عقدتُ الأسبوع الماضي اجتماعاً مع عميل يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة تعمل في مجال الخدمات المالية العالمية. وفي نهاية حديثنا، سألني عن رأيي في مؤسسته، وإذا ما كانت هناك آراء تقييمية أحب أن أقدمها له في هذا الخصوص. وبما أنني أَكِن لهذه الشركة احتراماً وإعجاباً كبيرين، أطلعته على قائمة طويلة جداً من الآراء الإيجابية حول العناصر البشرية والثقافة المؤسسية للشركة وإنجازاتها الرائعة، ثم أخبرته بأنني أعتقد أن أكبر فرصة للتحسين تتمحور حول خلق ثقافة مؤسسية تشجّع الصراحة وغنية بالآراء التقييمية. ولكم سعدت برده الذي قال فيه إن هذا ما يريد فعله بالضبط، ولم أُفاجأ عندما أخبرني بأنه لا يعرف كيف يبدأ.

من الصعب دمج قِيَم الصراحة وتقديم الآراء التقييمية في أي ثقافة مؤسسية، ولكن هذا الرئيس التنفيذي بالتحديد كان يواجه عدداً من التحديات الصعبة التي تجب معالجتها؛ لأن الثقافة المؤسسية التي تشتهر بها شركته حالياً تتمحور حول اللطف والاحترام والود والحميمية والتركيز على توطيد العلاقات وخلق أجواء تنعم بالهدوء. وعلى الرغم من أن هذه الصفات تمثّل مواطن قوة حقيقية للمؤسسة، فقد تؤدي أيضاً إلى خلق حواجز تقف عائقاً أمام الصراحة وتقديم الآراء التقييمية.

ونستعرض فيما يلي بعض التحديات التي واجهتها هذه المؤسسة، على غرار الكثير من المؤسسات الأخرى التي تشتهر بأسلوبها “اللطيف” في معاملة موظفيها:

لا أحد يريد أن يؤذي زميله

يعتقد معظم القادة أنهم قد يؤذون الموظف إذا أفصحوا له عن وجهة نظر تختلف بقوة عن وجهة نظره أو قدّموا له آراء تقييمية نقدية. أثبتت الأبحاث في واقع الأمر أن الآراء التقييمية قد تسبب آلاماً جسدية محسوسة. ولا يحب الموظفون في معظم المؤسسات إيذاء أحدهم الآخر، وتنطبق هذه القاعدة تحديداً على الثقافات المؤسسية السائدة في الشركات التي تشتهر بأسلوبها “اللطيف” في معاملة موظفيها.

من المتوقع أن يتصف السلوك برباطة الجأش والاحترام المتبادَل والاحترافية على الدوام

لا شك في أن هذه الصفات رائعة وإيجابية عموماً؛ لكن تعلُّم مهارة جديدة (مثل الصراحة وتقديم الآراء التقييمية) أمرٌ صعبٌ بطبيعته، كما أننا جميعاً نفتقر إلى المهارة عندما نجرّب شيئاً جديداً. ومن السهولة بمكان أن نفسّر هذه الصعوبة والافتقار إلى المهارات الأولية بأنهما ينمُّان عن الافتقار إلى رباطة الجأش أو الاحترام أو الاحترافية، وكلها سلوكيات غير مقبولة في الثقافة المؤسسية للشركات التي تشتهر بأسلوبها “اللطيف” في معاملة موظفيها.

عدم وجود نماذج يُحتذَى بها، خاصة في المراكز القيادية

عندما ينظر العاملون في هذه المؤسسة إلى قادتهم الكبار، يرون قادة ودودين وإيجابين جداً يفتقرون عادةً إلى الصراحة مع أحدهم الآخر وقلما يقدّمون آراء تقييمية إيجابية أو سلبية. ويُكثِرون بطبيعة الحال من قول “عمل جيد” والثناء على الأعمال الجيدة، لكنهم قلما يتحدثون على وجه التحديد عن السلوك من منظور تطويري لمساعدة العاملين على التحسُّن.

الخوف من العبث بالثقافة المؤسسية

عندما تشتهر الثقافة المؤسسية لشركة ما بأسلوبها “اللطيف” في معاملة موظفيها، يفتخر موظفوها بها ويخلصون لها من صميم قلبهم؛ ويشكّل أسلوبها “اللطيف” في التعامل جزءاً مما يجذبهم إلى المؤسسة ويشجعهم على البقاء فيها؛ إذ يستمتعون بهذه الثقافة، ويترددون عادةً في تجربة أي شيء قد يعرّضهم لخطر فقدانها. يقول الخبير المعروف في مجال الثقافة المؤسسية والأستاذ الفخري في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إدغار شاين، إنه بمجرد إرساء معايير ثقافية معينة، مثل عدم تقديم آراء تقييمية، يصبح من السهل على الأفراد مقاومة التغيير “عن طريق الإنكار أو الإسقاط أو التبرير أو غيرها من الآليات الدفاعية الأخرى” بدلاً من تغيير سلوكهم.

كيف يمكن لمؤسسة تشتهر بأسلوبها “اللطيف” في معاملة موظفيها أن تخلق ثقافة تشجّع الآراء التقييمية الصريحة في ظل هذه العوائق؟

هذا ممكن، لكنه ليس سهلاً.

استناداً إلى خبرتي في تدريب المئات من المسؤولين التنفيذيين، أعلم أن القادة في المؤسسات التي تشتهر بأسلوبها “اللطيف” في معاملة موظفيها، وحتى في المؤسسات التي لا تشتهر بهذا الأسلوب، يمكنهم خلق ثقافة تشجّع الصراحة وغنية بالآراء التقييمية من خلال اتباع الخطوات السبع التالية:

  • ابدأ بنفسك. نظراً لأن الشخص الوحيد الذي يمكنك تغييره هو أنت، عليك أن تركز على نفسك أولاً. أظهِر جديتك الحقيقية بشأن إحداث تغيير جذري في الثقافة المؤسسية من خلال بذل الجهد المطلوب لتحسين شخصيتك. اقطع على نفسك عهداً بأن تحسّن مستواك في الجوانب المرتبطة بالصراحة وتقديم الآراء التقييمية وأعلن عن الخطة التي أعددتها لتحقيق هذه الغاية. أخبر أعضاء فريقك بالعهد الذي قطعته على نفسك واطلب مساعدتهم. أثبتت أبحاث روبرت تشالديني حول العهود التي يقطعها المرء على نفسه والتزامه بتنفيذها أننا إذا قطعنا على أنفسنا عهداً أمام الآخرين بتحقيق هدف ما، فسوف نحترمه على الأرجح؛ لأنه يصبح جزءاً من هويتنا ونبغض اتباع طرق تتعارض مع هذه الهوية. وحينما تبدأ بنفسك، ستكون نموذجاً يُحتذى به في السلوك المحمود وستُظهر التزامك بإحداث تغيير جذري في الثقافة المؤسسية.
  • اطلب الآراء التقييمية وأنصت حقاً إلى ما يُقال لك. اطلب آراء تقييمية إجمالية (“كيف أكون قائداً أكثر فعالية من وجهة نظركم؟”) وآراء تقييمية تفصيلية (“ما الشيء المختلف الذي كان بإمكاني فعله في هذا الاجتماع حتى يكون بنّاءً أكثر؟”). أنصت بعناية وصراحة إلى ما يُقال لك، وتعامل مع رؤى الآخرين وتصوراتهم بنوع من حب الاستطلاع. وأياً كان ما تسمعه، لا تحاول المقاومة أو الإيضاح أو الدفاع أو إجبار الطرف الآخر على التراجع. يمكنك معالجة ذلك كله لاحقاً وتحديد ما تريد التصرف استناداً إليه، ولكن عليك أن تكتفي في الوقت الحالي بالاستماع إلى آرائه كلها. واشكره في النهاية.
  • ركز على المحاولات المدروسة بعناية التي تنمُّ عن اهتمامك بالمساعدة في تحسين مستوى شخص أو موقف ما. لا تحسب أن زيادة مستوى الصراحة وتقديم الآراء التقييمية تمنح أياً منا رخصة لقول ما يشاء كيفما يشاء في أي وقت يشاء؛ إذ لا يتعلق الأمر بالتنفيس عن الغضب أو إزاحة همٍّ ثقيل يجثم على صدورنا. الهدف من خلق ثقافة مؤسسية تشجّع على الصراحة وتقديم الآراء التقييمية هو مساعدة شخص آخر على التطور وزيادة مستوى فعاليته أو مساعدة الفريق على الخروج بنتائج بنّاءة من المحادثات التي تخوضونها أو القرارات التي تتخذونها أو الأعمال الجماعية التي تؤدونها؛ ما يعني أننا نفصح عن وجهات نظرنا في سبيل خدمة الآخرين ومساعدتهم، ولا علاقة للأمر بشعورنا بالتحسُّن.
  • توقَّع بعض المنغّصات والأخطاء. مثلما يحدث عند الإقدام على تعلُّم أي مهارة جديدة، فإن التحسن في الصراحة وتقديم الآراء التقييمية سيكون أمراً غير مريح في البداية بسبب افتقارك إلى عنصر المهارة. نحن نتعلم من خلال المحاولة وارتكاب الأخطاء وفهم أخطائنا، ثم المحاولة من جديد. ونظراً لأن الصراحة وتقديم الآراء التقييمية يتضمنان أشخاصاً آخرين، فمن الوارد أن يحدث سوء تفاهم أو أن نجرح مشاعر البعض أو نتسبب في نشوب أنواع أخرى من الصراعات. لا تتوقع تخطي هذا الجزء من رحلتك التعليمية أو أن يبدو الأمر طبيعياً أو سهلاً. لن يحدث أيٌّ من الأمرين. وما المنغصات التي تتعرّض لها والأخطاء التي ترتكبها إلا دليلٌ على أنك تسير على الطريق الصحيح.
  • صحّح أخطاءك بمجرد ارتكابها. ارتكاب الأخطاء أمرٌ طبيعيٌ، لكن عدم إصلاح أي أضرار تسبب فيها سلوك غير لطيف بالمرة يتنافى مع المبادئ القيادية السليمة. إذا آذيت أحدهم، فقل: “أنا آسف”. وإذا أُسيء فهمك، فاعترف بدورك في هذا الخلط، واشرح حقيقة نواياك، واعتذر عن أي مضايقات سببها سوء الفهم. لن تفعل الصواب فحسب من خلال الاعتراف بأخطائك وتصحيحها، بل سترسل أيضاً رسالتين قويتين إلى مؤسستك: القادة يرتكبون أخطاء عندما يحاولون تعلُّم شيء جديد، ويعبّرون عن أسفهم.
  • اعرف متى يجب أن تمتنع عن الصراحة أو تقديم الآراء التقييمية. هناك أوقات لا تكون فيها الصراحة والآراء التقييمية هي الحل الصحيح. وكما قالت زميلتي ديبورا غرايسون ريغيل في مقال لها، فإن تقديم الآراء التقييمية ليس المسار الإجرائي الصحيح عندما يكون الهدف هو إلقاء اللوم بدلاً من البحث عن حلول؛ أو عندما تتأجج مشاعرك العاطفية (مثلما يحدث عند الشعور بالجوع أو الغضب أو الوحدة أو التعب)؛ أو عندما يركز رأيك التقييمي على الشخص بدلاً من السلوك؛ أو عندما يكون مبنياً على الإشاعات؛ أو إذا كنت قد قدّمت الكثير من الآراء التقييمية الأخرى مؤخراً.
  • تبنَّ عقلية التحسين المستمر. راقب ما تجيد فعله وتعلَّم منه. لاحظ أين تتجنب الصراحة أو تحاول التنفيس عن مشاعر الغضب أو تقدّم الآراء التقييمية بأسلوب يفتقر إلى المهارة، وتعلم من ذلك أيضاً. حلّل ما ينجح وما لا ينجح، ثم ضع استراتيجيات للتحسين. وعلى غرار ما يحدث عند تعلم أي مهارة جديدة، فهي عملية متكررة يطول أمدها. لم أقابل بعد قائداً يعتقد أنه وصل إلى المستوى الكافي في الصراحة وتقديم الآراء التقييمية.

إذا بدا لك هذا عملاً يستلزم بذل الكثير من الجهد، فهذا لأنه كذلك. وإذا أردت أن تحسّن مستواك في هذه المهارات القيادية الحاسمة، فاعلم أن هذا ليس بالأمر السهل أو البسيط. وكما قال وارين بينيس ذات مرة: “يدرك القادة أهمية وجود شخص في حياتهم يخبرهم بالحقيقة دون كلل أو خوف”. كُن ذلك الشخص في حياة الآخرين.