لماذا يتقبل الموظفون التفاوت في الدخل؟

4 دقائق
shutterstock.com/Hyejin Kang

في عام 2012، ألقى رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين الراحل آلان كروجر، خطاباً سلط فيه الضوء على التفاوت في الدخل باعتباره أحد الأسباب الرئيسة للأمراض الاجتماعية في المجتمع الأميركي. عندها، قدم لأول مرة ما يعرف الآن على نطاق واسع باسم منحنى غاتسبي العظيم الذي يدل على أنه كلما ارتفعت نسبة تفاوت الدخل في المجتمع ازدادت صعوبة انتقال الأفراد من فئة الدخل التي وُلدوا فيها. بعبارة أخرى، يؤدي ارتفاع نسبة التفاوت إلى زيادة صعوبة تحقيق الحلم الأميركي المتمثل في الحراك الاقتصادي.

لم يكن آلان كروجر وحيداً في اهتمامه بما يمكن أن يفعله تفاوت الدخل لمن ينتمون إلى المستويات الأدنى من تسلسل الدخل الهرمي. فقد نشر عالما الأوبئة البريطانيان كيت بيكيت وريتشارد ويلكنسون كتاباً في عام 2009، يقدمان فيه أدلة من بلدان مختلفة على أن أغلبية الأشخاص في الدول التي ترتفع فيها نسب تفاوت الدخل تسوء لديهم نتائج أمور مثل الصحة العقلية والبدنية، وإدمان المخدرات والتعليم والسجن والسمنة والتنقل الاجتماعي والثقة والمجتمع، ورفاهية الأطفال. ومن ثم دُعم بحثهم بدراسات أحدث حول عواقب تفاوت الدخل على مشاكل الصحة المبلغ عنها ذاتياً وجرائم العنف والرضا عن الحياة.

وعلى الرغم من هذه الأدلة المتنامية، فإن نسب تفاوت الدخل مستمرة في الارتفاع في عديد من البلدان حول العالم. واليوم، تملك الفئة الأغنى في المجتمعات والتي تبلغ نسبة 1%، نسبة مئوية من الدخل القومي أكبر من أي وقت مضى. والأمر المحير هو أن أحدث الأبحاث حول المواقف تجاه التفاوت تشير إلى أن المواطنين في البلدان ذات التفاوت الأكبر في الدخل هم أقل اهتماماً بشأنه من المواطنين في الدول التي تتمتع بمساواة أعلى. إذا كان تفاوت الدخل أمراً سيئاً للغاية بالنسبة لمعظم الناس في المجتمع، فلماذا لا يزالون يتقبلونها، بالأخص أولئك الذين يعيشون في الأماكن ذات تفاوت أكبر؟

وفقاً لأحدث أعمال عالم الاجتماع بجامعة هارفارد، جوناثان ميجيز، يمكن تفسير لغز التفاوت هذا جزئياً بالأدلة التي تبين أن إيمان الناس في المجتمع بمفهوم الجدارة، أي أن اختلاف الدخل ينتج عن الاختلاف في الجهد وليس في الحظ، يترافق يداً بيد مع تفاوت الدخل. ويبدو أن الناس في المجتمعات ذات التفاوت الأكبر، بغض النظر عما إذا كانوا من الطبقة العاملة أو الطبقة المتوسطة الأدنى أو الطبقة المتوسطة الأعلى، هم أكثر عرضة للاعتقاد بأن الأغنياء أغنياء لأنهم عملوا بجد لنيل دخلهم، بينما الفقراء هم فقراء بسبب عدم المحاولة.

ولكن تقدم أبحاثنا الأخيرة تفسيراً إضافياً للغز تفاوت الدخل، فقد وجدنا أن الناس يتحملون مستويات عالية من التفاوت لسببين، وهما: أولاً، يبدي الناس اهتماماً شديداً بموقعهم من حيث الدخل ضمن مجموعة معينة. كأن يكون الشخص في المرتبة الخامسة أو المرتبة الأربعين من قائمة أصحاب الأجور الأعلى في مكان العمل. ثانياً، يشعر الناس بقدر أكبر من الرضا عندما يجدون أنفسهم على قمة تصنيفات الدخل في المجتمعات ذات التفاوت الأكبر، حيث يُرجح أن يعتبر السعي لتحقيق المرتبة والمركز كهدف مرغوب للحياة. لذلك، نعتقد أن الأشخاص في المجتمع غير المتكافئ يملكون حافزاً لرفع مستويات دخلهم أكبر نسبياً منه لدى من يعيشون في الأماكن التي يتساوى فيها الدخل، ببساطة لأن كل خطوة تصعد على سلم الدخل تؤدي إلى سعادة أكبر. واحتمال كبير أن يؤدي هذا الحافز الأكبر لدى الشخص إلى تجاهل العواقب السلبية لتفاوت الدخل أو تبريرها على المستوى الجماعي.

أجرينا دراسة على بيانات تمثيلية على المستوى الوطني من جميع القطاعات، تم جمعها على مدار ستة أعوام من قرابة 160 ألف فرد من 24 دولة. أتت البيانات من استطلاع شركة غالوب العالمي (Gallup World Poll)، وهو عبارة عن استبانة سنوية تجريها الشركة لاستطلاع المواقف والآراء والمشاعر وغيرها من المقاييس. وتفحصنا العلاقة بين ترتيب الدخل والرضا عن الحياة، ووجدنا أنه في هذه البلدان، قال الأفراد الذين احتلوا المراتب الأعلى في ترتيب توزيع الدخل أنهم يتمتعون بمستويات أعلى من الرضا عن الحياة مقارنة بمن احتلوا مراتب أدنى. كما وجدنا أن زيادة دخل الفرد لا تزيد الرضا عن الحياة إلا إذا تحسنت مرتبته ضمن مقياس مستوى الدخل، لذلك لم يتسبب ارتفاع الدخل بسعادة الفرد إلا إذا أصبح يجني أكثر من غيره، (مع أن هذا يعني تراجع الآخرين في ترتيب مستوى الدخل وبالتالي انخفاض مستوى الرضا عن الحياة لديهم).

وأجرينا فيما بعد بحثاً عما إذا كانت هذه العلاقة بين ترتيب مستوى الدخل والرضا عن الحياة تختلف باختلاف البلدان وارتفاع التفاوت فيها وانخفاضه، وذلك باستخدام حصة الدخل القومي التي تحظى بها الفئة الأغنى التي تشكل نسبة 1% من المجتمع كبديل لقيمة تفاوت الدخل. ولحظنا ازدياد فجوة الرفاهية بين الأثرياء نسبياً والفقراء نسبياً في الأماكن التي يزداد التفاوت فيها. كما وجدنا أن التحسينات في مركز الفرد ضمن تصنيف الدخل زادت من سعادته في البلدان التي تركزت فيها الدخول الأعلى في أيدي القلة. لذلك، كلما ازداد التفاوت في المجتمع أكثر ازدادت رفاهية الفرد الكلية الناتجة عن ارتفاعه على سلم الدخل. وتشير الدلائل أيضاً إلى أن التراجع في تصنيف الدخل يضر بالرفاهية العامة أكثر في البلدان التي تعاني من تفاوت أكبر.

كيف يساعد هذا في تفسير لغز التفاوت في الدخل؟ تظهر أدلتنا أنه مع زيادة تفاوت الدخل في مجتمع ما، تزداد السعادة التي يتسبب بها الصعود على سلم توزيع الدخل. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ازدياد وعي الناس بالمكانة والسعي بجد أكبر للصعود على سلم الدخل، وتناقص اهتمامهم بشأن ازدياد تفاوت الدخل في المجتمع حولهم وآثاره السلبية. يمكن تسويغ مثل هذا التحول بالاعتقاد بأن فروق الدخل مستحَقة، ما يجعل التفاوت في الدخل مقبولاً أكثر حتى بين من يقبعون في أسفل التسلسل الهرمي.

وقد تكون هذه الدوافع لمحاولة الوصول إلى مراتب أعلى من تصنيف الدخل ذات أهمية أيضاً في سياقات أخرى، مثل مكان العمل. فعلى المستوى التنظيمي، يمكن للمرء أن يتخيل تأثير أجور التنفيذيين، التي تزيد بنحو 200 ضعف عن دخل الموظف في الطبقة الوسطى، على مواقف معظم الموظفين تجاه التنافس مع زملائهم على الترقيات والأجور الأعلى، وعلى مستوى عدم الرضا بين الموظفين في قاعدة تسلسل توزيع الأجور. قد تكون مستويات عدم الرضا المرتفعة هذه كارثية بالنسبة للمؤسسة، على اعتبار أن الموظفين غير السعداء تزداد لديهم احتمالات الاستقالة من وظائفهم على الرغم من حصولهم على دخل جيد. ومع ذلك، يجب إجراء مزيد من الأبحاث على المستوى التنظيمي قبل أن نؤكد على أن تفاوت الدخل في مكان العمل يشجع الموظفين في جميع المستويات على قبول السعي للحصول على أجر أعلى نسبياً من أجور زملائهم ومنحه الأولوية كأحد أهدافهم المهنية الرئيسية.

وكأي بحث في العلوم الاجتماعية، فإن دراستنا أبعد ما تكون عن الكمال، وبالتالي يجدر بنا أخذ بعض قيودها في عين الاعتبار. أولاً، تم جمع بياناتنا في أعوام مختلفة ولكن من أشخاص مختلفين خلال فترة البحث. ولذلك لا يمكننا تحديد ما حدث تماماً لرفاهية أحد الأفراد عند انتقاله على سلم الدخل صعوداً أو نزولاً بين عام وآخر. ثانياً، لم يكن لدينا سوى بيانات عن حصص الدخل الأعلى من 24 دولة، ما يعني احتمال عدم إمكانية تطبيق النتائج التي توصلنا إليها على مجتمعات أخرى، وبالتالي ينبغي أن تهدف الأبحاث المستقبلية إلى إدخال مجموعة أكبر من البلدان.

مع ارتفاع معدلات التفاوت في الدخل بدرجة كبيرة حول العالم، أصبح فهم سبب استمرار التفاوت أكثر أهمية من أي وقت مضى. يمكن أن يكون هناك دافع أكبر لدى القادة لمعالجة التفاوت في الدخل وتحسين الرفاهية الكلية للموظفين عن طريق معرفة أن التفاوت في الدخل قادر على توليد حوافز قوية لمشاركة الموظفين في سباق للوصول إلى قمة سلم الدخل وغض الطرف عن عواقبه السلبية في الوقت ذاته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي