عند اتخاذ قرار بشأن قبول عرض عمل، فإنك تتطلع إلى تحقيق أقصى قدر من أهدافك. إذا سنحت لك فرصة عمل تتوافق إلى حد كبير مع أهدافك كلها، يصبح قرارك سهلاً.
لكن اتخاذ قرار بهذا الشأن قد لا يكون بهذه السهولة، فقد تواجه في بعض الأحيان خيارين جيدين، أو قد ترى أن فرصة تلبي أهدافاً معينة بصورة أفضل، لكنها لا تلبي أهدافاً أخرى، ما يُدخل عنصري عدم اليقين والمخاطرة في قرارك. إذاً كيف يمكنك تجميع هذه المعلومات كلها لاتخاذ قرار تثق بصحته؟
واجه عمران (ليس اسمه الحقيقي) هذا الموقف. لقد أراد ترك وظيفته في شركة ناشئة ولكن لم يستطع تحديد وجهته التالية، فقد عُرض عليه العودة إلى شركة الاستشارات التي عمل فيها سابقاً، كما تحدث إلى شركات رأس المال المخاطر وكانت هناك فرصة في الأفق للحصول على عرض عمل. بالإضافة إلى ذلك، كان بمقدوره التقدم إلى شركات ناشئة أخرى. لكنه كان مصمماً على تجنّب أخطاء الماضي، وظلت هذه المعضلة تشغل تفكيره لنحو عامٍ تقريباً.
ثم، في غضون 4 دقائق فقط، بدا أن الحل أصبح جلياً. أنشأ عمران مصفوفة حدد فيها أهدافه وقيّم أداء كل مجال بناءً على تلك الأهداف. منح كل خيار (فرصة عمل) درجة مفترضاً أن لكل هدف الأهمية نفسها، ثم جمع الدرجات.
لم يدع عمران الأرقام تملي عليه اختيار مساره المهني، لكن الطريقة التي نظّم بها المصفوفة أظهرت أن مجال الاستشارات هو الخيار الأفضل له. بعد أكثر من عقد من الزمان، لا يزال عمران يستمتع برفقة زملائه في مجال الاستشارات ويستمر في التطور ويشعر بالفخر بما يحققه.
مبدأ هذه المصفوفة في اتخاذ القرارات ليس مبتكراً. إذ غالباً ما يتبع الأشخاص نهجاً مشابهاً عند اتخاذ قرارات أخرى، مثل اختيار الكلية التي يريدون الدراسة فيها أو المقارنة بين السيارات التي يفكرون في شرائها. الأمر ليس معقداً، ولكن فعل ما هو بديهي بطريقة منهجية يمكن أن يحسن الطريقة التي تقيّم بها خياراتك المهنية ويؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل.
قد يكون قبول عرض عمل ما قراراً صعباً. لإنشاء مصفوفة للقرارات المهنية مثل التي استخدمها عمران، اتبع الخطوات الآتية:
حدد أهدافك أولاً. أفضل طريقة للبدء بتحديد أهدافك هي سرد إيجابيات الخيارات المتاحة وسلبياتها، ولتكن ما يتبادر إلى ذهنك أولاً. ستشير من خلالها ضمناً إلى أهدافك المهنية.
ثمة طريقة أخرى لتحفيز الأفكار وهي تخيل الأهداف في فئات. في سياق العمل نفسه، ثمة 5 فئات رئيسية للأهداف: المجال؛ الدور؛ التأثير؛ النمو الشخصي؛ المؤسسة. تحدد هذه الأهداف أنشطتك وأين تركز جهودك وكيف تقيس نجاحك. تحقيق الأهداف في العمل هو أفضل طريق لتحقيق الرضا والسعادة الشخصية.
تتعلق الفئتان الأخريان بما تحصل عليه من العمل: التعويض المالي والمكانة. أما الأهداف المتعلقة بالتضحيات فتتعلّق بما تقدمه للعمل. ليست أهدافك كلها متساوية في الأهمية، لذلك اختم هذه الخطوة بترتيب أهدافك بحسب الأولوية.
بعد ذلك، قيّم خياراتك في ضوء أهدافك
تصبح أهدافك معيار الحكم على الخيارات. قيّم مدى ملاءمة كل خيار لكل هدف (زوج واحد في كل مرة) وسجل تقييمك في الخلية المقابلة في المصفوفة. يمكنك تقييم كل بديل على أنه مرتفع أو متوسط أو منخفض، ووثق أسبابك لهذه التقييمات.
ضع في اعتبارك كلاً من النتائج القصيرة الأجل التي تتوقعها في السنوات الأولى والنتائج الطويلة الأجل التي قد يقدمها كل خيار. ضع في اعتبارك أيضاً ما قد تفعله إذا لم تسر الأمور مثلما هو مخطط لها؛ أي خطة تحوطك لمواجهة المخاطر.
قيّم الأداء بموضوعية
تكون فعالية المصفوفة أكبر إذا ما قيّمت أهدافك وخياراتك بالأرقام، على غرار المصفوفة التي استخدمها عمران. أقترح عليك تحقيق ذلك بهذه الطريقة: 1) أضف وزناً للأهداف بتوزيع 100 نقطة عليها؛ 2) قيّم مدى ملاءمة كل خيار لكل هدف على مقياس من 1 إلى 10؛ 3) احسب مجموع النقاط المرجحة لكل خيار.
حتى لو لم تحول التقييم إلى أرقام، فالتقييمات النوعية، عالٍ ومتوسط ومنخفض، ما تزال تقدم رؤى مفيدة، لكنك بذلك تعطي وزناً لمعاييرك بطريقة أو بأخرى، إما بافتراض أن المعايير جميعها متساوية في الأهمية (وذلك مستبعد) أو بإعطاء بعض المعايير أهمية أكبر من غيرها. بعبارة أخرى، عندما تقارن بين الخيارات بناءً على المعايير، فأنت تقيّمها ضمناً سواء استخدمت الأرقام أو لم تستخدمها.
يستغرق القياس الكمي وقتاً أطول، لكن عادة ما يكون ذلك الوقت في حده الأدنى. إذا كان الأمر يستحق إجراء تقييم كامل وكنت تتقبّل مفهوم التحديد الكمي الموضوعي، فحدد المصفوفة كمياً، وبذلك تدمج العوامل كلها المؤثرة في قرارك.
أخيراً، حلّل النتائج
المصفوفة هي أداة لتنظيم أفكارك، وليست لاتخاذ القرار النهائي نيابة عنك. عليك أن تفسّر نتائجها.
في معظم الحالات، تؤدي نتائج أول مصفوفة إلى إعادة النظر في الافتراضات الأولية، لذلك قد تجد نفسك تضيف هدفاً جديداً أو تراجع وزن أهداف معينة أو تعيد تقييم الخيارات.
تذكّر أن فعالية المصفوفة تعتمد على جودة المعلومات وأحكامك التي بنيتها عليها، وقد تكشف المحاولة الأولى لاستخدامها أنك بحاجة إلى مزيد من المعلومات. من خلال استخدام المصفوفة، ستتمكن من تخيل طبيعة كل وظيفة بصورة أفضل وكيفية تقييم الخيارات المختلفة بناءً على الأهداف التي تهمك أكثر، كما ستدرك الأسئلة التي يجب طرحها.
مع وجود عدة خيارات مطروحة، يصعب تحديد الخيار الأفضل لك ولمستقبلك المهني. ولكن من خلال تقييم أهدافك المهنية وتحديد أهمها، يمكنك اتخاذ قرار مهني مستنير بثقة. يمكن لممارسة سهلة ولكن منظمة مثل إنشاء مصفوفة المسار المهني أن تعطيك الإجابات الضرورية كلها في مكان واحد.