كيف يساعد التفكير التصميمي في تعزيز سلامة العمال؟

6 دقائق
التفكير التصميمي

ملخص: تشكل شروط العمل وممارساته غير الآمنة تحدياً هائلاً للنظام الاقتصادي الهندي الواسع. يجب أن يحظى تحسين شروط سلامة القوى العاملة بالأولوية لدى الشركات في الهند على الرغم من معاناتها في تحقيق التوازن بين متطلبات السلامة ومتطلبات الإنتاجية. رغبت إحدى شركات التصنيع في التحقق من حجم المساعدة التي يمكن أن تقدمها الأساليب الجديدة المتبعة للحفاظ على سلامة العمال في مكان العمل وتدريبهم، وأجرت بالتشارك مع شركة للتفكير التصميمي تجربة لمعرفة قدرة التقنيات السلوكية على مساعدتها في فهم السبب الذي يدفع العمال لاتخاذ خيارات غير آمنة وعدم الإبلاغ عن شروط العمل غير الآمنة. كان ذلك على أمل أن تساعد أخلاقيات التفكير التصميمي المركزة على العنصر الإنساني في إعادة صياغة هذه المشكلة على نحو لا يمكن لإجراءات تحسين العمليات العادية وحدها القيام به.

 

تتباهى القوة العاملة الهندية بعدد العاملين الذي يصل إلى أكثر من 450 مليون شخص منهم ما يزيد على 50 مليوناً يعملون في قطاع التصنيع، لكن شروط العمل وممارساته غير الآمنة تشكل تحدياً هائلاً للنظام الاقتصادي الهندي واسع النطاق وسريع الحركة. تبين الأرقام الحكومية أن الحوادث المرتبطة بالعمل، وهي تحتل المرتبة الثانية بعد حوادث السير، أودت بحياة ما لا يقلّ عن 47,000 شخص في عام 2019 (ويجب التنويه إلى أن الكثيرين يعتقدون أن هذه الأرقام أقلّ بكثير من الأرقام الحقيقية على مستوى البلاد). يحظى تحسين شروط سلامة القوى العاملة بالأولوية لدى الشركات في الهند على الرغم من معاناتها في تحقيق التوازن بين متطلبات السلامة ومتطلبات الإنتاجية، واعترافاً بهذه المشكلة أردنا التحقق من قدرة الأساليب الجديدة المتبعة فيما يتعلق بشروط سلامة العمال وتدريبهم على الحفاظ على سلامة عدد أكبر منهم.

قدمت شركتنا للتفكير التصميمي خدماتها للشركة الهندية "آي تي سي ليمتد" (ITC Limited) ذات الحضور المتنوع في عدة قطاعات، ومنها صناعة السجائر ومنتجات التبغ والبضائع الاستهلاكية والفنادق والتغليف وصناعة الورق المقوى وأنواع الورق التخصصي والأعمال الزراعية. استثمرت شركة "آي تي سي" أعواماً من الجهود ورأس مال كبير للحدّ من شروط العمل غير الآمنة ووضع المقاييس المعيارية لممارسات العمل بناء على أفضل المعايير العالمية. لكن بدأ تقدمها بالتباطؤ، ووصلت إلينا نتيجة لبحثها عن طرق جديدة للاستمرار بالتوجه نحو إنشاء مكان عمل آمن أكثر تتمثل رؤيته في انعدام حوادث الإصابات تماماً. ناقشنا طرقاً جديدة للتفكير في هذه المشكلة من الجانب السلوكي من السلامة في مكان العمل باستخدام التفكير التصميمي.

لماذا اخترنا التفكير التصميمي؟ أدركت شركة "آي تي سي" أنه في حين يمكن لتحسين العمليات والبنية التحتية المتطورة المساعدة في تقليل الحوادث فهذه التدخلات لم تكن كافية، إذ لم تتوقف الحوادث على الرغم من عمليات تقييم السلامة المستمرة وإجراءات التشغيل المعيارية المتاحة وجداول التدريب على السلامة المتكررة. تشمل الأمثلة على هذه الحوادث تعامل العمال مع المواد والكيميائيات بطرق غير صحيحة واحتجازهم في الآلات الدوارة وسقوطهم من الأماكن المرتفعة. في محادثاتنا مع الشركة على مدى عدة أشهر تبينت لنا الحاجة إلى فهم مواقف العمال والمدراء بصورة أفضل وسلوكياتهم تجاه السلامة. وعلى وجه الخصوص، كانت شركة "آي تي سي" مهتمة بفهم ما يلي:

  1. ما السبب الذي يدفع العمال لاتخاذ خيارات غير آمنة على الرغم من إدراكهم لإمكانية تعرضهم للأذى؟
  2. ما سبب عدم إبلاغ الموظفين عن شروط العمل غير الآمنة وعدم قيام المدراء بمعالجتها في الوقت المناسب؟

كان ذلك على أمل أن تساعد أخلاقيات التفكير التصميمي المركزة على العنصر الإنساني في إعادة صياغة هذه المشكلة على نحو لا يمكن لإجراءات تحسين العمليات العادية وحدها القيام به. بدأنا عملنا في أحد أكبر معامل الشركة وركزنا على إحدى وحدات العمل المتكاملة.

تطوير نهج التفكير التصميمي

اتبعت شركتنا تصميماً مختلطاً للبحث يتمثل في مزيج من الأساليب النوعية والكمية في سعيها إلى التوصل إلى نظرة معمقة واسعة في مسألة سلوك السلامة المعقدة. بدأنا بتقييم السلامة بواسطة استقصاء قام العمال والمدراء بملئه مع مساعدتنا في بعض الحالات التي استدعت المساعدة.

ثم اتبعنا نهجاً نسميه "أسلوب الساندويتش" يتضمن جولتين من المقابلات الشخصية؛ في الجولة الأولى استكشفنا الوعي والممارسات المتعلقة بالسلامة إلى جانب مستوى الأولوية التي منحها العمال والمدراء للسلامة في العمل، ثم راقبنا المدراء والموظفين في العمل لعدة ساعات مع محاولة الاندماج معهم كي لا يشعروا بأنهم مراقبون، ثم أجرينا مقابلات مع المدراء والعمال مرة أخرى بعد هذه المراقبة، وكنا عندئذ أكثر قدرة على فهم الاختلافات بين أقوالهم وأفعالهم على أرض الواقع. توصلنا من خلال ذلك إلى صورة أوضح عن عوامل مثل الوعي والسلوك والإجراءات وديناميات الموظفين وأولويات العمل التي تؤثر على السلامة.

ثم استخدمنا تخطيط السلوك، وهو تقنية بصرية تستكشف الارتباطات الفورية التي تتشكل بين الكلمات والصور والعبارات، وطلبنا من العمال توضيح آرائهم بالتصرفات غير الآمنة في حياتهم الشخصية (كالقفز عن الحافلة وهي تسير أو تجاوز إشارة المرور الحمراء). ساعدتنا الارتباطات التي شاركها العمال والمدراء حول كل كلمة في التوصل إلى فهم أفضل لطرق تفكيرهم في السلامة عن طريق تقييم درجة تقبلهم لأنواع مختلفة من الأنشطة الخطرة، وسمح لنا ذلك بالتوصل إلى فهم أفضل لنظم المعتقدات التي يتبناها الموظفون فيما يتعلق بأولويات السلامة لديهم وسلوكياتهم وفهمهم للسلامة والإنتاجية والديناميات بينهم وبين مختلف المستويات التنظيمية وأصحاب المصلحة.

ومع هذا الفهم الأولي للمواقف تجاه السلامة أجرينا تجارب على المنبهات التحفيزية السلوكية للتحقق من قدرتها على مساعدة العمال على اتخاذ قرارات آمنة أكثر ومساعدة المدراء على مراقبة مستوى السلامة في مكان العمل بكفاءة أكبر. مثلاً، أجرينا تجربة على منبه تحفيزي سلوكي سابق للالتزام، لأنه عندما يلتزم الإنسان بهدف ما فعلياً فعلى الأرجح أنه سيحققه. تمثلت التجربة بكتابة قائمة بالشروط غير الآمنة المعروفة على سبورة بيضاء، والتزام المدراء بمعالجتها بحلول موعد محدد، شجع ذلك المدراء على تحقيق أهدافهم في الموعد المحدد وشجع العمال على الإبلاغ بنشاط عن الشروط غير الآمنة أيضاً.

عندما تكسبك المجازفة احترام أقرانك

أدى تصميم البحث المختلط الذي اتبعناه إلى توليد بيانات من الاستقصاءات والمراقبات والمحادثات وتخطيط السلوك والمنبهات التحفيزية السلوكية. تمثلت مهمتنا التالية في تأليف ذاك البحث من أجل تحديد المشكلات الراسخة التي يجب معالجتها وتقديم رؤى وأفكار ملهمة للتوصل إلى حلول بناء على المعلومات.

تمثلت إحدى الرؤى التي توصلنا إليها في أنه عندما تتراجع فكرة السلامة إلى مرتبة دنيا بين الأولويات تعلو الإنتاجية والفاعلية على كل شيء آخر في أذهان العمال والمدراء. كانت السلامة تعتبر من مسؤوليات الإدارة، وهذا صحيح إلى حدّ ما ولكنه يتطلب اتباع عملية جيدة لصنع القرار على مستوى كل مدير وعامل. إلى جانب أن القيام بتصرفات خطيرة كان يعادل مستوى الخبرة الذي يحظى بالاحترام بين الأقران، بعبارة أخرى، كان الموظفون يتخذون خيارات غير آمنة من أجل إثارة إعجاب الآخرين، وكان من الضروري أن تبدأ شركتنا وشركة "آي تي سي" بتغيير هذه المفاهيم.

لذلك بدأنا بإقامة معسكرات تدريبية حول التفكير التصميمي والاقتصاد السلوكي من أجل السماح للمدراء بتولي مسؤولية اتباع الأساليب الجديدة المتعلقة بالسلامة في مكان العمل، وأردنا تحويل المحادثة المتعلقة بسلامة العمال إلى حوار يحمل جميع المشاركين فيه نفس الافتراضات ويبدؤونه من نفس المنطلق. في المعسكرات التدريبية تم تعريف المدراء على منهجيتنا ونتائج بحثنا والرؤى التي توصلنا إليها، وبالعمل معاً تمكنا من إنشاء حلول للتغلب على مجالات المشكلات المشتركة.

مثلاً، من أجل إبقاء فكرة السلامة على رأس أولويات العمال والمدراء قمنا بتصميم قطع معدنية صغيرة ترمز للسلامة يمكن للعامل وضعها في جيبه بسهولة كأداة فعلية ملموسة لتذكيره باتخاذ خيارات آمنة طوال اليوم. فأصبح العمال يأخذون القطع المعدنية صباحاً عند دخولهم إلى المعمل، وفي نهاية اليوم يطلب منهم تقييم مستوى الأمان الذي شعروا به في أثناء اليوم بصورة سرية ومن دون الكشف عن هوياتهم عن طريق إعادة القطع المعدنية إلى أحد صندوقين كتب على أحدهما "آمن" وعلى الآخر "غير آمن". أدت فرصة التفكير في سلوكياتهم المتعلقة بسلامتهم إلى زيادة وعيهم بفكرة السلامة، ومع مرور الوقت لاحظنا أن عدد القطع المعدنية التي يعيدها العمال إلى الصندوق "غير الآمن" قٌد أصبح أقلّ من عددها في الصندوق "الآمن".

كما استفدنا من المنبهات التحفيزية السابقة للالتزام، إذ تشاركنا مع شركة "آي تي سي" في إنشاء حلّ يركز على المساءلة ثنائية الاتجاه عن السلامة؛ كان المدراء يتوقعون من العمال عدم الالتزام بسلوكيات غير آمنة، وكان العمال يتوقعون من المدراء المسارعة في معالجة شروط العمل غير الآمنة. حمّل كل من الطرفين المسؤولية للطرف الآخر وبالتالي نشأت المساءلة ثنائية الاتجاه، ولذلك وضعنا في مساحة العمل قائمة بالشروط غير الآمنة التي أبلغ العمال عنها تضم حالتها وتاريخ معالجتها. أقيمت الاحتفالات بالسلامة على صعيد المعمل بأكمله من خلال مكافأة الإدارة العليا للمدراء والموظفين على اتباع السلوكيات الآمنة والإبلاغ عن الشروط غير الآمنة ومعالجتها بسرعة، ولاحظنا مع مرور الوقت أن العمال الذين كانوا يتخذون خيارات غير آمنة أو خطيرة من أجل إثارة إعجاب أقرانهم باتوا يفضلون الالتزام بتوجيهات السلامة.

ومع فهم العمال والمدراء لأهمية السلوك الفردي في إنشاء مكان عمل آمن أصبحوا أهم الدعاة إلى طرق الالتزام بممارسات السلامة ودعمها.

كانت هذه إشارات إلى التقدم، ولكن لا يزال الدرب أمامنا طويلاً.

بدأت مقاييس السلامة في وحدة العمل بالتحسن في القسمين اللذين اخترناهما في المعمل لتطبيق البرنامج التجريبي، وأصبح العمال يبلغون أكثر عن شروط العمل غير الآمنة والمدراء يعملون على معالجتها بسرعة أكبر، وأصبحت السلامة مسؤولية الجميع. كانت هذه التحسينات مؤشرات هامة في تقليل عدد الحوادث، وبعد أن شجعتنا هذه النتائج بدأنا بتوسيع الحل على جميع أقسام المعمل وعدلنا تصميمه ليتناسب مع مجالات التخصصات الجديدة وقدمنا التدريب اللازم.

لم يكن ذلك عملاً سهلاً؛ فالتفكير التصميمي هو عملية بحث وتوليد أفكار وتجريب متعمقة تتطلب الصبر ويحتاج ظهور نتائجها إلى الوقت، ويستدعي تطبيقه على مسائل هامة مثل سلامة الموظفين تخطيطاً دقيقاً ومشاركة الكثير من الأفراد، ما يزيد تكاليفه. لكننا توصلنا إلى أنه عن طريق التوصل إلى فهم أفضل لافتراضات العمال والانخراط في التجريب السريع، سيكون هذا النوع من العمل السلوكي أداة قوية لتحسين شروط سلامة العمال. لا تتغير السلوكيات بين ليلة وضحاها، لكن في هذه الحالة سيكون الانتظار مجدياً طالما أن الأمر يتعلق بإنقاذ الأرواح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي