التلعيب لتدريب الموظفين: استراتيجية فعالة أم مجرد موضة؟

6 دقيقة

أُجري البحث في شركة الخدمات المهنية كيه بي إم جي (KPMG). ويقول الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال والمؤلف المشارك في الدراسة، ريان بويل: "عندما طوّر القادة أدوات التلعيب لتدريب موظفيهم، لم يحصروا اهتمامهم بتطبيقها والتساؤل عن نجاحها، بل التزموا باختبار تأثيرها بدقة".

وأُجريت الدراسة على الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء، وتم اختيارهم عشوائياً من 24 مكتباً مشاركاً في التدريب الذي كان يُعقد في أوقات مختلفة. تمثّل الهدف من التدريب الذي أُطلق عليه اسم "عدّاء شركة كيه بي إم جي العالمي" في تعميق وعي الموظفين وفهمهم لمنتجات الشركة وخدماتها لكي يتمكنوا من تحديد فرص العمل بشكل أفضل. صمّم الموظفون شخصيات لأنفسهم وخاضوا "مسابقات حول العالم" للإجابة عن أسئلة حول عروض المنتجات التي توفرها الشركة. وحصل الموظفون الذين قدموا إجابات صحيحة على نقاط سفر أتاحت لهم التقدم. وتمكّن الموظفون أيضاً من القيام بتحديات مصغرة ضمن اللعبة لكسب نقاط إضافية وإطلاق مستويات جديدة. كانت المشاركة اختيارية وغير محددة المدة؛ وتمكن الموظفون من دخول المنصة بشكل متكرر وقتما رغبوا في ذلك.

ولتحديد آثار التدريب على أداء كل مكتب من مكاتب الشركة، إن وجدت، حلّل الباحثون 5 مقاييس على أساس شهري وعلى مدى 29 شهراً كالتالي: الرسوم المحصّلة، وعدد العملاء الذين حصلوا على خدمات، وإجمالي فرص العمل الناتجة، والفرص الناتجة من العملاء الحاليين، والفرص المحتملة من العملاء الجدد. ولقياس مدى استفادة كل مكتب من التدريب، تحقق الباحثون من مقدار الوقت الذي قضاه الموظفون في لعب لعبة العدّاء العالمي وعدد الأسئلة التي أجابوا عنها. ولتقييم تفاعل الموظفين مع وظائفهم، قام الباحثون بحساب نسبة من دخلوا المنصة مرة واحدة على الأقل من كل مكتب (وهو ما أشار إلى اهتمامهم بتعزيز مهاراتهم للمساعدة في تحقيق أهداف شركة كيه بي إم جي) ومدى سرعة تسجيلهم الدخول بمجرد إتاحة المنصة الدخول . كما قام الباحثون بتحليل عدد القادة الذين شاركوا في اللعب من كل مكتب وعدد مرات لعبهم.

وأظهر التحليل أن التدريب ساعد في زيادة الرسوم المحصّلة من قبل المكاتب المشاركة بأكثر من 25%، وزيادة عدد العملاء بنسبة تصل إلى 16%، وزيادة الفرص من العملاء الجدد بنسبة تصل إلى 22%. كما أظهر التحليل أنه كلما لعب الموظفون لعبة العدّاء العالمي، زادت احتمالية تحسّن أدائهم في وظائفهم. وفي الواقع، زادت الرسوم المحصلة بنسبة 16% لدى المكاتب التي أظهر موظفوها استعداداً أكبر للتدريب. أما في المكاتب التي كان موظفوها أكثر انخراطاً في وظائفهم، فقد ازداد إجمالي فرص العمل فيها بنسبة 8%، وزادت الفرص القادمة من العملاء الحاليين بنسبة 10%، والفرص الناتجة من العملاء الجدد بنسبة 7%.

وكان تفاعل القائد مع التدريب مهماً أيضاً، فقد كشف التحليل أنه كلما زاد عدد قادة المكاتب الذين تقدّموا بطلبات لاستخدام المنصة، ارتفع معدل اشتراك موظفيهم، وهو ما حسّن النتائج. ففي المكاتب التي أبدى قادتها تفاعلاً أكبر من غيرهم، زادت الرسوم المحصلة بنسبة %19 وزاد عدد العملاء الحاصلين على خدمات بنسبة %7.

ويقدّم الباحثون 3 توصيات لاستخدام التلعيب لتحسين أداء الموظفين:

الحرص على مشاركة مشاعر الحماس مع المدراء والموظفين. يجب على المؤسسات التأكيد على أهمية مشاركة المدير قبل تبني التدريب الذي يستخدم التلعيب، إذ من المرجح أن يعزز القادة الذين يلعبون في أثناء وجودهم بالمكتب مشاركة الموظفين ونتائج الأعمال. وتقول الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال والمؤلفة المشاركة في الدراسة، تاتيانا ساندينو: "توصلت بحوث سابقة إلى احتمالية اعتبار منصات التلعيب الرقمية مصدر إلهاء. لكن عندما يسجّل القائد دخوله إلى المنصة، فهو يمنح موظفيه بذلك ترخيصاً لتسجيل الدخول أيضاً"، كما أنه يشجعهم على إدراك أهمية التدريب وآثاره.

ويجب أن يشعر الموظفون بالاطمئنان عند التدرب وهم في مكاتبهم خلال ساعات العمل، وأن يتخلّصوا من فكرة أنهم يتهربون من العمل. ويقول بويل: "حقيقة أن أدوات التلعيب ممتعة تجعلها تبدو غير مسموح بها. هل يمكنني حقاً اللعب في أثناء العمل؟ في الواقع، يؤكد القائد على جواز اللعب في أثناء العمل ومدى أهمية اللعب على حد سواء". بمعنى آخر، يجب أن يُعتبر اللعب جزءاً مشروعاً من العمل، وليس استراحة منه.

الحرص على قياس النتائج على مستوى المكتب. كانت تحسينات الأداء في شركة كيه بي إم جي أكبر في المكاتب التي كان العديد من الموظفين فيها مندمجين بالفعل في وظائفهم. لكن نتائج الشركة تشير أيضاً إلى أن المؤسسات ستشهد مستوى معيناً من التحسّن من الجميع. ويقول الأستاذ المساعد في كلية كولومبيا للأعمال والمؤلف المشارك في الدراسة، وي كاي: "عززَ الوقت الذي قضاه اللاعبون في التدريب وعدد الأسئلة التي أجابوا عنها من أداء الموظفين الذين كان تفاعلهم منخفضاً مع وظائفهم حتى، وبغض النظر عما إذا استخدم قادتهم التدريب أم لا".

قد لا تكون نتائج هؤلاء العمال قوية أو واضحة مثل التحسينات بين الموظفين الأكثر تفاعلاً؛ فهذه التدريبات ليست حلاً شاملاً لاندماج الموظفين الضعيف، لذلك يجب على المؤسسات تحديد أهداف الأداء على مستوى المكتب بدلاً من ربط النجاح بمدى تحسّن الموظفين الأقل اندماجاً في أعمالهم.

ضرورة التحلي بالصبر. لا تتوقع حصولك على نتائج في نفس اليوم أو حتى نفس الأسبوع. ظهرت معظم التحسينات في الأداء في شركة كيه بي إم جي في الربع الثاني أو الثالث بعد تقديم التدريب، وزادت تدريجياً بعد ذلك. ومن المرجح أن يستمر هذا التأثير التراكمي مع إتقان الموظفين الدروس وزيادة معرفتهم بعروض المنتجات التي تقدمها الشركة. وتقول ساندينو: "عندما تطبّق المؤسسات هذا النوع من النظام، فعليها التحلي بالصبر ومنحه الوقت، فقد لا يتمكن الموظفون من تطبيق كل معارفهم الجديدة على الفور".

ويواصل موظفو شركة كيه بي إم جي استخدام دروس التدريب والاستفادة منها اليوم. وكما يقول كاي: "لا زلنا نواصل تتبع أداء الموظفين على الرغم من انتهاء التدريب منذ أكثر من 18 شهراً، ولاحظنا بالفعل أن الفوائد تدوم لفترة طويلة بعد التطبيق".

حول البحث: ""التعلّم أم اللعب؟ تأثير دمج التلعيب في التدريب على الأداء" (Learning or Playing? The Effect of Gamified Training on Performance)، رايان بويل ووي كاي وتاتيانا ساندينو (ورقة عمل).

على المستوى العملي

"التلقين ممل لكن التلعيب ممتع"

كريستيان غوسان (Christian Gossan): مدير إدارة في مكتب شركة كيه بي إم جي للاستشارات في استراليا، قاد تطوير منصة التلعيب المذكورة في مقال: هل يؤتي التلعيب ثماره في التدريب؟ تحدث مؤخراً مع هارفارد بزنس ريفيو حول تجربة شركة كيه بي إم جي في تطبيق نهج التعلم هذا. وفيما يلي مقتطفات مُحرَّرة من هذا الحوار:

ما المشكلة التي يُفترض أن يحلّها التلعيب في التدريب؟ أدركنا الحاجة إلى تعميق فهم الموظفين لجميع عروض منتجاتنا وقدراتنا نظراً لتنوّع خدماتنا. وفي الواقع، التلقين ممل لكن التلعيب ممتع، فطبيعته التفاعلية لا تترك مجالاً للموظفين لإنهاء التدريب. بدأنا تطبيق نموذج تجريبي مع الموظفين في مكاتب الشركة بأستراليا. وبما أن الأستراليين مهووسون بالرياضة، فقد طوّرنا منصة ألعاب ذات طابع رياضي. وعندما قررنا التوسّع عالمياً، طوّرنا نهجاً أكثر جاذبية أطلقنا عليه عدّاء شركة كيه بي إم جي العالمي (KPMG Globerunner) الذي يستخدمه موظفون في 100 دولة اليوم يتيح لهم خوض سباق حول العالم ضمن اللعبة من خلال الإجابة عن الأسئلة وإكمال التحديات. كما تتيح المنصة لأفضل 10 موظفين من كل بلد المشاركة في بطولة عالمية تُعقد كل عام. كان التأثير على المبيعات كبيراً، ونعتقد أن برنامج العدّاء العالمي ساعد في تعزيز اندماج الموظفين أيضاً.

ما هي طبيعة ألعاب شركة كيه بي إم جي؟ لن يخلط الناس بينها وبين لعبة جي تي أيه (Grand Theft Auto) بالطبع! لكننا آمنّا بضرورة أن تبدو التدريبات الرقمية مُتقنة ومحترفة لكي يأخذها الموظفون على محمل الجد، فاستعنّا بمطورين خبراء، وابتعدنا عن الرسوم المتحركة القديمة الطراز. ومع ذلك، يمكنك التركيز على التصميم الجذاب وأسلوب العرض وضمان مشاركة المستخدمين.

كيف تقنع الموظفين باللعب؟ احرص على أن تكون التجربة ممتعة أولاً! ويقول معظم الموظفين بالفعل، 83% منهم، إنهم يستمتعون بلعب العدّاء العالمي. ثانياً، أكّد على دور التجربة في تطوير الموظفين في مناصبهم بسرعة. ثالثاً، احرص على مراعاة الاعتبارات الثقافية. على سبيل المثال، تُعتبر المقامرة محظورة في بعض البلدان. أخيراً، تجنّب التحيّز الذكوري، فهو خطر حقيقي في تصميم اللعبة نتجنّبه من خلال مشاركة مصممات نسوة في الألعاب أيضاً.

كيف يمكن للقادة المساعدة؟ من المهم أن يرى الموظفون قادتهم وهم يشاركون في التدريبات، إذ قد يخشى الموظفون المبتدئون أن يعتبرهم الآخرون أشخاصاً متهربين من المسؤولية إذا لعبوا في أثناء العمل. وقد شارك بعض رؤسائنا التنفيذيين المنصات بشكل شخصي في شركاتهم الأعضاء، ما خلق تفاعل رائع بين موظفينا المبتدئين والراسخين.

هل احتمال سوء التعامل مع المنصة قائم؟ عليك إحكام المراقبة في هذا الشأن، إذ يشعر عدد قليل من الموظفين كل عام، حوالي 1 من كل 10,000 موظف، أنهم مُجبرون على استخدام المنصة، وعلينا التدخل لصالحهم ولصالح الشركة.

هل من "نصائح" للمؤسسات التي ترغب في تجربة التلعيب في التدريب؟ اجمع بيانات حول أسلوب اللعب الذي يفضله الموظفون حتى تتمكن من تحسين تجربة المستخدم. لا تجعل التدريب مقتصراً على خدمات الشركة فقط؛ بل ضع أهدافها أيضاً. عدّلنا لعبة العدّاء العالمي لتضمين محتوى حول الغاية، أي العناصر التي تتعلق بعروض خدماتنا وبالقيمة التي نقدمها للعملاء، إلى جانب عناصر تساعد موظفينا على اكتشاف أهدافهم الشخصية. ولا تخش التوسع، في الواقع، طوّرنا أداة تلعيب أخرى تثقّف الموظفين حول عملاء محددين ومرتقبين، ونُدرجها غالباً في المقترحات المقدمة إلى العملاء المرتقبين لإثبات التزامنا في حال اختاروا التعامل مع شركتنا. لم نتخيّل قبل 20 عاماً دور تجارب التلعيب في تنمية الأعمال، لكن التجربة خير برهان.

ما عليك إلا أن تثق بنا!

كان طلاب إدارة الأعمال والاقتصاد الألمان الذين يتوقون للعمل في مجال التمويل أقل جدارة بالثقة بصورة ملحوظة خلال لعبة الثقة القياسية مقارنة بأقرانهم الذين لديهم تطلعات مهنية أخرى. "التفضيلات الاجتماعية للمهنيين الشباب والقطاع المالي"، أندريه غيل وآخرون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي