عملتُ على مدار 20 عاماً على تدريب القادة والفِرق ومساعدتهم على تحسين مهاراتهم في العروض التقديمية، ومن أكثر التعليقات التي كنتُ أتلقاها باستمرار هي "يا إلهي، هذا الأمر يشبه جلسات العلاج النفسي". قد يبدو هذا الأمر مفاجئاً لبعض الأشخاص، لكن الإرشادات التي أقدمها تتجاوز مجرد إعطاء النصائح السطحية والشائعة، مثل التواصل البصري أو استخدام لغة الجسد أو مشاركة جدول الأعمال مسبقاً. على الرغم من أن طريقتي ليست علاجاً نفسياً بأي شكل من الأشكال، فإنني أساعد المهنيين على تحسين مهارتهم في التحدث أمام الجمهور من خلال ممارسة بعض الأنشطة لفهم ذاتهم الداخلية وشخصياتهم.
يتمتع أفضل مقدمي العروض والمتحدثين الذين يجيدون التواصل بفهم قوي لهوياتهم ومستوى عالٍ من الوعي الذاتي المكتسب من خلال التفكير في معتقداتهم ومواقفهم وأنماطهم السلوكية؛ فمن السهل جداً تغيير أسلوب تواصلنا وتحسينه عندما ندرك ما يؤثر في تصرفاتنا وطريقة حديثنا.
يمكن تحديد أنماط تواصلنا الفردية من خلال مجموعة متنوعة من العوامل، مثل البيئات المحيطة بنا والأشخاص الذين نتحدث إليهم، بالإضافة إلى نشأتنا الثقافية وأثرها فينا ضمن سياقات مختلفة. على سبيل المثال، قد يتغير أسلوب تواصلنا اعتماداً على مستوى سلطة الأشخاص الذين نتحدث إليهم وصلاحياتهم والطريقة التي نعتقد أنهم يروننا بها. وقد يتغير الأسلوب أيضاً بناءً على القصص أو الأفكار السلبية التي رسمناها في أذهاننا عن أنفسنا في مواقف معينة، وعلى رأينا في مستوى خبرتنا بين نظرائنا. يمكن أن يساعدنا فهم أساليبنا في التواصل وكيفية تغيرها استناداً إلى السياق على التحكم بصورتنا أمام الآخرين بطريقة مدروسة، بدلاً من إظهار ردود فعل مثل الانسحاب أو التصرف بطريقة متسلطة.
لتتعلم كيفية تقديم عروض واضحة بثقة، حاول تنفيذ بعض الممارسات لفهم ذاتك في 3 مجالات أساسية.
مارس أسلوب مقاومة التغيير
يمكن أن يؤدي اتباع أسلوب مقاومة التغيير (Immunity To Change - ITC) الذي طوّره الأستاذان في جامعة هارفارد، روبرت كيغان وليزا ليهي، إلى مساعدة الأشخاص على التغلب على العوائق التي تمنعهم من إحداث التغييرات التي يسعون إليها. يطلق كل من كيغان وليهي على هذه العوائق اسم "الالتزامات الخفية"، وهي الأمور التي نمنحها أهمية أكبر من أهمية تحقيق أهدافنا دون إدراك منا.
لاكتشاف أي التزامات خفية، اسأل نفسك ما هو هدفك، ثم احرص على إنشاء قائمة تتضمن الأمور التي تفعلها حالياً أو الأشياء التي لا تفعلها وتمنعك من الوصول إلى هذا الهدف. على سبيل المثال، إذا كنت تهدف إلى تحسين ثقتك بنفسك عند تقديم العروض، فقد تتضمن قائمتك ما يلي:
- أنا لا أتدرب على ممارسة العروض التقديمية.
- أنا لا أطلب الملاحظات.
- أنا أستسلم للمخاوف والقلق بشأن ارتكاب الأخطاء في أثناء العروض التقديمية أمام الجمهور.
- أنا أرفض فرص التحدث في العروض التقديمية أو أتجنبها.
الآن اسأل نفسك، "بعد التفكير في أفعالي ومراجعتها، ما هي الأمور التي يبدو أنني ألتزم بها وأمنحها أهمية أكبر من تحسين ثقتي بنفسي في العروض التقديمية؟". من المحتمل أن تكتشف أنك تركز أكثر على تجنب المواقف التي قد تُشعرك بالضعف والإحراج بدلاً من بناء ثقتك بنفسك عند التحدث أمام الآخرين. إذا فشلت في تحديد هذه المخاوف والالتزامات الخفية، فمن المحتمل أن تجد صعوبة في تطوير مهارات التحدث أمام الجمهور، وبدلاً من السعي لتحسين نفسك، من المرجح أن تستمر في تجنب فرص تقديم العروض أو تفشل في إطلاق العنان لإمكاناتك الكاملة بسبب افتقارك إلى الدافع الحقيقي،
لكن بمجرد اكتشاف مخاوفك والتزاماتك الخفية ستتمكن من معالجتها والتغلب عليها. بالعودة إلى مثالنا، أنت تعلم الآن أنك تخشى أن تبدو ضعيفاً وعليك التغلب على هذا الخوف لتصبح متحدثاً واثقاً بنفسه. ربما يمكنك إجراء تجارب صغيرة وذات مخاطر منخفضة لدحض افتراضك بأن التحدث أمام الجمهور سيؤدي إلى شعورك بالضعف الشديد؛ يمكنك مثلاً أن تتحدث إلى بعض الزملاء الذين تغلبوا على هذا الخوف وتطلب منهم مشاركة تجاربهم وأفكارهم في هذا السياق.
يمكنك أيضاً ارتكاب خطأ صغير في أثناء تقديم العرض في موقف منخفض المخاطر ومراقبة ما سيحدث، من الممكن أن تكتشف أنه لا يحدث شيء على الإطلاق، وأن خوفك دفعك إلى افتراض الأسوأ أو عدم رؤية الأمور على حقيقتها.
اكتشف جوانب شخصياتك
يقول بليك أشفورث، وهو خبير رائد ومتخصص في مجال الهوية في جامعة ولاية أريزونا (Arizona State University)، إن إحساس المرء بذاته يعتمد إلى حد كبير على رؤية الآخرين له، وقد يختلف الجانب الذي يظهره من نفسه تبعاً للشخص الذي يتعامل معه، سواء كان زميلاً أو مديراً أو عميلاً. يسمح تنوع جوانب شخصية الفرد بتكيفه مع المواقف المختلفة وأن يظهر الجانب المناسب في اللحظة المناسبة لمواجهة التحديات، أو للتعامل مع موقف صعب ومعقد، أو ببساطة لبناء علاقات جيدة مع الآخرين.
عندما يتعلق الأمر بالتحدث أمام الجمهور، فمن المحتمل أن ترغب في إظهار جانبك الواثق بنفسه، لكن العديد منّا يُظهر جانبه الخجول ولا سيما إذا كان مبتدئاً في مجال العروض التقديمية أو يتحدث في موقف مهم أو ذي مخاطر عالية يُشعره بالرهبة. في المرة المقبلة التي تقدم فيها عرضاً، انتبه لأفكارك وسلوكياتك. هل تتردد في مشاركة آرائك حول الموضوع؟ هل تتحدث بصوت خافت جداً؟ هل تتجنب النظر في أعين الحاضرين في المكان؟ هذه كلها علامات تدل على أن الجانب الخجول من شخصيتك بدأ يسيطر على تصرفاتك.
بمجرد أن تدرك ذلك، يمكنك اتخاذ خطوات استباقية وفعالة لإحداث التغييرات المطلوبة. ذكّر نفسك بأن لشخصيتك جوانب أخرى يمكنك الاستفادة منها:
- الشخصية الواثقة التي ترى أنها تضيف قيمة إلى المحادثة، وتستطيع النظر إلى الآخرين مباشرة (إذا كان ذلك مريحاً)، بالإضافة إلى قدرتها على التحدث بصوت عالٍ وواضح.
- الشخصية المطّلعة التي ترى أنها استعدت كما يجب لمشاركة وجهة نظرها وعرض آرائها وخبراتها وتجاربها بفعالية.
- الشخصية الودودة التي ترى أن العرض حوار ونقاش مع الآخرين وليس حواراً فردياً مع النفس أو محاضرة من طرف واحد، فتتفاعل مع الجمهور في مناقشة الموضوع المطروح وترحب بالأسئلة.
- الشخصية المرشدة التي تؤمن بأن كل عرض تقديمي هو فرصة للتعلم والنمو وتلتمس الملاحظات بعد انتهاء العرض.
- الشخصية ذات النظرة المستقبلية التي ترى أن هذا العرض التقديمي لا يمثّل لحظة حاسمة في الحياة المهنية، وتضع التجربة بأكملها في سياقها الصحيح.
يمكنك أيضاً الاستفادة من هذه الشخصيات قبل العرض التقديمي من خلال الحرص على الاطّلاع على جوانب الموضوع كافة والتدرب أمام الأصدقاء وتذكير نفسك بأن هذا العرض لن يؤثر في حياتك المهنية. يمكنك الظهور بثقة أكبر في العرض التقديمي من خلال اختيار المعتقدات والسلوكيات المناسبة المرتبطة بجوانب شخصيتك المختلفة واستخدامها في العرض.
احرص على تغيير أفكارك السلبية ونظرتك إلى نفسك
يشعر العديد من المهنيين الذين أعمل معهم بالخوف من الأفكار السلبية المثيرة للقلق التي يختلقونها حول العروض التقديمية أكثر من خوفهم من الحقائق نفسها. على سبيل المثال، أعمل مع العديد من متحدثي اللغة الإنجليزية غير الأصليين الذين يتعين عليهم تقديم العروض باللغة الإنجليزية. يعبّر هؤلاء الأشخاص غالباً عن شعورهم بتدني مستوى ذكائهم في الأوساط الناطقة بالإنجليزية، بالإضافة إلى عدم قدرة الآخرين على فهم اللكنة التي يتحدثون بها، إلى جانب اتساع الفجوة الثقافية بحيث لا يتمكن الآخرون من فهمهم بوضوح.
عند العمل مع هؤلاء العملاء، نبدأ بفصل الحقيقة الواقعية التي تتمثل في أنهم يقدمون عرضاً بلغة غير لغتهم الأم، عن المعتقدات والأفكار السلبية التي يضعونها في أذهانهم والتي تسبب لهم القلق والتوتر. قد تبدو الأفكار على النحو الآتي: "سيكون من الصعب على الآخرين فهمي لأنني أقدّم العرض بلغة غير لغتي الأم، وإذا لم يفهمني الجمهور فلن يهتم بما أقوله، لذلك لن أكون شخصاً مؤثراً بالنسبة لهم، ولن أتمكن من إضافة قيمة وسأفقد وظيفتي ومصدر دخلي، ولن أكون قادراً على إعالة أسرتي وسأفقد احترامهم"، وهكذا.
من خلال اكتشاف هذه الأفكار السلبية واختيار التركيز على الحقائق بدلاً منها، بالإضافة إلى ما يمكنك فعله لتغييرها أو تقبّلها، يمكنك تقليل القلق الذي يجعل مقدمي العروض يبدون أقل كفاءة وثقة بالنفس. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول لنفسك: "أنا أقدم عرضاً بلغة غير لغتي الأم، لا يمكنني تغيير ذلك، لكن يمكنني التحدث ببطء أكثر لكي يسهل على الجمهور فهم لكنتي، يمكنني أيضاً التأكد منهم خلال العرض أن أفكاري تصلهم بوضوح".
وهذا ينطبق على أي قصة أو فكرة سلبية قد ترددها في ذهنك.
لا يقتصر تحسين مهاراتك في تقديم العروض على تطوير بعض الجوانب المتعلقة بنبرة الصوت وطريقة الكلام واستخدام التواصل البصري مع الجمهور، بل يتطلب ذلك أيضاً تبني العقلية الصحيحة والتصورات الذهنية المناسبة من خلال التفكير في معتقداتك وسلوكياتك، ويمكن لأي شخص تحقيق ذلك باستخدام هذه التمارين الثلاثة.