كيف تجعلك الرعاية الذاتية قائداً أفضل وشخصاً أسعد؟

5 دقائق
الرعاية الذاتية

الفوائد المتأتية من الرعاية الذاتية معروفة. ومع ذلك، عندما أعمل مع عملائي من القادة، غالباً ما يعترضون بشدة على الفكرة برمتها. فلماذا يرفض العديد من القادة تخصيص بعض الوقت للاعتناء بأنفسهم؟

عادة ما يتلخص الأمر في المفاهيم الخاطئة حول ماهية القيادة الجيدة، وشكل الرعاية الذاتية، وكيفية الاعتناء بالذات. لحسن الحظ، وجدت أيضاً أنه مع بعض التفكير المتأني، من الممكن حتى للأشخاص الأكثر تشككاً بيننا التغلب على هذه المفاهيم الخاطئة وتعلم كيفية جني ثمار الرعاية الذاتية. أوضح فيما يلي الأعذار الثلاثة الأكثر شيوعاً التي يقدمها عملائي لمقاومة الرعاية الذاتية، وأعرض بعض الحلول لمساعدة القادة على التغلب على هذه المقاومة.

"الرعاية الذاتية نوع من الترف"

يجد بعض عملائي أن مفهوم الرعاية الذاتية في مجمله يتعارض مع الصورة التي في أذهانهم للقائد "الجاد". فهم ينزعجون من فكرة التأمل وممارسة اليقظة الذهنية والتنزه في الطبيعة والاسترخاء. إذ يستخف البعض بأهمية تخصيص وقت لأنفسهم وينظرون إليه على أنه "نوع من الترف" لا يستطيعون تحمل تكلفته، ولكن قد يستمتع به آخرون.

كيف يمكننا البدء بدحض هذه المعتقدات المقيدة؟ في البداية، أعمل مع عملائي على إعادة صياغة مفهوم الرعاية الذاتية كاستثمار يمكن أن يزيد من إنتاجيتهم وفعاليتهم عموماً بوصفهم قادة. غالباً ما يكون النهج المستند إلى البيانات هو الأكثر إقناعاً، وقد أظهرت البحوث أن اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية والنوم المنتظم وتنظيم المشاعر، جميعها أشياء تحسن الصحة والرفاهة.

على وجه التحديد، تم ربط النظام الغذائي الصحي بتحسين الحالة المزاجية ورفع مستويات الطاقة وتقليل مستويات الاكتئاب. وتزيد التمارين الهوائية من تدفق الدم، ما يعزز القدرة على التعلم ويقوي الذاكرة. كما تم ربط الحصول على قسط كافٍ من النوم بزيادة التركيز وتحسين الوظائف الإدراكية (بما في ذلك الإبداع والابتكار) وزيادة القدرة على التعلم والتعاطف.

لإعادة التركيز على الفوائد الملموسة المتأتية من الرعاية الذاتية، غالباً ما أطرح على العملاء الأسئلة التالية:

  • إذا دعوتك إلى التركيز على النظام الغذائي والنوم والتمارين الرياضية وتنظيم مشاعرك، بدلاً من التركيز على "الرعاية الذاتية"، فكيف سيختلف شعورك؟
  • ما الذي يمكنك التوقف عن القيام به أو بدء القيام به أو الاستمرار في فعله الآن لتحسين صحتك النفسية والجسدية؟

"لا وقت لديّ!"

في كثير من الأحيان، عندما أتطرق إلى موضوع الرعاية الذاتية أو حتى أهمية أخذ استراحة، يرد عملائي بعبارات من قبيل: "هل تمزحين! أقوم بالفعل بما يفوق طاقتي لرعاية فريقي وعائلتي ومحاولة تنظيم تعلم أبنائي من المنزل ودعم أصدقائي وزملائي وعائلتي عاطفياً، فلا وقت لديّ للاعتناء بذاتي!".

هذا الشعور المستمر بالضغط هو أمر شائع للأسف بين قادة اليوم المشغولين على الدوام. وللأسف، وفقاً لعلم الأعصاب، عندما نشعر بالتوتر تقوم اللوزة الدماغية، وهي المنطقة من الدماغ المسؤولة عن استجابة الكر والفر التطورية، بعملها وتبعد الموارد عن قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن التفكير المنطقي وحل المشكلات واتخاذ القرار وقوة الإرادة. بعبارة أخرى، عندما نشعر بالضغط والإرهاق بالتحديد، فإننا سنستفيد للغاية من أخذ قسط من الراحة لنتمكن من التفكير بعمق والابتكار وحل المشكلات التي تثير توترنا وقلقنا.

وهذا أيضاً مدعوم ببحوث مستفيضة. إذ تظهر الدراسات أن أخذ فترات راحة يمكن أن يساعد على منع الإصابة بـ "إجهاد القرار" و تجديد الحماس وتعزيز الدوافع وزيادة الإنتاجية والقدرة على الإبداع وتقوية الذاكرة وتحسين التعلم. حتى "الاستراحات القصيرة للغاية" يمكنها تحسين التركيز والإنتاجية.

عندما نفكر في عبارة "لا وقت لديّ" التي يقولها الأشخاص بسبب شعورهم بالتوتر، من المفيد طرح هذه الأسئلة:

  • ما هي الأولويات الرئيسية في حياتك؟ هل يمكنك تحقيقها دون التمتع بالصحة والرفاهة؟
  • كم من الوقت يمكنك توفيره إذا استجبت للمواقف وأنت هادئ ومسيطر على زمام الأمور بدلاً من الاستجابة وأنت متوتر ومضغوط؟
  • ما هو الشيء الذي يمكنك رفض القيام به اليوم وسيوفر لك ما لا يقل عن 5 دقائق؟ (ملاحظة: قد تجد أنك تقضي وقتاً أطول مما تريد في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي!) وكيف يمكنك استغلال هذا الوقت لتحسين رفاهك وأدائك؟

"القائد الناجح يجب أن يكون قوياً، فلا يُفترض أن يكون بحاجة إلى الاعتناء بذاته"

يأتي بعض عملائي إلى جلسات التدريب الإرشادي معتقدين أنهم كقادة، يجب ألا يُظهروا ضعفهم أبداً. عملت مؤخراً مع عميلة أوضحت أنها تتوقع من نفسها، ومن أي قائد "لديه احترام لذاته"، أن تكون لديها جميع الإجابات. وسألتني: "وإلا، فلماذا سيتبعون تعليماتي!". يمتزج الاعتقاد بأن ممارسة الرعاية الذاتية علامة ضعف مع فكرة أن إظهار الضعف يجعلك قائداً سيئاً ويخلقان مقاومة شديدة حتى لاستكشاف هذه الممارسات.

لمكافحة المعتقدات المقيدة لدى عميلتي، كان علينا استكشاف تصوراتها حول ما يعنيه أن تكون قائداً، والبحث بعمق في قوة إظهار الضعف والفرص التي يمكننا خلقها عندما نعتمد على الآخرين. عندما بدأت عميلتي في الاعتراف بأهمية التفويض وطلب المساعدة، تمكنت من رؤية أن الرعاية الذاتية كانت في الواقع هي السبيل لكي تصبح قائدة أكثر نجاحاً.

إذا كنت تكافح من أجل تغيير مفاهيمك حول شكل القيادة "الجيدة"، فحاول أن تسأل نفسك هذه الأسئلة:

  • إذا كان أقوى قائد تعاملت معه يعاني من التوتر، فما الذي ستنصحه بفعله؟
  • كيف استفدت أنت أو فريقك في الماضي من تخصيص بعض الوقت للعناية بالذات؟
  • إذا لم تكن بحاجة إلى مساعدة، لكنك بحاجة فقط إلى إعادة شحن طاقتك، فكيف ستفعل ذلك؟

بمجرد أن تبدأ بالتغلب على مقاومتك الأولية، فبذلك قد حان الوقت لبدء التفكير في كيفية دمج الرعاية الذاتية في روتينك اليومي. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي كانت فعالة مع عملائي:

1. تصالح مع فكرة الرعاية الذاتية (أو أياً كان الاسم الذي تريد إطلاقه عليها)

الاعتراف برفضك للفكرة هو الخطوة الأولى للتغلب على هذا الرفض. على سبيل المثال، أحد القادة الذين عملت معهم ربط الرعاية الذاتية بجلسات تأمل طويلة مع التربع في الجلوس على الأرض وإشعال البخور، وبالتالي كان يجد أنها فكرة غير محببة تماماً بالنسبة إليه. بمجرد أن تجاوزنا هذا المفهوم الخاطئ، تمكنا من فهم الرعاية الذاتية بطريقة أكثر جدوى بالنسبة إليه، وكانت في شكل كتابة اليوميات في الصباح والتنزه لفترة قصيرة في الطبيعة بعد الظهر وسماع موسيقى هادئة لمدة 15 دقيقة في المساء.

2. اختر ما يناسبك

افهم أن الرعاية الذاتية ذات طابع فردي، لذلك يمكن أن تتخذ العديد من الأشكال المختلفة وفقاً لمَن يمارسها. قد لا تكون ممن يحبون الذهاب إلى المنتجعات، ولكن ربما يساعدك التنزه في الطبيعة على استعادة نشاطك. وربما يستنزف التحدث على الهاتف طاقتك، لكن الرسم أو حل الكلمات المتقاطعة قد يساعدك على استعادة نشاطك (أو العكس!).

3. ابدأ بخطوات صغيرة وبسيطة

يمكن أن تعطينا ممارسة الأنشطة الترفيهية لفترة قصيرة دفعة قوية. يضبط أحد عملائي المنبه يومياً لتذكيره بممارسة التأمل لمدة 5 دقائق، فقد وجد أن هذه الممارسة تساعده على التفكير بهدوء وعقلانية في خضم "العواصف العديدة التي تهب عليه". جرّب ممارسة التأمل الذهني عبر الإنترنت لتنظيم مشاعرك على نحو أفضل، أو كتابة يومياتك لتعزيز الوعي الذاتي، أو الكتابة الإبداعية لزيادة الرفاهة والإبداع، أو التواصل مع شخص لم تتحدث معه منذ فترة لزيادة الترابط الاجتماعي، أو التعبير عن الامتنان لوجود أشياء معينة في حياتك، أو القيام بتصرف لطيف لتعزيز الإيجابية، أو المشي حول المبنى لتحسين تدفق الدم.

4. خصص وقتاً في جدول مواعيدك للرعاية الذاتية

بمجرد أن تضع خطة، أدرجها في جدول مواعيدك لإلزام نفسك بها! إذا لم تكن متأكداً مما تريد القيام به بالضبط، يمكنك البدء بتخصيص فترتين كل منهما 10 دقائق كل يوم، وضبط المنبه، ثم اختيار نشاط جديد يتعلق بالرعاية الذاتية لتجربته خلال كل فترة منهما.

5. جرّب

لن تكون الأمور مثالية تماماً من المرة الأولى. بمجرد أن تبدأ، فكر فيما يناسبك، وما قد ترغب في تغييره أو إضافته إلى روتينك. يمكنك أيضاً أن تستمد الإلهام من أقرانك وزملائك. لا حاجة إلى البدء من الصفر، إذا كان أي نشاط من الأنشطة التي يقومون بها يبدو جذاباً بالنسبة إليك، يمكنك استعارته وتعديله بما يناسبك.

6. شارك ما نجح معك

كقائد، أنت مَن تحدد المعايير لمرؤوسيك. لذا، شارك ما نجح معك، ووضِّح من خلال الكلمات والأفعال أنك تعي أهمية الاعتناء بنفسك. إذا كنت منفتحاً إزاء استثماراتك في الرعاية الذاتية، فإن فريقك ومؤسستك بأكملها سيتبعون خطاك.

رعاية ذاتك تبدأ بك، وهي تكون بأشكال وأحجام عديدة، ولكن عندما يتم القيام بها بصورة واعية ومنتظمة، فهي تمنحك الأدوات التي تحتاج إليها لتصبح قائداً أفضل وشخصاً أسعد وأوفر صحة. إذا كنت تريد أن تقدم أفضل ما لديك، وأن تلهم من حولك ليقوموا بالمثل، فإن الاستثمار في رفاهك يستحق تخصيص وقت له.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي