الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية يسرع تحقيق المساواة بين الرجال والنساء عالمياً

4 دقائق
التكنولوجيا الرقمية والمساواة بين الرجال والنساء

تُحدث التكنولوجيات الرقمية في جميع القطاعات تحولاً في الوضع الراهن. وأصبح لدينا الآن دليل على أنها أيضاً تقربنا من تحقيق المساواة في مكان العمل. إذ تساعد الطلاقة الرقمية على تحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء في العمل، فماذا عن التكنولوجيا الرقمية والمساواة بين الرجال والنساء؟

وجد بحث أصدرته شركة "أكسنتشر" (Accenture) مؤخراً تحت عنوان "الوصول إلى المساواة: كيف تساعدنا التكنولوجيا الرقمية على إغلاق فجوة النوع في العمل" (Getting to Equal: How Digital Helping Close the Gender Gap at Work)، أنه عندما يكون لدى الرجال والنساء المستوى ذاته من الطلاقة الرقمية، التي تعرّف على أنها مدى قدرتهم على تبني التكنولوجيا الرقمية واستخدامها ليكونوا أكثر اطلاعاً واتصالاً وفاعلية، تتفوق النساء على الرجال في استخدام هذه المهارات الرقمية للحصول على التعليم والعمل.

التكنولوجيا الرقمية وتحقيق المساواة

استطلعت "أكسنتشر" حوالي 5 آلاف رجل وامرأة في 31 دولة للاستقصاء عن استخدامهم للتكنولوجيا، بما في ذلك الوصول إلى مختلف الأجهزة كالهواتف الذكية والأجهزة اللاسلكية والأجهزة القابلة للارتداء، ووتيرة استخدامهم لها. بحثنا بصورة أساسية في قدرة الناس على استخدام التكنولوجيا في حياتهم اليومية وفي العمل ومدى إتقانهم لاستخدامها.

كما سُئل المشاركون عن تعليمهم ومسيرتهم المهنية، وهذا يتضمن ما إن كانوا قد سجلوا سابقاً في دورات افتراضية في جامعة عبر الإنترنت، وما إن كانوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي أو الشواغر الوظيفية عبر الإنترنت للوصول إلى الفرص الوظيفية، وما أن كانوا أيضاً يستخدمون الرسائل الفورية أو كاميرات الويب في العمل.

جمعنا النتائج التي حصلنا عليها مع بيانات من مؤسسات أخرى، مثل بيانات "البنك الدولي" حول التسجيل الأكاديمي، ومعدلات مشاركة القوة العاملة، ونسبة النساء في المناصب الإدارية. وجدنا من خلال تحليلنا للبيانات دليلاً قوياً على أن الطلاقة الرقمية تساعد النساء على الحصول على وظائف وتحصيل مستويات أعلى من التعليم، وهذا يعد مهماً جداً في مساعدتهن على التقدم في العمل. كما يبدو أن الطلاقة الرقمية تساعد النساء على الوصول إلى فرص لم تكن موجودة سابقاً، مثل الاقتصاد التشاركي والتعلم الإلكتروني، وهي أساسية أيضاً للحصول على المرونة التي يحتجن إليها لإيجاد الوظائف والبقاء فيها.

تتوقع الدراسة أنه، إذا استطعنا مضاعفة الوتيرة التي تصبح بها النساء مستخدمات بصورة متواترة للتكنولوجيا الرقمية، فيمكن تحقيق المساواة بين الرجال والنساء بحلول عام 2040 في البلدان المتطورة وعام 2060 في البلدان النامية. أما على الوتيرة الحالية، فلن يكون تحقيق المساواة ممكناً حتى عام 2065 في البلدان المتطورة وعام 2100 في البلدان النامية. إنها قفزة هائلة إلى الأمام.

كما بحثت الدراسة في الفروقات بين الدول ووجدت أن البلدان التي تتمتع فيها النساء بمعدلات أعلى من الطلاقة الرقمية يكون لديها أيضاً معدلاً أعلى من المساواة في مكان العمل. على سبيل المثال، تحظى الولايات المتحدة وهولندا والمملكة المتحدة والدول الشمالية (السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا) بأعلى درجات الطلاقة الرقمية وتحتل ترتيباً بين أفضل الدول التي تحقق المساواة في مكان العمل.

ومع أن بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل إيطاليا واليابان، تتمتع بمستويات معقولة من الطلاقة الرقمية، فإنها ما زالت لا تحقق النتائج المتوقعة. وفي هذه الحالات تعد العوامل الثقافية من الاعتبارات المهمة الأخرى.

تظهر أكبر الفجوات في الطلاقة الرقمية بين الرجال والنساء في اليابان وسينغافورا وفرنسا وسويسرا. في تلك الدول، سيساعد تزايد طلاقة النساء إلى مستوى الرجال على تحفيز المساواة في مكان العمل، وإن كانت اليابان، كما ذكرنا أعلاه، تواجه تحديات إضافية ينبغي عليها تجاوزها.

تظهر هذه النتائج في وقت حرج تواجه فيه الشركات والحكومات فجوة واسعة بين المهارات التي يحتاجون إليها للبقاء ضمن المنافسة وبين المواهب المتوافرة.

فقد أثبت منتدى "الاقتصاد العالمي" في تقرير أصدره مؤخراً وجود عدم استقرار في المهارات عالية المستوى في جميع فئات الوظائف، وأقر بأن معظم الشركات تواجه حالياً تحديات كبيرة في التوظيف ونقصاً في المواهب. وفي تقرير آخر صادر عن "رابطة المائدة المستديرة للأعمال" (Business Roundtable)، قال 97% من الرؤساء التنفيذيين إن فجوة المهارات تعد مشكلة بالنسبة لشركاتهم، إذ إن 60% تقريباً من الوظائف الشاغرة تتطلب معرفة أساسية في المجال الرقمي أو في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتتطلب 42% منها معرفة متقدمة في المجال الرقمي أو تلك المجالات المذكورة.

الطلاقة الرقمية للنساء

وفي ضوء هذه المعطيات، تعد النساء مصدراً مهماً جداً للمواهب غير المستغلة في قوة العمل العالمية، ولذلك قد تساعد زيادة طلاقتهن الرقمية في الحصول على الوظائف التي يواجه أصحاب العمل مشكلة في شغلها.

ينبغي أن يكون الرابط بين الطلاقة الرقمية والتحصيل العلمي والتوظيف والمساواة في مكان العمل حافزاً كافياً لقيام الحكومات بدور رائد في تشجيع النساء على زيادة طلاقتهن الرقمية. كخطوة أولى، ينبغي أن تركز الحكومات على تمكين النساء أكثر من الوصول إلى الإنترنت عريض النطاق بأسعار مقبولة. تسير بعض الحكومات في هذا الاتجاه بالفعل.

في الولايات المتحدة، وافقت لجنة الاتصالات الفدرالية مؤخراً على معونة مادية للإنترنت عريض النطاق قدرها 9.25 دولاراً شهرياً للأسر ذات الدخل المنخفض. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة الفدرالية موقع DigitalLiteracy.gov، كمورد للمدارس والمراكز المجتمعية التي تقدم برامج في المعرفة الرقمية إلى المجتمعات المحلية. وفي الوقت ذاته، أصبحت المكتبات بؤرة للجهود الساعية لتقديم المعرفة الرقمية عبر الولايات المتحدة، إذ تقدم العديد من المبادرات الوطنية غير الربحية، مثل مبادرة "إيفري ون أون" (EveryoneOn) برامج تدريبية على المستوى المحلي.

كما جرى تعريف الوصول إلى الإنترنت بسرعة النطاق العريض كحق قانوني في فنلندا التي انتهجت أيضاً سياسية وصول عالمية. وقد نشرت حكومة المملكة المتحدة عام 2014 ميثاق الإدماج الرقمي الذي يهدف إلى تعزيز الوصول عريض النطاق على نطاق واسع.

وبالنسبة للشركات، يعد الوصول إلى أحدث التكنولوجيات وأدوات التعاون الإلكترونية أمراً أساسياً. لا شك أن الممارسة مهمة لعملية تعلم الموظفات الإناث، ولكن عملية التوجيه والتدريب، التي تتنوع بين حضور الدورات الأساسية، مثل كيفية تحويل المهارات الاجتماعية ومهارات التعارف إلى العالم الرقمي إلى الدورات التعليمية في كتابة الشفرة البرمجية، تعد أساساً في مساعدة النساء على مواكبة العالم الرقمي.

أهمية برامج التدريب المهني

تساعد كذلك برامج التدريب المهني وبرامج التوعية التدريبية في الشركات على زيادة مهارات الشباب. وتوفر شركة "بيست باي" (Best Buy)، مثلاً برامج تدريب تقنية مجانية بعد المدرسة للطلاب في عدد من المدن. وبناء على نجاح برنامج التدريب المهني الوطني السويسري، الذي يتخرج منه 71% من شباب سويسرا، تختبر بعض الشركات السويسرية متعددة الجنسيات، مثل "نوفارتس" (Novartis)، و"نستله" (Nestlé)، و"كريدت سويس" (Credit Suisse)، و"زيورخ إنشورنس جروب" (Zurich Insurance Group)، برامج تدريب مهنية في أسواق خارج سويسرا.

إن اعتراف النساء بالدعم الذي تعطيه الرقمية لحياتهن الشخصية والمهنية ينبغي أن يدعوهن إلى التحرك والعمل. لقد وجد بحثنا أن الرجال ما زالوا يستخدمون التكنولوجيات الرقمية أكثر من النساء، وأنهم أكثر استباقية في تعلم المهارات الرقمية الجديدة. ولهذا، فإن إدراك النساء لحجم الدعم الذي تقدمه لهن الطلاقة الرقمية ينبغي أن يكون حافزاً لهن لتطوير قدرتهن باستمرار على استخدام أحدث التكنولوجيات وتنميتها، سواء باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتوسيع شبكات العمل أو بالتسجيل في الدورات الإلكترونية.

وفي نهاية الحديث عن التكنولوجيا الرقمية والمساواة بين الرجال والنساء، الطلاقة الرقمية ليست حلاً سحرياً، بل هي من العوامل المساهمة في إغلاق الفجوة بين الرجال والنساء في مكان العمل، ولكنها أداة قوية يمكن أن تستخدمها النساء والشركات والحكومات لإحداث فرق حقيقي في تحفيز التقدم نحو تحقيق المساواة في مكان العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي