كيف تفكر في مسارك المهني على نحو استراتيجي؟

18 دقيقة
الانتقال الوظيفي
shutterstock.com/iampaese
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: الانتقال الوظيفي عملية صعبة. من الصعب على الكثيرين تصور أنفسهم في وظيفة تختلف جذرياً عن وظيفتهم الحالية. بعد اتخاذ قرار بتغيير المهنة، قد يكون من الصعب الانتقال بسلاسة إلى ممارسة الدور الجديد. هيرمينيا إيبارا هنا لتقديم المساعدة والتوجيه. تتفهم الأستاذة في كلية لندن للأعمال تحديات الانتقالات الوظيفية ولديها أفكار ومقترحات حول تحسين فرص نجاحها. إيبار من مواليد كوبا، حازت الماجستير والدكتوراة من جامعة ييل. كانت عضواً في هيئة التدريس في كلية هارفارد للأعمال والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد) قبل أن تتولى دورها الحالي بصفتها أستاذة للسلوك التنظيمي في كلية لندن للأعمال. تمحورت المحادثة حول الانتقالات الوظيفية، إذ تؤمن إيبارا بأهمية التخطيط الاستراتيجي لتحسين فرص نجاح هذه الانتقالات. ناقشنا أيضاً بناء العلاقات ووجهة نظرها المثيرة للجدل إلى حد ما بشأن “الأصالة” في مكان العمل.

بالنسبة لمعظمنا، يُعد إجراء عملية تغيير جذرية لحياتنا المهنية وحياتنا الشخصية مهمة صعبة جداً. تشير الأستاذة في كلية لندن للأعمال، هيرمينيا إيبارا، إلى أنه ربما تدرك أنك لم تعد راغباً في الاستمرار في مسارك المهني الحالي، ولكن تجد صعوبة في تحديد خطوتك المهنية التالية. وتقول: “من الصعب البحث عن شيء ما عندما لا تكون متيقناً تماماً مما تبحث عنه”.

الأهم من محاولة معرفة الخطوة المهنية التالية هو أن تفكر على نحو موسّع في المسارات المحتملة المختلفة التي يمكنك اتباعها، ثم استكشاف هذه الاحتمالات في الوقت نفسه. يمكن أن يكون وجود شبكة متنوعة من المعارف مفيداً في هذه العملية. في حين أن معظمنا يكره بناء العلاقات، فإن لدى إيبارا نصائح للتحسن في هذا المجال أيضاً.

في مقالنا اليوم، ينخرط رئيس تحرير هارفارد بزنس ريفيو الإنجليزية أدي إغناطيوس في حوار مع المؤلفة الغزيرة الإنتاج والخبيرة في الانتقالات الوظيفية، هيرمينيا إيبارا، لمناقشة المواضيع الآتية:

  • كيفية الانتقال الناجح والسلس من مهنة إلى أخرى.
  • الحفاظ على الأصالة في مكان العمل دون الحد من نموك وتطورك.
  • كيفية التوسع خارج شبكة معارفك المحدودة أو المغلقة وإقامة اتصالات حقيقية مع الأفراد الذين يمكنهم توفير الوصول إلى فرص جديدة.

لدى إيبارا كتابان جديدان في طبعات محدّثة: الأول “هوية العمل: استراتيجيات غير تقليدية لإعادة ابتكار حياتك المهنية” (Working Identity: Unconventional Strategies for Reinventing Your Career)، والثاني كتاب “تصرف كقائد، فكّر كقائد” (Act Like a Leader, Think Like a Leader).

أدي إغناطيوس: أريد أن أتحدث بإسهاب عن الانتقالات الوظيفية، ولكن أريد توفير بعض السياق أولاً. من وجهة نظرك، فإننا نعيش في عصر إعادة ابتكار الحياة المهنية المستمر. لماذا تتبنين هذا الرأي؟

هيرمينيا إيبارا: أدرس إعادة ابتكار الحياة المهنية منذ أكثر من 20 عاماً. لقد صدرت الطبعة الأولى من كتابي “هوية العمل” (Working Identity) قبل 20 عاماً، ومنذ ذلك الحين، تتسارع اتجاهات إعادة ابتكار الحياة المهنية. لقد بات الناس يعيدون ابتكار هويتهم وحياتهم المهنية أكثر فأكثر.

هناك 4 عوامل تسهم في هذا الاتجاه؛ العامل الأول هو زيادة متوسط العمر المتوقع. بما أن الناس يعيشون حياة أطول، فإنهم لا يريدون أن تبقى حياتهم المهنية في حالة ركود منذ أربعينيات عمرهم فصاعداً، خاصة أنهم قد يعملون مدة 40 عاماً أخرى. نسعى إلى تحقيق أقصى استفادة من سنوات عمرنا الممتدة. كان ذلك العامل الأول.

العامل الثاني هو التكنولوجيا. لا حاجة إلى الكلام كثيراً عن ذلك، فتأثير التكنولوجيا في كل شيء، بما في ذلك الوظائف، معروف على نطاق واسع. لقد قضت على وظائف معينة، وخلقت فرص عمل جديدة، وأتاحت لنا العمل من أي مكان. باختصار، توفر التغييرات التكنولوجية سياقاً مثيراً للاهتمام للأفراد الذين يتطلعون إلى إعادة ابتكار أنفسهم على المستوى الوظيفي.

أما العامل الثالث فيتعلق بشركاتنا ومؤسساتنا وأماكن عملنا، فهي تتعرض باستمرار للزعزعة أيضاً، ما يخلق فرصاً جديدة، ولكن ذلك يخلق تحدياتٍ أيضاً. على سبيل المثال، لقد شهدنا موجات ضخمة من عمليات تسريح العاملين في الآونة الأخيرة في قطاع التكنولوجيا. وبالمثل، يعاني الموظفون الآن أيضاً في القطاع المالي ارتفاعَ أسعار الفائدة وتأثير ذلك في منتجات هذا القطاع، والقائمة تطول. علاوة على ذلك، لم يعد الموظفون يبقون في وظائفهم فترات طويلة مثل التي اعتادوا عليها في السابق، إما لأنهم يختارون ذلك أو بسبب مطالبتهم بالمغادرة.

العامل الرابع الذي يسهم في اتجاه إعادة ابتكار الحياة المهنية، الذي كان مستمراً منذ مدة طويلة، تغير التوقعات حول ما يجب أن توفره الوظيفة كثيراً. كانت الوظيفة توفر مستوى معيشياً مستقراً، لكننا اليوم نتوقع منها كل شيء؛ نريد الشغف والهدف، نريد تحقيق الاكتفاء الذاتي، ونريد المرونة. نتوقع الكثير من وظائفنا، وبالمقابل، قلّ صبرنا أكثر، وبتنا على استعداد لمغادرة وظائفنا إذا لم تُلب توقعاتنا هذه.

أدي إغناطيوس: إذا كانت إعادة ابتكار الحياة المهنية والحاجة إليها جانباً شائعاً في عالم الأعمال اليوم، فلماذا لا نزال نجد صعوبة في تنفيذها.

هيرمينيا إيبارا: إحدى الأفكار الرئيسية التي تعلمتها هي أن إعادة ابتكار الحياة المهنية تمثل تحدياً حقيقياً، وتستغرق وقتاً أطول من المتوقع. هناك بعض العقبات التي تقف في طريقها؛ الأولى هي أن معظم الموظفين يدركون أنهم لم يعودوا يريدون البقاء في وظائفهم الحالية، ولكنهم ليسوا على يقين تام مما يريدون فعله بعد ذلك. وبما أنهم لا يملكون فكرة واضحة عن خطوتهم المهنية التالية، يجدون أنفسهم في حيرة بشأن كيفية المضي قُدماً. يواجه هؤلاء صعوبة في البحث عن مستقبل حياتهم المهنية لأنهم لا يعرفون بالضبط ما يبحثون عنه.

العائق الآخر هو أن حياتنا المهنية مرتبطة على نحو وثيق بهويتنا؛ إنه شعور مهم جداً، إنه جزء من هويتنا. حتى لو لم يكن شخص ما راضياً عن وظيفته، فإن فقدانها يظل خسارة فادحة لأنها لا تمثل العمل الذي كان يؤديه فحسب، بل الأشخاص الذين تفاعل معهم والجانب الذي كان ينظم حياته اليومية أيضاً. لقد استثمرنا وقتنا وجهدنا في حياتنا المهنية. يمكن أن تكون الخسارة النفسية المرتبطة بترك الوظيفة عائقاً كبيراً أمام إعادة ابتكار الحياة المهنية.

العامل الأخير الذي يسهم في صعوبة إعادة ابتكار الحياة المهنية هو أن الانتقالات الوظيفية، خصوصاً من منتصف الحياة المهنية فصاعداً، غالباً ما تنطوي على الانتقال إلى مجال مختلف تماماً. الانتقال الوظيفي ليس تقدماً خطياً تقليدياً لأدوار مماثلة في المستويات الأعلى، بل هو انتقال إلى مجال مختلف تماماً. أصف هذه التحولات بأنها غير مؤسسية، وما أعنيه بذلك هو أن الخطوات المتضمنة في هذه الانتقالات ليست محددة بوضوح، ومن غير المؤكد المدة التي ستستغرقها العملية. غالباً ما تجري هذه الانتقالات بصورة فردية وليس ضمن مجموعة، وبالتالي ليس هناك نماذج واضحة يمكن الاقتداء بها.

على سبيل المثال، إذا كنت تطمح إلى أن تصبح شريكاً في مكتب محاماة، فأنت تعرف المسار إلى تحقيق ذلك. قد يكون الطريق لتحقيق ذلك صعباً، لكنك تعرف الخطوات وكم من الوقت يستغرق. ولكن إذا كنت محامياً مثلاً، وأردت أن تصبح رائد أعمال في مجال الفنون، فهذا ما أصفه بالتحول غير المؤسسي. لا يوجد برنامج تعليمي محدد يجب اتباعه لمساعدتك على مثل هذا التحول، وستختلف طريقة تحقيقه من شخص لآخر. إنها عملية أقل تنظيماً وأكثر غموضاً.

أدي إغناطيوس: أريد أن أعود إلى النقطة الأولى التي تحدثت عنها، وهي أننا نواجه صعوبات في تحديد خياراتنا المهنية المحتملة. أتفق مع ذلك. لقد جاءت غالبية فرص العمل التي حصلت عليها من أشخاص عرضوها عليّ وليست بمبادرة ذاتية. وحتى عندما غيرت مجالي الوظيفي، لم أكن أفكر شخصياً بذلك، لقد أتت الفكرة من شخص آخر. لقد سار الأمر على ما يرام، وأنا راضٍ عن عملي. لكن أعتقد أني أفتقر إلى القدرة على التحكم فيما أريد أن أفعله في حياتي العملية وفي حياتي المهنية، وهو شعور أعتقد أن الكثير يشاركونني فيه. هل من نصيحة تقدميها حول كيفية التفكير بوضوح في الخطوات المهنية التالية المحتملة؟

هيرمينيا إيبارا: لدي الكثير من النصائح في هذا الشأن. إحدى النقاط الرئيسية هي أننا بحاجة إلى الابتعاد عن الفكرة الخاطئة التي تقول إنه إذا كنت لا تعرف غايتك أو لم يكن لديك هدف وظيفي محدد في ذهنك، فعليك الانتظار فقط والتفكير ملياً إلى أن تكتشفه. هذا النهج ليس الطريقة الأكثر فعالية لتحديد المسار المهني الذي يطمح إليه الفرد.

إنه لأمر رائع عندما يتواصل معك الآخرون لاقتراح فرص عمل عليك. ولكن هذه المقترحات يمكن أن تكون أيضاً محفوفة بالمخاطر إذا كانت تعرض فرص عمل مشابهة جداً لدورك الحالي أو السابق، فإذا كنت تسعى إلى تغيير كبير في حياتك المهنية، فقد لا تكون هذه المقترحات ملائمة.

الأهم من محاولة استكشاف المسار المهني الذي يلائمك هو التجريب. بدلاً من طرح السؤال “ما الوظيفة المثالية التي تناسبني؟”، ينبغي للمرء أن يفكر في وظائف أو مؤسسات أو مسارات وظيفية متعددة محتملة، والبدء باستكشافها بالتوازي وفي وقت واحد.

ستتعلم من خلال عملية الاستكشاف. في بعض الأحيان، قد لا تتحقق الأهداف أو التطلعات التي حددتها لنفسك في البداية مثلما توقعت أو تصورت. قد تكون عملية الاستكشاف الوظيفي في بعض الأحيان صعبة وقد تستغرق وقتاً أطول من المتوقع. في مثل هذه الحالات، من المفيد أن تكون لديك خيارات أخرى لاستكشافها بالتوازي.

أول نصيحة واضحة وأفضل طريقة للنجاح في ذلك هي إنشاء قائمة من الخيارات المحتملة. أنا أسميها “ذواتك الممكنة”. ابدأ باستكشاف ذات واحدة أو اثنتين، ويُفضل أكثر من واحدة في آنٍ معاً.

أدي إغناطيوس: لقد أجريت محادثة مع أحد صائدي المواهب ذات مرة، وكان يسألني عن وظيفتي. أخبرته بأنها تلبي توقعاتي جميعها وأشعر بالرضا عنها وتمنحني الشعور بأني أفعل شيئاً ذا معنى. وقلت: “يشعر الجميع بالشيء نفسه، أليس كذلك؟” لكن ذلك الشخص قال إنه لا أحد يشعر بذلك في الواقع.

إذا كنت تشعر بالرضا عن وظيفتك، فأنت محظوظ جداً. أنا مهتم بمعرفة مدى شعور الناس بالرضا عن وظائفهم. ما مقدار الرضا الذي يمكن أن نتوقعه من عملنا؟ بعد كل شيء، العمل ليس حياتنا بأكملها، على الرغم من أنه جزء مهم منها.

بناءً على خبرتك وأبحاثك، ما نسبة من يشعرون منا بالرضا عن وظائفهم عموماً؟ هل هذا هو المعيار أم يجب أن نكتفي بشيء أقل؟

هيرمينيا إيبارا: تشير الدراسات الاستقصائية العامة إلى وجود مستوى عالٍ من عدم الرضا الوظيفي، ويختلف مستواه بمرور الوقت وعبر القطاعات المختلفة. من المهم أن ننظر إلى الوظيفة على أنها ليست تجربة متجانسة. أنا أحب وظيفتي، فهي تلبي جميع متطلباتي أيضاً، ولكن هناك جوانب من وظيفتي لا أستمتع بها حقاً، وتبدو مثل الأعمال الشاقة. كل وظيفة لها جوانب يحبها المرء وجوانب أخرى لا يحبها. إنها مسألة توازن. السؤال الرئيسي هو إن كنت تؤدي غالباً المهام التي تجدها مرضية أم لا؟

الكثير من الناس غير راضين عن وظائفهم في الواقع. ربما كانوا راضين في البداية، ولكن بمرور الوقت، إما أنهم تغيروا أو تغيرت مؤسساتهم أو تغير الأشخاص الذين يعملون معهم، وبالتالي لم يعودوا راضين عن هذه العناصر في وظائفهم. ربما لم يعودوا يشعرون بالتحدي، أو ربما فقدوا احترام زملائهم الذين عملوا معهم، أو ربما لم تعد أهدافهم تتوافق مع رسالة المؤسسة. تسهم هذه العوامل معاً في خلق عدم الرضا الوظيفي عموماً. لقد لاحظت من خلال تفاعلاتي مع طلابي ومن نتائج أبحاثي أن هناك الكثير من الموظفين غير راضين عن وظائفهم اليوم.

أدي إغناطيوس: أريد أن أضيف إلى ذلك سؤالاً جاء من حسام في روتردام. كيف تتصورين تطور تجربة الموظف في العمل في عالم أصبحت فيه نماذج العمل المختلطة أكثر انتشاراً؟

هيرمينيا إيبارا: ليس لدي كرة سحرية. لا أعرف. كل ما أعرفه هو أن المؤسسات لا تزال تحاول حالياً فهم التغييرات التي أحدثتها نماذج العمل المختلطة، وهي تجرب أساليب مختلفة وتسعى إلى فهم تجربة الموظف في العمل في هذا السياق الجديد. لكن هذا سؤال لا أملك إجابة محددة عنه.

أدي إغناطيوس: حسناً، لدينا سؤال آخر من إيلي من سويسرا. كيف يجب أن نفكر في التوازن؟ إذا بدّلنا مهنتنا، فإننا نخاطر بخسارة بعض الأقدمية التي اكتسبناها والفوائد والإيجابيات التي تراكمت لدينا. كيف يمكننا تجنب هذا الموقف، أو كيف يمكننا النظر في هذه المقايضة بحكمة؟

هيرمينيا إيبارا: هذا سؤال آخر مهم، ويدور حول مخاوف مثل إن كان المرء سيحتاج إلى بدء حياته المهنية من الصفر أو إن كانت هناك طرق لتجنب هذا السيناريو؟ تعتمد الإجابة على المهنة المحددة التي يختارها المرء.

على سبيل المثال، لقد أجريت مقابلات مكثفة خلال العامين الماضيين مع موظفة تحولت من كبيرة مسؤولي الامتثال في مؤسستها إلى ممارسة مهنة مخرجة أفلام وثائقية. كان عليها أن تبدأ من الصفر بصفتها متدربة. لذلك تعتمد الإجابة على عوامل مختلفة.

ينتقل البعض إلى وظائف ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمهنهم الحالية، وربما يتخذون نهجاً أكثر ريادية. ليس على هؤلاء البدء من الصفر، إذ يمكنهم الاستفادة من مجموعة مهاراتهم وخبراتهم الحالية على الرغم من أن هذه الأدوار قد تكون مختلفة تماماً وفي بيئات مختلفة، ولكن النتيجة تعتمد على عوامل مختلفة.

يحاول العديد من الأفراد معالجة هذه المشكلة من خلال العودة إلى التعليم، وهو ما يمكن أن يكون مفيداً بالفعل في توسيع مجموعة مهارات الفرد. لكن ما ينساه الجميع هو أن التقدم الوظيفي ليس دائماً خطّياً أو تصاعدياً بثبات. قد تقول لنفسك: “حسناً، أنا في هذه المرحلة الآن، وإذا أجريت هذا التغيير، فسوف أنتقل إلى هذه النقطة، أو يمكنني مواصلة التقدم في مساري الحالي”، ولكن الواقع قد لا يتوافق دائماً مع هذا التوقع.

العالم يتغير، والوظائف تختفي بمرور الوقت، وإذا لم تكن راضياً أو منتجاً في وظيفتك الحالية، فقد يكون مسار حياتك المهنية أيضاً في منحدر هبوطي، ومن المهم أن تأخذ هذا الجانب في الاعتبار عند التخطيط لمسار حياتك المهنية.

أدي إغناطيوس: الموضوع الآخر الذي يبدو أنه يدور في أذهان الجميع هو الذكاء الاصطناعي. نتساءل جميعنا دائماً حول إذا ما كانت التكنولوجيا ستحل مكان وظائفنا، وفي الواقع، يحدث ذلك فعلياً في بعض الأحيان. على وجه الخصوص، الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي بات يسبب لنا قلقاً متزايداً.

هل تأخذين في الاعتبار تأثير الذكاء الاصطناعي؟ كيف يمكن أن يؤثر في اعتباراتك الحالية؟

هيرمينيا إيبارا: في الواقع، تدرس كلية لندن للأعمال بصفتها مؤسسة الآثار المترتبة على الذكاء الاصطناعي. أحاول الاستفادة منه قدر الإمكان في عملي، وأنا مهتمة بكيفية تغيير الذكاء الاصطناعي لوظائف الناس.

من وجهة نظري، ما يهمني هو كيف سيغير الطريقة التي يتعاون بها الناس؟ كيف سيؤثر في الأدوار التي يؤديها الناس؟ وما طبيعة المؤسسات التي سيؤدي إلى ظهورها؟ ليست لدينا إجابات عن هذه الأسئلة بعد. نعلم أنه من الضروري طرح أسئلة كبيرة حول كيفية توافق الذكاء الاصطناعي مع قيمنا. لقد تعلمنا من موجة التحول الرقمي بأكملها أن التكنولوجيا تؤدي دوراً مهماً، لكن كيفية استخدامنا لها القدر نفسه من الأهمية. هل سيكون بمقدور المؤسسات الاستفادة منها بفعالية؟ هل يمكن للأفراد التكيف والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن؟ سوف تتكشف الإجابات عن هذه الأسئلة بمرور الوقت. لكن من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي يستحق التجربة، ويجب رصد تطوراته ودراسة آثاره باستمرار وطرح الأسئلة الهادفة عنه.

أدي إغناطيوس: لدي سؤال هنا متعلق بالتكنولوجيا، وهو من باسكاران في بنغالور. يقول باسكاران إنه بعد العمل مدة 21 عاماً في مجال الموارد البشرية، قرر الانتقال إلى مؤسسة أصغر متوقعاً أن تكون رشيقة ومرنة وما إلى ذلك. لكن تبيّن أن مناخ العمل فيها سام جداً. يتوق باسكاران إلى العمل في دور جديد ومؤسسة جديدة، ولكن يعوقه هذا الخوف الدائم من عدم اليقين. كيف يمكن للمرء التعامل مع الخوف الحتمي من عدم اليقين عندما يفكر في تغيير مهنته؟

هيرمينيا إيبارا: أفهم موقف باسكاران تماماً وأتعاطف معه. لسوء الحظ، غالباً ما يبدو سير عملية التغيير المهني كأنه خطوة إلى لأمام، وخطوتان إلى الوراء، أي تبدو العملية تراجعاً وليس تقدماً. لقد تعلم باسكاران رؤى قيّمة من تجربته السابقة، وأعتقد أن أحد الدروس التي تعلمها هي الحاجة إلى إجراء بحث أكثر شمولاً عند التفكير في الانتقال إلى وظيفة أو مؤسسة جديدة فيما يخص سياقها أو ثقافتها. لقد تعلّم أهمية الاستفسار عن الثقافة والتفاعل مع الزملاء والبحث عميقاً في المؤسسة. هذه الإجراءات ضرورية حقاً عند التفكير في الانتقالات الوظيفية.

لهذا السبب، وبناءً على الرؤى التي استخلصتها من دراساتي، فإن عدم اليقين بشأن معرفة اتجاه حياتك المهنية أو مدة الانتقال يمكن أن يسبب ضغوطاً كبيرة للعديد من الأفراد. ثم يظهر فجأة خيار أو عرض مع هذه الشركة الأصغر والأكثر رشاقة، الذي يبدو المهرب من حالة عدم اليقين. لذلك فإنهم يأخذون هذه الفرصة على عجل دون إجراء بحث شامل بسبب رغبتهم في الهروب من حالة عدم اليقين الحالية، ودون التفكير حقاً فيما يهمهم. من المهم حقاً تخصيص الوقت للتفكير في قيم الفرد وأولوياته عند النظر في التحولات المهنية.

على أي حال، فقد ترك باسكاران مكان عمله السابق السام. وهكذا، وبحكم الضرورة، سيتعامل مع عدم اليقين، ولكن ربما يبحث بعناية أكثر قليلاً في التحولات المستقبلية.

أدي إغناطيوس: سنتحدث عن موضوعين رئيسيين؛ الموضوع الأول كيفية التعامل مع لحظة الانتقال الوظيفي بطريقة استباقية وذكية. والموضوع الثاني هو ما يحدث بعد إجراء الانتقال الوظيفي؟ كيف تتكيف بنجاح مع الدور الجديد بعد ذلك؟

أود لو تسهبين أكثر قليلاً حول ذلك. لنفترض أني انتقلت من شركة “أ” إلى شركة “ب”، كم من الوقت يجب أن نمنح أنفسنا للاستقرار في الدور الجديد؟ إلى أي درجة يجب أن نكون قاسيين على أنفسنا؟ هل سيكون من المفيد قراءة مصادر مثل كتاب “الأيام التسعون الأولى؟” (The First 90 Days). ما الاستراتيجيات التي يمكن أن تؤدي إلى انتقال ناجح؟

هيرمينيا إيبارا: يبقى كتاب “الأيام التسعون الأولى” المرجع الأهم حول موضوع الانتقال إلى دور جديد. وفقاً لمؤلف الكتاب، تبدأ عملية الانتقال قبل أن يبدأ الشخص دوراً جديداً بوقت طويل، وتتضمن أعمالاً تحضيرية مثل البحث والتواصل مع الزملاء وتحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين. توجد فكرة رائعة في الكتاب أعتقد أنها المحادثات الخمس التي يجب أن تكون قادراً على إجرائها مع مديرك أو أحد أصحاب المصالح الرئيسيين. يجب أن تغطي هذه المحادثات التوقعات ومعايير تقييم الأداء والموضوعات الحاسمة، بحيث تتمكن من فهم الاعتماد المتبادل بين نجاح الفرد ونجاح الآخرين في المؤسسة.

أدي إغناطيوس: لننتقل إلى الحديث عن الأصالة، وهو موضوع بحثتِ فيه وكتبتِ عنه كثيراً. تتطور معظم المحادثات التي أجريها حول القيادة في مرحلة ما إلى محادثة حول الحاجة إلى الأصالة الكاملة في العمل. أشعر بأن لديكِ وجهة نظر أكثر تعقيداً في هذا الشأن. كيف يجب أن يفكر القادة في قضية الأصالة؟

هيرمينيا إيبارا: بالنسبة لي، مفهوم الأصالة الكاملة معقد ومحير جداً. ما الأصالة الكاملة؟ هل هي التعبير عن كل فكرة تتبادر إلى ذهنك؟ أو هي التصرف بطريقة غير رسمية مشابهة لسلوك المرء في المنزل. ماذا يعني ذلك؟ هناك الكثير من اللغط حول مفهومها في الواقع. ما تعريف الأصالة؟ هل هي سمة؟ هل هي نتيجة أم عملية اكتشاف الذات ومحاولة أن تكون على طبيعتك قدر الإمكان؟

لا أعتقد أنها سمة. أعتقد أنها عملية تعلم مستمرة. نرغب جميعاً في أن نكون أصيلين، فلا أحد يحب التزييف، ولا يتبع أحد المزيف. الكذب والتزييف مضران بالصحة العقلية، وأنا أؤيد بشدة الأصالة.

السؤال الذي أطرحه هو كيف يمكنك تعريف الأصالة بطريقة لا تقيّد الفرد بذاته التي كان عليها دائماً، بطريقة تسمح له بالتطور الشخصي. نحن ننمو ونتطور باستمرار. لنا طبيعة متعددة الأوجه؛ أي لدينا جوانب مختلفة من هويتنا تظهر بطرق مختلفة. يجب أن نكون قادرين على التعبير عن هذا التعقيد والنظر في معنى الأصالة في مرحلة التعلم أو التطور؟

من الأسهل أن تكون أصيلاً عند الانخراط في سلوكيات مألوفة تعرفها، ولكن عندما تتعلم شيئاً جديداً، فإنك لم تكتشف ذلك بعد. يميل الناس هنا إلى الخلط بين السلوك المعتاد والأصالة، وهكذا، في اللحظة التي يخرجون فيها من منطقة الراحة، يشعرون بأنهم أقل أصالة لأنهم لا يتصرفون بطرقهم المعتادة، ويقولون لأنفسهم عادة: “هذه ليست هويتي”. قد لا يعبّر السلوك الجديد عن هويتك الآن لأنك لم تجربه بعد. أحياناً تساعدك تجربة هذه الأشياء الجديدة، التي تبدو أنها ليست أصيلة، على التعلم. إذا كان الشعور بعدم الأصالة هو تكلفة تعلم أشياء جديدة، فهو ثمن يستحق أن يُدفع.

أدي إغناطيوس: عندما يناقش الموظفون الأصالة في مكان العمل، فإنهم غالباً ما يشيرون إلى الرغبة في الانفتاح بشأن هوياتهم وحياتهم الشخصية. يرغب الأفراد أيضاً في التعبير عن سماتهم الشخصية الفريدة، مثل حس الفكاهة الغريب، في مكان العمل. من ناحية، من المهم تعلم مهارات جديدة، سواء كانت شخصية أو فنية، من أجل التطوير المهني. لكن الأفراد يعتقدون أنهم سيحققون إحساساً أكبر بالسعادة إذا تمكنوا من التعبير عن ذواتهم “الأصيلة” في العمل بالطرق التي كنت أتحدث عنها.

هيرمينيا إيبارا: بالنسبة لي، تتعلق الأصالة في مكان العمل أكثر بالشعور بالانتماء وتحديد إذا ما كان المرء ينتمي إلى هذا المكان أو يجب عليه إخفاء قيمه لكي يكون فعالاً هنا؟

بالعودة إلى موضوع الأصالة في العمل؛ من المهم أن نتذكر أن التفاعلات في مكان العمل هي في الأساس علاقات. في أي علاقة، يتعرف الأفراد بعضهم على بعض تدريجياً. عندما تقابل شخصاً ما لأول مرة، فإنك لا تكشف فوراً عن كل التفاصيل المتعلقة بهويتك، مثل جوانب حياتك الشخصية والمهنية ومواطن قوتك وشكوكك وآلامك واهتماماتك. لن تفعل ذلك بالتأكيد، إذ يتعرف الناس بعضهم على بعض تدريجياً بمرور الوقت.

من المهم جداً أن نتعامل مع الأصالة بهذه الطريقة. نحن نبني العلاقات، وفي أثناء ذلك، تكون هناك رغبة في زيادة الكشف عن الذات. يُعد الكشف عن الذات جانباً حاسماً في بناء العلاقات. على الرغم من أهميته، فإن الأمر لا يعني مشاركة كل التفاصيل المتعلقة بالذات باستمرار دون النظر إلى ديناميكيات بناء العلاقات داخل مكان العمل.

أدي إغناطيوس: أعتقد أن بعض جوانب الأصالة والكشف عن الذات قد تتأثر بالاختلافات بين الأجيال. كان أفراد جيلي يميلون إلى عدم مشاركة كل التفاصيل عن أنفسهم في مكان العمل. أعتقد أن بعض الأجيال اللاحقة تشعر براحة أكبر مع ذلك وتتوقع مستوى أعلى من الكشف عن الذات في العمل. التكيف مع هذه المستويات المتفاوتة من الانفتاح هو جزء من ديناميكية مكان العمل الذي يتصف بتنوع الأجيال.

هيرمينيا إيبارا: التعقيد الآخر في مكان العمل هو التقييم المستمر أيضاً لإمكانات بعضنا لبعض؛ نفكر فيمن سيكون أداؤه متميزاً، ومن سيتقدم؟ نتحدث كثيراً عن الأصالة في سياق القدرة على إظهار ضعفنا الإنساني والتعبير عنه. لكن فهم الضعف الإنساني يختلف بين الرجال والنساء، كما أن فهم المصداقية قد يختلف من عرق لآخر، ما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الأصالة في مكان العمل. تؤدي كل هذه التعقيدات دوراً، ومن الضروري أخذها بعين الاعتبار لأن كلاً منا يهدف إلى تقديم أفضل ما لديه وتحقيق أهدافه داخل المؤسسة التي يعمل بها.

أدي إغناطيوس: ما أهم الصفات والمهارات والخبرات المثالية التي يجب أن يتمتع بها القائد في عام 2023.

هيرمينيا إيبارا: لقد دأب فريق هارفارد بزنس ريفيو على تسليط الضوء باستمرار على أهمية المهارات الشخصية ومهارات التعامل مع الأشخاص في مقالاتهم، ويتكرر الموضوع منذ فترة، ما يؤكد الدور الحاسم الذي تؤديه هذه المهارات في المشهد المهني اليوم. تحدثنا عن ذلك فترة طويلة، وأدت الجائحة إلى تكثيف هذا النقاش وزادت تعقيد القيادة اليوم لأننا لاحظنا في النهاية أن التحديات التي تواجهها المؤسسات اليوم كبيرة ومتعددة الأوجه. هذه مشاكل تكيفية؛ أي أن حلها ليس بهذه البساطة ويتطلب جهداً جماعياً وذكاءً وشغفاً.

تتطلب القيادة الفعالة القدرة على إشراك أعضاء الفريق وتشجيع التواصل المفتوح ودفع الأفراد إلى خارج منطقة الراحة، وتحقيق ذلك يتطلب مجموعة من مهارات التعامل مع الأشخاص التي لم يطورها بالضرورة معظم المدراء الناجحين اليوم الذين وصلوا إلى القمة لأن أداءهم كان يُقيّم بناءً على النتائج التي كانوا يحققونها بغض النظر عن طريقة تحقيقها.

لا يزال تحقيق النتائج جانباً حاسماً من دور المدير. ما يحدث في النهاية هو أنه عندما يرتقي الأفراد إلى مناصب أعلى ويظهرون إمكاناتهم الواعدة، فإنهم يتلقون الكثير من المنبهات التحفيزية التي تشير إلى أن الوقت قد حان لتطوير مجموعة مختلفة من المهارات التي تدور حول تعزيز العلاقات مع الأشخاص وإخراج أفضل ما لديهم وكيفية خلق بيئة تكون فيها الأولوية للأمان النفسي. لقد اكتسبت كل هذه الجوانب أهمية كبيرة، ليس فقط لاعتبارها من الأمور الجيدة، ولكن بسبب زيادة الطلب على التعلم داخل مؤسساتنا إلى حد كبير.

أدي إغناطيوس: اعتماداً على نتائج أبحاثك، هل تعتقدين أن العديد من القادة يتمتعون بهذه المهارات أم هم قلة فقط؟

هيرمينيا إيبارا: لديّ مصادر مختلفة للمعلومات حول هذا الموضوع. أحد المصادر هم المسؤولون التنفيذيون الذين أدرسهم. يقر جميعهم بمواطن قوتهم في المساءلة والإدارة المبنية على النتائج، ولكنهم يعترفون بأنهم مدراء تفصيليون إلى حد ما ويفتقرون إلى مهارات التدريب الفعالة. هذا التقييم الذاتي هو الأكثر شيوعاً بين المسؤولين التنفيذيين الذين أدرسهم. ربما تعلم أننا عملنا مع اثنين من الزملاء من شركة سبنسر ستيوارت، وقد وضحنا نتائجنا في مقالة نُشرت العام الماضي في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان “أوديسة القيادة” (The Leadership Odyssey)، حيث تمكنا من الاستفادة من بيانات التوظيف الخاصة بشركة سبنسر ستيوارت للمناصب التنفيذية العليا.

لقد لاحظنا أن لدى معظم المسؤولين التنفيذيين المرشحين لعمليات التعاقب الوظيفي فرص عديدة للتطوير فيما يتعلق بمهارات التعامل مع الأشخاص. تناول بحثنا أيضاً كيفية إدراك هؤلاء المسؤولين التنفيذيين أن افتقارهم إلى المهارات الشخصية يمكن أن يعوق قدرتهم على تحقيق أهدافهم، وكيف يتعاملون مع تطوير هذه المهارات.

أدي إغناطيوس: أحد الموضوعات التي أحرص على الحديث عنها هي بناء العلاقات. على الرغم من أن بناء العلاقات قد يبدو سهلاً إلى حد ما، يجد العديد من الأشخاص صعوبة في البدء ببناء شبكات فعالة وهادفة. هل لديك أفكار حول كيفية تحسين مهارات بناء العلاقات؟

هيرمينيا إيبارا: مجرد ملاحظة سريعة: لقد نشرت هارفارد بزنس ريفيو مؤخراً لي مقالاً جديداً تماماً أناقش فيه التحديات التي يواجهها المسؤولون التنفيذيون في بناء العلاقات، وتناولت فيه العوامل التي تجعل بناء العلاقات صعباً خصوصاً بالنسبة لكبار المهنيين الذين لديهم مجموعة فريدة من التحديات؟

على أي حال، هذا الموضوع يثير اهتمامي بلا حدود يا أدي، لأنني بدأت العمل عليه في الثمانينيات عندما كنت أجري بحث الدكتوراة، وأتابعه منذ ذلك الحين.

الفكرة الرئيسية هي أن معظمنا لا يجيدون بناء العلاقات بفعالية. البعض بارعون في ذلك، لكن معظمنا سيئون، ويمكنك مراجعة أدبيات علم النفس الاجتماعي الذي يقدم تفسيرات حول ذلك. أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل العديد من الأشخاص يعانون صعوبة بناء العلاقات هو ميلنا المتأصل إلى تكوين علاقات مع أولئك الذين يشبهوننا أو الذين نلتقيهم بانتظام لأن مكتبهم يقع بجوار مكتبنا مثلاً.

ألخص الأمر بأن الآليات المحددة لبناء علاقاتنا هي التشابه والقرب المادي. نحن نرجسيون وكسالى، ونتيجة لذلك ننجذب نحو الأشخاص الذين يشبهوننا. نتواصل معهم لأن الحديث إليهم أسهل، ولأن وقتنا محدود، فغالباً ما ينتهي بنا الأمر بالتواصل مع أولئك الذين يسهل التعرف إليهم أو القريبين منا مادياً.

يعني ذلك أن شبكة علاقاتنا منعزلة، وهي ليست جيدة لأنها لا توفر لنا فرصاً للنمو المهني مثل الحصول على فرص عمل جديدة أو الارتقاء إلى أدوار أعلى.

علينا أن نعمل على تحسين شبكاتنا، لكن العملية قد تكون صعبة أيضاً، وقد نُشرت أبحاث عظيمة حول هذا الموضوع. قد يجعلنا بناء العلاقات على نحو استراتيجي نشعر كما لو أننا نستغل الآخرين، ما يؤدي بنا إلى الشعور بعدم الراحة وبأننا مخادعون ونفعيون إلى حد ما. إنه يتعارض مع إحساسنا بالجدارة ومع إحساسنا بالاعتماد على الذات أو الاستقلالية، ولكن أبحاثي وأبحاث الآخرين تشير إلى أن التواصل وبناء العلاقات مع الآخرين جانب بالغ الأهمية للبحث عن وظيفة والانتقال الوظيفي ولكي نكون قادة فعالين ومبتكرين في أدوارنا الحالية.

أدي إغناطيوس: هل لديك أي نصائح حول كيفية بناء العلاقات مع أشخاص أبعد من الزملاء المباشرين أو أولئك القريبين مادياً.

هيرمينيا إيبارا: النصائح كلها بسيطة حقاً. ابذل جهداً وشارك في المشاريع والدورات التدريبية والأنشطة اللامنهجية، وأجرِ إحالات وتواصل مع أشخاص جدد وتحدّث في المناسبات.

لا تجرّب كل هذه الاستراتيجيات معاً، بل اختر بعضها فقط. المشكلة هي أننا في كثير من الأحيان لا نخصص وقتاً للتواصل لأننا ننتظر الفرص كي تأتي إلينا بدلاً من البحث عنها بفعالية. هذا الجانب يحتاج منا إلى المبادرة، لكن الأمر سهل جداً.

تتمثل الاستراتيجية البسيطة والفعالة في اختيار عدد قليل من الأفراد الذين فقدت الاتصال بهم والتواصل معهم وإرسال رسالة إليهم. يمكنك أن تقول شيئاً مثل: “مرحباً، لقد كنت أفكر في هذا الموضوع، سيكون من الرائع إعادة التواصل ومناقشته معك، ما رأيك به؟” هذا النهج سهل التنفيذ جداً، ولكن غالباً ما نتجاهله.

أدي إغناطيوس: أريد أن أعود إلى جانب واحد تحدثت عنه، وهو أهمية كل من التعلم والتكيف المستمرين في الحياة المهنية. أعتقد أن الكثيرين تدربوا على السعي للحصول على الوظيفة التالية، ولكن عندما يحصلون عليها، فإنهم يحتفظون غالباً بعاداتهم وطرق تفكيرهم القديمة.

أعتقد أن ما قلتيه حول حاجتنا إلى النمو الشخصي المستمر وأن الأصالة مفهوم مرن بهذا المعنى مثير للاهتمام.

حسناً، نحن نؤدي دوراً بصفتنا قادة أو مدراء إدارة وسطى أو أياً يكن؛ كيف نتكيف؟ وكيف ننمو؟ كيف نتجنب الوقوع في هذا الروتين الذي نجلبه منذ اليوم الأول؟ كيف نستمر في النمو؟

هيرمينيا إيبارا: هناك دورة حياة لكل هذا، أو دعنا نقل تقدم أو سلسلة من المراحل في عملية التطوير الشخصي والمهني. على سبيل المثال، عندما تبدأ دوراً جديداً، فلا داعي إلى القلق بشأن تغيير نفسك بالكامل. لقد اُخترت لهذا المنصب بسبب هويتك وقدراتك الفريدة. استفد من ذلك واحرص على التواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين واهتم بالجوانب الأخرى ذات الصلة، لكن الهدف هنا ليس تغيير نفسك، بل تعظيم قدراتك الحالية وتحقيق أقصى استفادة منها في دورك الجديد.

ما ينساه الناس هو أن ما هو متوقع منك وبيئة العمل يمكن أن يتغيرا بسرعة. النقطة الحرجة غالباً ما تأتي بعد عام أو عامين أو ثلاثة، اعتماداً على مدى سرعة تطور وضعك. في هذه المرحلة، قد تشعر أنك أتقنت دورك، لكن توقعات الآخرين والبيئة قد تغيرت كثيراً.

النقطة الأساسية التي أؤكدها للناس هي إعادة النظر في كيفية إدراكهم لوظيفتهم. فكر في المكان الذي تستثمر فيه وقتك والمهام التي تعطيها الأولوية. حاول أن تنظر إلى وظيفتك كمحفظة استثمارية، حيث تخصص بعضاً من وقتك في تعلم مهارات جديدة واستكشاف أشياء جديدة والمشاركة في المشاريع التي توفر منظوراً أكثر استراتيجية للمؤسسة، والانخراط في الأنشطة التي تختلف قليلاً عن مهامك المعتادة، التي تسمح لك فعلياً بتوسيع مهاراتك وآفاقك ومعارفك بصورة مستمرة بدلاً من الشعور بالرضا عن الذات في منطقة الراحة لتصبح عرضة لظاهرة “ما أوصلك إلى هنا لن يصل بك إلى هناك” أو فكرة أن المهارات أو الاستراتيجيات التي أدت إلى نجاحك الحالي قد لا تكون كافية لتحقيق أهدافك المستقبلية.

بالنسبة لشبكات العلاقات، غالباً ما يقع الناس في روتين مريح بالنسبة لهم. يتواصلون بصورة متكررة مع جهات الاتصال نفسها، ويهملون إنشاء علاقات جديدة، ما يؤدي إلى الافتقار إلى وجهات نظر جديدة وضيق وجهات نظرك وانعزالها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .