أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مع الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال إيمي إدموندسن حول التغلب على ثقافة الانتقاد.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
تناقش الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال إيمي إدموندسن إدخال المؤسسة إلى "منطقة الأداء الرفيع" عن طريق إنشاء بيئة من الأمان النفسي والمساءلة عالية المستوى، وطبقت ذلك على مستشفى وعيادات الأطفال (Children’s Hospital & Clinics)، حيث تقوم رئيسة قسم العمليات جولي موراث بتغيير الثقافة من خلال صياغة سياسة "الإبلاغ دون توجيه اللوم" التي تقضي بأن يبلغ الموظفون عن أي أمر خاطئ أو يبدو دون المستوى المطلوب دون الخوف من الانتقام.
إتش بي آر برزنتس (HBR Presents) هي شبكة من البرامج الصوتية (بودكاست) ينظمها محررو هارفارد بزنس ريفيو، ويقدمون لك من خلالها أفضل أفكار العباقرة في مجال الإدارة. تعود الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال إلى الكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن السياسة الرسمية لهارفارد بزنس ريفيو أو شركائها أو موقفهم تجاه أي من الأفكار المطروحة.
يمكنكم الاستماع إلى هذا البرنامج الصوتي (بودكاست) والاشتراك فيه عبر آبل بودكاستس | جوجل بودكاستس | آر إس إس
بريان كيني: في عام 1961، منح المهندس فيل كروسبي في شركة لوكهيد مارتن (Martin) مهمة تبدو مستحيلة. كان فيل يشغل منصب رئيس ضبط الجودة في برنامج "صاروخ بيرشنغ"، وهو سلاح ميداني على قدر كبير من الأهمية في ترسانة الولايات المتحدة، إلا أن عملية تطويره كانت تعج بمشاكل ضبط الجودة. ومع النزاع الوشيك في الفيتنام، طلب الجيش إنهاء صنع الصاروخ قبل الموعد المقرر، فتحدى المدراء في الشركة فيل للتخلص من العيوب، لأن الصاروخ المعيب سيقضي على أرواح الجنود الأميركيين. فحشد فيل موارده، وفي ربيع عام 1962، سلمت شركة لوكهيد مارتن برنامج الصواريخ قبل الموعد المقرر بشهر من دون أي اختلاف في المعدات أو الوثائق. بل كان في الحقيقة مثالياً. ومن هنا ظهر مبدأ "انعدام العيوب"، وهو نهج إداري يهدف إلى منع ارتكاب الأخطاء عبر تقنيات وأدوات تحفيزية. وأصبح موضوعاً للمقالات والكتب منذ ذاك الوقت. ارتكاب الأخطاء أمر طبيعي، ولحسن حظ معظمنا، لا يعتبر ارتكاب خطأ في العمل مسألة حياة أو موت، بينما يمكن أن تكون العواقب مأساوية في بعض الوظائف. إذن، هل يمكن تطبيق مبدأ ولد في قطاع الدفاع على إنقاذ أرواح الأطفال؟ واليوم، سنسمع من الأستاذة إيمي إدموندسن عن بحثها بعنوان "مستشفى وعيادات الأطفال". أنا مضيفكم، بريان كيني، وأنتم تستمعون إلى برنامج "كولد كول" الذي سُجل على الهواء مباشرة في كلارمان هول ستوديو في كلية هارفارد للأعمال.
تشمل مجالات خبرة إيمي إدموندسن القيادة والفرق والابتكار والتعلم التنظيمي، وقد ألفت كتاباً جديداً بعنوان: "المؤسسة الشجاعة: إنشاء الأمان النفسي في مكان العمل من أجل التعلم والابتكار والنمو" (The Fearless Organization: Creating Psychological Safety in the Workplace for Learning, Innovation, and Growth). واليوم، سنتحدث عن كل ذلك.
شكراً لانضمامك إلي اليوم يا إيمي.
إيمي إدموندسن: يسعدني وجودي هنا.
بريان كيني: في الحقيقة، أود أن أربط هذا البحث بالأفكار الواردة في كتابك، فهو بحث رائع، وبرأيي، سيفهمه كثير من الناس الذين ربما شعروا بنوع من الخوف في سياق الرعاية الصحية، ونحن نعلم أن هذا الأمر يعتبر قضية إدارية بالإضافة إلى أنه علم بحد ذاته. وستكون الأفكار التي يسلط الضوء عليها برأيي مفاجئة بالنسبة للكثيرين. فلندخل في صلبه مباشرة، كيف يبدأ؟ من هي البطلة فيه، وماذا يدور في ذهنها؟
إيمي إدموندسن: البطلة هي جولي موراث، وهي رئيسة قسم العمليات في مستشفى وعيادات الأطفال. وهي في الحقيقة حديثة الانضمام إلى المؤسسة، وتم تعيينها من خارج المؤسسة عندما كان هذا المنصب شاغراً، لأنها تمتع بسمعة ممتازة في منطقة مينيابوليس. كانت ممرضة في السابق، وكانت تعمل في مؤسسة ألينا للرعاية الصحية عندما طلب منها استلام المنصب. وفي الحقيقة، عند دخول جولي إلى المؤسسة، قالت أنها ستقبل بهذا العمل بشرط أن يُسمح لها قيادة ما يدعى مبادرة أمان المريض. وأعتقد أن القادة لم يفكروا بالأمر على الإطلاق، فقد كانوا يريدون أن تعمل جولي معهم وقاموا بتعيينها.
بريان كيني: لم يدركوا ما كانوا مقبلين عليه.
إيمي إدموندسن: لا، لم يدركوا ما كانوا مقبلين عليه. وها هي الآن، تتأمل ما أنجزوه حتى الآن على مدى ستة أشهر وما ينبغي عليهم فعله مستقبلاً.
بريان كيني: عندما تحدثنا مؤخراً عن كتابك، قلت أن هذا البحث هو تجسيد عظيم للأفكار الواردة في الكتاب، ما الذي أدى بك إلى كتابة هذا البحث بالتحديد؟
إيمي إدموندسن: لقد تعرفت من خلال هذا البحث على فرصة تحقيق التآزر الذي نسعى إليه، حيث يمكنني تعليم ما أعرفه بطريقة تفاعلية، ومن ثم تطبيق هذا البحث في غرفة الصف. عرفت بأمر المستشفى عن طريق تقرير منشور في مجلة "يو إس نيوز أند وورلد ريبوتس" (US News and World Reports)، وفي الحقيقة، كان زميلي وشريكي في التأليف مايك روبرتو هو أول من انتبه إلى المقالة ولفت انتباهي إليها. قال: "يجب أن تكتبي هذا البحث"، لأن بحثي كان عن الأمان النفسي وكان بإمكانه ملاحظة أن ما يحدث كان يصلح للعب دور أساسي فيه. فقلت: "إذن، فلتكتبه معي".
بريان كيني: هلا أخبرتنا عن مستشفى وعيادات الأطفال كي نعرف المستمعين عليها؟
إيمي إدموندسن: مستشفى وعيادات الأطفال هي مستشفى رعاية على المستوى الثالث في مينيابوليس، سانت بول. وهي مؤسسة كبيرة ومعقدة، وتعنى ببعض أصعب الحالات الطبية لدى الأطفال في المنطقة، وتعالج الأطفال الذين يعانون من مرض شديد ومن حالات معقدة كثيرة. ولذلك، يجب على الموظفين العمل معاً من أجل العناية بهم وتحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
بريان كيني: بداية هذا البحث مأساوية جداً، شعرت وكأني أقرأ الصفحات الأولى من إحدى الروايات. أظن أنه من الضروري أن يعي الناس الوضع الذي يبدأ عنده البحث لأن بقية البحث قائمة عليه. هل يمكنك توضيح ذلك؟
إيمي إدموندسن: بالتأكيد. يبدأ البحث بقصة مثيرة عن طفل صغير أعطي جرعة دوائية زائدة كبيرة جداً، ويصف البحث بالتفصيل الخطوات والمشاكل والمواقف التي أدت إلى هذا الحادث المؤلم، الطفل الآن بخير، فقد تمكنوا من إعطائه الترياق بسرعة، ولكن إذا قرأت الصفحة الأولى بتمعن ستلاحظ أنهم مروا بثمان حالات فشل مختلفة، كانت هناك ثمانية أخطاء صغيرة مختلفة تتابعت على نحو سيئ أدى إلى تلك النتيجة السيئة. هذا خطأ طبي جوهري، لكنه ليس خطأ ناجماً عن ارتكاب أحدهم خطأ غبياً، بل هو في هذا السياق وغيره عبارة عن عدد من المشاكل الصغيرة التي تتابعت لتنشئ نفقاً تتدفق الأخطاء منه وتصيب المرضى بالأذى. وما يمكن للقارئ المتمعن رؤيته على الفور هو أن المشكلة تكمن في طبيعة الوحش، فأنت تقوم بأمر لم يقم به أحد بهذه الطريقة تحديداً من قبل. أقصد، من الواضح أننا نعتني بالمرضى طوال اليوم وكل يوم، ولكن لم يكن هناك طفل يعاني من هذه الحالة وفي هذا السرير ومع هذه المجموعة من العاملين تحديداً. وساءت الأمور، وهذا ما تبدأ به قصة عن مستشفى تفهم أن هذه هي الطريقة التي تسوء بها الأمور، وتسميها حالات فشل في النظام. ولأن المشكلة غالباً ما تكون مشكلة فشل في النظام وليست أخطاء فردية، أراد قادة المستشفى العثور على طريقة لتحسين المؤسسة على نطاق واسع كي تصبح احتمالات وقوع حالات فشل النظام أقل بكثير. وكان الأساس في ذلك هو ضمان أن يشعر الموظفون بأمان للتحدث عما يرونه.
بريان كيني: ربما كان بإمكانك مساعدتنا عن طريق إخبارنا شيئاً عن جو المستشفى عند وصول جولي إليها، وبعض المجالات التي وجدت أنها بحاجة إلى التحسين.
إيمي إدموندسن: كانت إحدى الأمور التي أدركتها على الفور هي أن ثقافة المؤسسة لا تساعد على التعلم، وأن الموظفين يخفون الأخطاء وحالات الفشل التي يعرفونها إلى أن تسوء الأمور فعلاً فيوجهوا الاتهامات ويلقون باللوم على أحدهم، بدلاً من المشاركة لمعرفة طريقة للتحسن والعمل على نحو أفضل.
وهذا لا يعني أنهم كانوا أشخاصاً سيئين أو أن نواياهم خبيثة، وإنما كانت هذه البيئة العادية في المستشفى. وفي الحقيقة، أطلقت جولي على هذه البيئة اسماً، وهو بيئة الاتهام واللوم والانتقاد.
بريان كيني: أعتقد أن كثيراً من المؤسسات تفهم ذلك، وواثق أن كثيراً منا يقولون "أجل، يبدو ذلك كحال هذا المكان".
إيمي إدموندسن: أكيد. ولذلك شرعت جولي بإجراء تغيير حقيقي في الثقافة، وإحدى الطرق للقيام بذلك كانت من خلال صياغة سياسة جديدة تدعى "الإبلاغ دون توجيه اللوم" وهي اسم على مسمى. حيث يمكنك، بل وينبغي لك الإبلاغ عن أي أمر يبدو لك خاطئاً أو أدنى من المستوى المطلوب، دون الخوف من الانتقام. أي أن تقوم بالتبليغ بطريقة آمنة.
بريان كيني: وهذا الإبلاغ دون توجيه اللوم، هل يتم دون الكشف عن الهوية؟ ما هي آليته؟
إيمي إدموندسن: في الحقيقة، الخيار لك في هذا الأمر، يمكنك الإبلاغ دون الكشف عن هويتك، أو يمكنك الإبلاغ بصراحة، وكان الموظفون في المستشفى يتبعون كلتا الطريقتين.
بريان كيني: حسن. هل عدم توجيه اللوم مساو لعدم تحميل المسؤولية لأحد؟
إيمي إدموندسن: سؤالك رائع حقاً. وفي الحقيقة هذا هو موضوع النقاشات المحورية التي نخوضها في غرفة الصف. الجواب هو "لا"، فالأمران ليسا سيان، وفي الحقيقة، أعتبرهما بعدين مختلفين يخلقان نوعاً من المتزاوجات، إذ يحرص أحدهما على أن تكون البيئة آمنة نفسياً للتحدث والتعبير عن الرأي، ويجب أن تكون كذلك. إذا كنت في نظام معرض للأخطاء المعقدة فمن الأفضل أن تنشئ ظروفاً تمكن الموظفين من التحدث والتعبير عن آرائهم. أما البعد الثاني فهو تحميل الموظفين مسؤولية الحفاظ على المعايير المرتفعة. وهو يتعلق بالإرشاد والتقييم وضمان أن يرغب الموظفون في الحضور كل يوم لأداء عملهم بأفضل ما يمكن، وأن يتمكنوا من ذلك فعلاً. ونحن نعلم مسبقاً أن بيئة المساءلة الضعيفة والأمان النفسي المتدني هي مشكلة نوعاً ما. ما هي إلا بيئة لا مبالاة، وهي مروعة. بينما إذا تمتعت البيئة بأمان نفسي عال ومساءلة قوية، فستشكل منطقة التعلم أو منطقة الأداء الرفيع، حيث يكون الموظفون راغبون بتقديم ما يعرفونه وقادرون على ذلك، ولديهم الحافز ومنخرطون في العمل ويعرفون أن ما يفعلونه مهم، وهم عازمون على القيام به على أفضل وجه. وهذا ما تحتاج إليه أي مستشفى اليوم، أليس كذلك؟ يجب أن تكون المستشفيات بيئة آمنة للتعبير عن الرأي وأن يشعر الموظفون فيها أنهم مسؤولون عن أفعالهم.
بريان كيني: أحد الأمور التي نراها بوضوح في البحث هي الانقسام الثقافي في سياق المستشفى بين الأطباء والممرضين وكادر الدعم. ويبدو جلياً أن الأطباء في هذه الحالة يتمتعون بمركز أعلى، أليس كذلك؟
إيمي إدموندسن: نعم.
بريان كيني: هل يصعّب ذلك تنفيذ ما كانت جولي تحاول تنفيذه؟
إيمي إدموندسن: أجل، إنه يجعله أصعب لأن اختلاف المراكز يعتبر جزءاً من الثقافة التي كانت موجودة سابقاً في القطاع والمستشفى، وغالباً ما يواجه الموظفون الذين يعملون بالأدوار الأدنى في المؤسسة صعوبة أكبر في التعبير عن آرائهم. وإعادة صياغة كل ذلك كان جزءاً مما كانت جولي تحاول فعله، بالإضافة إلى إعادة صياغة وظائف الجميع ليصبحوا جميعاً أعين المؤسسة وآذانها، لأنهم صمام الأمان بالنسبة للمرضى. وكانت تقول دائماً أشياء مثل: "إن قطاع الرعاية الصحية بطبيعته هو نظام معرض للأخطاء المعقدة"، بعبارة أخرى، عندما تسوء الأمور، ليس بالضرورة أن تكون أنت المخطئ، بل هو النظام، وهذا يعني أن التعبير عن الرأي ينقذ الأرواح. ومن لا يرغب بإنقاذ الأرواح؟
بريان كيني: هذا صحيح.
إيمي إدموندسن: إذن، عملها هو تغيير إطار العمل من: "عندما تسوء الأمور، يكون هناك مذنب" إلى: "عندما تسوء الأمور، يكون نظامنا المعرض للأخطاء المعقدة جداً قد انهار، ويجب علينا نحن إعادته إلى العمل".
بريان كيني: بالتأكيد. يشير بحثك إلى انعدام العيوب، وقد ذكرتُ ذلك في المقدمة، هل هذا هدف بعيد المنال؟ هل من الممكن حقاً وجود نظام معدوم العيوب؟
إيمي إدموندسن: سؤالك رائع حقاً. انعدام الأخطاء أمر غير ممكن، فنحن البشر لن نتوقف أبداً عن ارتكاب الأخطاء. ولكن، يمكن أن نصل إلى مرحلة خالية من العيوب، أعني أننا سنرتكب الأخطاء، ولكن ما دمت أرتكب الأخطاء وأنت متنبه ومتيقظ، فستراها وتلتقطها. وبذلك سنصححها قبل أن تؤذي المرضى. أي أنك لن تستطيع محو الخطأ ولكنك ستتخلص من آثاره المتعلقة بالمرضى.
بريان كيني: جيد.
إيمي إدموندسن: سيتحقق ذلك عندما تجيد عملك حقاً.
بريان كيني: تتحدثين عن الإبلاغ دون إلقاء اللوم، بالإضافة إلى بعض التحديات الثقافية هنا، هلا أخبرتنا عن بعض الأمور الأخرى التي حددتها جولي كنوع من المحفزات التي كانت بحاجة إلى تفعيلها؟
إيمي إدموندسن: لقد طبقت عدداً من الآليات المختلفة لكي يبدأ الموظفون بالتحدث عما يعرفونه ويعملون على حل المشكلات معاً سعياً لتحسين الأمور. أي أنها وزعت إجراءات التعلم نوعاً ما. وأدركت أن المؤسسة كانت بحاجة إلى التعلم المبني على عمل الفريق والمرتبط بالعمل، وأن يندرج بالعمل نوعاً ما. عندئذ، لن أقول لك ما يجب عليك فعله في وظيفتك في قسم الأورام أو قسم تحرير قوائم الفواتير، لأنك تعرف ما يجب أن تفعله في وظيفتك هذه أكثر مني، ولكن يمكنني أن أطبق إجراءات، أو أن أشجعك على تطبيق إجراءات تساعدك على تعلم طريقة لأداء هذه الوظيفة على نحو أفضل. ولذلك كان عملها عبارة عن تطبيق عقلية ومجموعة إجراءات موزعة لتساعد على التعليم المستمر.
بريان كيني: أجل، وبدا لي في البحث أن الموظفين بدؤوا ينسجمون مع الفكرة وبدؤوا بتشكيل طرقهم الخاصة لمعالجة بعض المشكلات. هلا حدثتنا قليلاً عن هذا الأمر؟
إيمي إدموندسن: بالتأكيد. في الحقيقة، هذا أحد الأمور المفضلة لدي في البحث، فلدينا في هذا البحث وفي مجموعة أبحاثنا كلها بالطبع، العديد من الحالات التي يمكن أن ندعوها "حالات التغيير"، حيث يدخل قائد جديد ويقود التغيير في المؤسسة. وفي بعض الحالات يكون هناك مخطط لهذا التغيير، هناك دليل إرشادي، وقد طبقه البعض من قبل، وتكمن مهمة القائد في دفع الموظفين وتحفيزهم للانخراط وتطبيقه في مؤسستهم. ولكن ليس في هذه الحالة. فقد كانت هناك نتيجة مرجوة، وهناك هدف، وهو انعدام العيوب، وليس هناك أي دليل إرشادي على الإطلاق. ولذلك كانت جولي رائدة التغيير، كانت متقدمة على القطاع من ناحية حركة أمان المريض، وليس لديها أي أحد يمكنها اللجوء إليه وتقول: "كيف تقوم أنت بذلك؟ ما الخطوة التالية؟ وماذا سنفعل بعدها؟"، وما حاولت فعله هو تحفيز عملية التعلم وقيادتها، وكأنها تريد إنشاء مؤسسة تعلم.
بريان كيني: كما ينظر البحث في أهمية اللغة، وقد فتنت حقاً بهذا القسم لأني أعتقد أننا في كثير من الأحيان، نستخدم مصطلحات، ولكننا نسمع ردوداً مختلفة عندما نستخدمها. وأتصور أنه في سياق الرعاية الصحية يصبح ذلك عنصراً حاسماً بحق.
إيمي إدموندسن: نعم. إذا كنت تريد تغيير ثقافة مؤسسة ما، فسيتوجب عليك تغيير اللغة التي تستخدمها. وهناك ملحق بالبحث بعنوان "كلمات لتعمل بها" وهو صادر من جولي موراث مباشرة.
بريان كيني: قائمة طويلة.
إيمي إدموندسن: أجل، قائمة طويلة. لقد أرادت استبدال كلمات مثل "التحقق" أو "إجراء تحقيق" بكلمة "دراسة".
بريان كيني: هذه كلمة هامة برأيي، لأن كلمة التحقيق تضع الشخص الآخر في موقف دفاع فوراً.
إيمي إدموندسن: وتدفعه للتفكير بالشرطة على الفور.
بريان كيني: أنت محقة تماماً.
إيمي إدموندسن: بينما كلمة "دراسة" تجعلك تفكر كعالم، أو باحث.
بريان كيني: وقد بدا بعض ذلك جلياً في الاجتماع الذي عقد بعد وقوع تلك الحادثة تماماً، هلا حدثتنا عن هذا الاجتماع؟
إيمي إدموندسن: كانت إحدى الأجراءات التي طبقتها جولي موراث هي عقد اجتماع تحليل ثغرة الفشل. ما أن تقع مشكلة ما، سواء كانت ضرراً كبيراً وواضحاً، كحالة جرعة الدواء الزائدة، أو خطأ وشيكاً، نقوم على الفور بجمع مجموعة موظفين ممن لهم علاقة بالحادثة من جوانب مختلفة أو ربما في أوقات مختلفة. ويعقدون اجتماعاً على الفور حول مائدة مستديرة ويروي الموجودون ما حدث واحداً تلو الآخر. وهنا، نحن نحاول رسم صورة واقعية لما حدث. مجدداً، نسأل ماذا حدث؟ وليس من فعل ذلك؟ ويتفاجأ الموظفون كثيراً بمدى اختلاف الحادثة ذاتها باختلاف وجهات النظر. وندرك بذلك أنه من أجل رسم صورة كاملة عن حادثة ما، يجب أن نقدم وجهات النظر هذه جميعها، ثم تبدأ بعملية التفكير بالسؤال: "ما الذي يجب أن نغيره كي نضمن ألا تتكرر هذه الحادثة ثانية؟".
بريان كيني: لقد أدرجت كثيراً من التعليقات والاقتباسات المباشرة في بحثك. وكان أحد هذه التعليقات: "كل منا يلمس جزءاً مختلفاً من الفيل".
إيمي إدموندسن: أجل، بالضبط.
بريان كيني: في هذا السياق، تزداد أهمية فهم سبب وقوع حادثة ما عند وجود عائلة تريد معرفة ما حدث لمريضهم الذي يحبونه. مثلاً: "لماذا كاد ابني يموت بسبب خطئكم؟".
إيمي إدموندسن: هذا صحيح. وأحد الأمور التي تعلمناها عبر عدة أعوام منذ تلك الحادثة هو أنك لن تفيد العائلة ولا المؤسسة بالمماطلة، وأظن أنهم فهموا ذلك بصورة بديهية. فغريزتك التي سيدعمها المحامون تقول أن تمتنع عن الكلام، ستقول: "لا يمكنني إخباركم، نحن ندرس الأمر". ولكن في الحقيقة، الشفافية هي أفضل استراتيجية، وقد تبين أن الدافع الذي يحث الناس على اللجوء إلى اتخاذ إجراءات قانونية هو أحد أمرين، أحدهما هو "كان علينا أن نعرف ما حدث"، وعملية كشف ما حدث هذه هي ما يؤدي بالعائلة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية، أما الآخر فهو شعور الغضب والاستياء الذي تشعر به العائلة بسبب عدم وجود من يتحدث إليهم.
بريان كيني: ما هي التحديات التي واجهت جولي عندما كانت تحاول تحقيق هذا التغيير؟ هل كان يمكن أن يكون الأمر سهلاً؟
إيمي إدموندسن: واجهت تحديات المقاومة بادئ الأمر، ولكنها الآن تجاوزتها وأصبحت من الماضي. فالموظفين يقاومون قادة التغيير.
بريان كيني: التغيير أمر صعب.
إيمي إدموندسن: إنهم يقاومون التغيير، التغيير أمر صعب. وقاوموا التغيير الذي تريد تحقيقه بصورة أساسية لأنهم لم يصدقوا فعلاً أنهم يعانون من مشكلة. فعلى كل حال، مؤسستهم هي أفضل مستشفى للأطفال في المنطقة. وكانت تعتبر مكاناً جيداً جداً، ولديها عدد كبير من الأطباء، ولذلك كانت أفضل مستشفى. ولديها كادر تمريض كبير، كانت مؤسسة عظيمة. وكانت اعتقاد جولي موراث هو: "أجل، إنها مؤسسة عظيمة، ولكنها لا تزال معقدة ونظاماً معرضاً للأخطاء المعقدة، ويجب علينا نحن أن نحسنها أكثر كي لا يتعرض الأطفال لأذى بسبب أخطاء تحدث تحت أعيننا". ولكن كانت هناك فكرة بين الموظفين تقول: "إنها تبدو شخصاً لطيفاً، ولكننا لا نعاني من أي مشكلة". وكان رد فعلها تجاه هذه الفكرة استثنائياً. عن نفسي، لو كنت مكانها، لكان رد فعلي الأول هو شرح ما أريد فعله مرة أخرى، لأني رغم إيماني بأني أجيد ما أفعله كثيراً ولربما كنت كذلك، إلا أن الإنسان لن يحظى قط بالفرصة ذاتها مرتين، ويمكن أن تقع أخطاء من كل شكل ولون، فهذا نظام معرض للأخطاء المعقدة، يمكن أن أقول لهم: فلننظر حولنا مرة ثانية، ألا يحتمل وجود بعض المشكلات التي يمكننا معالجتها؟ ولكن لم يكن هذا ما فعلته جولي، ربما ساورتها فكرتي ذاتها، إلا أنها أنها قامت بشيء مختلف، قالت: "ربما كنتم على حق. فأنا قد أتيت للتو، سأطلب منكم التفكير بالتجارب التي مررتم بها مع المرضى الأسبوع الماضي". هذا رد صارم جداً. وإذا فكرت بهذا الطلب تجده يعظم عملهم وتجاربهم، وكأنها تقول: "أنتم من يعرف في هذا الأمر أكثر. أنتم من يتعامل مع المرضى". إذن، قالت لهم: "سأطلب منكم التفكير بالتجارب التي مررتم بها مع المرضى الأسبوع الماضي". ثم قالت: "هل كانت الأمور جميعها آمنة كما تحبون؟" هذا سؤال ملهم ورائع، تقول: "فجأة، تحول مكتبي إلى غرفة اعتراف". وتغير تفكيرهم من "لسنا نعاني من أي مشكلة" إلى "ما الذي يمكنني فعله للمساعدة؟" وذلك لأنها تمكنت من تنبيههم إلى ما يعرفونه بالفعل، والذي هو "نعم، نحن نقوم بعمل جيد معظم الأوقات، ولكن هناك خطر محتمل يترقب بنا في كل زاوية، ونحن نقاوم التيار كل يوم، وربما كان بإمكاننا أن نكون بحال أفضل".
بريان كيني: أعتقد أن هذا اعتقاد شائع في معظم المؤسسات، وكأننا نقول: "لا يوجد حريق هنا. كل شيء يسير على ما يرام، لماذا سنخرب ذلك؟"، أليس كذلك؟
إيمي إدموندسن: بالضبط، ليس هناك حريق، ليست المؤسسة منصة مشتعلة، لا بأس بذلك، ولكنه قد لا يكون جيداً بما يكفي وبالتأكيد لن يكون جيداً بما يكفي بعد خمسة أعوام. وهذا هو بالتحديد السبب الذي جعلني أعجب بهذه الحالة، لأن كل ما قلناه حتى الآن يمثل قطاع الرعاية الصحية على وجه التحديد. إنها مثال رائع عن تقديم الرعاية الصحية، بل وأكثر من ذلك بكثير. وأقوم بتدريسها دائماً للتنفيذيين وطلاب شهادة إدارة الأعمال الذين لا علاقة لهم بقطاع الرعاية الصحية بأي شكل من الأشكال، لأنها نموذج رائع عن القيادة. وهي نموذج رائع عن طريقة دخولك للعمل في نظام جديد، وتحفيز الموظفين ليصبحوا أفضل مما هم عليه بالفعل، ومن ثم تعزيز مجموعة من إجراءات التعلم التي تمكنهم من تحقيق ذلك والمصادقة عليها. وقطاع الرعاية الصحية هو ببساطة نموذج قوي عن التحديات..
بريان كيني: لأن المخاطر فيه عالية جداً.
إيمي إدموندسن: لأن المخاطر فيه عالية جداً. وحالات المرضى فريدة جداً، لذلك سيكون لديك كثير من الإجراءات المكررة، ولكن يجب عليك في الوقت نفسه إجراء كثير من التعديلات، لذلك فهو عملية خدمة معقدة قابلة للتكييف بدرجة عالية. وهناك كثير من المؤسسات التي يمكن اعتبارها عمليات خدمة معقدة.
بريان كيني: تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحادثة التي افتتحت بها البحث وقعت بعد أن أجرت جولي كثيراً من هذه التغييرات.
إيمي إدموندسن: هذا صحيح.
بريان كيني: إذن، هل يكون من الأفضل الدخول ومحاولة توليد شعور بالضرورة الملحة عن طريق إثارة نوع من الخوف، مثلاً: "سيحدث هذا الأمر السيئ جداً إذا لم نجر هذه التغييرات". أو أن نتبع أسلوب جولي، وهو: "هل نحن في أفضل حال ممكن أو أفضل حال نرغب به؟".
إيمي إدموندسن: صحيح، نعم، لاحظ أن السؤال الذي طرحته جولي لم يكن: "فكروا بالمرضى الذين تعاملتم معهم الأسبوع الماضي، هل ترون كثيراً من المخاطر؟"، بل قالت: "هل كانت الأمور جميعها آمنة كما تحبون؟"، وبرأيي الشخصي، الخوف ليس هو الاستراتيجية المناسبة. لأنه موجود إلى حد ما على الدوام، كالمنافسة مثلاً، فهناك مشكلات مستقبلية لا نتوقعها. الخوف موجود ضمن الإبداع، وكانت جولي بحاجة لإبداع الموظفين، كما يوجد الخوف ضمن التعاون الكبير، وهي كانت بحاجة لهذا التعاون الكبير، ولذلك يكون الأمل خياراً أفضل.
بريان كيني: الأمل هو خيار أفضل. هل وردت هذه الأفكار في كتابك "المؤسسة الشجاعة"؟
إيمي إدموندسن: أجل، فكتاب "المؤسسة الشجاعة" (Fearless Organization) يتعلق بالأمان النفسي، والبيئة التي تتيح لك التحدث والتعبير عن رأيك والحضور إلى العمل بكامل هويتك الذاتية وطرح أسئلتك وتقديم رأيك والتنبيه إلى الأخطاء. وهذه الأمور حاسمة بالنسبة للرسالة في اقتصاد المعارف. ويتحدث الكتاب عن السبب الذي يمنح الأمان النفسي أهميته، ويوضح ماهيته وما ليس منه. فهو ليس أن تكون لطيفاً مثلاً، ولا طريقة فهمك للطف.
بريان كيني: هذه أفكار عظيمة، وأنا واثق أن مستمعينا يربطون جميع هذه الأفكار الآن بمؤسساتهم، شكراً جزيلاً على انضمامك إلينا.
إيمي إدموندسن: أشكركم على استضافتي.
بريان كيني: إذا استمتعتم بهذه الحلقة من برنامج كولد كول (Cold Call)، فيمكنكم الاستماع إلى البرامج الصوتية الاخرى المقدمة من كلية هارفارد للأعمال، بما في ذلك آفتر آورز (After Hours) وسكاي ديك (Sky deck) وماناجينغ ذا فيوتشر أوف وورك (Managing the Future of Work). يمكنكم العثور على هذه البرامج في تطبيق "أبل بودكاستس" أو غيره من البرامج التي تستمعون إليها. أشكركم مرة ثانية على الانضمام إلينا في هذه الحلة التي تحدثنا فيها عن كيفية التغلب على ثقافة الانتقاد. أنا مقدّم البرنامج، برايان كيني، وكنتم تستمعون إلى برنامج "كولد كول"، وهو برنامج صوتي رسمي صادر عن كلية هارفارد للأعمال، وهو جزء من شبكة إتش بي آر برزنتس (HBR Presents).
اقرأ أيضاً: