقاومة الرغبات الأساسية التي تتولّد في الجزء الخلفي من أدمغتنا بوعي.
وترسّخت تلك النتيجة في عقلي أكثر عندما راقبت أسلوبي في الكتابة، إذ إنني أرغب أحياناً في التوقف عن العمل والتحقق من بريدي الإلكتروني أو فتح الثلاجة لسببين: لأحظى ببعض المتعة وأحاول وأد الأفكار المتناحرة في عقلي والتوصل إلى جمل واضحة معبرة.
علّمت نفسي خلال حياتي أن أبقى مركزاً على جهاز الكمبيوتر، لكن الأمر أصبح صعباً بعد 4 عقود من العمل في الكتابة. فالاستجابة لإشعارات البريد الإلكتروني صعّبت عليّ التركيز في السنوات الأخيرة، في حين أنها أفقدت العديد ممن أعرفهم قدرتهم الكاملة على التركيز.
والحقيقة التي لا مفرّ منها هي أن الاستعداد لتحمل الانزعاج والتضحية بإحساس الإشباع الفوري هما الطريقتان الوحيدتان للتطور في أي عمل وتحقيق التميز الحقيقي.
وهناك 3 عناصر لتعزيز هذه القدرة غير البديهية:
1. قاوم الإغراء
مثلما تقاوم شراء منتج يروّجه البائع، إذ قد تغلبك نفسك في النهاية إذا شاهدت المنتج كل يوم. أو فكر في قطعة من الكعك أو البسكويت المقدّم على طاولة في إحدى الحفلات التي تقام في المكتب، ستستسلم لإغراء الطعم في النهاية إذا جلست أمام تلك الطاولة كثيراً، وينطبق الشيء نفسه على البريد الإلكتروني الوارد؛ إذا لم توقف تشغيله بالكامل أحياناً، فستهزمك أصوات الإشعارات حتماً.
2. تحدَّ نفسك لدرجة الانزعاج لفترات زمنية قصيرة ومحددة نسبياً
التدريب المتواتر يعني التدرب على التمارين ذات الجهد العالي لفترات قصيرة يقابلها فترات من الراحة والتعافي، وهي أصعب من التمارين الرياضية، لكنها طريقة أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للوقت لزيادة اللياقة أيضاً.
3. مارس بعض عادات التركيز لمواجهة أصعب التحديات، ونعني بها سلوكيات محددة نتبعها في أوقات محددة
حاول أن تبدأ يومك بالتركيز دون انقطاع على أهم تحدٍ لديك لمدة لا تزيد على 90 دقيقة، ثم خذ استراحة حقيقية تجدد فيها أفكارك. من السهل تحمّل مشاعر الانزعاج لفترات قصيرة، اختر مجالاً واحداً من حياتك وزد درجة التحدي فيه بمقدار قليل كل يوم، ستشعر بالرضا حيال نفسك، وسيتحسن أداؤك في كل مجال بمرور الوقت.