يكاد أن يكون تطوير القدرات القيادية وإدارة التغيير على رأس سلم الأولويات بالنسبة إلى أي مؤسسة. لكن على الرغم من ذلك نجد أن معظم المؤسسات تقصر في تحقيق أهدافها المتعلقة بكلا الأمرين. إن أحد أسباب الصعوبة التي تواجهها الشركات هي أنها تتعامل مع تطوير القيادة وإدارة التغيير بوصفهما منفصلين لا مترابطين. لا يمكن للتغييرات الثقافية أن تتحقق دون قيادة، وتعتبر الجهودُ المبذولة لإحداث التغيير الثقافي البوتقةَ التي تنصهر فيها عملية التطوير القيادي.
ولتحقيق أفضل النتائج، على المؤسسات أن تنسق جهودها المبذولة من أجل تطوير القدرات القيادية وإدارة التغيير، والتعامل معهما باعتبارهما كلاً واحداً لا يتجزأ. تنطوي القيادة الحقيقية على الابتعاد عن التوقعات الثقافية الشائعة التي تلهم الآخرين وتحفزهم على اتباعها. والأكثر من ذلك، هو أن مسؤولية القيادة ليست حصراً على ذوي المناصب التنفيذية العليا. إذ يجب على المدراء من كل المستويات ضمن المؤسسة التغلب على مقاومة التغيير الثقافي إذا كان لا بد من إحداثه. وبالتالي، فإن مبادرات التغيير، التي تستلزم الابتعاد عن مجموعة من الأعراف والسلوكيات السائدة، تعتبر البيئة التعليمية الفضلى بالنسبة إلى المدراء اللامعين من أجل تطوير مهاراتهم القيادية، فضلاً عن أنها مكون أساسي لمبادرة تغيير ثقافي ناجحة.
إذاً، ما هي الطريقة التي يجب على المؤسسات أن تتبعها لدمج مبادراتها المتعلقة بإدارة التغيير وتطوير القيادة؟ نوصي بتطبيق منهجية مزدوجة، من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة.
تتطلب عملية التغيير والتطوير المتكاملة بجزئها المتعلق بمنهجية "من القاعدة إلى القمة" من القادة المحتملين في المؤسسة أن ينخرطوا في عملية تعلم كيفية إحداث التغيير المنشود في ثقافة المؤسسة وذلك فيما يتعلق بالخبرات اليومية في عمر تلك المؤسسة. على سبيل المثال، خضعت إحدى الشركات بشكل مفاجئ لعملية تدقيق بناء على طلب أكبر عملائها، وأُخبرت أنها بحاجة لإحداث تغيير في إجراءاتها المحاسبية. ورداً على ذلك، أصر العديد من الموظفين أنه لا يمكن إحداث التغييرات المطلوبة بحلول الموعد النهائي المحدد. إذ كانت تعيقهم معتقدات ثقافية فيما يخص مدى سرعة المؤسسة على إتمام بعض المهمات المعقدة وحشدها. في ذلك الوقت، كانت جانيت، وهي عضوة في فريق العمل المكلف بتولي متطلبات التدقيق السابق، كانت تشارك حينها ببرنامج تدريبي حول تطوير القيادة. وباستخدام إحدى أدوات القيادة التي طورناها تحت مسمى الحالة الأساسية للقيادة، قررت جانيت التواصل مع الموظفين المعنيين بتطبيق المتطلبات الجديدة، لتتفهم رؤيتهم حيال ذلك (بدلاً من انتظار من لديه سلطة أعلى لإخبارها بما تقوم به). فجمعت معلومات جديدة واكتشفت مخاوفهم، وأدركت في الوقت نفسه أنه يمكن استيفاء المتطلبات بحلول الموعد النهائي. وبهذا الفهم الجديد، استطاعت مساعدة الموظفين الآخرين لدحض معتقداتهم والتوصل إلى أساليب مبتكرة من أجل تبسيط الإجراءات المحاسبية وبالتالي الوفاء بالمواعيد النهائية.
وكجزء من واجبها في صفها التدريبي حول القيادة، فكرت جانيت عميقاً في التجربة، وطوّعت أفكارها وأفكار الآخرين لتخبر عن خططها والإجراءات اللاحقة التي ستقوم بها. وفي نهاية الأمر، تزايد عدد زملائها الذين بدؤوا بتقبل أهمية التغييرات المحاسبية وأهمية استيفائها قبل موعدها النهائي، مع إسهامهم في أعمال إبداعية. وقد أدى عملهم إلى إحداث تغيير من القاعدة إلى القمة: حيث لم يكن ممكناً التخطيط مسبقاً لإنشاء ثقافة جديدة وسياسات محاسبية مختلفة، لكنها بزغت من أفكار الموظفين المتحمسين وأعمالهم التي قاموا بها على نحو فريد وملائم للتحديات الداخلية التي واجهوها. على كل حال، لم تكن جانيت مجرد عامل للتغيير في سياق هذا الموقف. فما قامت به من تخطيط وتنفيذ وأفكار ثم إعادة التخطيط، أظهر تمتعها بقيادة حقيقية.
لكن على الأرجح أنه لن يكتب النجاح لعملية تتم وفق نهج من القاعدة إلى القمة ما لم تندمج بعملية تعلم باتجاه من القمة إلى القاعدة. تقدم عملية التغيير التي تتم من القمة إلى القاعدة الهيكل والحافز للموظفين ليبقوا منخرطين في عملية تغيير وتطوير القيادة. وإذا تمت المهمة على أكمل وجه، فيمكن لها أن توفر أيضاً قادة محتملين للدعم العاطفي والاجتماعي، لأن الابتعاد عن التوقعات الثقافية قد يكون مسعى من جانب واحد ما لم يحدث هذا الدعم.
يمكن أن تبدأ العملية الناجحة بنهج من القمة إلى القاعدة مع تنفيذيين يقومون بإيضاح النتائج المرجوة من برامج إدارة التغيير وتطوير القيادة. على سبيل المثال، ربما يريد التنفيذيون تغيير الإجراءات المحاسبية أو الحث على الإبداع بهدف زيادة الكفاءة، كما حصل في شركة جانيت. أو ربما يريدون خفض الحواجز بين الأقسام أو بناء إدارة مالية رشيدة في المؤسسة. يعتمد الهدف على المؤسسة ووضعها، والمهم هو أن الهدف نوعي (وفي الحالة المثالية، هو هدف ذو نتائج قابلة للقياس) ومقبول من جميع أعضاء الفريق التنفيذي.
وبمجرد أن يصبح الهدف واضحاً ومقبولاً، يمكن للمسؤولين التنفيذيين تحديد القادة المحتملين من كافة أرجاء المؤسسة لينخرطوا في عملية تطوير القدرات القيادية وإدارة التغيير. يمكن أن يكون القادة من أعضاء الفريق التنفيذي، أو أشخاصاً في مناصب رئيسة، أو ممن أبدوا شغفاً تجاه هذا التغيير، أو ممن يمكن اعتبارهم "كفاءات عليا"، أو مزيجاً من تلك الشخصيات. يمكن أن تقود العديد من المتغيرات ذات الصلة بنمط برنامج التغيير القرارَ المتعلق بالقادة المحتمل إدراجهم، مثل المتغيرات الاستراتيجية، أوالعدد المطلوب لتحقيق ما يسمى الكتلة الحرجة "وهو عدد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا فاعلين لإحداث التغيير"، أو الحاجة إلى تنظيم عملية التغيير، أو مدى الدعم الذي يمكن تقديمه، أو الانتشار الجغرافي، أو تنوع الخبرات، أوالخصائص السكانية (الديموغرافية) المعنية، وغير ذلك.
يجب أن يُمنح القادة المختارون الهيكليةَ اللازمة، والمسؤولية والدعم والتحفيز عند إشراكهم في هذه العملية، كما يجب منحهم الحرية الكافية لوضع حلولهم الخاصة، مثلما حدث مع جانيت بمساعدة فريق المحاسبة. كما يجب أن يكون واضحاً منذ المرحلة المبكرة التي يتم فيها تقديم الدعوات لاختيار القادة ما هي الأهداف المنشودة من عملية التغيير والتطوير، وما هو نطاق المبادرة، والإطار الزمني للتنفيذ، ونوع الدعم الذي سيقدم، وكذلك المكافآت التي ستمنح عند تحقيق المهمة بنجاح. يمكن للفصول التدريبية تقديم المشورة، لكن مفتاح الحل يكمن في المضي في دورة حياة المشروع وهي خطط-نفذ-اعكس النتائج (PAR)- ثم قدم الدعم للمدراء أثناء تعلمهم وخلال تقدمهم بالعمل. ينبغي ضمان اهتمام كبار التنفيذيين بالعملية، وكفالة تقديم الدعم المالي المطلوب إذ إن أسوأ سيناريو يمكن أن يحصل لقائد صاعد هو أن تسحب البساط من تحته خلال قيادته لعملية التغيير والتطوير.
بمجرد تأمين الهيكلية اللازمة والتحفيز المطلوب وتحديدهما، يمكن عندها للقادة المحتملين أن يبدؤوا ببذل جهود متكررة ينبثق عنها خبرات تمكن من وضع أهداف جديدة باستخدام دورة حياة المشروع: خطط-نفذ-اعكس النتائج. في الوضع المثالي، يمكن مشاركة الملاحظات والأفكار، ليتعلم بذلك القادة من بعضهم، وكذلك من جهودهم الخاصة.
للأسف، تمتلك برامج إدارة التغيير وتطوير القيادة سجلاً بائساً في معظم المؤسسات. يعود جل الأسباب إلى أنهم يواجهون تحدياً مشتركاً، وهو صعوبة الابتعاد عن الثقافة السائدة (وهو الاختبار الحقيقي للقيادة). إن المدراء المكلفين بدفع عملية التغيير الثقافي من القاعدة إلى القمة، سيقدمون تدريباً على القيادة بحد ذاتها. لكن ليتمكنوا من النجاح، فهم بحاجة إلى دعم من القمة إلى القاعدة.