كيف نتغلب على تحيّزنا لأفكارنا الخاصة؟

4 دقائق

تشجع شركات التصنيع المبتكرة موظفيها على توليد أفكار بهدف تحسين المنتجات والعمليات بشكل روتيني. على سبيل المثال، يقدم الموظفون في شركة "تويوتا" أكثر من 700 ألف فكرة من أفكار تحسين عملية كايزن (kaizen) المنفذة كل عام. قد يقترح أحد العاملين على تشغيل الماكينات إجراء تعديل على أداة من شأنه أن يساعد في زيادة معدل الإنتاجية، أو قد يشير سائق رافعة شوكية إلى أن تكديس الحاويات بطريقة مختلفة قد يحسن من تدفق المواد.

وتعتمد الشركات في تقييم الأفكار الإنمائية هذه على خبرة الشخص الذي يقدم الفكرة غالباً. ولا يُعتبر هذا بالأمر السيئ في حد ذاته، إذ غالباً ما يكون مبتكرو الأفكار الجديدة من الخبراء الأكثر صلة بالموضوع الذين يعرفون "ماهية الفكرة بأكملها" و"كيفية تنفيذها". وعلى حد تعبير أحد مديري ابتكار عمليات الإنتاج الذي التقينا به: "قد يستغرق تخصصي تطوير المنتج يومين لفهم فكرة شخص آخر على نحو كامل". وتتيح شركات التصنيع التي تسعى جاهدة إلى التنفيذ السريع للأفكار الفرصة لعمال المصنع في اختيار أفكارهم وتنفيذها على الفور دون أي تدخل من الإدارة.

وتكمن المشكلة في أن الموظفين الخبراء يبالغون في تقدير قيمة أفكارهم أو التقليل من قيمتها، وهو ما يقود الشركة إلى تجاهل الأفكار الجيدة واستثمار الأفكار السيئة. ولفهم دوافع "تحيّز مبتكر الأفكار"، حلّلنا عينة كبيرة من أفكار ابتكارات عمليات الإنتاج التي يقودها الموظفون في شركة تصنيع سيارات أوروبية. بالإضافة إلى ذلك، أجرينا مقابلات متعمقة مع خبراء الشركة ونفّذنا عدداً من التجارب السلوكية.

وكانت أول النتائج المتوقعة التي توصلنا إليها، هو أن المبالغة في تقدير قيمة الفكرة تمثّل مشكلة أكبر من التقليل من قيمتها، وقد وجدنا أن نسبة 74% من جميع الأفكار في مجموعة بياناتنا مبالغ في تقدير قيمتها، مقابل 20%من الأفكار التي استهان الأفراد بقيمتها و6% من الأفكار التي قُدّرت بشكل صحيح. ويوجد عاملان يدفعان هذه الثقة الزائدة من جانب الموظفين مٌبتكري الأفكار، ألا وهما المنصب والأعداد.

المنصب

في نتيجة أخرى يمكن التنبؤ بها نسبياً، تُظهر بياناتنا أن تحيّز مُبتكر الأفكار يكون أقوى في المتوسط بنسبة 53% بين الموظفين الذين يعملون ضمن المستوى التنظيمي الأعلى مقابل الموظفين الذين يعملون ضمن المستوى التنظيمي الأدنى. حيث كانت أفكار المدراء مبالغ في تقديرها في المتوسط بنسبة 42%، في حين استُهين بقيمة أفكار العاملين في الخطوط الأمامية بنسبة 11% في المتوسط. وتطابق هذه النتائج حدسنا، إذ نبالغ غريزياً في تقدير قيمة فكرة يطرحها المدير مقابل فكرة يطرحها عامل في الخطوط الأمامية.

وأوضح بحثنا أن هذا التأثير ينبع من دور مُبتكر الفكرة وهويته الاجتماعية ضمن الشركة عند توليد هذه الفكرة. حيث يميل المدراء إلى إبراز ثقتهم المتزايدة في قدراتهم الشخصية بالأفكار التي يطرحونها، حتى عندما لا يكون التفكير هو الكفاءة الرئيسة للمدير. وقد أثبتنا صحة هذا التأثير في تجربة سلوكية على مجموعة مركزة، حيث طلبنا من المشاركين، ولكن ليس من العاملين في مجال التصنيع الحقيقيين، وضع أنفسهم في مكان إما مدير أو عامل في الخطوط الأمامية. وأظهرنا لهم صوراً لمبتكري أفكار إداريين يرتدون بدلات رسمية أو مبتكري أفكار من العمال في الخطوط الأمامية الذين يرتدون ياقات زرقاء.

واتضح أن سلوك المشاركين كان متسقاً بشكل ملحوظ مع سلوك موظفي الشركة الحقيقيين، إذ قدروا قيمة الفكرة عند التصرف "كمدراء"، مقابل التقليل من قيمة الفكرة نفسها عند التصرف "كعمّال".

الأعداد

في اكتشاف أكثر إثارة للدهشة، أظهرت بيانات الشركة أن تحيز مبتكر الأفكار أقوى بنسبة 37% بين الموظفين الذين يولدون أفكاراً في مجموعات مقابل توليد الأفكار وحدهم. على سبيل المثال، بالغ الموظفون الذين يعملون بمفردهم في تقدير أفكارهم بنسبة 4% في المتوسط، مقابل الأفكار التي تولدها الفِرَق بنسبة 41%. وتتنافى هذه النتيجة مع حدسنا بأن المجموعات أكثر نزاهة من الأفراد، وأنه كلما كانت المجموعة أكبر، كانت أكثر حكمة.

لكن المقابلات التي أجريناها مع مبتكري الأفكار في الشركة وتجاربنا تشير إلى أن أعضاء المجموعة يطورون علاقات قوية مع الفكرة ومع زملائهم أعضاء المجموعة على حد سواء خلال جلسات التفكير المكثفة. وبالتالي، يمثّل "شعور المجموعة" الذي يعتبر هدفاً صريحاً في تمرينات بناء الفريق مشكلة في تقييم الفكرة.

في إحدى الحالات، طورت مجموعة عمال التصنيع نهجاً لاستبدال المواد المركبة في المكونات المصنعة بمكون بلاستيكي منخفض التكلفة. على الرغم من أن الفكرة الأساسية كانت ممكنة، فقد تجاهل أعضاء المجموعة التعديلات الصعبة اللازمة لضمان متانة الأجزاء باستخدام المواد الجديدة. وقد أوضح أحد أعضاء المجموعة هذه النقطة قائلاً: "تشعر ضمن الفريق أنك محمي وقوي أكثر، لقد آمنّا بخبرتنا الجماعية، وفي الوقت نفسه، قللنا من أهمية مخاطر الإجهاد الميكانيكي على الأجزاء التي كان معظمنا على دراية بها".

ومن المثير للاهتمام أن تحيز التفكير لم يكن أقوى في الفرق المؤلفة من المدراء منه في الفرق المؤلفة من العمال ذوي الياقات الزرقاء. وتتوافق هذه النتيجة مع معظم النظريات التي تدور حول بناء الهوية، والتي تشير إلى عدم ارتباط الأفراد بأكثر من هوية واحدة في وقت واحد عند القيام بنشاط ما. إذ تنبثق ثقة المرء إما من أنه مدير رفيع المستوى أو من أنه جزء من مجموعة أكبر، ولكن ليس من كليهما في وقت واحد.

وكشفت المقابلات التي أجريناها أيضاً أن عقلية المدراء الأكثر تنافسية قد كبحَتْ ظهور هويات جماعية قوية ضمن الفرق. كما أوضح أحد مدراء المصنع، فإن جلسات التفكير عالية المستوى تتسم "بالمنافسة القوية بين موظفي إدارة المصنع الذين يرأسون وحدات مختلفة من المصنع. ولم يكن أحد يرغب في أن يبدو متخلّفاً عن زملائه".

إذاً ما الذي توصلت إليه نتائجنا؟

التفكير المنفصل وتقييم الأفكار

نعلم جميعاً أن الاعتماد على عبقرية المدير كان استراتيجية محفوفة بالمخاطر. والخبر السيئ هو أنه ليس بالضرورة أن يكون الموظفون المؤهلون أكثر حكمة. ولكن توصلنا إلى أخبار سارّة أيضاً، إذ على الرغم من أن المجموعة التي تقترح فكرة قد تبالغ في تقديرها، فإن المبالغة في تقدير قيمة هذه الفكرة تصبح أقل احتمالاً إذا حصل مبتكرو الأفكار على بعض الوقت المستقطع عن عملية توليدها.

وبالنظر إلى ذلك، اطلب من مبتكري الأفكار تقييم أفكارهم بعد الحصول على استراحة وفي مواقع مختلفة. وإضافة إلى ذلك، اطلب من المقيِّمين إجراء تقييم نقدي للأفكار المقترحة من قبل المدراء أو الفرق، إذ عادة ما يجري تفضيل هذه الأفكار بسبب قوة مبتكرها أو بسبب التوقع المشترك لإبداع الفريق المتفوق. وعلى العكس من ذلك، كن أكثر تعاطفاً عند تقييم أفكار موظفي الخطوط الأمامية، حيث من المرجح أن يقيّم هؤلاء الأفراد أفكارهم بدقة قبل طرحها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي