يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية استخدام التفكير التصميمي من أجل تحسين تجربة المرضى

5 دقائق
التفكير التصميمي في الصحة

إليكم هذه القصة عن التفكير التصميمي في الصحة. حدثتنا مديرة في إحدى المستشفيات عن مشكلة شائعة جداً بين المرضى، ألا وهي التخلف عن موعد الطبيب. وكانت القصة عن امرأة، فلنقل إن اسمها مريم، وهي مريضة تعاني من مرض مزمن يتسبب لها بآلام شديدة ولم تكن تلتزم بمواعيدها الدورية مع الأطباء. فحاولت هذه المديرة وضع نفسها محل مريم في محاولة لفهم هذه المشكلة بصورة أفضل، وطرحت عليها أسئلة عن تجربتها: هل هناك مشكلة في التنقل؟ هل تحتاج إلى وسائل أخرى لتذكيرها بالموعد عدا عن الرسالة الورقية التي ترسل إليها عبر البريد والمكالمة الهاتفية المعتادة؟

بدأت مريم شيئاً فشيئاً بالإفصاح عن الأسباب التي منعتها من الحضور إلى مواعيدها مع الطبيب، إذ كانت رحلتها إلى المستشفى مرهقة. بدءاً من حاجتها إلى مساعدة من باب المنزل إلى باب المستشفى ووسيلة نقل خاصة بسبب مرضها المؤلم، بالإضافة إلى ضرورة أن يعمل جميع من لهم صلة باتساق كي تتمكن من الحضور إلى موعد الطبيب على وقته، كما أن تنسيق اللوجستيات كان أمراً مرهقاً ومجهداً.

وما أن تصل مريم إلى المستشفى كانت تواجه مجموعة جديدة من التحديات، إذ كان عليها الذهاب إلى مركز طبي أكاديمي كبير يضم عدة مداخل وأبراج، وفي بعض الأحيان كان عليها قطع رحلة طويلة نظراً لحجم المنشأة الهائل. كانت مريم تشعر بقلق من عدم العثور على من يساعدها بدفع كرسيها المتحرك، أو من الضياع في المنشأة. ومجرد التفكير في العقبات العديدة التي تواجهها في رحلتها كان يتسبب لها بالتوتر لدرجة أنها تقنع نفسها بعدم خوضها إطلاقاً. يتخلف قرابة 3.6 مليون شخص سنوياً عن مواعيدهم مع الأطباء أو يؤجلونها بسبب مشاكل التنقل، ما يكلف مؤسسات الرعاية الصحية خسارة تصل إلى مليارات الدولارات سنوياً. كما يتسبب التخلف عن المواعيد عادة في نشوء عدة تحديات تشغيلية أيضاً، بدءاً من صعوبة تغيير جدول أعمال الكادر الطبي وصولاً إلى التدخل في رعاية المريض وعلاجه. وفي حين تم إجراء كثير من الأبحاث على العواقب التي يتسبب بها تخلف المريض عن موعده، إلا أن أسباب عدم قدرة المريض على الحضور ليست واضحة دائماً، ولن نتمكن من معالجة هذه الأسباب إلا إذا استطعنا فهمها تماماً. وهنا يكمن دور التمعن أكثر في تجربة المريض بأكملها، بدءاً بما يمر به المريض قبل الوصول إلى المستشفى وصولاً إلى ما يمر به بعد مغادرتها.

بدأ كثير من المستشفيات الرائدة بزيادة التركيز على فهم تجربة المريض سعياً لحل هذا النوع من المشاكل، بالإضافة إلى تحسين التجربة عموماً وتخفيض التكاليف. إلا أنه ليس سهلاً دائماً دفع المساهمين الأساسيين إلى التفكير بالجوانب غير الطبية في هذا النوع من العمل.

أهمية التفكير التصميمي في الصحة

التفكير التصميمي هو أحد أفضل الأساليب الواعدة في السعي لفهم تجربة المريض، فهو نهج حل مشكلات يتمحور حول المكون البشري ويستفيد من التعاطف وتوليد الأفكار الجماعي ووضع النماذج الأولية السريعة والاختبار المستمر من أجل حل المشاكل المعقدة. وخلافاً للنهج التقليدية لحل المشكلات، يحتاج التفكير التصميمي إلى جهد كبير من أجل فهم المرضى وتجاربهم قبل ابتكار الحلول. وهذا الفهم العميق للمرضى (الذين يتخلفون عن مواعيدهم مثلاً) هو ما يوجه بقية الإجراءات. وبما أن التفكير التصميمي يتضمن الاختبار المستمر وصقل الأفكار، نسعى للحصول على التقييمات في مراحل مبكرة وبصورة متكررة، وبالأخص تقييمات المرضى.

لقد ساد التفكير التصميمي في قطاع الرعاية الصحية بالفعل، وهو يؤدي إلى تطوير منتجات جديدة وتحسين تصميم المساحات. إلا أنه ليس مستخدماً بما يكفي في حل تحديات أخرى هامة، كنقل المرضى ومشاكل التواصل بين الأطباء والمرضى والتمييز في المعالجة الذي يتسبب به التحيز الضمني، على سبيل المثال. وإذا ازداد عدد القادة الذين يتبنون التفكير التصميمي سيستفيدون من تحقيق فهم أعمق للمرضى من أجل حل هذا النوع من المشاكل، وهذا بدوره سيحقق نتائج طبية أفضل ويحسن تجربة المرضى ويخفض التكاليف في نفس الوقت.

تصميم تجربة تركز على المريض

كيف يمكن تطبيق التفكير التصميمي على المشكلة المستمرة والمكلفة التي يتسبب بها التخلف عن المواعيد؟ في حالة مريم، لم تكن قادرة على شرح مخاوفها عن طريق استبانة تجربة المريض القياسية التي تجريها إدارة المستشفى بعد الموعد وتطرح فيها أسئلة عامة تركز على الزيارة الطبية. ولأن هذه المبادرة لا تتضمن سؤال مريم عما يجري، لم ينتبه أحد لمخاوفها ولم تتم معالجتها قط.

يعتبر هذا النهج في حل المشكلات الذي يركز على العنصر البشري أساساً للتفكير التصميمي. ويمكن للمستشفيات الضالعة في التفكير التصميمي تحديد هذه المشكلة ثم تعيين فريق عمل خاص (وهو عادة فريق متعدد التخصصات) كي يقضي عدة أسابيع أو عدة أشهر في دراسة المرضى الذين يتأثرون بهذه المشكلة. ويمكن أن يتبع الفريق أساليب بحث نوعية من أجل فهم تجارب المرضى بصورة أفضل، كالاستبانات وفرق التركيز والمراقبة. ويمكن أن يبحث عن أنماط ويسعى لتحديد المشكلة الحقيقة. مثلاً، سرعان ما سيتمكن فريق يحقق في عدة حالات تخلف عن المواعيد من ملاحظة أن العديد من الحالات لا تتضمن بالضرورة نسيان المرضى لوقت الموعد أو وجود مشكلة في إدارة الوقت. وإنما قد يجد أن المشكلة التي يواجهها هؤلاء المرضى، مثل مريم، غالباً ما تكون عاطفية اجتماعية، وليست تنظيمية.

وبعد هذه المرحلة، يقوم الفريق بعملية تبادل للأفكار من أجل العثور على حلول محتملة، ثم يبدأ بعملية سريعة لوضع نماذج أولية لاختبارها. ويمكن أن يتراوح النموذج الأولي بين النموذج المادي الملموس والمخطط الانسيابي، وذلك بناء على الحل المقترح. مثلاً، إذا أراد الفريق تصميم عملية فرز من أجل التعرف على الأشخاص الذين يعانون من مخاوف تتعلق بالتنقل، يمكنه تصميم محاكاة بسيطة على جهاز الكمبيوتر توضح كيف يمكن أن تبدو هذه الإجراءات بالنسبة للكادر الطبي والمريض وما هو شعورهم حيالها. وما أن يتم صنع النموذج الأولي يمكن للمساهمين ذوي الصلة أو حتى أطراف أخرى خارجية اختباره من أجل الحصول على تقييمات حاسمة. وعادة تشير التقييمات إلى الموضع الذي يحتاج إلى تعديل أو كيفية إجراء هذا التعديل، أو ما إذا كان يجب على الفريق العودة لتجميع المزيد من المعلومات. وتكون النتيجة حل يركز على ما سيقدم أكبر مساعدة المريض.

معالجة مجموعة أوسع من التحديات التي يواجهها المرضى

بالفعل، هناك بعض الأمثلة الواعدة للتفكير التصميمي يتم استخدامها في إنشاء تجربة أفضل للمرضى. مثلاً، استخدم قسم التوليد وأمراض النساء في مؤسسة مايو كلينك التفكير التصميمي من أجل إعادة تخيل خدمة رعاية ما قبل الولادة، وأرادت الإدارة تلبية التوقعات والاحتياجات لدى النساء الحوامل اللاتي يرغبن بتركيز أكبر على التجربة العاطفية للحمل بدلاً من الاكتفاء بالجانب الطبي منه. ومن خلال إجراء مقابلات مع نساء حوامل ومراقبتهنّ، عرف فريق التفكير التصميمي أن وجود روح المجتمع أمر في غاية الأهمية لهنّ. لذلك أنشأ القسم مجتمعات رعاية على الإنترنت يقوم على تيسيرها مجموعة من الممرضين وغيرهم من استشاريي الحمل والإنجاب. وكانت النتيجة تحسناً إجمالياً في شعور هؤلاء النساء الحوامل بمدى استعدادهنّ والقوة التي يحصلن عليها.

في مستشفى جونز هوبكنز، نجد أن عناصر التفكير التصميمي مدمجة في نهجها المتبع لتحسين الرعاية الطبية المقدمة. ومن أجل توفير اللمسة الإنسانية اللازمة لتحسين تجربة المريض، يوجد لدينا فريق من المدربين الذين تلقوا تدريباً على أهمية التعاطف في الأماكن الطبية، يقوم بتعليم مقدمي الرعاية كيفية التشارك مع المريض وزيادة حضوره معه. مثلاً، يعلّم المدربون الكادر الطبي طريقة رفض طلب المريض عند الضرورة (كطلب إعطائه المزيد من المسكنات مثلاً) مع الحفاظ على إبداء الاهتمام. ومن جانب المريض، لدينا فريق من الدعاة يزور المرضى الذين يواجهون ظروفاً صعبة على نحو استثنائي، كالاضطرار للانتظار فترة طويلة دون طعام أو ماء قبل الخضوع لعمل جراحي. ويقدم هؤلاء الدعاة الدعم لهم عن طريق وصلهم بالموظفين المناسبين أو عن طريق الاستماع إلى مخاوفهم وحسب. يدعم الدعاة المرضى ويشجعونهم على الانخراط في الرعاية المقدمة لهم، ويتضمن ذلك عادة التعرف على ما يشكل أهمية لهم ولأحبائهم، وإدراك أن المريض شخص كامل في المقام الأول، وليس حالة أو مرضاً.

يمكن استخدام التفكير التصميمي في معالجة التحديات في العديد من المجالات المرتبطة بتجربة المريض. خذ مثلاً تجربة الانتظار في غرفة الإسعاف، إذ يصعب توقع مدتها لأن الأولوية في منح الرعاية تبنى على درجة خطورة حالة المريض، وغالباً ما يمضي المريض وعائلته ساعات ينتظرون دوره ليتم فحصه ومعالجته. قد يتمكن التفكير التصميمي من التوصل إلى طرق جديدة لمساعدة المرضى وجعلهم يشعرون بالراحة والأمان أثناء فترات الانتظار الطويلة هذه، وقد يتمكن نهج يبدأ بالاستعلام عن وجهات نظر المريض، بما فيها أكثر النقاط المؤلمة بالنسبة له، من منح الإداريين بعض الأفكار عن طريقة جعل تجربة غرفة الإسعاف محمولة أكثر.

من واجب كل قائد في قطاع الرعاية الصحية أن يحسن تجربة المريض، والتفكير التصميمي في الصحة هو إجراء مفيد لتحقيق ذلك، لأنه يتطلب من أصحاب القرار التعاطف مع المرضى والتفكير بأسلوب ابتكاري ووضع نماذج أولية واختبار الحلول التي يتوصلون إليها باستمرار. وتبدأ حلول مشاكل مثل مشكلة التخلف عن المواعيد بمعرفة المرضى مثل مريم.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي