كيف تقود تحولاً استراتيجياً جريئاً؟ تجربة شركة “إيميليا”

12 دقيقة
شركة إيميليا
shutterstock.com/WHYFRAME

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها "هارفارد بزنس ريفيو" على هيئة قصص خيالية المشكلات التي يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. وتستند هذه الدراسة إلى دراسة حالة أصدرتها كلية "هارفارد للأعمال" بعنوان "استراتيجية ’العدل والإنصاف‘ في شركة ’جيه سي بيني‘"، تأليف إيلي أوفيك وجيل إيفري.

اصطحب أوغستين ري، وهو رجل أعمال أوروبي شهير والرئيس الجديد لشركة تجارة التجزئة العريقة شركة "إيميليا" (Emilia)، التي يصل عمرها إلى قرن من الزمن، في سيارته ذات الدفع الرباعي مجموعة من المراهقين إلى مدينة ليون الإسبانية كي يروا الثورة بأم أعينهم.

قبل هذه الرحلة بعدة ساعات كان يزور صديقيه المقربين كاميلو وماريا فيغا في منزلهما القريب من عاصمة المقاطعة، وشرح لهما بحماس الخطة التي وضعها لتجديد استراتيجية الترويج المتبعة في سلسلة متاجره وإعادة تصميم العتيق منها. كان متجر مدينة ليون على سبيل المثال يخضع لعملية تجديد كاملة؛ تم إنشاء ساحة داخلية مركزية لإتاحة مساحة للشباب للاستمتاع بالعروض الموسيقية الحية أو مشاهدة الأفلام التي يتم إسقاط صورتها على الجدران، وتم وضع أكشاك وعربات على طول "المسارات" المضيئة لتقدم بضائع مختارة تتناسب مع ثقافة الشباب الإسباني.

انبهر ابن الزوجين فيغا وابنتهما وسألا بتعجب: "شركة إيميليا ؟ ذاك المكان العتيق؟"، لذلك دعاهما أوغستين مع 3 من أصدقائهما لإلقاء نظرة على المكان، وقررت ماريا الذهاب معهم أيضاً.

أثار وصول المجموعة في منتصف الفترة الصباحية إلى المتجر الذي كان في المرحلة النهائية من التجديد ضجة كبيرة، فاصطف الموظفون المذهولون لمصافحة أوغستين في حين انتشر المراهقون بين أكوام وصناديق البضائع.

قال أوغستين لماريا إن جميع المتاجر تقريباً في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا تم تجديدها ولو جزئياً، وخضعت 10% منها مع هذا المتجر لتجديد كامل وبدأت غالبيتها بالعمل فعلاً. لكن هذه ليست سوى المرحلة الأولى، إذ سيتم تجديد جميع متاجر سلسلة " إيميليا" على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.

راقبت ماريا طِفليها وأصدقاءهما وهم يتجولون بين أقسام شركة "إيميليا" ويتفقدون الألبسة المعروضة من جينز وفساتين دمى الأطفال وقالت: "يبدو أنهم يحبونه. فهم ينظرون إلى متاجر ’إيميليا‘ بازدراء عادة ويقولون إنه متجر النساء العجائز".

قال أوغستين: "بالتأكيد. أصبح مكاناً ذا تصميم رائع، والملابس المعروضة رائعة. لكن ما سيجذب هذا الجيل حقاً على المدى الطويل هو هذا التفصيل الصغير". ورفع بطاقة السعر السوداء الصغيرة التي كتب عليها "21 يورو" بحروف كبيرة وكلمة (diario) بالإسبانية بمعنى "كل يوم" بحروف أصغر.

قال: "هذه هي الثورة؛ إنها الواقعية". صمت برهة ثم أضاف: "يمثل هؤلاء الفتية فرصة بداية جديدة لتجارة التجزئة كي تصبح حقيقية. فهم يافعون ومثاليون لم تلوثهم ألاعيب المال التي ابتُلي بها القطاع منذ زمن طويل، أو رفع الأسعار السخيف الذي تتبعه تخفيضات وعروض ترويجية خاصة مثل "اشتر قطعتين بسعر قطعة واحدة". يرغب جميع زبائن متاجر التجزئة كباراً وصغاراً في خطاب مباشر وواضح، وسنقدمه لهم".

أطلق أوغستين اسم "الكلام الواضح" (آبلار كلارو Hablar claro بالإسبانية) على استراتيجيته لتحويل شركة "إيميليا" إلى معجزة تجارة التجزئة الإسبانية الجديدة، وقد أثارت حماس المستثمرين في البداية، وكانت نتائج الربع السنوي الأول من العمليات التي تسير وفقاً للاستراتيجية الجديدة مذهلة، ولكن أداء الربع الثاني كان مخيباً للآمال، وما لم يقله أوغستين لماريا هو أن معظم النتائج الجديدة تبدي تدهوراً أكبر، فحركة الزبائن قلت بدرجة هائلة، وشهدت الإيرادات تراجعاً كبيراً وفقاً لمؤشر مقارنة مبيعات المتجر نفسه. بعد الإعلان عن النتائج ببضعة أيام، تفجرت الانتقادات التي بدأت منذ بضعة أشهر وتم إسكاتها وتحولت إلى مطالبات بتغيير الاستراتيجية.

لكن لا يمكنك الانسحاب من الثورة وهي في أوجها.

أمل جديد عظيم

حقق أوغستين نجاحه الأول في تجارة التجزئة قبل عدة أعوام عندما أعاد تصميم صالات العرض التابعة لشركة "هوغار" (Hogar) الأوروبية لتصميم المنازل. لكن فترة عمله كرئيس لعمليات تجارة التجزئة في سلسلة متاجر أزياء الموضة السريعة "زيلا" (Xela) هو ما جعله نجماً؛ كان تركيزه الأولي منصباً على الكفاءة التشغيلية، لذلك عمد إلى تجريد المتاجر من كل التجهيزات غير اللازمة حيث أبقى على الضروري منها فقط، ووصل في بعض الأحيان لأُسس البناء وكانت الأسلاك الكهربائية ومجار الهواء ظاهرة للعيان. كان تركيزه الثاني منصباً على الطراز العصري، ومن أجل تأكيده أنشأ فرقاً داخلية في المتاجر تضم مبدعين في مجال الموضة يقدمون نصائحهم في الأزياء ويستمعون إلى أفكار الزبائن. لاقت هذه الفرق ترحيباً شديداً على اعتبارها أول مفهوم جديد تماماً في القطاع منذ عقود.

لذلك كان إعلان مجلس إدارة شركة "إيميليا" عن تعيين أوغستين قائداً جديداً للشركة بمثابة ثورة كبيرة، وتمثلت مهمته في إعادة ابتكار شركة بدا أنها ضيعت طريقها في مواجهة التحديات المتمثلة في شركات الموضة السريعة ومتاجر التجزئة الكبيرة والتجارة الإلكترونية.

اكتسبت شركة "إيميليا" التي سميت على اسم والدة مؤسسها طابعاً مميزاً بالوقار على مرّ العقود، فقد كانت متاجرها مكاناً تشتري منه السيدات المقتصدات الملابس لهن ولأزواجهنّ وأولادهنّ بأسعار معقولة. لكن هذا لم يشكّل سوقاً مزدهرة تماماً، بل الأسوأ هو أن زبائن متاجر "إيميليا" اعتادوا على الشراء منها فقط عندما تخفّض أسعارها؛ من دون الحسومات لا يشتري الزبائن شيئاً. لذلك على مدى سنوات تنافست شركة "إيميليا" على السعر بشراسة، وقدمت مزيداً من عروض تحطيم الأسعار وحسومات العطل وتخفيضات التصفية وأصدرت المنشورات مع قسائم الحسومات بغزارة بهدف جذب الزبائن إلى متاجرها أو موقعها الإلكتروني.

قال أوغستين لماريا وهما يجلسان على مقعد خارج المتجر: "يجب أن نوقف إدمان الناس على الحسومات"، ثم سألها: "هل تذكرين عمتيّ مارتا وتيريزا؟"

ابتسمت ماريا، فهي وزوجها يعرفان أوغستين منذ أيام المدرسة في مقاطعة غاليسيا، وتتذكر جيداً عمّتيه اللتين كانتا تعتنيان به في غياب والديه المسافرين للعمل.

قال أوغستين: "كانتا ترتديان قبعتين متطابقتين وتستقلان الحافلة وتقضيان اليوم في التنقل بين المتاجر وتصيّد الأسعار الرخيصة. ما زلت أتذكر الخرداوات التي كانتا تحملانها إلى المنزل، لماذا؟ لأن صاحب متجر ما ابتدع ’سعراً كاملاً‘ لمروحة يدوية أو قفازين، وبعد مساومة طويلة يخفض السعر بدرجة كبيرة ليعود إلى السعر الذي كان من المفترض أن يطلبه في المقام الأول! وبعد أن تدفع عمتاي بسرور السعر الذي تظنانه رخيصاً كانتا تخرجان من المتجر متباهيتين بالنصر العظيم".

ضحكت ماريا وقالت: "كان ذلك ترفيهاً غير مؤذٍ بالنسبة لهما".

"ربما. ولكنه مؤذٍ بالنظر إلى النطاق الواسع لبيئة تجارة التجزئة الحالية، بل هو احتيال متبادل؛ فنحن نحتال على زبائننا إذ نخدعهم ونوهمهم بتقديم حسم كبير على الأسعار المقررة التي تم تضخيمها بصورة مصطنعة ثم نحاول دفعهم لشراء أشياء أخرى وهم يكدسون المشتريات مستفيدين من هذه الحسومات. في هذه الأثناء، يحتال علينا الزبائن بإرغامنا على تلبية حاجتهم اللا منطقية للعثور على أسعار رخيصة. هل تعلمين أنه في العام الذي سبق تعييني في شركة "إيميليا"، أنفقت الشركة أكثر من 700 مليون يورو على تنفيذ 590 عرضاً مختلفاً من تخفيضات وعروض ترويجية؟ وكانت نسبة 72% من إيراداتها ناتجة عن منتجات تم بيعها بأقل من 50% من سعرها المقرر. وبالتالي يكون التخفيض الوسطي اللازم لدفع الزبائن لشراء المنتج قد ارتفع من 38% إلى 60%".

"هذا كله جزء من اللعبة يا أوغستين".

"ليس من المفترض أن تكون تجارة التجزئة لعبة. وشركتا ’هوغار‘ و’زيلا‘ نموذجان عن ذلك، فهما متميزتان بصدقهما مع الزبائن، ولا تستعينان بالحيل ولا بالخداع، هذه هي الأخلاقيات التي سأغرسها في شركة ’إيميليا‘".

قالت ماريا: "لكن زبائن شركة ’إيميليا‘ مختلفون عن زبائن شركة ’زيلا‘، ألن يشعروا بالاستياء؟".

"سيشعر القليل منهم بالاستياء ولا بأس بذلك، فليستاؤوا، فغيرهم سيشعر بالراحة".

"ألن تحتاج إلى زبائن جدد عوضاً عن الذين سينسحبون؟".

قال أوغستين: "انظري". خرج الفتية من المتجر يتحدثون بحماس عما رأوه في الداخل.

سألت ماريا: "هم؟".

"نعم، هم، إلى جانب المراهقين الأكبر سناً والشباب في العشرينيات من أعمارهم. ستصبح متاجر ’إيميليا‘ مناسبة لكل العائلة بحق إذ تجذب كل فرد فيها بطريقة مختلفة؛ سيرغب الزبائن الأكبر سناً في زيارتها لأجل القيمة، في حين سيرغب الشباب اليافعون في زيارتها مع أصدقائهم، وسيمشون في هذه المسارات وهم يستمعون إلى موسيقاهم وينظرون إلى صور نجومهم المفضلين الذين يرتدون ملابسنا الجديدة. ستكون هذه المتاجر بمثابة ملاعب لهؤلاء الشباب في حين تشتري أمهاتهنّ أحذية بأسعار معقولة من الطابق العلوي".

"لكن هذا الجيل مهووس بالإنترنت، أشك في أنهم سيدخلون إلى المتاجر مجدداً".

قال أوغستين: "نحن نقدم نفس تجربة الزبون في المتجر الإلكتروني على الإنترنت لكني أعتقد أن المتاجر التقليدية ستحافظ على أهميتها الكبيرة لدى الناس، فشراء الملابس تجربة قائمة على اللمس والإحساس، وسيستعمل الشباب اليافعون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر خبر أن متاجر ’إيميليا‘ هي مكان ممتع للتجمع والتعارف".

"حسن، ولكن ماذا لو رفض هؤلاء الشباب، أو أمهاتهم إذا لم يتوفر المال، شراء هذه الأشياء الرائعة؟"

أجاب: "لن يرفضوا، ستبقى أسعارنا زهيدة، فنحن نقدم ’أسعاراً منخفضة كل يوم‘ كما يقال في الولايات المتحدة".

قالت ماريا: "أعتقد أن تجار التجزئة متفائلون بطبعهم".

وقت الحساب

كانت نتائج الربع السنوي الأخير سيئة بقدر ما توقعه أوغستين، إذ عمل على دراسة الأرقام في أثناء زيارة اثنين من أعضاء مجلس الإدارة إلى منزله الأندلسي المطل على ملعب غولف والبحر الأبيض المتوسط من ورائه. وصلت الخسائر إلى 211 مليون يورو، وانخفضت الإيرادات القابلة للمقارنة بنسبة 19% وتراجعت حركة الزبائن بنسبة 10%، وبدت احتمالات أن يعوض موسم العطلات الوشيك شيئاً من هذه الخسائر ضعيفة.

قال أوغستين وهو يغلق الملف: "لكنها خطة على مدى 4 أعوام وليست على مدى عام واحد فقط، نحن بحاجة إلى الوقت كي يظهر تأثير التغييرات بعد أن يتم تجديد جميع المتاجر ويدرك الزبائن استراتيجية التسعير التي نتبعها".

قال رئيس مجلس الإدارة نيكوميديس مايو: "لا يمكن أن تكون خطة على مدى 4 أعوام إذا لم تصمد الشركة هذه المدة".

ذهل أوغستين، نيكوميديس هو من عيّنه وكان دائماً أقوى داعم له، قال بهدوء: "الصمود هو سبب استراتيجية الأعوام الأربع. فنحن نعمل على إخراج الشركة من دوامة الموت المتمثلة في قاعدة الزبائن الآخذة بالتقلص والزبائن المهووسين بالصفقات والبضائع المنهكة والأسعار الترويجية المتزايدة".

قال نيكوميديس: "لكن الزبائن لا يحبون الاستراتيجية الجديدة".

رد أوغستين: "يجب أن نعمل على تثقيفهم. إذا كانت استراتيجيتنا تعاني من نقطة ضعف فهي تكمن في تنفيذ خطة التسويق. في الحقيقة أود البدء بحملة جديدة بعنوان ’احسبها‘ (أث لوس كالكولوس Haz los cálculos)، ستهدف إلى تثقيف الزبائن حول الأسعار المنافسة التي نقدمها كل يوم، ولدينا البيانات التي تدعمها؛ تبين مجموعة عشوائية من السلع أن منتجات الشركة عموماً أقلّ سعراً من منتجات جميع المنافسين المباشرين على الرغم من أن بعضها أعلى سعراً بدرجة طفيفة، بالإضافة إلى أننا نتبع سياسة مطابقة السعر مع السعر في أي متجر آخر".

قال نيكوميديس: "طالما أن حملة ’الكلام الواضح‘ لم تنجح، فكيف تضمن أن تكون نتائج حملة ’احسبها‘ أفضل؟ أنت لم تجر أي بحث حولها". ذكّر نيكوميديس أوغستين بأن مجلس الإدارة وافق على تنفيذ استراتيجية "الكلام الواضح" من دون اختبارها أولاً، وأيد حجته بأنه من الضروري لفت انتباه الزبائن إلى الشركة كي لا يذهبوا إلى غيرها لتلبية رغباتهم الخاطئة. لم يرغب مجلس الإدارة في ارتكاب نفس الخطأ مرة ثانية.

أضاف نيكوميديس: "تبين استطلاعات آراء الزبائن الجديدة أن الناس يرون أن الشركة تقدم قيمة أقلّ من القيمة التي تقدمها الشركات المنافسة، والشركات المنافسة تستفيد من هذا الوضع وتزيد عروض التخفيضات لديها، فهي تقدمها في عطل نهاية الأسبوع وتصدر قسائم الادخار وتغرق القنوات الإذاعية بالإعلانات عن أسعارها المنخفضة الجديدة، وهي تلقى استجابة من الزبائن، هذا هو سبب نتائجنا السيئة".

قال أوغستين: "إننا نطلق ثورة الواقعية، وكنا نعلم أننا قد نضطر إلى تحمل بعض الهزائم".

طلب نيكوميديس الأوراق من عضو مجلس الإدارة الآخر، سيلسو بيريز، ووضعها على الطاولة الزجاجية وقال: "نقترح تعديلاً على النهج الجديد، وهذا التعديل يهتم أكثر بالرغبات التي عبر عنها زبائننا الحاليون الذين لا يمكننا التخلي عنهم.

أولاً، سنتخلى عن فكرة الكلام الواضح، إذ يبدو أن الزبائن يعتبرونها تعالياً. وثانياً، سنعود إلى سياستنا القديمة ’أفضل الأسعار في نهاية الأسبوع‘. وثالثاً، سنوضح السعر المقرر لكل سلعة كي يتمكن الزبائن من مقارنته مع السعر المخفض. ورابعاً، سنعيد كلمتَي ’تخفيضات‘ و’تصفية‘ إلى محتوى التسويق. وخامساً، سنعود إلى طباعة النشرات والقسائم. فذلك سيزيد من سهولة فهم الزبائن لمتاجرنا، وسيوضح أننا نفهمهم".

دفع نيكوميديس الأوراق على الطاولة نحو أوغستين وقال: "هذا ليس انقلاباً عليك، فنحن ما زلنا نؤمن بك ومستمرون بدعم رؤيتك لتلبية الزبائن الأصغر سناً وتحويل متاجرنا إلى نقاط تجمع اجتماعية وأن نتعامل بشفافية أكبر إلى حد ما فيما يتعلق بالتسعير، ولكننا نعلم أن هذه التغييرات ستستغرق بعض الوقت، ولا نرغب حالياً في استبعاد زبائننا الحاليين". نقر بإصبعه على الأوراق وأضاف: "ليس عليك اتباع هذه الخطة حرفياً، لكن المجلس يشعر أن استراتيجيتك الجديدة تقسو على زبائننا أكثر مما يجب، فهم لا يعرفون بم ستفيدهم متاجرنا بعد اليوم".

نظر أوغستين إلى الخطة، لم يكن ذلك سوى عودة إلى العمل بالطريقة المعتادة، وهو فشل ذريع بنظره.

تعليقات من مجتمع "هارفارد بزنس ريفيو"

تجارب، لا بيانات

بنى أوغستين استراتيجيته على كثير من الافتراضات التي لم ينشئ لها نماذج أولية ولم يختبرها، كان يجب أن يطلب مجلس الإدارة منه إثبات افتراضاته، ليس بالبيانات لأنها تعكس الماضي فقط، بل بالتجارب.

فيكتور سانتوس مارتنز غوميز، مدير البحث والتطوير في شركة "إنديسا برازيل" (Endesa Brasil).

خسارة لجميع الأطراف

يتمثل الحل الطويل الأمد في تثقيف الزبائن حول حقيقة القسائم والحسومات كي يتمكنوا من فهم الوضع الذي يعود بالخسارة على الطرفين؛ فالشركات لا تحصل على إيرادات كافية، والزبائن لا يحصلون على قيمة كافية.

نوجماس سادات، طالب في معهد إدارة الأعمال بجامعة دكا في بنغلادش.

تعالٍ أعمى

أوغستين بعيد كل البعد عن زبائنه لدرجة أنه لا يدرك أن استراتيجيته تبدو لهم تعالياً كما قال أحد أعضاء مجلس الإدارة.

ألفن سوي، مطور برمجيات في شركة "كواليكوم إنوفيشنز" (Qualicom Innovations).

السؤال: هل يتعين على أوغستين التخلي عن استراتيجيته الجريئة؟

رأي الخبراء

شاري رودولف، نائب الرئيس والرئيس التنفيذي للتسويق في شركة "غابرييل براذرز" (Gabriel Brothers) لبيع الألبسة والمستلزمات المنزلية ولديها 45 متجراً باسم "غابيز" (Gabe’s) في 6 ولايات أميركية.

أجل، يجب أن يتخلى أوغستين عن استراتيجيته التي لا تقدم حسومات لكن ليس لتعود شركته إلى العمل بطرقها القديمة الفاشلة. بدلاً من ذلك، يجب على المسؤولين التنفيذيين في شركة "إيميليا" أن يتعلموا استخدام الحسومات بذكاء بهدف تعزيز متعة الزبائن ووضع تصور واضح لقيمة العلامة التجارية.

أرى في دراسة الحالة هذه تشابهاً واضحاً مع حالة شركة "جيه سي بيني" (J.C. Penney)، إذ تساءل الجميع في القطاع عن قدرة تجارب التسعير الجديدة التي تقوم بها على إيقاف توقع الزبائن للتخفيضات المستمرة، لم تتضح النتائج بعد، ولكن في النقاشات الدائرة حول استراتيجية شركة "جيه سي بيني" يتم التغاضي غالباً عن حقيقة أن الحسومات بحدّ ذاتها ليست هي المشكلة دائماً، وما يهم حقاً هو طريقة استخدامها في بناء حماس الزبون وولائه.

يشتري كثير من الناس وأنا منهم أشياء ليسوا بحاجة إليها لمجرد أنها عرضت بسعر زهيد جداً، فتشعر بالحماس عندما تعثر على صفقة رابحة وتشعر به مجدداً عندما تحدّث أصدقاءك عن فطنتك في التسوق. لا يمكنني إخبارك بعدد المرات التي سمعت فيها امرأة ترد على إطراء مثل "حذاؤك جميل جداً!" أو "هذا القميص رائع!" بقول: "لن تصدق الثمن الزهيد الذي دفعته لأجله!".

في متاجر "غابيز" نتبنى قوة نقاط السعر المذهلة من أجل تعزيز تجربة التسوق. على الرغم من أن الطراز الرائع واسم العلامة التجارية الشهير هما جزآن أساسيان من عرض القيمة، فمن الضروري أيضاً أن تكون متاجرنا مكاناً يذهل الزبائن بالأسعار لدرجة أن يتصلوا بأصدقائهم ويقولوا لهم: "يجب أن تأتوا إلى هنا!".

وفي نفس الوقت نحن نعي جيداً خطورة الحسومات؛ لا يمكنك استخدام التخفيضات والحسومات الظرفية بيأس من أجل زيادة حركة الزبائن في المتجر أو الموقع الإلكتروني، أو محاولة تحقيق مبيعات مطابقة لمبيعات نفس اليوم من العام الماضي، أو لمنافسة شركة "وول مارت" أو "أمازون" على اعتبارك نداً لهما. وإذا فعلت ذلك فستجد نفسك محتجزاً في حلقة مفرغة من تخفيض الأسعار المدمّر وستودي بشركتك إلى التهلكة. كما أنك ستولّد عادة لدى زبائنك تتمثل في تأجيل التسوق إلى أن يحين موعد الحسومات الحتمية.

لذلك لا يتضمن عرض السعر المنخفض لدينا تخفيضات قصيرة الأمد، صحيح أن متاجر "غابيز" مثل غالبية متاجر التجزئة تتبع إيقاعاً محدداً لتخفيض الأسعار ويتم نقل السلع إلى أرفف التصفية في مراحل معينة، كما أننا نقدم قسائم الحسومات على اعتبارها جزءاً من برنامج الولاء، ولكنك لن ترى منشورات متاجر "غابيز" في الصحف للإعلان عن تخفيضات نهاية الأسبوع، ولا نقدم قسائم تخفيضات شاملة.

بل نحرص على أن يروي محتوى التسويق القصة نفسها، يمكن للزبائن الحصول على تخفيض بقيمة تصل إلى 70% من أسعار السلع ذات العلامات التجارية في المتجر. صحيح أن متاجر تجارة التجزئة الأخرى تقدم تخفيضات بقيمة 50% أو 65%، ولكن نسبة 70% مميزة أكثر لدى الزبائن.

إن عرض القيمة المتمثل في تقديم أسعار منخفضة يتيح لشركة "إيميليا" استثمار حب المتسوقين للأسعار الرخيصة، بدلاً من محاولة مقاومته من دون جدوى

ولذلك ستكون نصيحتي لأوغستين هي أن يبتعد عن الحسومات اليائسة التي قوضت شركته لسنوات، يجب أن تعمل شركة "إيميليا" على دمج السعر مع قيمة مدركة أخرى كي تميز متاجرها عن المتاجر المنافسة، مثلاً، يمكن أن تقدم نقاط سعر افتتاحية على السلع الأساسية (فلنقل 3 قمصان قطنية بسعر 15 دولاراً) وتستمر بتعزيز هذه الحزم إلى أن يعتاد الزبائن على الاعتماد عليها وربطها بالشركة.

يرغب الجميع في صفقة رابحة، ويمكن أن تستفيد الشركة من عرض القيمة المتمثل في تقديم أسعار منخفضة لتثبيت مكانتها في أذهان الزبائن على نحو يتيح لها استثمار حبهم للأسعار الرخيصة، بدلاً من محاولة مقاومته من دون جدوى.

ياشودرا شروف، المؤسس المشارك ومدير الاستراتيجية في سلسلة متاجر التجزئة الهندية "فوليو" (ffolio) ومتجر "ستايل تاغ" (Styletag) الإلكتروني.

يجب ألا يتخلى أوغستين عن إجراء التجارب أو عن عزمه على قيادة الزبائن وتوجيههم نحو طرق تفكير جديدة، ولكن يجب أن يزيد مرونته. وإذا كان سيقود الزبائن فسيتعين عليه تأسيس عامل تمييز قوي لعلامته التجارية.

إجراء التجارب هو شريان الحياة لشركات تجارة التجزئة الناجحة، وهو يؤدي إلى إنشاء منتجات وأسواق ونماذج عمل جديدة ويخرج الشركات من مآزقها. كان مأزق شركة "إيميليا" هو الحسومات التي لا تنتهي، أفهم ذلك؛ فمنافسة الأسعار شرسة في الهند وتبذل الشركات جهداً كبيراً لاكتساب الزبائن وتقدم حسومات هائلة، ويدفع الزبائن المال وهم يضحكون، ولكن كيف نبني شركة رابحة بهذه الطريقة؟

لحسن الحظ تتمتع شركتي بالقدرة على تحمل بيئة الحسومات الكبيرة في الهند؛ نقدم الحسومات في متاجر "فوليو" التقليدية في أثناء فترة تخفيضات نهاية الموسم فقط، وعلى الرغم من أننا نقدم حسومات في متجرنا الإلكتروني "ستايل تاغ"، فكثير من بضائعنا هي منتجات علامة خاصة، ولذلك تبقى تكاليفنا منخفضة. حتى وإن خفضنا الأسعار بنسبة تزيد على 50% يمكننا جني هوامش إجمالية بقيمة 20% أو أكثر.

ومع ذلك، أفهم حاجة أوغستين إلى إجراء تجارب للخروج من مأزق الحسومات لكني لا أفهم لماذا يبدو أنه يريد فرض فكرته مهما حدث، فالهدف من إجراء التجربة هو معرفة رد فعل الزبائن وتعديل استراتيجيتك بما يتلاءم معه.

عندما أنشأنا متجر "ستايل تاغ" الإلكتروني كان هدفنا هو توسيع المكانة المتميزة التي يتمتع بها متجر "فوليو" وإدخالها إلى التجارة الإلكترونية. لكننا اكتشفنا أن قاعدة زبائن المتجر الإلكتروني للأزياء الممتازة صغيرة في حين يجب أن نقدم خدماتنا للزبائن في جميع أنحاء الدولة، ولذلك سارعنا في جعل "ستايل تاغ" علامة تجارية طموحة. نقدم الحسومات في المتجر الإلكتروني لأننا ندرك أن زبائنه يهتمون بالسعر بدرجة كبيرة، وهذه المرونة هي ما أدى إلى نجاحنا.

العناد الذي يضرّ بتجربة التسعير التي يجريها أوغستين هو نفسه ما يعيق محاولاته لقيادة الزبائن. قيادة الزبائن هي أمر جيد عادة، مثل إجراء التجارب تماماً، وهي تفتح فرص بيع جديدة.

واجهنا مشكلة قيادة الزبائن في مجال البناطيل الضيقة؛ رأينا أن الزبائن سيحبونها، ولكنها لم تتوفر في أي متجر إلكتروني آخر في الهند، ولذلك قمنا بالمجازفة وجمعنا البضائع في المخازن ونشرنا الإعلانات عنها، وإذ بها تنفد. لو لم نحاول لفت انتباه الزبائن لما حدث ذلك، ولكن كنا مستعدين لاتخاذ إجراءات سريعة لتغيير استراتيجيتنا في حال كان رد الفعل سلبياً.

العناد الذي يضرّ بتجربة التسعير التي يجريها أوغستين هو نفسه ما يعيق محاولاته لقيادة الزبائن

يتخذ أوغستين خطوات كبيرة في الوقت الذي تكون فيه الخطوات الصغيرة فعالة أكثر. لماذا التخلص من جميع عروض الحسومات؟ على الرغم من أن الزبائن المهتمين بالسعر لديهم نزعة للانتقال إلى المتاجر المنافسة فالأسعار الرخيصة تبني رابطاً بين المتجر والزبائن وتساعد في خلق الولاء، واستخدامنا الحذر للحسومات هو أحد الأسباب الذي يجعل قرابة 50% من زبائن متجر "ستايل تاغ" الإلكتروني مشترين متكررين.

لا يبدو أن أوغستين يدرك وجهة نظر زبائنه الذين يتطلعون في المقام الأول إلى ما ستقدمه العلامة التجارية، وقبل أن يحاول قيادتهم نحو قبول الأسعار المنخفضة اليومية يجب أن يقدم ما يميز العلامة التجارية أولاً، وأهم عامل مميز هو المنتج دائماً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي