وقّع تجمّع شركات يأمل في تحسين معدلات تحويل الزبائن لديه عقداً مع منصة برمجيات وعدت بتأمين زبائن محتملين لقسم المبيعات وإعطائهم الأولوية. لكن مندوبي المبيعات اكتشفوا أن المبيعات المحتملة التي وفّرتها المنصة كانت ذات جودة ضعيفة عدا عن أن هذه البرمجية لم تتوافق مع أدوات البيع الأخرى التي كانوا يستعملونها. لذلك ركزوا عوضاً عن ذلك على البيع إلى الزبائن الحاليين، وهي عملية كانت أسهل وذات مردود أعلى. وبعد أن أهدر أعضاء فريق المبيعات الكثير من الوقت والمصاريف، تخلّوا عن المنصة، لكنهم لم يكونوا يعلمون ما هي الخطوة التالية التي يجب عليهم اتّباعها.
وفي شركة أخرى، أعجب تنفيذي حضر مؤتمراً للبرمجيات بأحد أنظمة الإنترنت المتخصصة بإدارة المحتوى كان قد رآه لدى أحد العارضين، ولا سيما أن هذه البرمجية كانت تنتج أشكالاً بصرية مذهلة لعرض البيانات. لذلك اشترى هذا المنتج لكي يستعمله ضمن موقع شركته الإلكتروني معتقداً أن زملاءه سيكونون متحمسين لتبنّيه أيضاً. لكنه لم يأخذ بحسبانه مدى تناغم هذا النظام مع التكنولوجيات الأخرى المستعملة في المؤسسة. في نهاية المطاف، تبيّن له أن عملية الشراء هذه كانت مضيعة لمئات آلاف الدولارات، واستُبْدِل هذا الحل التكنولوجي بحل آخر كان بالإمكان دمجه مع أنظمة الشركة بقدر أكبر من السلاسة.
وتعاقدت مؤسسة ثالثة مع شركة متخصصة ببناء منصة مركزية مصممة حسب الطلب بوسعها استخلاص الاستنتاجات من البيانات المتعلقة بسلوك الزبائن. وكان الفريق الذي تعاقد مع الشركة قد عبّر عن رضاه الشديد عن حجم البيانات وتنوعها، لكنه مع ذلك لم يتمكن من تزويد مدير التسويق بأي استنتاجات أسهمت في تحسين النشاط التجاري للمؤسسة. ومع مرور الوقت كان لا بدّ من التخلّص من هذا النظام أيضاً.
هذه القصص هي مجرّد أمثلة فعلية لتكنولوجيات تسويقية خذلت الشركات التي استعانت بها، وهي مستمدة من مقابلاتنا مع مدراء كبار في مجال التكنولوجيا التسويقية.
انتشرت التكنولوجيا التسويقية على نطاق واسع وباتت ضرورية. وبوسع التكنولوجيا التسويقية التي تجمع بيانات الزبائن وتؤرشفها وتدمجها ومن ثم تلقمها للخوارزميات أن تحقق زيادة كبيرة في كفاءة عمل المسوقين. وهي أصلاً أحدثت ثورة في عالم الإعلان، وتسويق المحتوى، وإدارة المبيعات، والتجارة. يشير مجلس مدراء التسويق في أميركا إلى أن ما يقرب من 70% من أعضائه باتوا يزيدون استثماراتهم في التكنولوجيات التسويقية، ووفقاً لشركتي "بي دي أو" (BDO) و"وورك" (WARC)، وجامعة بريستول، فإن التكنولوجيا التسويقية هي قطاع تبلغ قيمته 122 مليار دولار وهو يسجّل نمواً بمعدل يبلغ 22% سنوياً. ويعتبر رأس المال المغامر (الجريء) ونماذج الاشتراك والتسعير عوامل تُلهِم رواد الأعمال على إطلاق المزيد من الشركات الناشئة المتخصصة بالتكنولوجيا التسويقية. فعدد الداخلين الجدد إلى السوق في عام 2019 وحده كافئ تقريباً حجم القطاع بأكمله في عام 2015. وفي غضون ذلك، فإن الأدوات التي تسمح للزبائن بإدماج الخدمات بالطريقة التي يستعملها الأطفال لتركيب قطع الليغو معاً تقود المزيد من الشركات إلى التسجيل للحصول على خدمات جديدة كل شهر.
وبالتالي، لماذا لا تنجح شركات كثيرة في استعمال التكنولوجيا التسويقية؟
في هذه المقالة، نستعرض أولاً فخّين أساسيين تقع فيهما الشركات. الفخ الأول هو تكديس البيانات والثاني هو متلازمة الشيء الجديد اللامع. وما يفاقم هذين الخطأين هو المشكلة الأكبر المتمثلة في اتخاذ القرارات من قاعدة الهرم إلى قمته، وفي هذه الحالة يكون توفر الأنظمة والبيانات هو ما يقود الاستعمالات المختارة عوضاً عن أن تكون الاستعمالات هي ما يقود البيانات والأدوات المختارة. بعدها، نعرض لمقاربة استراتيجية من قمة الهرم إلى قاعدته في إدارة ما يسمى "مكدّس" (Stack) التكنولوجيا التسويقية – أي مجموعة البيانات والحلول التي يوفّرها البائعون – ونقدّم مثالاً يبيّن كيف استُعْمِلَت هذه المقاربة في شركة برمجيات كبيرة لضمان النجاح.
التكنولوجيا التسويقية هي قطاع تبلغ قيمته 122 مليار دولار ويسجّل نمواً بمعدل يبلغ 22% سنوياً؛ و70% من مدراء التسويق باتوا يزيدون استثماراتهم فيه.
تكديس البيانات والأشياء الجديدة اللامعة
يتسبب تكديس البيانات – أي الاستحواذ على المعلومات والاحتفاظ بها لمجرّد أنها قد تكون مفيدة يوماً ما وهي في متناول اليد – بعدّة مشاكل. أولاً، جمع كومة من القش للعثور على الإبر لا يدل على الكثير من الكفاءة. لا بل الأسوأ من ذلك هو أن المرء قد لا يعثر على الإبر الصحيحة حتى. لنأخذ مثلاً شركة تجمع المعلومات عن كل نقطة تماس مع الزبائن، بدءاً بالزيارة الأولى الواردة إلى موقع الشركة على الإنترنت، وتجمع سنوات من البيانات حول العمليات، والموقع، ومشاهدات الموقع الإلكتروني، والتفاعلات مع شبكات التواصل الاجتماعي، والتقارير الائتمانية، وسجلات القيادة، وغيرها. فإذا كان جزء كبير من البيانات غير مفيد أو غير ذي صلة، فإنه سوف يشتت انتباه الشركة ويقف حجر عثرة في طريق التوصل إلى استنتاجات أهم. ثانياً، تكديس البيانات ليس أمراً هادفاً وهو مشكلة لا يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤي حلها. وفي نهاية المطاف، يصبح لدى المدراء الكثير من البيانات التي تختلف عن البيانات التي يحتاجون إليها. وإذا ما جمعنا مصاريف الاستحواذ والتخزين إلى الوقت المهدور، فإن تكلفة تكديس البيانات يمكن أن تكون هائلة.
تؤثر متلازمة الشيء الجديد اللامع على الشركات التي تبرم عقوداً مع البائعين الذين يقدّمون أدوات مغرية، بغضّ النظر عما إذا كانت هذه الأدوات سوف تحل المشاكل المحددة التي تعاني منها تلك الشركات أم لا. وتتخذ أدوات التكنولوجيا التسويقية شكلين أساسيين هما التطبيقات الجديدة وأساليب العمل الجديدة، وكلا النوعين يمكن أن يفشلا في تحقيق النتيجة المرجوة. فعلى سبيل المثال، هناك فيض لا نهاية له من التطبيقات الجديدة المخصصة لتقسيم الزبائن إلى شرائح مختلفة بناء على صفات كل زبون، لكن العديد منها لا تفيد الشركات في تحديد كيفية تجاوب مختلف الزبائن مع التسويق. وعلى المنوال ذاته، فإن هناك مجموعة متنامية من الطرائق مثل أدوات تعلّم الآلة والذكاء الاصطناعي، لكن إمكانية تطبيقها وأداءها يختلفان اختلافاً كبيراً بين مستخدم وآخر، وقطاع وآخر، بل وحتى عبر الزمن. وهي غالباً ما تعتمد على مجموعة متنوعة من الواجهات والأشكال الرسومية المبهرة بصرياً التي لا تكون مفيدة دوماً. فالشكل البصري الذي يعبّر عن عدد مرات ذكر علامة تجارية على شبكات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، لا يشي بالكثير بخصوص ما إذا كان من ذَكرها هم زبائن محتملون مستهدفون. وثمة مقاربة أفضل ألا وهي النظر إلى نقاط التماس التي يتفاعل معها الزبائن المستهدفون، ومن ثم البحث عن طرق وبيانات يمكن الاستفادة منها لاستقطابهم.
ما هو القاسم المشترك بين تكديس البيانات ومتلازمة الشيء الجديد اللامع؟ كلاهما يركّزان على الانطلاق من قاعدة الهرم إلى قمّته عوضاً عن الانطلاق من قمة الهرم إلى قاعدته. أي عوضاً عن أن ينطلقا من هدف حل مشكلة تجارية – مثل كيفية دفع الزبائن باتجاه الشراء – فإنهما يبدآن بما هو متاح أو يُباع إلى الشركة. وغالباً ما يقود اتّباع مقاربات تنطلق من قمة الهرم إلى قاعدته إلى أدوات وبيانات إما غير متوافقة مع هدف الشركة أو غير قادرة على توفير استنتاجات مفيدة لها. ونتيجة لذلك، فإن هذه التكنولوجيات التسويقية تصبح غير مستعملة في نهاية المطاف، وتتعرض للإهمال، وتصبح عديمة الجدوى، وتتحول إلى خردة.
المقاربات المنطلقة من قمة الهرم إلى قاعدته غالباً ما تثمر عن أدوات وبيانات إما غير متوافقة مع هدف الشركة أو غير قادرة على توفير استنتاجات مفيدة لها.
الانتقال نحو مقاربة من قمة الهرم إلى قاعدته
يشمل إنشاء مكدّس تسويقي ينطلق من قمة الهرم إلى قاعدته استعمال إطار مؤلف من ثلاث خطوات نطلق عليه اسم "إطار التاءات الثلاثة" (أي الكلمات الثلاث التي تبدأ بحرف التاء): تفكيك رحلة الزبون، وتجزئة الاستراتيجية التسويقية إلى تكتيكات، وتصميم مكدّس التكنولوجيا التسويقية.
التفكيك. أولاً، أنتم بحاجة إلى تقسيم رحلة الزبون إلى مراحل رئيسة، من الاتصال الأول مع الزبون وحتى أنشطة ما بعد البيع، وتحديد المحصلة المرغوبة من كل مرحلة والمقياس المستعمل لتقييمها. ففي بداية الرحلة، على سبيل المثال، قد تركّزون على التوعية وتقيّمونها من خلال استبيانات رضا الزبائن أو عدد الزيارات إلى الموقع. وفي النهاية، قد تركّزون على الرضا وتقيسونه من خلال عدد المرات التي يذكر فيها المنتج على شبكات التواصل الاجتماعي أو عدد المنتجات المرتجعة.
التجزئة. في الخطوة التالية، يجب أن تأخذوا المحصلات المرغوبة وتجزئوا استراتيجياتكم التي ستستعملونها لتحقيقها إلى تكتيكات أساسية. ففي نهاية المطاف، هذه التكتيكات هي ما ستسعى التكنولوجيا التسويقية إلى تطبيقها على نطاق واسع أو أتمتتها. لنفترض مثلاً أنكم تريدون زيادة درجة وعي الزبائن بمنتجاتكم. أحد التكتيكات الجيدة لفعل ذلك هو ما يسمى التسويق الداخلي (أو التسويق الوارد). أما التكتيك الجيد لزيادة الرضا، من جهة أخرى، فيتمثل في تعزيز تجربة الزبون عبر تقديم محتوى ممتاز على الموقع الإلكتروني أو من خلال إنجاز العمليات بطريقة ممتازة.
التصميم. بعد انتهاء فريق التسويق من تعريف التكتيكات الأساسية، يكون الوقت قد حان لتحديد الأدوات التي يمكن استعمالها لدعم كل تكتيك منها. ولإنجاز هذه المهمة، فإننا نوصي بشيء نسمّيه "مصفوفة التكنولوجيا التسويقية". وهي تحدد أي أداة مصممة لدعم أي تكتيك وتوضح كيفية استعمال الأدوات معاً. (راجعوا الفقرة الجانبية بعنوان "مصفوفة التكنولوجيا التسويقية").
حتى وقت قريب، كان المدراء يستعملون أساليب يدوية لمتابعة الطريقة التي يستخدمون بها التكنولوجيا التسويقية. ولكن بعد تزايد أعداد أدوات التكنولوجيا التسويقية تزايداً هائلاً، أصبحت تدبّر أمر هذه التكنولوجيات أعقد. ودون وجود تنسيق أعقد، باتت حالات الإخفاق التي تمنى بها التكنولوجيا التسويقية أكثر شيوعاً. ومن الأمثلة على ذلك من مقابلاتنا مع التنفيذيين ما عرفناه عن إحدى الشركات التي استعملت منتجاً لإدارة عمليات التسجيل لحضور إحدى المناسبات، واستعملت منتجاً آخر لأتمتة توزيع الرسائل الإلكترونية وقواعد بيانات الزبائن. ورغم أن كلا المنتَجين شملا معلومات التسجيل، إلا أنهما لم يتمكنا من التواصل وكانت هناك ازدواجية في أداء الوظائف. وبسبب غياب التنسيق، حصل هدر في المال والوقت.
إذا ما أراد المدراء تجنّب وقوع مشاكل من هذا النوع، فإنهم بحاجة إلى الإقرار بمدى وجود اتكال متبادل بين عناصر مكدّس التكنولوجيا التسويقية. فإذا ما فشل أي عنصر في المكدس، فإن النظام برمّته قد ينهار.
تتمتع مقاربة التاءات الثلاثة (التفكيك، التجزئة، التصميم) المنطلقة من قمة الهرم إلى قاعدته بعدة مزايا إيجابية رئيسة. أولاً، هي استباقية ولا تقوم على رد الفعل. وهذا يحسّن من درجة الكفاءة ويخفض التكاليف. ثانياً، هي تمكّن المدراء من اكتشاف أي ثغرات أو جهود مكررة وزائدة في استراتيجيات التكنولوجيا التسويقية. ثالثاً، هي تشرح بنية التكنولوجيا التسويقية للآخرين في المؤسسة. فالفِرَق التي تصمم مكدّساً ما غالباً ما تضطر إلى تحمّل "تعديلات" زائفة يفرضها أصحاب المصالح الخاصة. وتشير لقاءاتنا إلى أنه ليس من غير الشائع أن يفضّل المدراء تكنولوجيا محددة دون أن يأخذوا بحسبانهم مدى انسجامها وتناغمها مع التكنولوجيات الأخرى. وبالتالي فإن طرح التكنولوجيا التسويقية على شكل نظام يساعد في الوقاية من حصول ذلك، لأنه يسلط الضوء على الكيفية التي تعمل بها الأدوات معاً إضافة إلى المجالات التي قد تشهد ازدواجية محتملة.
مصفوفة التكنولوجيا التسويقية
يمكن لملء مصفوفة التكنولوجيا التسويقية أن يساعد الشركات في ضمان أن تحقق استثماراتها في مجال التكنولوجيا التسويقية الثمار المرجوة منها. أولاً، يجب على الشركات تفكيك رحلة الزبون إلى مراحلها الرئيسة وتحديد الأهداف التي يجب السعي إلى تحقيقها في كل مرحلة. ثانياً، يجب عليها تجزئة الاستراتيجيات المخصصة لتحقيق هذه الأهداف إلى تكتيكات محددة. (إلى اليسار، نبيّن سبعة تكتيكات كلاسيكية مستعملة في التسويق، بما في ذلك مزيج المواد الترويجية، لكن كل تكتيك منها ينطوي على عدد هائل من التكتيكات الأدق؛ ويجب على الشركات تحديد أي منها تخطط لاستعمالها). ثالثاً، يجب عليها تصميم الطريقة التي سوف ترتبط بها التكنولوجيات الفردية التي تدعم هذه التكتيكات، على أن تبحث عن أي فجوات أو أشياء مكررة وزائدة يمكن الاستغناء عنها.
وضع الفكرة موضع التطبيق العملي
إضافة إلى تحديد المدراء لخياراتهم الذكية بخصوص أي أدوات يريدون استعمالها، يجب عليهم أيضاً حشد الدعم الداخلي ضمن المؤسسة لتبنّي استراتيجية التكنولوجيا التسويقية، وإنشاء البنية المؤسسية المناسبة التي تدعمها، وإقناع الآخرين في المؤسسة بتطبيقها.
يتطلب إقناع المدراء للآخرين بأهمية استعمال هذه الاستراتيجية دراسة الإجابة عن سؤالين أساسيين ألا وهما: (1) هل ستغيّر البيانات أو الإجابات التي نحصل عليها من التكنولوجيات عملياً القرارات التي نتخذها؟ وإذا كان هذا هو الحال، (2) هل ستكون المنافع أكبر من تكلفة تطبيق التكنولوجيات؟ فإذا كان برنامج إعلانات، على سبيل المثال، يظل هو ذاته بعد حصول الشركة على بيانات أو أدوات تخص الإعلانات الجديدة، فإن المنفعة من التكنولوجيا شبه مهملة. وحتى لو تغيّر البرنامج، فإن العائد على الاستثمار قد يكون ضئيلاً جداً إلى حد أنه لا يكون مُجدياً.
إنشاء الهيكلية المؤسسية الداعمة هو أمر محفوف بالتحديات أيضاً. فقبل بضع سنوات، كانت وظائف تسويق عديدة تُستضاف في قسم تكنولوجيا المعلومات في الشركة لأنها كانت تعتمد اعتماداً هائلاً على البيانات وكانت باهظة التكلفة. لكن المشهد تطور لأسباب عديدة. أولاً، سمحت الحوسبة السحابية باستضافة البيانات والبرمجيات خارج الشركة، الأمر الذي ألغى الحاجة إلى استثمارات داخلية كبيرة في البنية التحتية، هي عادة من اختصاص قسم تكنولوجيا المعلومات في الشركة. ثانياً، انتقل نموذج التسعير الخاص بالبرمجيات من الشراء إلى الاشتراك، أي توفير البرمجية على شكل خدمة. هذا يعني أن الشركات ليست بحاجة إلى استثمارات ضخمة تدفع سلفاً للحصول على البرمجية، وهذا أيضاً كان عادة من مهام قسم تكنولوجيا المعلومات. ثالثاً، أسهمت واجهات برمجة التطبيقات في تمكين الحلول المشتتة من العمل معاً بقدر أعلى من الكفاءة. بيد أن الحلول المطورة داخلياً غالباً ما لا تكون قادرة على التأقلم مع المنظومة الأوسع للتكنولوجيا التسويقية، لذلك فإن الشركات باتت تختار المزيد من الأدوات المطوّرة من جهات خارجية بحيث تخضع هذه الأدوات لإدارة قسمي التسويق والمبيعات وليس قسم تكنولوجيا المعلومات. وبسبب ذلك فإن شركات عديدة أصبحت الآن تستعمل مصفوفة هجينة من المقاربات المؤسسية لإدارة هذه التكنولوجيات. ولكل وظيفة (مثل التسويق أو المبيعات أو الدعم) شخص محدد متفرّغ لتلبية احتياجاتها التكنولوجية، في حين يوجد مسؤول رفيع المستوى للتكنولوجيا التسويقية يعمل تحت أمرة مدير التسويق وتتمثل وظيفته في ضمان وجود تنسيق وتناغم بين جميع الأدوات التي تستعملها جميع الوظائف.
في مؤسسة كبيرة الحجم، من الضروري بمكان الحصول على موافقة جميع أصحاب المصلحة الداخليين أيضاً لضمان التطبيق الناجح. وينبغي الإصغاء إلى الآراء الهامة للمستخدمين المعنيين، سواء فيما يتعلق بتصميم الحلول أو بتنفيذها. فالمستخدمون يجب أن يشعروا أن الحلول سوف تسرّع عملهم وتحسّنه وسيكون تطبيقها سهلاً. ثانياً، يجب أن يكون هناك التزام مؤسسي بتوفير الموارد والتدريب المطلوبين. فالقادة يفترضون غالباً أن فِرَقَهم تمتلك القدرات والمعارف التي تسمح لها بتبنّي التكنولوجيا الجديدة. وقد يفترض قائد معيّن يشعر بالانبهار بشاشة مستخدم جديدة لامعة خطأ أن أداة ما سهلة الاستعمال، لكن استعمال العديد من الأدوات ليس بالأمر السهل. لذلك يجب على الشركات ضمان قدرة الموظفين على اكتساب المؤهلات المطلوبة للتعامل مع تكنولوجيا جديدة.
كيف أحدثت إحدى الشركات ثورة في عالم التكنولوجيا التسويقية؟
دعونا هنا نراجع تجربة شركة أوراكل (Oracle) لنرى كيف تتضافر هذه العوامل معاً.
في 2012، كانت أوراكل تتحول من بيع المنتجات إلى بيع الخدمات عبر الحوسبة السحابية. وقد كانت قدرات التسويق الداخلية التي تبيعها للشركات لكي تستعملها في مقراتها والتكنولوجيات القديمة التي كانت توفرها لها غير متوافقة مع تموضع أوراكل الجديد هذا وكانت متقادمة. كان التكامل بين البيانات المستعملة في مختلف التكنولوجيات في الشركة غير مكتمل الأركان، وفي بعض الحالات كان هذا التكامل غير مجدٍ. وفي إحدى الحالات، كان هناك تبنّ لتكنولوجيات تخص المناسبات المقامة عن طريق الإنترنت وكانت هذه التكنولوجيات فائضة عن الحاجة وغير متناسقة. كانت هناك حالة من الفوضى وعدم الترابط التي تشوب مئات الآلاف من بيانات الزبائن. هذا الأمر حدّ من قدرة أوراكل على نشر تكنولوجيات كانت أساسية لمبيعاتها من البرمجيات التي هي قيد التطوير. وعلاوة على ما سبق، قادت حالة العزلة المؤسسية التي فرضت جدراناً وهمية بين أقسام المبيعات، والتسويق الميداني، وتسويق المنتجات، والتسويق الخاص بالشركات إلى البعث برسائل متناقضة، وإلى حصول تشتت في تجربة الزبائن.
نتيجة لما سبق، لم تتمكن أوراكل إلا من تحويل 2% من عمليات البيع المحتملة المؤهلة إلى مبيعات فعلية. كان مندوبو المبيعات يتذمرون من ضعف جودة عمليات البيع المحتملة. "كان قد مضى وقت طويل قبل أن نتمكن من إقناع الشركة أن لنا أثراً مالياً على الأنشطة"، كما يقول بينس غازداغ، المدير الأول للتكنولوجيا التسويقية. هذا الأمر دفع فريق التكنولوجيا التسويقية في أوراكل إلى تبنّي "مقاربة التاءات الثلاث" لإحداث النقلة النوعية المطلوبة:
أولاً، فكك الفريق رحلة الزبون بحيث يكون بمقدوره ربط التكنولوجيات التسويقية ربطاً أفضل بالمحصلات المرغوبة. وقد شملت المحصلات التي حددها زيادة درجة الوعي، وتعزيز عملية التفاعل، وزيادة عدد المشتريات، وتحسين معدل الاحتفاظ بالزبائن.
ثانياً، جزّأ الفريق الاستراتيجيات التسويقية المترابطة إلى تكتيكات يمكن رسم خارطة بها تكون متوافقة مع رحلة الزبون، مثل التسويق المبني على حساب العميل، الذي يزيد من حجم المشتريات من خلال مخاطبة الزبائن الحاليين والمحتملين برسائل مفصّلة إلى حد كبير على احتياجاتهم وطلباتهم. كشف هذا الإجراء عن بعض الاستنتاجات التي ساعدت في تحديد التكتيكات القابلة للأتمتة. فقد أظهر مثلاً أن الذكاء الاصطناعي المدرب على بيانات الزبائن يمكن أن يحل وعلى نطاق واسع مكان عملية كتابة الرسائل الإلكترونية المضنية التي تضم معلومات محددة تناسب كل حساب.
ثالثاً، صمّم الفريق مكدّس التكنولوجيا التسويقية عبر ربط التكنولوجيات بالتكتيكات التسويقية المستخدمة لكل مرحلة في الرحلة، ومن خلال رسم خارطة تبيّن حركة البيانات عبر هذه التكنولوجيات لضمان أن تعمل هذه التكنولوجيات كنظام متكامل. فعلى سبيل المثال، كانت الأدوات التي يستعملها فريق المبيعات مضطرة إلى التواصل مع المنتجات التسويقية المرتبطة بكل حساب لضمان اتساق الرسائل. ولم يكن بالإمكان اختيار أي منهما بمعزل عن الأخرى.
رغم أن عملية التحول واجهت العديد من العقبات المحتملة، إلى أنها استفادت من انتباه الشركة إلى التنفيذ.
أولاً، كانت الاستعمالات والمنافع التي ستحققها المؤسسة معرّفة بوضوح من الإدارة العليا، ما أدى إلى ضمان الالتزام بتقديم الموارد. فعلى سبيل المثال، لم يكن هذا الجهد ليحسّن معدلات تحويل المبيعات المحتملة إلى مبيعات فعلية في أوراكل فحسب، وإنما كان أيضاً سيعزز فهمها لاحتياجات عملائها وللكيفية التي ستساعدهم بها منتجات أوراكل التكنولوجية.
ثانياً، وُضِعَ نظام مؤسسي جديد لإدارة عملية التحول وما بعدها. ففي السابق، كان لكل من وظيفة المبيعات، ووظيفة التسويق الميداني، ووظيفة تسويق المنتجات، ووظيفة التسويق الخاص بالشركات التكنولوجيا الخاصة بها التي تديرها بمعرفتها. أما الآن، فإن التكنولوجيا التسويقية خاضعة لتحكّم وظيفة مركزية تقع ضمن مركز جديد للطلب خاص بالتسويق العالمي تابع لمدير التسويق الذي يعقد جلسات تنسيق أسبوعية لضمان بقاء التكنولوجيا التسويقية أولوية استراتيجية.
أخيراً، روّج الفريق للابتكارات في مجال التكنولوجيا التسويقية على المستوى الداخلي ضمن الشركة من خلال استهداف النافذين والمؤثرين والمتبنين الأوائل ممن نظر إليهم بوصفهم يمتلكون خبرة كبيرة ضمن المؤسسة. وقد أسهم دعمهم في تسريع تبنّي التكنولوجيا التسويقية بين صفوف الأشخاص الواقعين وسط منحنى التبني، أما المتأخرون الذين كانوا في الجزء البطيء من منحنى التبني فقد أوكلت إليهم أدوار أخرى أو تخلّى الفريق عنهم ببساطة. كما طوّر الفريق التكنولوجيا ليجعل استخدامها سهلاً. وفي غضون ذلك، بدأت الخلاصات والاستنتاجات المكتسبة من تطبيق إطار التاءات الثلاث في مساعدة أوراكل على بيع تكنولوجياتها إلى زبائنها.
تمتلك أوراكل اليوم واحداً من أكثر مكدّسات التكنولوجيا التسويقية اكتمالاً وكفاءة في العالم. وهي تسجّل مستويات عالية من الاستخدام ضمن المؤسسة. والمعدل الوسطي للصفقات يكون أكبر بنسبة 69% عند مشاركة قسم التسويق. إضافة إلى ذلك، فإن 70% من تجارب الشراء من زبائن الشركة باتت مؤتمتة، ما ساعد في مضاعفة معدل تحويل الفرصة إلى عملية بيع محتملة وتقليل الزمن المطلوب لإطلاق حملة تسويق من أربعة أسابيع إلى خمسة أيام. وقد أصبح قسم التسويق الآن يتعامل مع 1.5 مليار حالة تفاعل من الزبائن، بعد أن كان الرقم لا يتجاوز المليونين. وعلاوة على ما سبق، فإن شراء الأشياء الجديدة اللامعة من منطلق انتهاز فرصة متاحة اختفى إلى حد كبير، لأن الأدوات لا تُتبنّى إذا لم تكن متوافقة مع استراتيجية المؤسسة أو نظام التكنولوجيات الحالية فيها.
في ضوء النمو والتبني الهائلين، باتت التكنولوجيا التسويقية تحظى الآن باهتمام كل مؤسسة رئيسة. بيد أن الشركات يجب أن تدرك الأخطار الكامنة في شراء عدد زائد من الأدوات التي تصنعها شركات خارجية دون ما يكفي من التنسيق ووجود استراتيجية لاستعمالها. ويجب أن تكون الطرق التي وصفناها في هذا المقال مفيدة للشركات وأن تساعدها في تجنب تكديس البيانات والوعد الزائف الذي تقدّمه الأشياء الجديدة اللامعة، كما يجب أن تمكنها من إيجاد مكدّس التكنولوجيا التسويقية الذي سيساعد على الأغلب في زيادة المبيعات وتخفيض التكاليف.