إليكم هذه القصة التي تتحدث عن كيف تتعامل مع زميل العمل الجديد: لم يمضِ على دخول جابر في عمله الجديد سوى بضعة أيام، عندما وجد نفسه في رحلة تستغرق 40 دقيقة في السيارة مع زميله الجديد كمال (تم تغيير الأسماء) لحضور اجتماع خارجي. ولأنه كان مبتدئاً في العمل كان جابر مصراً على ترك انطباع جيد، وكان حريصاً على الاستمرار في تجاذب أطراف الحديث. أما كمال، الذي يعمل في الشركة منذ أكثر من عقد، فلم يكن على هذا القدر من الاندفاع.
خلال الرحلة، أعطى كمال رأيه الصريح عن كل شخص في المكتب. يتذكر جابر قائلاً: "أعني فعلياً كل شخص في المكتب، بدءاً من أعضاء السكرتاريا إلى كبار المسؤولين فيه، حتى أنه أخبرني عن قناعته بضرورة طرد مدير المكتب من منصبه". بقي جابر صامتاً أغلب الوقت الذي كان فيه زميله يسهب في الكلام، لكنه أصيب في سره بالذعر مما كان يسمعه.
لم يمضِ وقت طويل حتى اتضح لجابر أن كمال كان يحاول ضمه إلى "معسكره" في صراعات المكتب الداخلية، ومنذ إجراء تلك المحادثة فصاعداً بقي جابر متيقظاً، غير واثق بالبعض من زملائه الجدد الآخرين، ومتوخياً الحذر فيما يقوله عن الثرثار المخضرم. نتيجة لما سلف يقول جابر عن كمال: "لقد ساعدني فعلياً على تفادي بعض الألغام"، لكنها كانت بداية صاخبة لعمله الجديد.
مررت ذات مرة بموقف كمال، وأسديت إلى زميل جديد لي في العمل نصائحي غير الرسمية عن كيفية التعامل مع مدير صارم. لكن ما إن غادرت مكتبه حتى انتابني القلق حيال موقف الضعف الذي وضعت نفسي به جراء عدم تكتمي وطيشي. لحسن حظي اتضح أن زميلي كان شخصاً جديراً بالثقة وقد ثمّن المشورة غير الرسمية التي قدمتها له. لكن قيامي بهذا الفعل جعلني أتساءل بدوري: هل هناك أي جدوى من المغامرة بتلقين آرائك لزميل جديد، حتى عندما تكون دوافعك ذات نوايا طيبة؟
كيف تتعامل مع زميل العمل الجديد؟
تجيب جوديث وايت، الأستاذة الزائرة في مدرسة "توك" التابعة لـ "كلية دارتموث" (Dartmouth College)، عن هذا التساؤل بأن هناك جدوى في حالات معينة، فتقول: "إن كان هذا جزءاً من مبادرة للتواصل الاجتماعي فهو أمر مفيد"، وتعطي مثالاً على ذلك أحداث الحلقة الأولى من مسلسل "ماد من" (Mad Men)، عندما تعطي جوان للموظفة الجديدة بيغي الدليل غير الرسمي للنجاح في شركة "ستيرلينغ كوبر" (Sterling Cooper)، وتشرح ذلك بقولها: "لقد كانت تهيئها لتحقق النجاح، ليس لصالح نفسها فحسب، بل لصالح الشركة".
إذاً كيف لك أن تعرف ما إذا كان يجب عليك نقل معرفتك الداخلية بشؤون وسياسة المكتب إلى موظف جديد؟
أولاً، يجب عليك التحقق من دوافعك. تقول وايت: "إذا كان هناك شخص ما يساعدك على تعلم قواعد المؤسسة غير المعلنة أو المكتوبة بهدف دفعك لتكون أكثر فاعلية فهذا شيء جيد". لكن هذا الدافع نفسه الذي يجعلك تسعى لمساعدة زميل قد يصبح خطيراً إذا ما كنت تهدف من خلاله إلى ضم شخص ما إلى طرفك من التحالفات غير الرسمية، كما فعل كمال. يقول بين داتنر، وهو مدرب تنفيذي ومستشار في تنمية المؤسسات، إنه في حال: "كنت تساعدهم ليكونوا أكثر فاعلية، ويتجنبوا الوقوع في الفخاخ أو خرق المحرمات" فامضِ قدماً، "الهدف هو جعل الحياة أكثر سهولة بالنسبة إليهم".
حتى عندما تكون نواياك إيجابية، فلا يزال من واجبك احترام الحدود والانتباه إلى كيفية انعكاس مشاركتك لهذه المعلومات عليك. واجهت هالة (وهو اسم مستعار أيضاً) موقفاً مشابهاً أثناء تنقلها بين العديد من الوظائف في مسيرتها المهنية. لم تكن مبتدئة حينها لذا تفاجأت عندما سردت إحدى زميلاتها الجدد ببساطة الحياة الشخصية وخلفيات كل فرد من أفراد مجموعة العمل على مسامعها. أثار هذا الفعل لديها شعوراً بالقلق تجاه هذه الزميلة الجديدة العاجزة عن كتم الأسرار عوضاً عن الشعور بالاطمئنان لاطلاعها على ما قدمته من معلومات. تقول: "الآن أنا لا أثق في زميلة العمل هذه. لا أشاركها الكثير من معلوماتي الشخصية لأنني متأكدة أنني عندما أفعل ذلك فستتم مشاركتها مع الآخرين. أحاول فقط الحفاظ على علاقة سطحية وودودة معها". لم ينتهِ هذا الأمر على نحو جيد بالنسبة لهالة ولا إلى الموظفة القديمة الساخطة. يتحدث جابر عن شعور مماثل انتابه عندما كان يستمع إلى حديث كمال اللاذع: "بما أنني الشاب الجديد، كنت أتساءل، لماذا يخبرني بكل هذه الأمور؟ إنه حتى لا يعرفني". ضع في اعتبارك أنه أياً كان ما تقوله لزميلك الجديد فهو سينعكس عليك، وربما بطريقة سلبية.
هذا لا يعني أن المشاركة في الثرثرة تضر دائماً في بيئة العمل. في الواقع، الجميع يقوم بهذا التصرف بطريقة أو بأخرى برأي جوزيبي لابيانكا، أستاذ الإدارة في "جامعة كنتاكي" (University of Kentucky)، الذي تحدث عن بحثه في مقال كتبه عام 2010 تحت عنوان "ليست الثرثرة في العمل تصرفاً غير مهني"، قائلاً: "يمكن للثرثرة أن تكون مفيدة جداً للأشخاص العاملين في المؤسسات، خاصة عندما يتوقف تدفق المعلومات من الأعلى، كما يحدث غالباً عندما تتعرض الشركات لأزمات أو تمر بمرحلة من التغيير. إذا كان هناك عدد من الأشخاص يعرفون ما يجري حقاً، تصبح الثرثرة الوسيلة المناسبة لنقل هذه المعلومات إلى باقي الأفراد. إضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن الثرثرة غالباً ما تعمل على تخفيف حدة توتر الأشخاص وتعزز قدرتهم على التعامل مع حالات الالتباس".
على الرغم من ذلك، يحذر لابيانكا من الأذى الذي قد تتعرض له حياتك المهنية في حال عُرف عنك أنك ثرثار. "نحن على دراية بأن المدراء يعتبرون الثرثرة فعلاً تخريبياً. إنها فعلاً كذلك". لا يميل المدراء إلى افتراض أن أي ثرثرة هي فعل سلبي فحسب، بل يميلون أيضاً إلى منح الموظفين المعروفين بثرثرتهم تقييماً بدرجات أقل.
أخيراً، فكر فيما إذا كان الكلام الذي تقوله قد ينعكس عليك سلباً لاحقاً. تقول وايت: "إذا كان ما تقوله فكرة يعرفها جميع من يعمل معك سلفاً، فلا بأس بذلك، أما إذا كان الأمر يتعلق بنشر معلومات سرية فهذا أمر لا يبشر بالخير". أنت لا تعرف ما قد يقوله زميلك الجديد للآخرين، قد يعرضك هذا الأمر للفضيحة وربما يضر بسمعتك. يقترح داتنر قاعدة بسيطة يمكن اتباعها عندما يقف الشخص على الحد الفاصل بين تقديم المساعدة لزميل جديد من جهة وتعريض الطرفين للأذى من جهة أخرى مفادها: "افعل ذلك وكأن الجميع يسمعك" وعندها ستعرف كيف تتعامل مع زميل العمل الجديد.
اقرأ أيضاً: