يستخدم المدراء القياسات يومياً لتوجيه تحليلاتهم وقراراتهم وخططهم. ولكن حتى أبسط القياسات يمكن أن تكون مضللة. في الواقع إن عملية القياس أصعب بكثير مما يتصورها معظم المدراء. فعلى المدراء حماية أنفسهم من خلال فهم نقاط الضعف الكامنة في القياسات وأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار عند استخدامها. فماذا عن استخدام التفكير الناقد في قياسات البيانات؟
وحدات القياس الأساسية
لنستعرض السيناريو التالي الذي يسلط الضوء على إحدى وحدات القياس الأساسية وهي الوقت. لديّ في المكتب ساعة تقوم بالمزامنة التلقائية وذلك في تمام الساعة الواحدة صباحاً من كل يوم باستخدام إشارة يرسلها المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (نست) (NIST) في مدينة فورت كولنز، بولاية كولورادو في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تتميز هذه الساعة كما هو معلن بدقة تتراوح بحدود جزء من الثانية. وبالتالي يجب أن تُعد هذه الساعة جديرة بالثقة، إلا أنها ليست كذلك حيث يمكن لهذه الساعة أن تكون غير دقيقة إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، في يوم الخميس الموافق 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، وفي تمام الساعة 4:44 م (كما تم التحقق من 3 مصادر مختلفة)، أشارت الساعة إلى التوقيت التالي "الجمعة، 2 نوفمبر/تشرين الثاني، الساعة 4:52 م". في حين أن آخر مرة منذ ذلك التاريخ صادف فيها يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني يوم جمعة كانت في عام 2012، والمرة التالية في عام 2018. وبذلك نجد أن الساعة متأخرة بحوالي 3 سنوات و8 دقائق تقريباً!
بالطبع، يمكننا أن نعلل ذلك بأنه مجرد خلل في المنتج. ولكن يمكنني أيضاً الاستشهاد بحالات قياس سيئة على الصعيد الشخصي تتعلق بالميزان المنزلي والهاتف الذكي ونظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS). فعندما يفكر الناس في الأمر للحظة سيتذكر الكثيرون حالات مماثلة، حيث كانت بعض القياسات البسيطة بعيدة كل البعد عن الدقة، وغالباً لا تكون تلك الحوادث مجالاً للتندر بين الأصدقاء.
لا تتمثل وجهة نظري في رمي تلك الأجهزة في سلة المهملات أو في تجاهل منتجات "المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا". ولكن يجب التوضيح أنه حتى في ظل أفضل الظروف فإن عملية القياس صعبة للغاية. كما أن قياس الأمور التي تهم المدراء، مثل حجم السوق وتأثير أي حملة إعلانية والتكاليف الفعلية المترتبة بسبب إنتاج منتج رديء الجودة، تعد أكثر تعقيداً بكثير من قياس الوقت والوزن والمسافة. ولهذا السبب أحث المدراء على تبني الشكوك الصحية حول جميع القياسات حتى يتمكنوا من الإحاطة بجميع جوانب هذه القياسات.
خطوات استخدام التفكير الناقد في قياسات البيانات
فيما يلي نعرض بعض الخطوات لمساعدتك على التعمق أكثر في قياساتك ولتحديد مدى إمكانية الوثوق بهذه القياسات:
1. كن واضحاً تجاه ما تريد معرفته
الكثير من المدراء لا يعطون هذه الخطوة الوقت الكافي. لنفترض أنك بحاجة إلى معرفة المدة التي تستغرقها عملية تتكون من 3 خطوات هي (أ، ب، ج). سيتبع البعض الطريقة البسيطة وذلك بحساب مجموع الأوقات التالية: الوقت المُستَغرق لإتمام الخطوة (أ)، بالإضافة إلى الوقت المُستَغرق لإتمام الخطوة (ب)، مع الوقت المُستَغرق لإتمام الخطوة (ج). ولكن هناك أيضاً طريقة بديلة لحل هذه المسألة ألا وهي حساب مجموع ما يلي: الوقت المُستَغرق لإتمام الخطوة (أ)، بالإضافة إلى الوقت المُستَغرق لإتمام الخطوة (ب)، مع الوقت المُستَغرق لإتمام الخطوة (ج)، ومن ثم إضافة وقت الانتظار المهدور بين الخطوات الثلاث السابقة للمجموع الكلي. كلتا الطريقتين لهما استخدامات مفيدة، ولكن وبسبب إضافة فترة الانتظار هذه، أصبحت الطريقتان مختلفتين تماماً. لذلك يجب أن تكون لديك رؤية واضحة حول كل ما تريد معرفته.
2. فهم مدى توافق القياسات الفعلية مع ما تريد معرفته
تتمثل الخطوة التالية في معرفة مدى تماشي هذه القياسات مع احتياجاتك الفعلية. لنفترض أن هناك حملة إعلانية عبر الإنترنت تهدف إلى زيادة الوعي بعلامة تجارية ما. ونظراً لعدم إمكانية قياس "زيادة الوعي بالعلامة التجارية" بشكل مباشر، فقد تكون المقاييس غير المباشرة مثل عدد مرات عرض الصفحات وعدد النقرات على الروابط كافية. لكن هل تعتبر هذه البدائل مناسبة وفقاً لاحتياجاتك؟ ربما نعم، وربما لا. لذا، حاول التمييز بين المقاييس فيجب أن تميّز بين ما تعتبره "قريباً جداً" من تلبية احتياجاتك، وبين ما يمكن اعتباره "مؤشراً جيداً بما فيه الكفاية"، عن ذلك الذي يدفعك لتقول "ليس هذا ما كنت أفكر فيه".
ضع نصب عينك أن الأمر يتطلب درجة ما من التسوية. فمنذ عدة سنوات، لاحظ الدكتور لويد نيلسون أن "أهم البيانات اللازمة في الإدارة هي إما غير معروفة أو لا سبيل لمعرفتها". لذلك قد تضطر أحياناً لقبول المقاييس التي كنت تعتبرها أقل جودة، ولكن عليك أولاً معرفة ما هو المقابل لتلك التسوية.
3. خذ نقاط ضعف عملية القياس بعين الاعتبار
يوجد في جميع أجهزة القياس وضع "الفشل أو الخطأ"، لذا من المهم أن يتعرف المدراء على تلك الأوضاع، حيث يكذب معظم الناس في الاستبيانات، وتتلاعب الدول بالأرقام لتبدو بمظهر جيد، كما تعيق الرمال حركة دوارة الرياح (التي تحدد اتجاه الرياح)، ما يؤثر على دقة المؤشر، وما إلى ذلك. وعلى الرغم مما تتضمنه القياسات الأكثر تعقيداً من التعريفات التفصيلية للمصطلحات، واختبار العينات، وجمع البيانات عن بُعد، بالإضافة للتحليلات المستفيضة، فإن علينا توقع مواجهة العقبات خلال أي خطوة من خطوات عملية القياس. لذلك يجب أن يفهم المدراء العملية بكاملها، وألا يقفوا فقط عند نقاط جمع البيانات الفعلية. فإذا كنت تعمل على قياس معدل شكاوى العملاء، أنصت إلى المكالمات الاستبيانية، وإذا كنت تعمل على قياس إنتاجية أحد المصانع، فتفضل بزيارة ذلك المصنع، وهكذا دواليك. ليست هناك حاجة لأن تصبح خبيراً في جميع جوانب العملية، ولكن عليك تطوير إحساسك تجاه الروابط الضعيفة.
4. قم بإخضاع النتائج إلى "اختبار المصداقية"
لقد قَدَمَت مقالة رائعة منشورة في صحيفة "نيويورك تايمز" مثالاً تلو الآخر عن تجاهل السائقين للحقائق الجليّة أمام ناظريهم (مثل إشارة "الطريق مغلق") لصالح قياسات نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس". يرتكب المدراء الأخطاء المماثلة مراراً وتكراراً. فعندما تأتي النتائج الشهرية أفضل (أو أسوأ) بكثير من المتوقع، يهرع المدراء لتفسير السبب، ونادراً ما يعزون ذلك لاحتمالية القياس غير الدقيق. لذلك أنصح المدراء بتنمية حس التوقع. فعندما لا يبدو أن النتائج تسير في الاتجاه الصحيح، عليك البحث بعمق أكبر عن الأسباب،
ثم تصرف بناء على نتائج تحرياتك. استبعد البيانات السيئة من التحليلات الأساسية، وإذا تبين لك عدم موثوقية أي جهاز لا تتردد في التخلص منه تماماً. فأنا لا أثق بساعتي أبداً في الواقع وأحتفظ بها للتاريخ (وقد أخفيتها حتى لا يقع الآخرون ضحية لأخطائها).
لقد ازدادت أهمية القياس بالنسبة لجميع المدراء، فالبعض يسعون إلى تعزيز ثقافة البيانات؛ أما البعض الآخر فينجذبون نحو الضوء الذي تسلطه الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت على إمكانياتها في قياس ما كان يصنف على أنه غير قابل للقياس حتى الآن. لكن من الأهمية بمكان أن يتفهم المدراء حقيقة أن القياس، ونقصد بذلك كل أنواع القياس، محفوف بالمخاطر. القياسات الجيدة تنير طريقنا، بينما تعمل القياسات السيئة على تضليلنا. لذلك عليك أن تتعلم كيفية استخدام التفكير الناقد في قياسات البيانات، وأن تتعمق في فهم هذه القياسات لتتمكن من حماية نفسك من الأخطاء.