يواجه المدراء الذين يكافحون لتنفيذ سياسات العمل الهجين 3 تحديات رئيسية: جدولة العمل والحفاظ على ثقافة العمل والحفاظ على الإنتاجية. تشير الأبحاث التي أُجريت على الشركات التي تسمح للموظفين بالعمل عن بُعد والعمل من المكتب، إلى إمكانية التغلب على تحديات العمل الهجين. فيما يتعلق بوضع جدول الأعمال، يجب التحول من التركيز على عدد أيام حضور الموظفين في المكتب إلى تحديد المهام التي يكون من الأفضل تنفيذها في المكتب. لبناء ثقافة العمل والحفاظ عليها، يجب تشجيع الموظفين على الحضور ليس من أجل مصلحة المؤسسة أو مصالحهم الشخصية، بل من أجل تعزيز الروابط والعلاقات مع الزملاء. من أجل ضمان الإنتاجية، يجب تجنب التركيز على مراقبة الموظفين والاهتمام بدلاً من ذلك بتقديم الدعم والمساعدة لهم.
بعد مرور أكثر من 4 سنوات على جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تسريع التحول الفوري إلى العمل المعرفي عن بُعد، بات من الواضح أن ترتيبات العمل الهجين ستبقى قائمة على الرغم من محاولات بعض المؤسسات جذب الموظفين وإقناعهم بالعودة إلى العمل بدوام كامل في المكتب. على الرغم من ذلك، لا يزال أصحاب العمل يواجهون صعوبات في عملية التنفيذ. يذكر المدراء الذين تحدثنا إليهم 3 تحديات رئيسية: جدولة العمل والحفاظ على ثقافة العمل والحفاظ على الإنتاجية.
جدولة العمل
توصّل العديد من المؤسسات إلى نموذج محدد للعمل الهجين يجمع بين العمل عن بُعد والعمل من المكتب، على سبيل المثال، 3 أيام للعمل من المكتب من يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس، ويومان للعمل من المنزل، مثل يومي الاثنين والجمعة. على الرغم من ذلك، لا يلتزم الموظفون دائماً بهذه المبادئ التوجيهية. في الواقع، تشير بيانات التتبع إلى أن بعض الموظفين لا يلتزمون بالحضور إلى المكتب بالوتيرة المتوقعة (أو المطلوبة)؛ وهذا يتجلى في ظاهرة "تسجيل الحضور السريع"؛ إذ يحضر الموظفون إلى مكان العمل فقط لتسجيل حضورهم وشرب القهوة ثم المغادرة في أقرب فرصة متاحة دون الالتزام الحقيقي بالوقت المخصص للعمل في المكتب. سمعنا أيضاً عن استياء المدراء من استخدام الموظفين أيام العمل من المكتب بدلاً من أيام العمل عن بُعد لحضور المواعيد الطبية أو أخذ الإجازات، ما يؤدي إلى انخفاض فرص التواصل مع الزملاء. باختصار، على الرغم من جهود أصحاب العمل الكبيرة لإعادة الموظفين إلى العمل من المكتب، من خلال توفير الوجبات المجانية وتخفيف قيود قواعد اللباس وتنظيم الفعاليات الاجتماعية وتوفير مساحات مكتبية أكثر جاذبية، يبدو أن هذه الجهود لا تحقق النتائج المرجوة.
للتغلب على هذا التحدي، نوصي بتحويل التركيز من مسألة وتيرة حضور الموظفين في المكتب إلى تحديد الأوقات التي يكون فيها الحضور الشخصي والجسدي والعمل الجماعي ضروريَين. على سبيل المثال، عندما يكون الموظفون جدداً في المؤسسة ويخضعون للتوجيه والتدريب، فمن المهم حضورهم شخصياً للتواصل مع زملائهم الرئيسيين. بالإضافة إلى ذلك، خلال فترات الانشغال، أو عندما يكون العمل الجماعي واتخاذ القرارات التعاونية مطلوباً، يجب أن يكون لدى أصحاب العمل قدر أكبر من الحرية والمرونة في فرض الحضور وتعزيزه؛ وفي حال شرح الأسباب بطريقة واضحة وفعالة، فمن المرجح أن يفهم الموظفون هذه السياسة ويقبلونها. على سبيل المثال، من المنطقي تماماً أن يطلب أصحاب العمل من الموظفين حضور الاجتماعات المهمة شخصياً. يبدو أن هذا الاستراتيجية تجدي نفعاً في شركة جيه إم سماكر (J.M. Smucker)، التي تطلب من الموظفين في مقرها الرئيسي الحضور شخصياً خلال 22 أسبوعاً أساسياً، ويُعلن عن ذلك قبل عام كامل.
الحفاظ على ثقافة العمل
يشعر العديد من القادة بالقلق أيضاً بشأن صعوبة بناء ثقافة الشركة والحفاظ عليها عندما تكون وتيرة حضور الموظفين معاً أقل، وعندما يجري عقد الاجتماعات افتراضياً في معظم الأحيان، بالإضافة إلى انشغال الموظفين غالباً بتنفيذ مهام متعددة بدلاً من الانخراط الكامل والتفاعل في تلك الاجتماعات. أخبرنا بعض المدراء بأنه حتى عندما يكون أعضاء فريقهم في المكتب معاً، فإنهم يفضّلون عقد الاجتماعات عبر منصات مختلفة مثل زووم (Zoom) أو تيمز (Teams) بدلاً من الاجتماع وجهاً لوجه. يشير المدراء أيضاً إلى أن الموظفين يُبدون رغبة أكبر في المغادرة فور انتهاء يوم العمل، ما يؤدي إلى قلة حضور النشاطات الترفيهية بعد الدوام، مثل ساعات السعادة، والمناسبات الاجتماعية الأخرى.
مرة أخرى، نقترح أن تعيد المؤسسات صياغة ما تطلبه من موظفيها. بدلاً من تشجيع الموظفين على الحضور إلى المكتب لتعزيز ثقافة المؤسسة وتفاعلهم مع زملائهم، تجب محاولة توجيه هذه الدعوة بطريقة تثير دوافعهم لمساعدة الآخرين. تشير الأبحاث حول التأثير الاجتماعي الإيجابي إلى أن ذلك سيكون أكثر فاعلية من التركيز على الفوائد التي تعود على الشركة أو حتى على الموظفين أنفسهم. (على سبيل المثال، في إحدى الدراسات، كان العاملون في المجال الطبي أكثر عرضة للاستجابة وغسل أيديهم عندما يُسلّط الضوء على سلامة المرضى بدلاً من التركيز على سلامتهم الشخصية). اشرح للموظفين كيف يمكن أن يساعد حضورهم في المكتب الزملاء أو العملاء أو الموكلين ويسهم في تعزيز قدرتهم على تقديم المشورة والمساعدة وتكوين تحالفات وعلاقات مفيدة وتحسين مهاراتهم في الدفاع عن أفكارهم وآرائهم. يشير البحث أيضاً إلى أن الموظفين يقدّرون فرصة التفاعل مع الأشخاص المستفيدين من عملهم، لذلك، فإن ترتيب مثل هذه اللقاءات قد يساعد أيضاً في جذب الموظفين للحضور إلى المكتب أكثر فأكثر.
الحفاظ على الإنتاجية
وأخيراً، يشعر بعض المشرفين بالقلق بسبب عدم امتلاكهم فكرة واضحة عمّا يفعله الموظفون بالضبط في أثناء العمل عن بُعد. على الرغم من أن بعض الوظائف (مثل المبيعات) لديها مقاييس أداء واضحة، فإن البعض الآخر لا يمتلك تلك المقاييس، وعلى الرغم من شعور الموظفين بتحقيقهم القدر نفسه من الإنتاجية أو تحقيق إنتاجية أكبر عند العمل من المنزل مقارنة بالعمل من المكتب، فلا يوجد دليل قوي يدعم تلك الآراء. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن نفهم مخاوف المدراء من خلال النظر إلى التقارير حول ارتفاع معدلات ممارسة اليوغا والغولف في أيام الأسبوع، وكذلك انتشار ظاهرة الموظفين الذين يتولون وظائف متعددة بدوام كامل، ويُطلق عليهم أحياناً اسم "الموظفون المفرطون في العمل" أو "مزدوجو الوظيفة" أو "متعددو الوظائف".
ننصح أولاً بقبول حقيقة أن إدارة الموظفين أصبحت أصعب في بيئة العمل الهجين. يجب على القادة أن يتعلموا كيفية مراقبة أداء موظفيهم وتقديم الدعم والملاحظات الكافية بطريقة شفافة لكن دون تدخل مفرط. على سبيل المثال، يختلف التواصل مع الموظفين للاطلاع على سير عملهم والاستفسار عن كيفية مساعدتهم وتقديم الدعم اللازم لهم عن مراقبة الموظفين بهدف التأكد من إنتاجيتهم، أو طلب الحصول على تقارير ومستجدات غير ضرورية، أو استخدام المراقبة الإلكترونية. قد يرغب المدراء أيضاً في مراجعة الوصف الوظيفي للموظفين ومسؤولياتهم وأهدافهم السنوية وتنقيحها للتركيز على المنجزات. على سبيل المثال، قد يكون من المفيد بالنسبة لبعض الموظفين تحديد المهام أو الأهداف المحددة التي يجب تحقيقها يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً وتوضيحها. أخيراً، بناءً على الأبحاث التي تُشير إلى أن معظم الموظفين الذين يعملون من المنزل يقضون فعلياً ساعات عمل أطول، يجب على المدراء تجنب الشك في تقاعس موظفيهم (مع الانتباه إلى التحيزات التي قد تُضاعف شكوكهم تجاه النساء في هذا الصدد).
يجب على المدراء في أماكن العمل الهجين العمل مع مؤسساتهم على تخصيص وقت أكبر للتركيز على الجوانب الشخصية والتفاعلية في الإدارة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمدراء السعي إلى الحصول على تدريب رسمي لتطوير مزيد من المعارف والمهارات اللازمة لإدارة الموظفين عن بُعد، وتمكنهم أيضاً الاستفادة من الفرص غير الرسمية (مثل وجبات الغداء وجلسات التعلم) لمشاركة أفضل الممارسات ومناقشة التحديات مع الزملاء. على سبيل المثال، سمعنا من مؤسسات تبحث عن فرص لجمع المدراء والموظفين لتبادل الأفكار والآراء حول الجوانب الفعالة المتعلقة بسياسات العودة إلى المكتب والجوانب التي تحتاج إلى تحسين. يمكن أن تساعد مثل هذه المحادثات المؤسسات على تحديد الممارسات التي تجب إعادة النظر فيها وإعادة صياغتها من أجل جذب الموظفين وتحفيزهم والاحتفاظ بهم.